رضي الله عن الفاروق عمر فقد وضع أسساً في تحمّل المسئولية،لو عمل بها الحكام لما بقي في السودان شخص إلا توفّر له الأمن؛ فقد روي عنه قوله " لو أن بغلة عثرت بالعراق لكنت مسئولاً عنها لما لم أسوي لها الطريق". فما بالكم إذا قتل شخص جراء تقصير لجنة أمن ولاية في القيام بواجبها تجاه المواطنين حتى أريقت دماءهم ونهبت ممتلكاتهم وروّع أمنهم. فقد رأينا حركات التمرد تجتاح بعض مناطق ولاية شمال كردفان وتستبيح حرمتها في غياب تام للجنة الأمن التي لا تظهر إلا بعدما( يقع الفأس على الرأس) وبعد أن يزول الخطر وكأنها تخاف على نفسها أكثر من خوفها على مواطنيها وتنسى واجبها في أحلك الظروف التي تستدعي أن تكون هي أول الحاضرين. فقد "تعرّضت بعض مناطق محلية الأضية في الآونة الأخيرة إلى اعتداءات ونهب وسلب من قبل حركة العدل والمساواة". فتأثرت الحركة التجارية بأسواق غبيش وود بندا، و أغلقت البنوك أبوابها وتوقفت حركة النقل تماماً إثر ذلك الهجوم الذي استولت فيه القوات المتمردة على سيارات وأموال طائلة. هؤلاء المتمردون يهدفون بالدرجة الأولى إلى نقل الحرب إلى مناطق شمال كردفان من أجل تخفيف الضغط على متمردي كاودا! وللأسف لم تتحرك لجنة الأمن في شمال كردفان بالرغم من إحاطتها علماً بالوضع! ألم يكن ممكناً الاستعانة بقوات جوية أو برية؟ وما فائدة أجهزة الاتصال السريع إذا لم تستخدم في مثل هذه الأحداث والأوقات الحرجة؟أين القوات المسلحه وأين تأمين الحدود وأين الاستخبارات والأمن؟ لقد أصبح كثير من المسئولين في القطاعات ذات الصلةلا هم لهم إلا المنصب وما يدر عليهم من راتب دستوري أو خاص بملايين الجنيهات علاوة على مزايا أخرى كثيرة ومتنوعة، فيتفرغ لإشباع رغباته من مأكل ومشرب ودابة فارهة والسعي للحصول على مزيد من النصيب في كيكة السلطة والثروة و لو كان ذلك على حساب الوطن والمواطن. لقد كتبنا أكثر من مرة عن استباحة العدل والمساواة لشمال كردفان والتعدي على هذه المناطق التي من المفترض أن توفر لها قوات كافية لحمايتها نظراً لموقعها الجغرافي المتاخم لولايات دارفور وأهميتها الاقتصادية للولاية والسودان بأكلمه؛ فعندما كان رأس التمرد خليل يعسكر بقواته في وادي هور بعد عودته من ليبيا لفتنا انتباه حكومة الولاية لخطورة الوضع ولكنها لم تحرك ساكناً حتى استطاعت تلك القوة عبور الولاية من أقصى شمالها حتى بلغت وكر التمرد الجديد في دولة جنوب السودان مستبيحة عدداً من القرى والمدن أثناء تلك الرحلة ولم يتعرض لها ولا عسكري واحد على الرغم من مقتل خليل نفسه بطريقة مثيرة للجدل؛ ولم تخرج لجنة الأمن الموقرة من الأبيض إلا بعد فوات الأوان؛ و ظلت " تهلل وتكبّر" وتتحدث عن إعداد لواء الردع الذي لم يردع ولامتمرد واحد حتى هذه اللحظة بل صار إحدى وسائل إيهام الناس وشغلهم عن حقيقة الوضع الذي يهدد بازهاق أرواح بريئة و ضياع ممتلكات المواطنين بدون ذنب جنوه إلا أنهم من مواطني هذه الولاية التي ( ليس لها أم تبكي