بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: (هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) .. الآية هذا بلاغ للناس منقول من: (قراءات في حزن د. أبوبكر يوسف إبراهيم للأديب مجدي عبدالرحيم فضل) توطئة: إن الشوق والحنين والتعلق والافتتان هي الروابط الرئيسية هي من أهم العوامل التي شدت روحي المتصوفة إلى الإحساس بفداحة ما افتقدت، الوطن .. الأم التي ترك غيابها عن ناظري مجالا للحلم وللخيال الخلاق، وهو الخيال الذي شكل وطني ، أمي .. تلٌ من الحجارة المكومة في تجارب عشقه لعشقها، عادت أحلام بذاكرتها الحالمة إلى أحلامي الطفولية ، تعيد ذاكرة كان الوطن هو محورها . ماذا وجدت عندك يا أيتها الغربة؟ أو بالأحرى في ذاكرة الاغتراب، هل قرار ومستقر؟!!، هل وجدت في الاغتراب ما يغنيك عن الوطن الذي يمثل لك الروح للروح .ذاكرة الوطن هي هاجس ووسواس يؤرقنا .. يلاحقنا لأننا مسكونون به ، نجد ملامحه بين طيات السطور وخفايا الكلمات ،، مناجاة في ثنايا الروح، مُطَلِقة تلعب على أوتار الكلمات ...قد تكون عبارة عن رسائل وجدانية بلغة الأرض، أو رسائل اغتراب يشوبها الحنين إلى لحظة ميلاد هاربة في جسر من الجسور المعلقة في أزمنة الحسرة والتحسر!! في مرحلة ما يا وطني، بدأ الاغتراب يصبح كالصرعة.. كالموضة خاصة ما بين الأعوام 1980- 1988حيث عمّت الفاقة وأصبح أعزة القوم أذلة ، وأصبح عامة الناس يتعففون أن يسألوا إلحافا ، ومن أجل حفظ ماء الوجه أصبح الناس يبيعون الغالي والنفيس من ممتلكاتهم التي ادخروها بصعوبة طوال سنين عملهم أو باعوا حلي زوجاتهم أو استدانوا ليعطوها السماسرة الذين يحققون لأبنائهم فرصة السفر، ولو إلى العالم الآخر فما عاد للصبر مكانا!!. بداية لابد أن نقرر أن الوطن ليس مجرد أرض وتراب نسير عليهما، أو سماء تظلنا؛ فليس في تراب بلد ما، ولا سمائه ما يميزها عن غيره في الواقع، ويدفع إلى حبه والشعور بالانتماء إليه، وإنما الوطن هو الأرض والأهل الذين يحيطونك بدفء مشاعرهم، ويخافون عليك، وتشعر بحبهم لك دون كلام، وهو الناس الذين يحيطون بك وقت الشدة يساعدونك، ويعاونونك في الأزمات والملمَّات. الوطن هو النظام الذي يحكم الوطن، ويساوي بين أفراد شعبه، ويعطي كلاًّ منهم حقوقًا متساويةً.. الوطن هو الشعور بأنك إنسان كريم كما كرَّمه الله، لا يستطيع أحد – مهما كان نفوذه وسطوته – أن يمتهن كرامتك... إذا كان هذا هو الوطن فما الذي مزَّق أوصال العلاقة بينه وبين أبنائه؟!!.. للإجابة على هذا السؤال لا بد من أن يوجه إلى النخب السودانية التي حكمت السودان جميعاً منذ استقلاله وحتى اليوم، فقط من ارتكب الخطيئة هو الجدير بشرحها وتحمل وزرها ومسئوليتها، فأنا لا أعفي أياً من هذه النخب التي