بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس بقلم: د. أبوبكر يوسف إبراهيم* [email protected] توطئة: - إن لله في خلقه شئون، فإنه سبحانه وتعالى نبهنا أن لا نغفل مثلما يغفل السادة الذين أعلنوها صراحةً أنهم " ولدوا ليحكموا" ومن أجل الوصول إلى هذا الحكم فلا مندوحة لديهم من ارتكاب كل الموبقات الحزبية التي تُحرِّم الحلال وتحلل الحرام، وكذلك لا ضير من ممارسة كل ما يخرج عن المألوف والمبادئ وأخلاقياتها دون أن يتنبه هؤلاء السادة من تنقل الإنسان في أطوار خلقه حالا بعد حال، فأصل الانسان من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم يصير عظاما ثم يكسوها لحما، وينفخ ربنا سبحانه وتعالى فيه الروح ، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفا نحيفا واهن القوى. ثم يشب قليلا.. قليلا حتى يكون صغيرا، ثم حدثا، ثم مراهقا، ثم شابا قوياً بعد الضعف، ثم يشرع في النقص فيكتهل، ثم يشيخ ثم يهرم، وهو الضعف بعد القوة. فتضعف الهمة والحركة والبطش، وتشيب الهمة، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة; ولهذا قال ربنا سبحانه وتعالى في محكم التنزيل وقوله الحق: (ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء) أي: يفعل ما يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد ( وهو العليم القدير) . المتن: - لذا علينا ونحن نحاول تقويم حالة الامام الحبيب وصهره الشيخ الترابي كونهما شخصيتان عامتان ولهما رمزيتان في نهج الاختلاف إذ يمكن لهما تجاوزه بتطويع وتوظيف عامل المصاهرة. ولما كانت الذكرى تنفع المؤمنين نذكر بما حدث أيام الديمقراطية الثالثة ونشير لاتفاقية مولانا الميرغني وقرنق فيما عُرفَتْ بعد ذلك باتفاقية (كوكا دام) حيث وافق عليها السيد/ الصادق ثم رفضها لضغوط مارسها عليه الشيخ حسن والتبرير أن الحزب الاتحادي إن تمت موافقة الامام عليها، سيسجل نقاط نجاح تحسب له جماهيرياً لأنه الحزب الذي توصل لهذه الاتفاقية وأنهى الحرب، وكما قلت أن الرجل لا يعجزه تبرير أي أمر فقد كانت حجته، أن الموافقة على مثل هذه الاتفاقيات تحتاج لحوار وطني!! ، والحقيقة أن هذا التعليل ما هو إلا رفض ضمني، وذلك نزولاً عن رغبة الشيخ حسن والكل يعلم ذلك؛ ولكن الامام الحبيب خرج علينا بعد عقدين ونيف من الزمان يقول لنا أنه طلب يومها من مولانا الميرغني إعطائه مهلة لطرح الأمر على المكتب السياسي وقواعد حزبه، وبالطبع فإن قوله هذا يجافي الواقع ، لأن هذا جاء دفاعاً عن هجوم شنه د. أتيم قرنق والذي حمّله وحزبه مسئولية انفصال الجنوب لعدم توقيعه تلك الاتفاقية يوم ذاك ، حدث هذا في معرض الحملات الاعلامية للاستفتاء، وأثناء حوارات ندوات عُقدت لجعل خيار الوحدة هو الغالب ، وكان تبرير الإمام كالعادة إذ أنه يحاول رمي مسئولية بلاوي حزبه على حزب المؤتمر الوطني وذلك بغية تحميله مسئولية الانفصال، وقد ظن الإمام الحبيب أنه بهذا التبرير برأ نفسه وحزبه من دم يوسف الصديق ولكن حين فجّر د. أتيم قرنق قصة ( كوكا دام) اختلط الحابل عنده بالنابل ومن يومها بدأ الإمام في (الورجغة) وليس كما قال الاستاذ/ الطيب مصطفى (الخرمجة)، فمع حتمية التاريخ وتطور الفكر الانساني ومع تطور المراحل العمرية فقد تعدى الامام الحبيب مرحلة (الخرمجة) إلى مرحلة (الورجغة) خاصةً بُعيد انهيار ديمقراطيته الثالثة التي أوصلت الشعب السوداني إلى أسفل سافلين ولشرح الحال يوم ذاك فمن الأفضل أن (نخليها مستورة)!! . - على الإمام الحبيب أن يستصحب قول الله تعالى (والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير)، وعلينا أن نتوقف ونتأمل قوله تعالى: والله خلقكم ثم يتوفاكم بين معناه. و منكم من يرد إلى أرذل العمر يعني(أردأه وأوضعه) . وقيل : (الذي ينقص قوته وعقله ويصيره إلى الخرف ونحوه) . وقال ابن عباس: يعني إلى أسفل العمر، يصير كالصبي الذي لا عقل له; والمعنى متقارب. وفي [ ص: 128 ] صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ يقول : اللهم إني أعوذ بك من الكسل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من الهرم وأعوذ بك من البخل . وفي حديث سعد بن أبي وقاص وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر الحديث. خرجه البخاري . أليس بعد هذا العرض لآيات الله أن يعود هؤلاء ( المكنكشون) إلى رشدهم وبدلاً من أن يسألوا الله حُسن الخاتمة وأن