قامت لجنة الشؤون الاجتماعية المحترمة بالمجلس الوطني بمراجعة قانون التأمين الاجتماعي لسنة 1990 مع تعديلات 2004 التي أجازها المجلس الوطني بعد أن تأكدت من وجود نسختين مختلفتين وساريتين من القانون المذكور. وكشفت المراجعة أن هناك بعض مواد أو بنود في مواد في القانونيين الساريين تمت عليها تعديلات لم تكن ضمن التعديلات التي أجازها المجلس الوطني. وان أهم وأخطر تعديل بالحذف –إذا صح (!)- هو ما جاء متعلقاً بالمعاش في حالة الفصل بقرار وزاري والذي نص عليه في قانون 1990 في بندين:- (1) يستحق المؤمن عليه الذي تنتهي خدمته بقرار وزاري معاشاً إذا استوفى مدة اشتراك إثنى عشر سنه وأكثر. (2) يربط المعاش المشار إليه في البند -1- أعلاه وفقاً لأحكام المادة 59 وذلك بغض النظر عن سن المؤمن عليه عند انتهاء الخدمة. حيث أكدت مراجعة لجنة الشؤون الاجتماعية حذف البند (2) في القانونيين الساريين وهو ما لم يرد في تعديلات يونيو 2004. وأصبحت المادة (63) في القانونيين المختلفين الساريين (مجهولة المصدر)!! تقرأ كالآتي: ولان معظم العمال الذين تلغى وظائفهم يكون الإلغاء قبل بلوغ سن التقاعد القانوني.. ولأنهم اجبروا على ترك العمل في وقت يحتاجون فيه للعمل, مورد رزقهم الوحيد.. ولأنه لا يوجد نظام للتأمين خاص بفقدان الوظائف, يوفر الحد الأدنى والمؤقت من الدخل حتى الحصول على عمل جديد.. لكل ذلك وغيره تم ابتداع (معاش الفصل بقرار وزاري في قانون التأمين الاجتماعي 1990 وحتى اليوم. أن برامج إلغاء الوظائف لا تزال متواصلة والطبيعي أن يظل معاش الفصل بقرار وزاري حياً حيث أن حكمة مشروعيته لم تتبدل.. بالرغم من أن معاش الفصل بقرار وزاري لا يوجد ولم يوجد في أي نظام تأمين اجتماعي في كل أنحاء الدنيا ولكنها العبقرية السودانية.. فكل دول العالم تعرف في مثل هذه الأحوال معاش البطالة المؤقت ونظم المساعدات الاجتماعية.. إلى آخر والعبقرية السودانية في صندوق التأمين الاجتماعي هي بسبب الإشراف الحكومي السالب على صندوق التأمين الاجتماعي, الذي من مميزاته الاستقلالية المالية والإدارية والتي دافعت عنها القيادات التاريخية لنظام التأمين الاجتماعي والقيادات الأخرى التي تتلمذت على أياديهم وآمنت بالفكرة قبل المرتبات والمزايا وكان مصيرهم التهميش والحسرة.. لم يعد صندوق التأمين الاجتماعي مستقلاً لا مالياً ولا إداريا.. انظر لعمال القطاع العام الذين يتم تحويلهم بالآلاف لصندوق التأمين قبل إلغاء وظائفهم (!) ونوجز العبارة في أن القطاع الخاص عمال ومخدمين يتحمل تكلفة وآثار السياسات المالية والاقتصادية على جميع العمال.. (!) 1- إدخال نظام المساعدات الاجتماعية ويشمل العلاوة العائلية ويمول من الخزانة العامة والاشتراكات وصندوق الزكاة. 2- تأسيس إدارة ضمن صندوق التأمين الاجتماعي وصندوق المعاشات لإدارة نظام تأمين البطالة المؤقت ويسمى إدارة المعاشات المبكرة يلحق به المعاشيون الذين يتقاضون معاشات ولم تبلغ سنهم سن الشيخوخة (ستين عاماً) ولم تلحق بهم مخاطر العجز والوفاة. وتوفر موارد هذه الإدارة من الاشتراكات وحصته من المال المرصود لمعالجة آثار الخصخصة في الموازنة العامة للدولة. 