ما أن يشير إصبع الاتهام إليها حتى تبدأ كل منها في إلقاء المسئولية على من أتي بعده متناسين أن لكل شجرة جذور!! فيتهربون ويتلاومون!! في هكذا مسائل تتعلق بمصير إنسان الوطن فنحن لا نسأل الأغصان والفروع، ولكنا نسأل عن الجذور التي أفرزت مأساتنا وتشريدنا عن الوطن!!. كلكم أيها السادة طلاب حكم، تتقاتلون وتتهافتون من أجل هذه الكراسي تحت شعارات أخلاقية أنتم أبعد منها كما الثرى والثريا، همكم الأوحد أن تحكموا.. فقط أن تحكموا لأنكم تعتقدون أن مؤهلاتكم الوحيدة أنكم " سادة" فلا يجب أن يزاحمكم أحد في حكم هذه الأبعدية والقطيع!! ؛ فإن كنتم أنتم السادة فما مكانة بقية الغبش لديكم إن لم تكونوا تعتبرونهم مجرد قطيع يتبع الراعي؟! بالطبع ما نحن إلا عبيد تابعون!! أنتم أيها السادة سبب وأس البلاء.. أنتم البلاء نفسه!!، وما كان يعيبكم ضمن ما يعيب أنه ما كان من اهتماماتكم لماذا كيف ولم َ تحكمون القطيع وما هي احتياجاته ليحيا ، فقد كانت هذه أمورٌ ثانوية بالنسبة لكم، أعلن للملأ: أنتم المجرمون الحقيقيون.. أنتم جذور مشكلاتنا وتراجيديا الديسبورا وعليكم أن تتحملوا لعنة السابقون واللاحقون من الأجيال..!! المتن: مرارة الغربة ومعاناة الإغتراب لا تتجلى لنا إلا في نهاياتها لأن بداياتها كانت شهور عسل.. وتجربة الغربة تتسع مساحاتها وفضائها لتحتضن كل الحزن والألم الذي لا طاقة لبشر أن يتحمله فيطفح الوجدان بالأسى المكبوت.. وإيقاظ للعقل الذي منح السيادة للحلم وهوية الجنون.. بدأنا نحلم بالحرية المعنوية فنصطدم بأنها ليست إلا ما تبقى من بقايا عمرٍ لا تجدي معه الأحلام وهي تلك التي يمنحها مكر المنون !! ماتت أحلامنا تلك التي كانت تأتلق وتتوهج في أعماقنا مع شرخ الشباب وجلسنا لانبعاثات اللآلئ من شع النجوم.. حياة اغترابنا أصبحت عرضة لضرب الصواعق وكذا لشهب و الاجرام و هي للأحزان امتدادات السديم.. نواجه سخط الأحبة والخلان كما سخط النيازك التي ترحل بعيدا، بعيدا.. تذهل من لم يأنس في الحياة لفح الذهل او مسح الوجوم.. نعيش في وضح النهار الظلام .. نعيش داخل ذواتنا كالحطام.. في ليالي الغربة نحن أشبه بشهرزاد.. حكايات الغربة ومفارقاتها لا تنتهي وإن انتهت فالسياف ينتظر شهرزاد .. لقد تصورنا أن الإغراب جنة الفردوس ونحن الآن ندرك كيف تبخرت.. ولم نقدر للوطن قدره ؛ الآن أحسسنا وفهمنا أن للأوطان جمالها وجلالها .. ليتنا ما عشنا غربتنا ما بين كثبان الرمادِ!! آهٍ يا وطني .. وطني جريمته الجمالْ.. وطني خطيئته الطهارةُ وسط عشاق الخنا والانحلالْ.. وطني جريرته التفرد والتمرّد حين ذلَّ الكل وانعدم الرجالْ .. آهٍ يا وطني لو لم ترق تلك الدماء على الدماءِ ؛ ألف أهه وآهٍة يا وطني .. الآهة فوق الألف نعلن بعدها إننا الطيور المهاجرة إلى سقر الغربة!!.. الندم ظلَّ يتهاوى كالمطارق.. كالفؤوس على رأس كل مغترب، والزمن يتثاءب كالجبل ثقيلاً مقابله (ثعبان ذهبي)ذاك الذي اقتَنَتْهُ فرحت به (صَبيَّةً) و انتقاها الزمن لتعيش مه أبيها الانفصام دون أن تدرك عواقبه ...