تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة الإمام الصادق المهدي في ندوة الأهرام بالقاهرة
نشر في سودانيل يوم 21 - 05 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
ندوة الأهرام
تحت عنوان: المشهد السياسي المصري والسوداني
على ضوء التحديات الراهنة
الخميس 17 مايو 2012م
كلمة: الإمام الصادق المهدي
سأتحدث أولا عن المشهد المصرى ثم المشهد السودانى، وأقول قراءتى حول هذه القضايا.
فى مقدمة قصيرة أقول إن هناك نظام شرق أوسطى للحكم، يقوم بإنقلاب ثم يسيطر حزب على السلطة ويفرض رؤيته ويمكن لكوادره، ويقيم أمنا قاهرا للآخرين، وإعلاما طبالا، وإقتصادا محابيا للمحاسيب، وعلاقات خارجية موظفة لصالح النظام وليس لصالح الوطن، وشكل هذا النظام الواحد يسيطر على المنطقة، وبصرف النظر عن الشعارات التى ترفع قومية أو إشتراكية أو إسلامية، الحقيقة أنه نظام معالمه واحدة، ولذلك نشأ فى ظل هذا النظام الواحد تطلعات مشتركة لدى الشعوب، تريد حرية وعدالة وكرامة وكفاية اقتصادية.
الشعراء أسهبوا فى وصف هذا النظام الشرق الأوسطى ،يقول أمل دنقل:
تحدث عن الطقس إن شئت فأنت آمن
أو عن حبوب منع الحمل إن شئت فأنت آمن
هذا هو القانون فى مزرعة الدواجن
وفى المسألة الإقتصادية يقول:
لا تلم الجوع الكافر
في هذا الزمن الكافر
أنا فى صف الجوع الكافر
ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار
لذلك نشأت تطلعات مشتركة فى المنطقة لدى الشعوب، ولذلك نستطيع أن نقول إن ثورات التغيير كلها تخرج من نفس هذا المنطق: أن هناك مظالم واحدة، وأن هناك تطلعات واحدة، ولذلك هناك رغبة فى التغيير واحدة.
هناك ثلاث مسارات: بلدان حدثت فيها الثورة، وبلدان تعثرت فيها الثورة، وبلدان ستحدث فيها التغييرات، فالمظالم واحدة والتطلع للتغيير مشترك بعضه تحقق فعلا، وبعضه تعثر وبعضه فى طى الكون.
وفى المشهد المصرى: حدثت ثورة يمكن أن نصفها بأنها كانت ثورة رائعة، صار لها صدى فى المنطقة والعالم كله، وليس هناك شك أن هذه الثورة الرائعة كانت بلا قيادة محددة وبدون برنامج بعدى لما سيحدث فجاءت كل الأطراف التى اشتركت فى الثورة، وسواء التي اشتركت فيها أو كانت على الرصيف كلها فوجئت، وهذه المفاجئة أدت إلى أن القوى السياسية فى مصر ارتكبت أخطاء كثيرة جدا بسبب عدم التحضير، وهذه الأخطاء أدت إلى اضطراب سياسى، وتدهور اقتصادى وأمنى، وضبابية فى العلاقات الخارجية، لكن رغم ذلك نستطيع أن نقول تحققت حرية بصورة منقطعة النظير، وثقة بالنفس لدى الشعب المصرى أيضا بصورة كبيرة جدا ردت له إحساسه بمكانته، وأدت إلى تحول ديمقراطى في الخطوات نحو الإنتخابات، وإلى استرداد مكانة مصر القيادية من الناحية المعنوية على الأقل فى المنطقة، وإحترام دولى كبير للشعب المصرى، وهذه الأشياء فى رأيى تحققت مع الثورة، ولا يستطيع أن يغالط في ذلك أحد رغم الأخطاء الكثيرة.