عليها) ولا أحد يدافع عنها. إذا حدث هذا الأمر في بلد تحترم نفسها وتحافظ على أمن المواطن لاستقالت الجهة المسئولة عن ذلك؛ ولكن في السودان الذي لا يعرف مبدأ المحاسبة والإقرار بالمسئولية التي أشار إليها الفاروق فإن كل شيئ جائز حتى زعزعة الأمن والاستقرار. عموماً إني لأعجب لأمر حكومة تهزم جيشاً متمرداً في منطقة وتجعل من ذلك ملحمة وطنية و تحاول تحقيق مكاسب سياسية مستغلة العاطفة الوطنية الجياشة وهي في ذات الوقت تترك الحبل على القارب لبعض فلول القوات المندحرة لتعوس فساداً فتقتّل الأبرياء وتخرجهم من ديارهم في وضح النهار ولا تتصدى لها الجهات الأمنية والعسكرية إلا دفاعاً عن مواقعها في حال الهجوم عليها مباشرة لضعفها وقلة عددها وعتادها؟ لماذا لم نغلق الحدود أمام قوات خليل العائدة من هجليج حتى وصلت إلى منطقة تَقَرو حيث تصدى لها فتيان الكواهلة وهزمومها شر هزيمة و تكرر ذات المشهد ليتصدى لها شباب من الكبابيش في شرق جبل مرة ويتحقق لهم النصر بحول الله وقوته. إنّ هذه التحركات التي يقوم بها المتمردون تحمل أكثر من دلالة أولها وجود طابور خامس يتعامل معهم؛ علاوة على ضعف الوجود العسكري والأمني في المناطق التي تكرر عليها الهجوم أكثر من مرة. أما لجنة الأمن في شمال كردفان فقد أخفقت وأثبتت عجزها في هذا الصدد كما يتضح من إعتداءات حركات التمرد على الأطراف الشمالية والغربية من هذه الولاية، خاصة وأن الأوضاع في كل الولايات المجاورة تنذر بالخطر حيث تدور الحرب في جنوب كردفان وتنشط الحركات المتمرة في ولايات دارفور ولذلك كان حرياً بهذه اللجنة أن تضع تدابير مسبقة للتعامل مع هذه الأوضاع التي تكتنفها مخاطر كثيرة تهدد أمن واستقرار الولاية سواء كان ذلك في مناطق التعدين التقليدي في الصحراء الكبرى أو في أماكن الرعي والزراعة في غربي الولاية والخريف على الأبواب الآن وإذا فشل الموسم الزراعي وتوقف التعدين التقليدي الذي يمثل مخرجاً للمواطنين، رغم تحفظنا عليه، بسبب إنعدام الأمن فسيؤدي ذلك إلى كارثة إنسانية محققة لا يعلم مداها و عواقبها إلا الله. بناءً عليه نرجو من لجنة أمن الولاية أن تقوم بواجبها و تحيط الجهات المعنية في المركز رسمياً حتى تستطيع التعامل مع مجموعات التمرد التي تحولت إلى نهابين وقطاع طرق يهددون الأمن والاستقرار. ومع الإقرار بإن حفظ الأمن ليس مسئولية المواطن وحده، يرى البعض ضرورة تدريب دفاع شعبي من أبناء المنطقة ليقوم بمساعدة الجيش والقوات النظامية الأخرى في تسيير متحركات على أن يتوفر لها تسليح عالي ووسائل نقل واتصال تمكنها من القدرة على سرعة الحركة وتبادل المعلومات للحيولة دون تعريض الناس وممتلكاتهم للخطر، وذلك مع اتخاذ كافة التدابير اللازمة حتى لا يتسبب انتشار السلاح في مزيد من الفوضى والاضطراب. ولكن في ظل الظروف الراهنة هل من الممكن توفير المال اللازم لحماية شمال كردفان من أن يمتد إليها التمرد؟ إنا شخصياً أرى أن ذلك شبه مستحيل! /////////////////