أبَداً ، أبداً لم تُجْدِ شفاعةُ الدِّفْء-الذي يَسْكُن الوطن بل لا تعرفه البتة منذ أمَدٍٍ الإغراب .. الدموع لا تجدي نَفْعاً معه، فظلّلنا نراقص أحلام الأوبة.!!..ومضى الوقت...ليس تدري هي كم انقضى منه ولكن نحن المتسببون نعرف!!.. أهٍ فقد انكدر بريق العينين فجأة، و أوجف القلبَ حدسٌ فظيع.. اليوم مع الحسرة يقفز إلى المسامع نداء أليمٌ، الآن عندما نذكر لحظات وداعنا للوطن ويلوح إلى الخاطر مَنظرُنا وكأننا الآن الطائر الجريح المُرتمي فوق بيوضه يحميها وهو يُوَدِّعُ أحَدَ جناحيْه، ويشهد انفقاس سنين عمره كبيض الطائر الذي غادر عشه عُشِّه بيضةً...بيضةً ويستنجد، وما من مجيب!! هنا أعيش في سماءٍ غير سمائي جَنَّ لَيْلُ الكَوْن.. أطالع في ليل السماء المدلهم لإجد وقد أَوْصَدَت المَجرّات أبوابَها...وتَكوَّرَت التّبَّانة ُعلى أَجْرامها...وأَرْقَدَت الشَّمْسُ كُوَيْكِباتِها، والأرضُ قاراتها...وحامَ فوقنا سقفٌ واحد مُتَلألئ.. كان سماءً دُنْيَويَّةً فسيحة تَجْتاحُها أَخْيِلَة ٌوسُحُبْ الذكريات السوالف ومعاناة حاضر المُغْتَرب ، هواجس من صورٍ لملائكة ٌوجانٌ ترجُمُتها الشهبْ؛ فانسلَخْتُ من جسدي وطُفْتُ رُوحًا شَفّافةً بين النِّيام ألعق مرارة ما أنا فيه وأفكر في مصير من هم حوالي نيام لا يحملون هموماً ؛ في براءة يغطون في نومهم. لا أدري لماذا قررت أن أكشف الغطاء عن وجوههم؟! كشفتُ الغطاء عن وجوههم، علني أستكسف سَرائِرِهم... رَفَعْتُ الحِجاب عن شُغُفِ قلوبهم...تَفَحَّصْتُهم قَلْباً قَلْبًا...قالباً.. قالباً.. بَحَثْتُ فيهم 'عنّي'، عن بعضي!!.. كأن أعماقي تصرخ وتتساءل: أي جنون هذا؟ صدرت مني زفرة ألم أليمة مؤلمة ؛آآآآه!.. ليت لي قَدَمًا وسَاقًا فآتيك هَرْوَلةً يا وطني أُداوي جراحَك وأُزيحُ الصّخور عن كاهلك.. ولكن، وحدَك يا "الله الحَنَّانْ" القادرُ على صرف المكروه عني دون سواك!! .. أهٍ هل اغتربنا من أوطاننا من أجل الذهب والماس.. أم أن فَرَوْنَقُ الخاتم لن يكتمل إلا بأقراطه وعِقده وسِواره إن أمكن. قالوا أن المال هنا وفير أليس من أجله اهتجرنا؟!.. أما أصبحت اهتماماتنا الموضة والأبهة والتي أصبحنا نلهث وراءها ونتتبع أخبارها وتستعر فينا شهوة الاقتناء والشراء ؟! أليس هذا ما تحرضنا عليه أما هكذا تحريض مجلات الموضة على الدوام!.. ثمّ رهنّا أنفسنا لما يبيع لنا كل صائغ ميسور.. نتفرد في اقتناء الثمين لنضمن عدم تشابه أساور الصباح