Magdi El Gizouli [[email protected]] انقضت الأحد الماضي المهلة التي حددتها الحكومة لتوفيق أوضاع الجنوبيين المقيمين في السودان كأجانب، وذلك بحسب تعديلات رجعية لقانون الجنسية السودانية أقرها المجلس الوطني أواخر يوليو الماضي بعيد إعلان جنوب السودان دولة مستقلة. لزائره ثابو امبيكي، رئيس لجنة الوساطة الافريقية بين الخرطوموجوبا، قال الرئيس عمر البشير أن حكومته ستلتزم العدل وحسن المعاملة مع الجنوبيين ما راعوا قوانين البلاد وأعراف وتقاليد أهلها. في ذات السياق صرح الوزير بالرئاسة ورئيس الوفد الحكومي المفاوض بأديس أبابا، إدريس محمد عبد القادر، أن البشير أعاد على امبيكي دعوة الخرطوملجوبا أن تسرع باستخراج الأوراق الثبوتية اللازمة لمواطنيها في السودان حتى يتمكنوا من توفيق أضاعهم كمقيمين أجانب. جوبا من جانبها بعثت وفدا شرطيا إلى البلاد مهمته استخراج الوثائق اللازمة للآلاف من مواطنيها في السودان، وذلك عبر مكتب وحيد في سفارتها بالخرطوم، ذلك بينما أعلنت وزارة الداخلية أن الأوراق الثبوتية السودانية بحوزة الجنوبيين، جنسيات وجوازات، أصبحت غير مبرئة للذمة وأنها أخطرت دول العالم بذلك. خلاصة هذه المحركة أن الآلاف من السودانيين أصبحوا عمليا "بدون"، سحبت الخرطوم عنها سودانيتهم، ينتظرون جوبا أن تستجمع ما استطاعت من البيروقراطية لمدهم بما يثبت هويتهم الجديدة. كما هو معلوم وقعت حكومتا السودان وجنوب السودان بالأحرف الأولى في مارس الماضي على اتفاق يضمن الحريات الأربع لمواطني البلدين، الاتفاق الذي تفرغ الطيب مصطفى وجماعته في حلف مع قوى داخل الحزب الحاكم وأطراف في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لإجهاضه، ما تحقق باشتعال المواجهات العسكرية على الحدود بين السودان وجنوب السودان. تفاخر الرئيس سلفا كير بالهجوم على هجليج وردت الخرطوم بقصف مواقع إنتاج البترول في ولاية الوحدة، ثم تكررت الدورة كر وفر على سنة داحس والغبراء. عملا بسياسة "فاوض وقاتل" التقى الجانبان مرة أخرى في أديس أبابا تحت ضغط القوى الدولية ليشتكي كل منهما من تسويف الآخر، وينفض اللقاء على وعد اللقاء. من يقرأ بلاطة المفاوضات بين الخرطوموجوبا يرى الفرقتان التاسعة والعاشرة، قوات الجيش الشعبي في جبال النوبة، والتي تحولت بحادث الانفصال إلى قوة ثالثة، لا تتبع للجيش الشعبي ولا للقوات المسلحة، وانتهى بها تدهور السياسة في جنوب كردفان إلى معاودة القتال طلبا للتحرير. في حديثه للمجلس الوطني الإثنين الماضي طالب الرئيس البشير جوبا بوقف إمداد هذه القوات والكف عن مهاجمة حدود السودان شرطا لمعالجة القضايا العالقة بين البلدين، بما في ذلك ترسيم الحدود والبترول وتوفيق أوضاع الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب. ود الحكومة إذن أن تنتهي هذه المحركة الدموية بين البلدين إلى حلف عسكري أمني كبش فداءه مقاتلي الفرقتين التاسعة والعاشرة، حلف كالذي يربط السودان وتشاد حيث تحللت انجمينا من رحم العدل والمساواة وأسلمت الخرطوم أعداء إدريس دبي للصحراء، ذلك بعد أن ذاق كل قصر من الآخر ما لا يطيق في 2008، هجوم قوات الجنرال محمد نور على انجمينا وهجوم العدل والمساواة بقيادة الدكتور خليل ابراهيم على أم درمان. جوبا، كما يبدو، ليست في عجلة من أمرها في هذا الخصوص، حتى تختبر حدود المساومة مع الخرطوم. بحسب هذه المعادلة وقع الجنوبيون في الشمال في كف عفريت "المحركة"، ترجمة مرتدة إذا جاز التعبير للفظ (tajility) من معجم السودان الانجليزي المصري المأخوذ بدوره من كلمة (تأجيل) العربية. الخرطوم تريد أن "تعصر" على جوبا بآلاف لا قبل لها بهم، وجوبا سبق ورمت الخرطوم، على لسان مفاوضها الأول باقان أموم، بتهمة استرقاق 300 ألف مواطن جنوبي مقيم في أراضيها. الأنكى أن يسار الخرطوم الجزافي، كما سماه الدكتور عبد الله علي ابراهيم، بما توفر له من تدريب في حقوق الإنسان والحيوان، لم ينبس ببنت شفة في الانتصار لمواطنة الجنوبيين الذين طالما تشهى في سطوتهم الانتخابية. قانون الحكومة المعدل باطل، ومواطنتهم القائمة حق، بالميلاد والإقامة والعمل والعشرة.