بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد . الثلاثاء الموافق للثلاثين من شهر يونيو للعام ألفين وتسعة تبلغ ثورة (انقلاب) الإنقاذ عامها العشرين بالتمام والكمال ، وقد جرت مياه كثيرة تحت جسر الإنقاذ منذ مجيئها محمولة على ظهر دبابة . عند هذا التاريخ من كل عام يبدأ صقور الإنقاذ وحمائمها في تذكير جموع الشعب السوداني وشعوب المنطقة بأنها آتت ما لم يأت به الأوائل وأنها إذا لم تأت لكان السودان في عداد الأمم البائدة . ولكن السؤال الحقيقي هل فعلاً كان السودان وقتئذِ على شفا جرف هار ؟؟!! الحقيقة أن هذه الفرضية التي تقول بها الإنقاذ والتي ما فتئت تذكر الناس بها ليست صحيحة في مجملها وهي فرضية حاولت الإنقاذ عبر أبواقها وإعلامها أن تسوقها وسط العامة وقد أفلحت في ذلك نوعاً ما ، ولكن المعلوم أن الحكومة التي كانت قبل الإنقاذ هي حكومة ديمقراطية منتخبة من الشعب وأن كل ما قالت الإنقاذ بأن البلد كانت في طريقها للانهيار هو قول يحتاج إلى التوضيح التالي : الشرعية المبتغاة : لقد جاءت الإنقاذ على أنقاض الحكومة الديمقراطية المنتخبة ، وكما هو معلوم أن جميع الديمقراطيات في العالم سيما في العالم الثالث تتناوشها الظروف المحلية والدولية فتجعلها ضعيفة في نظر البعض ولكنها قوية بالتفويض الانتخابي وهو ما افتقدته الأنظمة الشمولية والتي تسعى بعد استيلائها على السلطة بالانقلاب العسكري مباشرة للبحث عن شرعية بأي طريق كان سواء عن طريق التوالي أو عن طريق الانتخابات المزورة !!!؟ يقول أهل الإنقاذ ومنافحوها أن البلاد كانت قبل الإنقاذ تفتقد لكل شيء بدءاً بحرب الجنوب المشتعلة والتي قالوا لولا الإنقاذ لشرب جون قرنق القهوة في دار جعل المتمة وشندي وهو ما حصل بالفعل في عهدها لا قبلها ، وكذلك قالوا جئنا لنوقف صفوف البنزين وطوابير الرغيف ولو ما جئنا لوصل الدولار عشرين جنيها واليوم يعلم الناس جميعاً كم يساوي الدولار الواحد ما قيمته بالجنيه السوداني ... وغير ه من الكلام الكثير الذي صدعونا به طوال العشرين عاماً . قالوا البلاد تفتقد الأمن وهذا كلام مجافي للحقيقة في معظمه ، الكل يعلم أن المسؤول عن الأمن في البلاد هم قادة الإنقاذ الحاليين والذين تركوا مهمتهم الأصلية وهي حماية الديمقراطية وتفرغوا للمناكفات السياسية بل وداعبتهم أحلام السلطة وبريقها ، الناظر إلى تلك الأيام بعيون اليوم سيرى أنها كانت نقطة صغيرة في سجل الإنقاذ الحافل بالخروقات الأمنية بدءاً من حرب الجنوب التي زادت في عهد الإنقاذ حتى أصبحت الجيش الشعبي نداً قوياً للقوات المسلحة السودانية والحركة الشعبية نداً للمؤتمر الوطني وبل كل باقي السودان الشمالي والتي كانت وقتئذٍ مجرد حركة تمرد تتواجد في الأدغال لم تفكر يوماً في الانفصال وكذلك ما حدث في الشرق وفي دارفور المشتعلة الآن . قال قادة الإنقاذ عندما أتوا بليل أن البلاد تعيش أزمة غذائية حادة وهذا قول خبيث حيث إن تلك الفترة كانت البلاد تنوء من أرتال من جوالات الذرة ، حتى أن جوال الذرة لم يزد عن عشرين جنيهاً فقط وبل في عام ثمانية وثمانين لم يجد مزارعو القضارف والدمازين مكاناً لتخزين محاصيلهم الضخمة من الذرة وغيرها . أما القول عن صفوف الرغيف فهي أحلام أهل المركز الذين ينظرون للسودان المستقر من خلال ما يوجد في العاصمة فقط من كماليات حتى ولو كانت الأطراف تحترق لا يهم ، فهي أنانية جبل عليها أهل المركز دوماً . لم يكلف أهل المركز أنفسهم عندما انعدم الرغيف بالبحث عن بدائل حيث إن جوال القمح كان لا يتعدى عشرين جنيهاً أيضاً ؟؟!! نعم في تلك الأيام كانت هناك بعض ندرة ولكن جماعة المركز لم تصبر على الحكومة حتى تتجاوز هذه المحنة فقط لأن الحكومة لم تكن تحكم بالحديد والنار ,, وعلى العاقلين المقارنة بينها وبين بدايات الإنقاذ رغم أن الحكومة الديمقراطية لم تزد سنونها عن ثلاث ونصف فقط وهو عمر قصير جداً بالنسبة للحكومات وهي لا تعدل مدة وزارة واحدة لأي حكومة وإذا قارناها بثلاث ونصف من سنين الإنقاذ الأولى لوجدنا الأنقاذيين يتجادلون هل هم "جبهة" أم لا ؟؟!! "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم". الشريعة المدعاة : قالت الإنقاذ أنها جاءت لتحمي الشريعة والتي حاول البعض إلغاءها وهذا كذب واضح على الله وعلى الناس ، أين هي الشريعة التي طبقتها الإنقاذ .. الشريعة هي دين الله وهي في جوهرها حكم بالعدل " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" وهنا لا احتاج للتذكير أن كثيراً من الانقاذيين نالوا من حظوظ الدنيا بما كان مخالفاً لشرع الله .. هل الشريعة هي التكبير والهتاف أم أن الشريعة هي العدل والأنصاف والمشي بين الناس بالحسنى .. يا أهل الإنقاذ شوفوا غيرها !! وهناك سؤال لم تجب عليه الإنقاذ حتى الآن .. هل الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح وسرقة تفويض الناخبين هو من الشريعة أم لا ؟؟ أم إنه فقه الضرورة والتبريرات التي لا تقنع أحداً !؟ لا أريد أن أزيد من سجل المخالفات القانونية والشرعية التي ارتكبتها الإنقاذ منذ مجيئها وحتى اليوم .. بل فقط أريد أن أذكر أن تهافت الإنقاذ على التعجيل بالانتخابات رغم ما صاحبها من تشكيك في عملية التعداد السكاني وغيرها قبل حلحلة كثير من المشاكل التي يعاني منها السودان ما هي إلا محاولة لإعادة الشرعية المفقودة منذ عقدين من الزمان ... أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم إنه سميع مجيب.. الطيب كباشي الفزاري