أبوذر علي الأمين ياسين يبدو أن موضوع ترشيح الحركة الشعبية لقائدها سلفا كير ميارديت يمثل غطاءً لتمرير جملة سياسات على الصعيد الداخلي والخارجي!؟... ذلك أنه يصرف الأنظار عن السياسة المزدوجة للحكومة تجاه دارفور، كونها تعلن عن مبادرة أهل السودان التي (ستشترك فيها كل القوى السياسية والأطراف أني كانت)، لكنها وعلى الأرض تتبنى سياسة التصعيد العسكري الذي يستهدف الجميع في دارفور وفي توافق فريد مع مبادرة أهل السودان من حيث أن التصعيد هو الآخر لا يستثني أحداً لا المدنيين ولا الحركات المسلحة بما فيها الموقعة على اتفاقية ابوجا، كما يشمل الاستهداف فوق هؤلاء جميعاً قوات اليونميد ذاتها. فترشيح سلفاكير خاصة بعد الترحيب الحار الذي وجده من كل القوى السياسية في الساحة،يمثل مهددا له أبعاد أخرى خطرة على المؤتمر الوطني الذي يبني كل سياساته لخوض الانتخابات القادمة على الأساليب الفاسدة التي أدناها التزوير وقد أصبح مشهورا به ، وأعلاها شراء الأصوات وإكمال مخطط السيطرة على كل ذلك عبر أدوات الدولة. فترشيح سلفا كير سيجعل من التزوير محاولة خطرة العواقب خاصة وأن كل أهل الهامش والحركات المسلحة بما في ذلك أغلب سكان الوسط أو ما يعرف في سياسة المؤتمر الوطني الانتخابية بمثلث حمدي سيدعمون ترشيح سلفاكير بما يجعل من المؤتمر الوطني ومؤيديه أقلية تكاد لا تري بعين صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهه. وبما أن كل المشهد السياسي تسيطر عليه حالة الضبابية وغياب الشفافية والوضوح، فلا بأس بتحريك التيارات الموالية تاريخياً للمؤتمر الوطني ضمن الحركة الشعبية للتشويش على ترشيح سلفا كير للانتخابات القادمة. فاذا لم يكن للمؤتمر الوطني مرشح معلوم ومضمون فلا يحق لأية جهة أو قوى أخرى تسمية مرشح لأن ذلك فيه إضعاف وإرباك لا يقبل به المؤتمر الوطني، بل فيه اعلان وفاة ونهاية للمؤتمر الوطني كحزب (عملاق) له رصيد 20 عاماً من الحكم ونجح في ترتييبات الإعداد للانتخابات القادمة بتحييد حزب الأمة وزعيمه الصادق المهدي عبر اتفاق التراضي الوطني ليكون داعماً للمؤتمر الوطني فيكتفي فقط بالحصة التي يخصصها له المؤتمر الوطني بعد الانتخابات. وكانت الترتيبات تمضي على أحسن حال مع الاتحادي الديمقراطي لولا أن شوش عليها أوكامبو بمذكرته الأخيرة. لكن المشهد مع الحركة الشعبية يختلف من عدة وجوه، أخطرها أن المؤتمر الوطني رغم الاختراق والنجاح فيه لم يستطع شق الحركة الشعبية أو إضعافها، فقد خرجت الحركة الشعبية عقب مؤتمرها الأخير أقوى تماسكاً وأكثر حضوراً وفاعليه. وهذا في حد ذاته مزعج للمؤتمر الوطني، كما أنها خرجت بعد ذلك المؤتمر وهي أعلم بمواضع الاختراق ورجاله، بحيث تقل فاعليته وأثره. كما أن كل حسابات المؤتمر الوطني الانتخابية كانت تستبعد ولو على سبيل الاحتمال ترشيح (جنوبي) لينافس البشير على الرئاسة وكانت الترتيبات كلها مصوبة لمن يمكن أن ينافس البشير من القادة الشماليين المعروفين إما بالاستمالة أو التحييد أو أخيراً بالتزوير الذي لا يشكل خطراً يذكر على المؤتمر الوطني في حالة كان المنافس شمالياً أياً كان. لكن كل ذلك يصبح بلا اعتبار أو قيمة اذا كان المنافس جنوبياُ!!. ذلك