3- ومن بعد ذلك (و م ن ب ع د ذ ل ك) يتم إلغاء نظام التقاعد بإلغاء الوظيفة. ومعاش الفصل بقرار وزاري, كما يلغي بند التعويض بربع المدة, وعدم منح معاش إلا بعد بلوغ سن الشيخوخة أو في حالتي الوفاة والعجز الكلي. وما دام لم ينشأ نظام المساعدات الاجتماعية.. وما دام لم يقم نظام تأمين البطالة المؤقت فإننا نصدق مراجعة لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس الوطني أن معاش الفصل الوزاري لم يعطله القانون ولا تعديلات 2004 بل عطله حذف البند (2) من المادة (64) أو (63). أن معاش الفصل بقرار وزاري من حيث طبيعته معاش مؤقت لمجابهة بعض آثار إلغاء الوظيفة بسبب الخصخصة وخلافه. وكان منذ 1990 شرطة واحد, اثنا عشر سنه اشتراك. ومدة الاشتراك عند مقارنتها بشروط استحقاق معاش البطالة المؤقت في كل الدول التي تطبقه كبيرة جداً فهذه الاشتراك في معظم الدول في حدود ستة شهور وتعديلات 2004 صادرت حقاً مكتسباً عمره مائة عام في السودان وهو أن مدة الاشتراك للمعاش اثنا عشر سنه فأصبحت عشرين سنه. وقبلنا.. (!) وقبلنا أيضا أن يكون شرط معاش الفصل بقرار وزاري عشرين سنه (!) جعل قانون التأمين الاجتماعي شروط استحقاق المعاش الاختياري هي نفس شروط استحقاق معاش الفصل الوزاري أثار الحيرة حق بددتها لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس الوطني بتأكيد زيف المساواة بسبب حذف البند (2). ومن الفئيات التي تواجه اليوم ظلم البند المحذوف عمال البريد والبرق الذين بيعت مؤسستهم لصندوق الاستثمار الموحد للمعاشات والتأمين الاجتماعي الذي تنصل من الاتفاق على استيعاب اربعمائه من المؤمن عليهم من ممولي نظام التأمين الاجتماعي في شركة صندوق التأمين الاجتماعي الجديدة (!) وتم الشراء بذات أموال العمال المؤمن عليهم فلم يجد العمال لا التعويض عن الفصل المتفق عليه ولا الاستيعاب في الشركة التي دفعوا قيمتها, ولا معاش الفصل بقرار وزاري. فأي تهديد للسلام الاجتماعي بأكثر من ذلك؟! وحوالي 382 عاملاً يتعرضون لأذى البند المحذوف من عمال البريد تتراوح خدماتهم ما بين عشرين إلى سبعة وعشرين سنه وأعمارهم ما بين 40 و49 عاماً. فنظام التأمين لا يقدم شيئاً منذ 1975 للعمال المؤمن عليهم أثناء الخدمة, ويضيق على العمال استحقاقاتهم بعد نهاية الخدمة ليدفعهم دفعاً لهجرته. وإدارة الصندوق تدافع بشدة عن (قومية التأمين الاجتماعي) وتعارض بشدة أيلولته لمستوى الحكم الولائي استناداً على نظرية (تمويل الأعداد الكبيرة). وفي الواقع فان هذه الأعداد الكبيرة لا تهم إدارة الصندوق وللتثبت من ذلك نسأل كم عدد الذين التحقوا بنظام التأمين الاجتماعي وكم إعداد الذين خرجوا أو اخرجوا منه؟ أن نظام التأمين الاجتماعي في السودان يواجه ارتباكاً عظيماً ويحتاج للإنقاذ ونراه يجري لاهثاً نحو أحضان الدولة (!) فالصندوق يعتمد الآن على الخزانة العامة لتدعم له معاشات هي اقل من الحد الأدنى للمعاش الذي قررته الدولة (مائة وعشرين جنيهاً) وقام صندوق التأمين بدراسة تكلفة تطبيق زيادات ال15% وال25% ورفعها أيضا لوزارة المالية ولا نعلم كم تعادل المائة وعشرين جنيهاً بحساب صندوق التأمين فالحد الأدنى السابق للمعاش بحساب الحكومة تسعين جنيهاً ولكن هذه التسعين بحساب التأمين الاجتماعي اثنين وسبعين جنيهاً والفرق عن جملة المعاشيين نصف مليار جنيه بالقديم شهرياً.. (!!) أما الصندوق الموحد للاستثمار فانه أصبح بعيداً عن صناديق المعاشات وعائد رأسماله الذي بلغ فقط ستين مليار هو (لليوم الأسود) أي عند الهلاك أما العمال المؤمن عليهم والمعاشيين والمنتفعين فلن ينالوا منه قرشاً واحداً بقانون 2004 أو ديناراً واحداً بالقانون معدلاً ومنقحاً حتى 2008 (!) بل أن الجهة الحكومية المشرفة على صندوق التأمين الاجتماعي لم تعد معلومة. هل هي وزارة المالية التي تدفع جزءاً من المعاشات؟ أم وزارة العمل بنص قانون 1990 والمنقح الآخر حتى 2008 ؟ أم وزارة الرعاية الاجتماعية بقانون 2004 الذي أكدت مراجعة لجنة الشؤون الاجتماعية أن تفسير كلمة (الوزير) لم تكن ضمن تعديلات 2004 التي أجازها المجلس الوطني؟