يعملوا عملاً طيباً يذكره لهم التاريخ ، ها نحن نرى ونسمع أنهم مستمرون في غيهم وضلالهم القديم ، وها هم يفعلون العكس بعد أن ردوا إلى أرذل العمر أي كما قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه المرحلة بأنها (أسفل العمر أي أردأه وأوضعه)، فما عسانا أن نقول غير: اللهم لا اعتراض في حكمك او استصحابنا لقوله سبحانه وتعالى:(إنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) حقيقةً أتمنى لهم إلا ميتةً طيبة ولكن ما عسانا أن نفعل ونحن ندرك أن الله خيّر بني البشر بين الخير والشر!! الحاشية: - أرى أن الاستاذ الطيب مصطفى كان رؤوفاً ورقيقاً في انتقاء تعبيره الذي أتي به عند وصفه تصريحات الامام الحبيب بأنها (خرمجة) خاصة وأن مداد قلم الاستاذ الطيب مصطفى لم يجف بعد أن كتب مشيداً بموقف الامام الحبيب من حكومة الجنوب والحركة الشعبية لاحتلالها هجليج واستنكاره لتدمير قوات الحركة مرافقنا الاقتصادية، ولكن ما يحيرني لا أفهم له مبرراً السبب الذي اعتقد الطيب مصطفى بموجبه بأن الرجل قد غير مواقفه فأصبح يقدم الوطن عن طموحاته الشخصية وهي (رئاسة الوزارة) التي كانت هوسه وذلك في أيام النظام البرلماني السابق؛ وحلمه (الرئاسة) في النظام الحالي المختلط، فهذه أولى أولوياته، ثم بعد ذلك يليها العائلة ، ثم المقربون ..المقربون، ثم الحزب وقواعده. - مما يشرف أهل السودان أنه كان لهم شرف إدخال بعض المصطلحات الفريدة، لفرادة فعل من يوصف بها، أو دمغ من يأتي بالشاذ من الأعمال والاقوال التي تجافي صحة العقل والمنطق، لذلك كان من دواعي فخرنا أن رفدنا وأثرينا معاجم اللغة مثل: الزمخشري والفيروز آبادي والسهروردي، وإن تعبير (خرمجة) وفعله (خرمج ، يخرمج) والصفة منه(خرمجةً) وتفسيره يعني (اللخبطة) أي خلط الأمور بحيث يصعب فهمها واستيعابها أو حتى فك طلاسمها. لكني ومع خالص التقدير الاستاذ/ الطيب مصطفى أرجوه أن يسمح لي بالاختلاف معه، لأنه وفي رأيي الشخصي أن الإمام الحبيب انتقل مع تقدم العمر من مرحلة (الخرمجة) إلى ما بعدها ولمرحلة (الورجغة)، وهي مرحلة متقدمة مقارنةً بمرحلة (الخرمجة)، فمرحلة( الورجغة) تأتي حين يبلغ الانسان ارذل العمر فلا يدرك معنى ما يقول بنص الآية القرآنية الكريمة!! فالمعروف عن الامام الحبيبي أنه رجل مُنَظّر ومفكر ، وأن فكره و نظرياته دائماً ما تكون مثاراً للجدل فما بالك بتصريحاته وعلى الماشي والرجل يعلم أن صحفنا في عرض تصريح مثير للغط حتى تنشط من توزيعها وتزيد من قرائها لذا فهو يضرب عدة عصافير بحجر واحد وهو في سباقٍ مع الزمن لأن ما تبقى ليس بأكثر مما مضى – أمد لنا الله في عمره- حتى يترك لنا المزيد من أفكاره الجدلية تصبح مثاراً للجدل عبر أجيالنا القادمة. الهامش: - الوطن له قدسية ى تقبل المساومة به والا المزايدة والتزود، الوطن أمانة في عنق كل من يحمل هزيته عليه الزود عنه عند الملمات، عليه أن يعمل من أجل أن يضيف لبنة في بنيانه حتى يصبح مفخرة لنا جميعاً ، علينا أن نؤمن بمبدأ يقول : ماذا أعطينا الوطن وليس ماذا أعطانا الوطن، فالوطن أعطى وأوفى فقد أعطانا الهوية ، أعطانا التعليم والعلم، أعطانا الأمن والأمان فنحن ننام ملء أجفاننا، أعطانا جيشاً يحمي حدودنا وسيادة وطننا ، الوطن أعطانا كل شيء.. كل شيء فمن العيب أن نزايد ونكايد بقدسيته. - أسألكم بالله عليكم أن تدلوني على نظرية واحدة من نظريات سيدنا الإمام التي يهدينها من "مخيخ المخيخ" وكانت صالحة للتنفيذ وأتت ثمارها واستفاد منها الشعب السوداني؟!. مبلغ علمي، أن أهم نظرياته التي تحققت على أرض الواقع تتلخص في احتكار حزب الأمة حقيبة التجارة أيام حكومات " ديمقراطية الطائفية، بل وتكون مثار خلاف مع شريك الائتلاف تؤجل اعلان تشكيل الحكومة لأجلٍ غير قصير فتصبح البلد " أم فَكّو"!!.. رحم الله الشريف زين العابدين الهندي الذي أرجح أن من مسببات فقداننا له هو " ضغط الدم" بعد أجل الله سبحانه وتعالي .. رحمك الله أيها الوطني الأصيل.. أيها الوطني الغيور.. أيها الوطني الأمي، والله إن لم يكن لك إنجازات غير الأوبريت لكفى أن يخلد التاريخ اسمك كرمزٍ للوطنية قدوة للأجيال الحاضرة والقادة ، لقد رحل الرمز النقي الطاهر، الرمز النظيف العفيف- آلا رحم الله الشريف الذي كان مثالاً للرجال الأمجاد.. آلا رحم الله الشهيد الإمام الهادي المهدي الذي تحمل من خروج البعض من آل بيته ما لم يتحمله جبل!!