استضافت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي بواشنطن، أحد أبرز مراكز الأبحاث الأميركية الخاصة بالسياسة الدولية، الثلاثاء الماضي ندوة لتدشين ورقة صادرة عن المؤسسة بعنوان "السودان: من الصراع إلى الصراع". قالت كاتبة الورقة، مارينا أوتاواي، في عرضها أن جوباوالخرطوم تتهربان من مهام السلام، بناء الدولة في جنوب السودان، واستبدال القيادة السياسية في السودان حاكمة ومعارضة، إلى ما اعتادتا من مواجهة عسكرية. العلة، بحسب أوتاواي، أن السودان وجنوب السودان يشتركان في مورد واحد، البترول، فالسودان أضناه المرض الهولندي وجنوب السودان لا مورد له سوى البترول. جوباوالخرطوم تجدان قدرا من الراحة في العادة، أي الحرب، فالمواجهات تعفيهما من غربة السلام إذا صح التعبير. نصحت أوتاواي المجتمع الدولي بأن يمسك عن التدخل في شأن السودانين، فالتدخلات في هذه المرحلة، كما قالت، تأتي بنتائج عكسية. الحكمة أن يفطم المجتمع الدولي الخرطوموجوبا ويترك لهما مسؤولية التصدي لنزاعهما الورطة، فالسلام، آخر الأمر، لا يستقيم إلا إذا كان إرادة وصناعة وحراسة سودانية. سفير بريطانيا الأسبق في الخرطوم، آلان غولتي، وافق أوتاواي في قولها أن الأوضاع في السودان "تغم"، لكن زاد أنها طالما كانت كذلك مستشهدا بما عايش في الخرطوموجوبا عام 1972 ثم 1988. بطريقة ما، قال غولتي، وجد السودانيون طريقة ما للتحدث إلى بعضهم البعض وتجاوز تلك المصاعب. استدل غولتي بقول تشرشل عن الأميركيين أنه يمكن الاعتماد عليهم لفعل الشئ الصحيح متى ما استهلكوا جميع البدائل الأخرى، ما يصح في زعمه على السودانيين كذلك، ولذا نصح بالتفاؤل غير المحدود. عاب غولتي على أطراف النزاع في السودانين، بما في ذلك المعارضة الشمالية والجنوبية، مدنية ومسلحة، نجوى المجتمع الدولى طلبا للتدخل والحل بدلا عن التفاوض مع بعضهم البعض. في هذا الصدد، قال غولتي أن الجبهة الثورية السودانية تهتف باسقاط النظام بينما تعجز عن التقدم بأي خطة ملموسة لمجابهة معضلات السودان القائم فعلا، وذكر الأزمة الاقتصادية الآخذة بخناق البلاد، تسوية النزاعات مع جنوب السودان، والقسمة المتكافئة للثروة المتناقصة بما يفضى إلى وقف القتال. شارك بالحديث كذلك مبعوث الولاياتالمتحدة الخاص إلى السودان، برنستون ليمان، فشدد أولا على ثقل أربعين عام من القتال. السودانان، في رأي ليمان، محتجزان في الماضي. تشخيص المبعوث الأميركي أن الخرطوموجوبا على شفا الانتحار الاقتصادي المشترك، تراهن كل منهما على انهيار نظام الحكم في البلد الآخر بعطش البترول. شكك ليمان في قدرة الرئيسين كير والبشير على تحمل تبعات حل النزاع بينهما ولجم القوى المضادة للتسوية في الطرفين، وانتهى إلى النصح بفضيلة التواضع، فأفضل ما يمكن تحقيقه تحت هذه الظروف هو كبت احتمال حرب واسعة والتوصل إلى تفاهمات انتقالية كالتي تحكم الوضع في أبيي. في الامتحان المذكور، كما يبدو، لم ينجح أحد. Magdi El Gizouli [[email protected]]