كتبت كتابى "معالم الفجر الجديد" وقلت إن القوى السياسية المصرية ينبغى أن تتفق بعد الثورة على ميثاق وطنى، ورسم خريطة طريق لدستور جديد يتفق بين القوى السياسية كلها على ذلك، ولكن هذا لم يحدث فأدى إلى المنافسات الموجودة حاليا، وصار الواقع مجلس عسكرى مسيطر، ومجلس وزراء ثم مجلسا شعب وشورى منتخبين بصلاحيات محدودة، وليس هناك شك بأنه إزاء تطلعات التغيير الموجودة لدى الثورة والقوى الثورية والشعب المصرى بصفة عامة هناك إحساس بأن الأجهزة الإنتقالية كان آداؤها مخيبا للآمال، لكن مع هذا توطدت الحريات، وتأكد استقلال القضاء، وهذه مسألة مؤسسية مهمة جدا، وتأكدت أيضا إمكانية التصحيح، فعندما صدر من مجلسى الشعب والشورى تكوين معين للجنة التأسيسية للدستور، حدثت مراجعة ثم حدث اتفاق بين كل القوى السياسية حول تكوينها ثانية بصورة مرضية للجميع كتصحيح للنهج السابق، ومصر مقدمة على إنتخابات رئاسية كل الدلائل تدل على أنها حرة ونزيهة، وفى تقديرى لن يكون هناك تزوير كالمعهود، لأن هناك عناصر وعوامل رقابة قوية جدا، داخلية ودولية، ولكن هذا لا يعنى أنه لن يكون هناك أساليب فاسدة، سيكون هناك أساليب فاسدة فى اللغة التى يتكلم بها الناس، والتى يمكن أن تكون جارحة، وستكون كذلك فى التفاوت فى الإنفاق المالى، ولن تكون هناك طريقة لضبط ذلك التفاوت، لأن المال بطبيعة حاله شبح لا يمكن معرفة طريقة سريانه وتحركه.
ونتوقع فى الظروف الحالية ألا يكتب دستور قبل الإنتخابات، وفى رأيى أن هذا من أسوأ الأخطاء عدم الإسراع بالدستور، وكان يجب منذ البداية أن تتفق القوى السياسية على صياغة دستور جديد، وما حدث كان خطأ كبيرا، لكن يمكن الآن تدارك بعض الفجوة فى هذا الأمر بإعلان دستورى، حتى على الأقل يعرف صلاحيات الرئيس الذى سينتخب، فمن الضرورى جدا تحديد هذه الصلاحيات من الآن، وتحديد علاقات الأجهزة ببعضها البعض، السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وقد سئلت كثيرا جدا عن رؤيتى للرئيس القادم لمصر، وقلت إن الكلام حول هذا الأمر غير مفيد، ومن الآن فصاعدا هذا الامر سيقرره الشعب المصرى، لكن الذى يفيد هو أن هذا الرئيس سيواجه سبعة تحديات، وبموجبها إما أن يكون هذا الرئيس مؤسسا جديدا لمصر أو يفشل فى هذا التأسيس، وسيكون هذا الرئيس بمثابة أب مؤسس للمرحلة القادمة إذا واجه التحديات بكفاءة عالية، أما إذا لم يواجهها بكفاءة عالية فإنه ستكون هناك فوضى، وهذا يفتح الباب للإستبداد:
- أولى التحديات هى المسألة الأمنية، التى صارت هاجسا لدى الناس كلهم منذ سقوط النظام السابق، فسيواجه الرئيس الجديد تحديا كبيرا جدا فى كيفية ضبط الأمن فى البلد،
- التحدى الثانى هو الاقتصاد والمعيشة، وهى قضية لا يمكن تأخيرها أو تأجيلها، وهناك حاجة للكفاية والعدل، لأن هناك ظلم اجتماعى سائد كبير جدا،
- وثالث التحديات هى قضية الوحدة الوطنية فى إطار محدد جدا، الإطار الإسلامى العلمانى، فالشعب المصرى أكدت غالبيته أن عندها تطلع إسلامى، والتحدي هو كيف يمكن إشباع هذا التطلع دون أن يتناقض مع الوحدة الوطنية، وكيفية التوفيق بين الإسلامي والعلماني.