أن كل الدراسات والمسوحات العلمية والموضوعية منذ منتصف التسعينات كانت تقول بانحسار أهل الوسط النيلي وتحولهم إلى أقلية، في مقابل أهل الهامش الذين يشكلون اليوم ليس الأغلبية العددية بل القوى التي تواجه المؤتمر الوطني والحكومة ولو عبر إشهار السلاح، وهو الوضع الذي يجعل احتمالات فوز أي مرشح للمؤتمر الوطني ضعيف خاصة اذا جرت انتخابات حرة ونزيهة، وهذا غير محتمل لمن رضعوا السلطة ولم يفطموا طيلة عشرين عاماً. وهذا في تقديري ما جعل اعلان المكتب السياسي للحركة الشعبية لترشيح سلفاكير أزمة كانت فوق احتمال المؤتمر الوطني كونها غير متوقعة أصلاً خاصة وأن المجهود المبذول كان يرجي له أن ينجح في تحيد الحركة الشعبية أو استمالتها وفق تفاهمات نشط فيها حتى على عثمان نفسه لتضمن بقاء القوى السياسية أو الشراكة كما هي ووفقاً لذات الأوزان عقب الانتخابات. ولكن انهارت كل توقعات وسيناريوهات المؤتمر الوطني التي كان يرجو عبرها أن يخوض انتخابات تعيده للسلطة وبشرعية انتخابية ووفقاً لذات الخارطة التي كان يعمل ضمنها بل بأفضل منها بعد التفاهم مع حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي. ولما كانت مذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قد أربكت كل الترتيبات الانتخابية للمؤتمر الوطني ودفعت به ليحصد هشيماً من كل ما بذله في الترتيب للإنتخابات القادمة، بل ووضعته أمام ظروف بالغة الخطورة لكل وضعه الانتخابي وعلى كافة المستويات، كان لابد أن يدفع المؤتمر الوطني بالمقابل ويعمل على إرباك الآخرين عسى أن ينجح في جعلهم متساوين معه في الوضع وحتى لا يبقوا متقدمين عليه ويعملون في ظروف مريحة وهو منفرد بتهديد المحكمة الجنائية ويواجهها وحده بكل ما يترتب عليها. وبعد كل الذي صار ما يزال على المؤتمر الوطني مواجهة أزمته القاضية بإعلان مرشح بديل للرئيس البشير لإنتخابات الرئاسة القادمة، خاصة اذا اصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال ضده، وهو أمر أهون منه خوض الحرب ضد الجميع بما في ذلك الحركة الشعبية ذاتها بل والامم المتحدة نفسها. الواضح أن المؤتمر الوطني لا يستطيع إعلان مرشح غير الرئيس الحالي عمر البشير، بل الأسوأ من ذلك أن كل المرشحين ذوي الوزن الانتخابي المقدر مهددين هم كذلك بكرت محكمة الجنايات الدولية. فليس أمام المؤتمر الوطني سوى العمل على ارباك كل المشهد السياسي ولو استدعى الأمر تعليق الانتخابات دونما اعلان لذلك بل عبر خلق الظروف التي تخلق واقع لا يحتمل إجراء انتخابات طالما أن المؤتمر الوطني لن يدخل حتى مولدها ليحسب ما ذا كان سيخرج بحمص أو بدون حمص. وعليه ليس هناك الآن سوى التشويش والإمعان في التشويش على كافة الأصعدة. فدارفور لاهي مقبلة على حل (أهل السودان) بل هي أقرب لإعادة الحرب فيها وبلا هوادة. ولا توجد استراتيجية للتعامل مع أو ضد محكمة الجنايات الدولية. ورغم الإعلان والتأكيد عليه بأن الانتخابات ستكون في موعدها إلا أنها يمكن أن لا تكون وألا يكون لها موعد أصلاً، وعلى ذلك قس. والخلاصة أن مصير المؤتمر الوطني هو مصير الكل بما في ذلك البلاد. ولكن هل ستسير الأمور كذلك لتضمن للمؤتمر الوطني هذه النهاية؟!. ملحوظة