بالمساء، وخلاخل الاثنين بخلاخل الأربُعاء.. و مَضَينا نسبح في لجج الاقتناء أصبحنا عبيد اللُّؤْلُؤ والمَرْجان وأنْفَس الدُّرَر!! ونسينا أندر الدرر وهي أمنا الأرض التي بذرنا فيها ونبتنا وعندما جاء وقت الحصاد اغتربنا منها؟!! حاشية: زمن الغربة حوض من الأسى المزروع، حوض حنظلي المذاق ، كم جاء من أحبة ليتفرسوا فيّ وفي حوض ألم يرافق وحدتي، ترى ما الذي يجعلهم يصرون على نبش ما بالنفس من ألم، هل لأنهم يفلسفون الألم ويقولون أنهم يرون في تجربتي الكثير؟!، لكن لا أحد منهم يرى فيها ألمي المزروع بين جوانحي ، ودمعاتي التي ترويها في كل صباح بعد نزف وحدة الليل، ألمي هو رفيق وحدتي وصاحب المذاق المر الذي أتجرعه وأتذوق مرارته في كل صباح، وحتى لا أغير من طعم المر في حلقي صارت السعادة بطعمها الحلو كالعنقاء أو الخل الوفي ، ألم اغترابي يمكنني من إدراك نزف صباحي الذي يأخذ أشكالا عدة لجراحات الذات، فبين صباح وإبحار بين حروف الألم والندم أذرف أثخن الدموع التي لا تراها أعين الآخرين ، وأصبر في جلدٍ فاستسلم لترنيمة حزن وأطياف متمردة حتى على روحي وقلمي ؛ فما عساي أن أفعل؟! الهامش: هل تعلمون أيها السادة المبجلون لماذا ضعف الانتماء للوطن؟!.. أن أول أسباب فقدان الانتماء أو ضعفه، هو فقدان الشباب لفرص العيش الكريم؛ حيث يتم التضييق عليهم بشكل متعمد لخدمة اهداف مجموعة من المتحكمين في الوطن سياسيًّا واقتصاديًّا؛ فبينما تجري الخصخصة في إطار المصالح الخاصة المتبادلة بين أقطابه السياسيين وأقطابه الاقتصاديين، أو في إطار مصلحتهم مع أطراف اقتصادية خارجية - حتى وإن كانت اقليمية – فمشهود أنها تدور في فلك الغرب، فالغرب عبرهم يريد الهيمنة على مقدَّرات الوطن، واستنزافها، وإعادة عصر التبعية الاقتصادية الكاملة للغرب الإمبريالي.. كما أن الدول التي ترعى مواطنها والتي لم تطبق الرأسمالية – كالصين مثلاً – تعتبر الفرد ثروة قومية ينبغي استثماره، والاستفادة به؛ فتوفر له فرص العمل الذي يعود عليه وعلى الوطن بالخير يهولنا جميعًا انتشار الفساد الذي صار كسرطان ينهش جسد الوطن؛ وزراء يصادقون على استيراد المبيدات المنتهية الصلاحية ، وأنواع من البذور المدمرة للأراضي الزراعية؛ فنشروا الخراب والمرض اللعين بين عشرات الآلاف من أبناء الوطن!! رجال أعمال مرتبطون بالأجهزة الحكومية يستوردون قطناً طبياً من الصين ونحن نصدر القطن!! مسؤولون يوزعون أراضٍ باسم مشروعات استثمارية مساحاتها (10) أفدنة أي 42000 متر مربع امتدادا لمستوصف مشروع دواجن .ز أي مستوصف في الدنيا يحتاج لهذه المساحة؟! .. لا أدري إن كنا سنعرض الوطن برسم البيع مقابل جنيهات قليلة!!.. حسبي الله ونعم الوكيل!! يلي.. Abubakr Ibrahim [[email protected]]