- ومن ناحية أخرى مصر كانت تحكم طيلة الفترات السابقة كلها بعسكريين، والآن صارت الحاجة مع الثورة للسلطة المدنية، لكن هذه السلطة المدنية ستجد أمامها موروثا عسكريا كبيرا جدا، فكيف سيكون التعامل مع هذا الموروث العسكرى، والتوفيق بين المدنى والعسكرى، وهذا تحدٍ أساسى يواجه الرئيس المقبل في إطار الحفاظ على الوحدة الوطنية أيضا،
- ثم هناك القضية المتعلقة بالتطلع الإسلامى نفسه، وليس هناك شك أنه ثبت من كل الممارسات الديمقراطية التى حدثت ليس فى مصر وحدها أن التمدد الدينى فى السياسة أصبح ظاهرة عالمية، ويخطئ من يظن أن هذه ظاهرة فى منطقتنا وحدها، بل أصبحت فى العالم كله وفى الولايات المتحدة يظهر ذلك بشكل كبير، واللوبى الإسرائيلى أصبح حسب الدراسات أقوى حزب سياسى فى أمريكا، أقوى من الحزبين الجمهورى والديمقراطى، من حيث قدرته على تعبئة الناس وتوجيههم، وبالتالى فإن الحديث عن تداخل الدين فى السياسة ليس حديثا عن قضية خاصة بمنطقتنا بل هو جزء من ظاهرة عالمية، تتكرر فى كل المناطق، وبالطبع إسرائيل أصبحت تتكلم عن الدولة اليهودية، ومن قبل على أيام حزب العمل لم يكونوا يتكلمون عنها، لكن التحدى أمام الرئيس القادم فى مصر أنه سيكون عليه عبء التوفيق بين إشباع هذا التطلع الإسلامى والوحدة الوطنية، لأن أى إشباع غير الإشباع المتزن أو الموزون سيؤدى إلى إستقطاب ضد الوحدة الوطنية،
- ثم عليه أن يراعى العلاقات بين السلطات، وهذا أمر يجب أن يحدده الإعلان الدستورى.
- ثم العلاقات الخارجية، والتى اتسمت فى المرحلة الماضية بالتبعية، منذ قال الرئيس الراحل أنور السادات إن 99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة، صار إرضاء الولايات المتحدة واجبا وطنيا، وليس هناك شك أن هذه المقولة فى حد ذاتها غير صحيحة، لكن حدثت الآن متغيرات أدت إلى إنكماش دور الولايات المتحدة عالميا، وبسبب كل هذه التحديات تصبح المرحلة الحالية فى مصر أشبه بتأسيس جديد، وإعادة البلد إلى منصة التكوين، وذلك لأنه يتطلب الخروج من نظام علمانى ديكتاتورى إلى نظام ديمقراطى بالتوازنات المطلوبة.
وإذا نجح الرئيس المقبل فى مواجهة هذه التحديات، سيجعل ذلك مصر قدوة فى المنطقة بنفس المنطق الذى حدث فى ثورة 1952م، الإنقلاب الذى عن طريق إستيلائه على السلطة وممارساته فيها خلق النظام الشرق أوسطى الحالى الشائع فى المنطقة، الذى نعانى منه الآن، عن طريق الإنقلابات والحزب الواحد المسيطر، وقد كان القدوة له النظام الإنقلابى الذى حدث فى مصر وعبر عن المرحلة الماضية، وهى تجارب مريرة، والآن التحدى أمام القيادة الجديدة فى مصر أن تخرج بقدوة جديدة، فإن فعلت ذلك ستنداح هذه القدوة على المنطقة، وهناك شاعر يمنى قال مقولة أراها معبرة:
ما نال مصر نعمة أو نقمة إلا وجدت لنا بذاك نصيبا
إذا فالأمر المهم جدا أن نُقدر أن التحدى جسيم وكبير، وأن التطلعات كبيرة وحقيقة الإمتحان الذى ستدخله القيادة القادمة فى مصر سيكون امتحاناً عسيراً جداً وتاريخياً، ويمكن جدا أن تكون التجربة كلها خريطة طريق آمن من الإستبداد إلى الديمقراطية، و لكن الإخفاق فى مواجهة التحديات التى ذكرناها سيعنى الفوضى، والفوضى ستعطى أولوية للإستبداد، الذى يجىء فى بعض الحالات لتجنب الفوضى، كما حدث خلال حكم إيفان الرهيب بروسيا، ولذا فإن المرحلة خطيرة، والنجاح الذى تم فى المسيرة الإنتخابية والحرية أمر مبشر، لكن التحديات كبيرة فيما يتعلق بالأمن، والإقتصاد، والعلاقات الخارجية، فضلا عن قضية السلام لأنها بتركيبتها السابقة بحاجة للمراجعة حتى يتم الحفاظ على المصالح القومية الوطنية.
