بناء القدرات مصطلح يتداول بكثرة في وسائل الإعلام في بلادنا في الفترة الأخيرة. ما المعني بهذا المصطلح؟ يعني مصطلح بناء القدرات Capability building إمتلاك الدولة للقدرات التي تمكنها من التوجه الإستيراتيجي و بناء خطة إستيراتيجية فعالة من أجل الحصول علي موطئ قدم في سوق المنافسة الدولية. و القدرات واحدة من أهم عناصر بناء الخطة الإستيراتيجية سواء علي مستوي المنشأة أو علي مستوي الإقتصاد القومي. و تتمثل القدرات الإستيراتيجية في توفر الموارد و الكفاءة Competence في إستخدام هذه الموارد, أي لا يكفي أن تكون الدولة مالكة للموارد الطبيعية بل لابد من رفد هذه الموارد بالكفاءة اللازمة لتسخير هذه الموارد من أجل خير الأمة. في حديثه عن الميزة التنافسية Competitive advantage يقول مايكل بورتر, و هو أستاذ للإدارة الإستيراتيجية في جامعة هارفارد,يقول أن هناك أربعة عناصر أساسية تعمل علي خلق هذه الميزة التنافسية, و تتمثل في: 1/ إستيراتيجية المنشأة. Firm strategy,structure and rivalry 2/ عناصر الإنتاج Factor conditions 3/ عناصر الطلب.Demand conditions 4/ الصناعات المرتبطة و الداعمة.Related and supporting industries من بين هذه العناصر الأربعة يتحدث بورتر عن عناصر الإنتاج Factor conditions بإستفاضة و يقول أنها تنقسم إلي قسمين هم : العناصر الأساسية Basic factors ,و هذه تتمثل في الموارد الطبيعية, المناخ, العمالة شبه الماهرة و غير الماهرة. ثم العناصر المتقدمة Advanced factors , و تتمثل في بنية البحث العلمي و التقني و الموارد البشرية ذات التأهيل العالي . و يقول ان هذه العناصر ضرورية لتحقيق الميزة التنافسية. و يقول بورتر أن توفر الموارد ليس كافياً, بل لابد من توفر الكفاءة Efficiency التي تدار بها هذه الموارد. و يضرب مثلاً بالإتحاد السوفيتي السابق الذي تدهورت حالته الإقتصادية رغم توفر الموارد الطبيعية و القوي البشرية المتعلمة. في بلادنا يكثر الحديث عن بناء القدرات , و لكن لا نري أثراً لهذا التوجه رغم الحديث عن فتح باب الإستثمار و تشجيعه. لكي تتمكن بلادنا من جذب الإستثمارات الأجنبية , لابد من توفر البنية الأساسية Infrastructure اللازمة لقيام هذا الإستثمار. و تتمثل البنية الأساسية في الطاقة المحركة, وسائل النقل و الإتصالات الحديثة, بجانب القوي البشرية المدربة و خاصة في المجال الفني و التقني. إستمعت منذ أيام إلي برنامج مسائي في تيلفزيون السودان تحدث فيه بعض المختصين عن مشكلات التعليم الفني في بلادنا , و من ذلك ضعف الإقبال علي التعليم الفني و الحرفي , و إتجاه كثير من الطلاب إلي تخصصات بعينها. تحدث واحد من هؤلاء المسئولين عن النقص الحاد في العمالة الفنية في بعض التخصصات, و ضرب مثالاً لذلك بقطاع الثروة الحيوانية الذي يحتاج إلي تسعة و ثلاثون ألف فني , ولكن لا يوجد علي رأس العمل غير مائة فني , أي أن هناك عجز في هؤلاء الفنيين بنسبة تزيد علي 99% . و مثال آخر من القطاع الطبي الذي تنعكس فيه نسبة الممرضين إلي الأطباء , إذ أفاد هذا المسئول أن هناك ممرض واحد في مستشفياتنا مقابل كل ستة أطباء عاملين, في حين أن الوضع الصحيح هو أن يكون هناك ستة ممرضين مقابل كل طبيب. هذا النقص الحاد و الوضع المعكوس سيجبر الدولة لاحقاً علي إستقدام عمالة أجنبية ذات تكلفة عالية لإنجاز العمل. إن هذا النقص الحاد في المعينات الفنية هو الذي ساهم و ضمن عوامل أخري في تردي الأوضاع في البلاد, إذ صرنا نسمع عن أخطاء في العلاج و التمريض هنا و هناك , ووفيات بسبب الأخطاء الطبية. و هذا أدي بدوره إلي الإساءة إلي سمعة البلد , و خاصة في مجال العلاج و التطبيب. إن بناء القدرات يعني أن تستنهض الهمم, و أن يقبل الشعب التحدي , و أن ينفض الناس عن نفوسهم غبار الكسل و يستعدوا للعمل و الإنجاز. لكن هذا لن يتأتي من فراغ , و إنما يتأتي عن طريق التنظيم الجيد و السياسات و القواعد , و هذه تدخل في إطار ما يسمونه المهارات الناعمة Soft skills التي تعمل علي حفز العاملين لزيادة الإنتاج. إن إمتلاك هذه المهارات الناعمة هو أول خطوة في الطريق الصحيح. رشيد خالد إدريس موسي الرياض/ السعودية