أما المشهد السودانى: فإذا كنا ننظر للمشهد المصرى عبر ثورة على نظام علمانى فاشل إلى مستقبل ديمقراطى، فإن السودان الوضع فيه ثورة ضمنية لم تحدث بعد على نظام إسلامى فاشل إلى مستقبل ديمقراطى يشبه فى معالمه الوضع المصرى، والنظام السودانى رغم إختلاف الشعارات مماثل للنظام الشرق أوسطى كله، بحزبه المهيمن وإنقلابه العسكرى وأمنه القاهر وكل المعالم التى ذكرناها للنظام الشرق أوسطى مكتملة فى النظام السودانى، والشعب السودانى يشارك شعوب المنطقة فى ذات المظالم وذات التطلعات، والشعار الإسلامى لن يحمى النظام السودانى، مثلما لن يحمى الشعار القومى الرئيس السورى بشار الأسد، لأن الإسلام لديه مبادىء أساسية هي: الحرية، والكرامة، والعدالة، وهذه كلها أمور متناقضة مع التجربة فى السودان وأزمة النظام السودانى أعمق، بالإضافة إلى هذه الأشياء، فاتفاقية السلام وضعت لنفسها أهدافا محددة أن تجعل الوحدة جاذبة، وأن تحقق السلام والتحول الديمقراطى، لكن ما حدث أن الاتفاقية فى طريقة تنفيذها وفى هياكلها حققت عكس ما نصت عليه، فلم تعد الوحدة جاذبة ولم يعد هناك سلام أو تحول ديمقراطى، وهذا هو الفشل الأول، أما الفشل الثانى فقد كان موضوع دمار دارفور، وقد كان فى الإقليم مشاكل قبل حكم الإنقاذ، لكن مع حكمها استجدت أربع مشاكل جديدة لم تكن موجودة من قبل:
أولها: الإثنية المسيسة.
والثانية: المقاومة المسلحة ضد الدولة المركزية.
والثالثة: التجاوزات الإنسانية.
والرابعة: الملاحقة الدولية بسبب التجاوزات الإنسانية.
وهذا جزء من حيثيات الإخفاق، وصحيح أن النظام نجح فى إستغلال البترول، لكن سوء إدارة الموارد كان سيئا، فبدلا من أن تستخدم عوائد البترول فى الإنتاج المتجدد فى الزراعة والصناعة تم إهدارها فى الإنفاق السياسى، والأمنى، والإدارى، ثم عدم الاستعداد لإنفصال الجنوب، الذى بدا وكأنه عملية مفاجئة لم تكن موجودة فى الحسبان، بل هى عملية كانت متوقعة، وكان يجب أن يحسب النظام حسابها على أساس أن البترول أغلبية حقوله فى الجنوب، وتزايدت احتمالات الانفصال مع الزمن، ومع ذلك لم يضع أى ترتيب أو حساب لهذا الإحتمال، ومن الإخفاقات الأخرى أنه حينما يرفع شعار ايدولوجى يضطر من يرفعونه إلى التعامل مع الواقع فيضطروا لمراجعة الشعار، ولكن التعامل مع الواقع يؤدى إلى نشوء تيارين بداخلهم، تيار فى اليمين وتيار في اليسار يقولان إن التجربة فاشلة، فالتجربة لدينا فى السودان أنشأت حاليا تيارات إسلامية متطرفة، تعتبر أن النظام تنازل عن المبادىء الإسلامية، ولذلك لا بد من المغالاة والتشدد فى التطبيق الإسلامى، وهناك تيارات كبيرة جدا تتكلم بهذا المنطق وأنه حدث إخفاق فى التطبيق ولا بد التشدد، وهناك تيار آخر فى اليسار يقول إن القضية الإسلامية كلها فاشلة، ولذلك لا بد أن نتجه إلى إبعاد الدين عن السياسة فى إتجاه علمانى، فأصبح هناك تيارين كلاهما منطلق من فشل التجربة، والتيار العلمانى اتجه الآن لتشكيل جبهة ثورية لعمل تغيير بالقوة، والإتجاه اليمينى يطرح بدرجات متفاوتة الآن ضرورة تطبيق الإسلام بصورة أكثر تشددا، باعتبار أن التراجع هو سبب فى الاخفاق، ومن هنا أصبح هناك خلل فكري فى البلاد حول الموضوع بعد رفع الشعار الإسلامى والإخفاق فى تطبيقه.
الجبهة الثورية مكونة من كل القوى المسلحة وهى لا شك فى علاقتها وارتباطها العضوى بدولة الجنوب، بسبب البروتوكولات التى تم تخصيصها فى اتفاقية السلام لمناطق أبيى، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، وهي بروتوكولات أسست لحقوق معينة، ولكن هذه الحقوق لم يستجب لها ولم تطبق حتى إنتهاء الفترة الإنتقالية، وبانتهائها اعتبر النظام فى الخرطوم أن الجنوب انفصل وأن الشمال تحرر من الحقوق الخاصة بمناطق فى الشمال ومرتبطة باتفاق كان مع الجنوب، وكان فى رأينا أنه لا يمكن إفتراض بعد انتهاء الفترة الإنتقالية أن هذه القضايا انتهت، وأنه لا بد من اتفاقية سلام جديدة من أجل تطبيق الحقوق المنصوص عليها فى الاتفاقية ولم تطبق، وأدت ردود الافعال بشأنها إلى الحرب، وكان من المفترض حتما قبل انفصال الجنوب اتفاق حاسم وتنفيذ للبروتوكولات، وعندما جاء إنفصال الجنوب قبل تنفيذ هذه الأمور، كان يجب أن يكون هناك اتفاقية سلام ملحقة لتنفيذ هذه القضايا، لأن عدم معالجتها سبب الحروب الحالية، ولا شك أن محاولة الإطاحة بالنظام فى الخرطوم من هذه المنطلقات ستكون من نتائجه الحرب الشاملة بين الشمال والجنوب.
وهناك سيناريو آخر للإطاحة بالنظام وهو سيناريو الربيع العربى أو سيناريو الانتفاضات فى السودان، لكن بما أن كل سيناريوهات الربيع العربى بعد الثورة المصرية تحولت إلى استقطاب، لأن السلطالت المعنية تأهبت واستعدت، كما حدث فى ليبيا، واليمن، وسوريا وأى علاج لهذا الأمر بتدخل أجنبى يزيد الطين بلة، ولذا فهذا الخيار أمامه دماء واحتمالات تدخل أجنبى.
ونحن نتكلم عن خيار ثالث للتغيير، لا يعتمد على الضربة القاضية بل على تسوية مثلما حدث فى جنوب أفريقيا "الكوديسا" ونعتبرها الأفضل، ولكن هذه التجربة بالطبع لا يمكن أن تحدث تلقائيا، وإنما تحتاج إلى نضال وعمل حركى كبير، من أجل أن تحدث ضغوط داخلية ودولية ليحدث هذا الإجراء.
وعلى كل حال التغيير صار حتميا فى السودان، وإذا لم يحدث بهذا الإجراء الاستباقى سيحدث بواحدة من الطرق الأخرى، وهى طرق لها تداعيات وتبعيات، نعمل على تجنبها بقبول مشروع "الكوديسا" الاستباقى لإحداث التغيير.
والنظام الحالى يواجه أيضا عوامل خارجية فضلا عن إخفاقاته الداخلية، ممثلة فى الملاحقة الدولية، وكل ذلك يجعل استمراره فى الحكم غير وارد، ولذلك لا بد من العمل الحركى الذى يمكن أن يستفيد من كل هذه الضغوط لتحقيق مشروع "كوديسا" مثلما حدث فى جنوب افريقيا، ونحن الآن نعمل على اتفاقية السلام العادل الشامل، هذه الاتفاقية نخاطب فيها كل القوى السياسية والمسلحة داخل السودان وخارجه، لنؤكد حاجتنا لإتفاقية سلام شامل عادل يتناول كل القضايا.
وفيما يتعلق بالجزئية الخاصة بالعلاقة مع دولة الجنوب، نحن نعتقد أن الحرب بين الشمال والجنوب انتحار، فهى ممكن أن تبدأ لأسباب سياسية، لكن قد تكتسب عوامل أخرى إثنية ودينية وغيرها، وقد تشمل القارة كلها شمال وجنوب الصحراء، ومن الخطأ والخطل السماح لهذه الحرب أن تقوم، ويمكن تجنب ذلك، ونحن الآن نحاول البحث فى حل المشكلات بين البلدين، وأولها قضية البترول الذى هو عصب الحياة، ومن الخطر جدا أن يقول النظام فى الخرطوم إن رسومه على مرور برميل البترول عبره (36) دولار وسآخذه عينا، وخطر وخطأ أن يقول الجنوب أنه سيغلق أنبوب البترول، ورأينا أن هذه عملية انتحار متبادل، ولذلك كونا لجنة فنية من اقتصاديين واختصاصيين، وقدروا قيمة الرسوم مابين 11 إلى 14 دولار لأنه فى الشمال تتم خمس عمليات لهذا البترول، وكتبنا الحيثيات للرئيسين البشير وسلفاكير، وطالبناهما فى حالة عدم الاتفاق بعدم أخذ إجراءات إنفرادية، وأنهما يجب أن يعملا على مواصلة إنتاج البترول ويلجئا لمحكمة العدل الدولية، واقترحنا لهم حلولاً لكل القضايا الأخرى محل النزاع، وسنقيم مؤتمر سلام ظل يتناولها جميعا، وفى رأينا أنه فى حال عدم الإتفاق على القضايا المطروحة تحول إلى مفوضية حكماء يتم الإتفاق عليها وتعطى وقتا كافيا لحلها بدلاً من اللجوء للعنف أو الإجراءات الإنفرادية، وفى غضون 3 أسابيع سنقدم حلا شاملا كاملا لكل القضايا بما فيها حل قضية السلطة فى الخرطوم، ونعتقد أن هذا الحل ستلجأ إليه الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى، وسيتضمن خريطة طريق للنظام الجديد.
أما التحديات المشتركة بين مصر والسودان فهى:
أولا فى الإطار الإسلامى: لأنه يجب بحث ماذا يعنى التوجه الإسلامى الذى يعيش مع التعددية والمواطنة والنظام المدنى، وهذا تحدٍ مشترك لأن التطلع الإسلامى موجود فى المنطقة كلها، حيث يوجد صراع على عقول وقلوب المسلمين بين طرفين أو نموذجى أردوغان وطالبان، وهناك تحدى العلاقات الثنائية بين البلدين التى يجب أن تخرج من إطار العواطف، لبناء العلاقة على المصالح المشتركة، وفى رأيى نضع أسس مشتركة لهذه العلاقة ونحن ندعو لتوأمة مشتركة مع الجنوب، ونفس الشىء يمكن أن يطبق مع مصر، بإعتبار أن السودان الشمالى يمثل جارا مشتركا للطرفين، ولا بد أن يلعب دوراً ليس فقط فى إطار العلاقة الثنائية، وإنما فى إطار العلاقة العربية الأفريقية، وهذا هو الإطار الأوسع الذى يمكن أن يضم الناس فى مصلحة مشتركة.
ثم هناك الإطار العربى: وأعتقد أننا يمكن أن نلعب دورا أكبر فى توظيف الإمكانات العربية الهائلة للتنمية فى المناطق المختلفة فى بلداننا، وهذه قضية مهمة جدا وعدم القيام بدور فيها يجعل الأموال العربية موجودة فى بنوك أجنبية تتحكم فيها إدارات، وتكون مربوطة بالاقتصاد العالمى الذى أصبح مضطربا جدا، وفى آخر أزمة عام 2008 خسرت الدول العربية مجتمعة 3 تريليون دولار نتيجة للإضطرابات فى الإقتصاد العالمي.
وهناك تحدٍ آخر هو تحدى العلاقات مع أفريقيا: وقد توصلنا فى مؤتمر عقد بالخرطوم مؤخراً إلى أنه تم تهميش كبير للعلاقات السودانية الأفريقية، وأفريقيا جنوب الصحراء زاد كثيراً الآن وزنها ونفوذها القارى والعالمى، والاتحاد الأفريقى الآن بدأ يلعب دوراً، واصبح تكتلاً مهماً، وأفريقيا تحوى موارد كثيرة جدا، ولذلك هى الأن محل تنافس صيني أمريكى، وعموما هناك ضرورة للاعتراف بأنه حدث تهميش للعلاقات العربية الأفريقية، وضرورة مراجعة هذا التهميش بما يعترف بالواقع الحالى، فى أهم مراكزه بحوض النيل، حيث لا بد من مراجعة الإتفاقيات، وقد كونا فى الخرطوم لجنة فنية من مختصين، وسنقدم مشروعا محددا، لأننا نعتقد أن مقاطعة مفوضية مبادرة حوض النيل خطأ ولا بد من الدخول فيها.
والموضوع الأخير الذى يحتاج البلدان للتنسيق فيه هو الموضوع الدولى: الأمم المتحدة بشكلها الحالى بحاجة إلى إصلاحات، ولا بد مراجعة ميثاقها وترتيباتها لتكون أشمل وأعدل، ليتم اصلاح النظام العالمى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.