قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    آمال ليفربول في اللقب تتضاءل عند محطة وست هام    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    مناوي: أهل دارفور يستعدون لتحرير الإقليم بأكمله وليس الفاشر فقط    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    محمد وداعة يكتب: المسيرات .. حرب دعائية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    إسقاط مسيرتين فوق سماء مدينة مروي    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الدكتور حسن الترابي .. زوايا وأبعاد    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    هل فشل مشروع السوباط..!؟    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع عبدالله الطيب فى ( إلتماسة عزاء بين الشعراء ) ( 2 / 2 ) .. بقلم: صلاح محمد على
نشر في سودانيل يوم 27 - 06 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
كما ذكرت في الجزء الأول من هذا المقال فإن د. عبد الله الطيّب قد كتب " الإلتماسة " بعد فترة وجيزة من تلك الإنتخابات الشهيرة التي جرت في أواخر الستينيات لإختيار مدير جديد لجامعة الخرطوم والتي لم يحالفه التوفيق فيها للفوز بالمنصب الرفيع - و قد أشار الى هذا فى مقدمة الكتاب إذ قال ( وبعد ، فقد كتبت هذه الخواطر و النفس منقبضة و نوائب الدهر ماينين ) .
و لعل الكهول و الشيوخ من القراء يذكرون أن الدكتور قد سجل غضبته المضرية تلك في ديوان صغير سمّاه " اللواء الظافر " على قصيدة بهذا العنوان جاء فيها :-
وقفت كما رفع اللواء الظافر *** و جبينها حد السنان الباهر
أما ترينى كالحسين مضرّجاً *** بدم الشهيد فذاك فوز ظاهر
وفيها ذلك البيت شديد الهجاء :-
ووجوه قوم قد رأيت كأنها *** من قبحها في التجربات مقابر
وأخرى بإسم " الخميس الزاحف " مطلعها :-
لا تبغى غيرى فغيرى زائف *** وبنانتى فيها الخميس الزاحف
( أعلم - أصلحك الله - أن المخاطبة ههنا ليست إحدى الحسان و إنّما هى جامعة الخرطوم !! ) .
وكما أشرت آنفاً ، فإن " الإلتماسة " تختلف عن كتب الدكتور المشابهة مثل " حقيبة الذكريات " و " من نافذة القطار " و " بين النير والنور " لكونها تركز على الشعر و الشعراء أكثر من تلك .. على أنها – مع ذلك - تماثلها من حيث طريقة الدكتور المتفردة في الاستطراد والتنقل بين المواضيع و أسلوبه الذي هو أشبه بالمونولوج الداخلى .
و فضلاً عن المقارنات التى أجراها بين عدد من شعراء العرب الأعلام، وقف الدكتور فى " الإلتماسة " عند بعض الشعراءغير العرب ، خاصة الإنجليز منهم، وضمّن الكتاب نماذج لشعرهم بلغتهم مع نصوص معرّبة لها بنظم الدكتور نفسه فى بعض الأحيان .
-2-
يقول الدكتور : يأبى أبو الطيب الا أن نستشهد به فى كل مقام .. و لقد قال إبن الأثير ، يعنى أبا الطيب ، " فإن سعادة الرجل كانت أكبر من شعره " .. وكذب .. وبحسبك شاهداً مقتله وهو إبن أحدى و خمسين .. فى الأوج ..وبيده اللواء . و سرعان ما استدرك إبن الأثير بعد فقال: " وعلى الحقيقة فإنه خاتم الشعراء .. و مهما وصفته به فهو فوق الوصف وفوق الإطراء " ..
واستشهد هو نفسه – يعنى أبن الأثير - بقوله من بعد :
لا تطلبن كريماً بعد رؤيته *** إن الكرام بأسخاهم يداً ختموا
و لا تبال بشعر بعد شاعره *** قد أفسد القول حتى أحمد الصمم
والذهبى فى " تذكرة الحفّاظ " سمى أبا الطيب حامل لواء الشعراء !!
هذا و كان الدكتور أحمد الطيب ، رحمه الله ، يتغنى بقول أبى الطيب " أنا السابق الهادى " ... و ينفعل عند إنشاده أوله بإعجاب شديد :
أنا السابق الهادى الى ما أقوله *** إذ القول قبل القائلين مقول
وما لكلام الناس فى ما يريبنى *** أصول ولا للقائليه أصول
أعادى على ما يوجب الحب للفتى *** وأهدأ والأفكار فىّ تجول
سوى وجع الحساد داو فإنه *** إذا حلّ فى قلب فليس يحول
وكما هى عادته فهو لا يذكر أبا الطيب الاّ ويتبعه بذكر أبى تمام.
يقول : أليس فى نفسك من أبى تمام شىء ؟! - وعلى الفور -
قال أبو تمام :
بكر إذا جردت فى حسنها *** فكرك دلتك على الصانع
والبكر كثيرة فى شعر حبيب .. مثلاً :
بكر فما افترعتها كفّ حادثة *** ولا ترقّت إليها همة النّوب
هذا وإكثار أبى تمام من لفظ البكر مما ينبغى أن يوقف عنده .. كأنه يريد بذلك مدلولاً أعمق و أدق من مدلول هذه اللفظة.. و قوله " فما افترعتها كف حادثة " بعيد المتصّيد فيه استعارتان متداخلتان الأولى تبعية فى افترعتها والثانية مكنية فى كف حادثة .
و قال أبن الأثير ، وقد مارس من الشعر كل أول و أخير:
" أبو تمام ربّ معان و صقيل ألباب و أذهان فمن حفظ شعر الرجل و كشف عن غامضه وراض فكره برائضه ، أطاعته أعنة الكلام ، وكان قوله من البلاغة ما قالت حذام " !!
يقول الدكتور :
قد كان رحمه الله فى أعماقه متحضراً ..وكان الذوق المتحضر فى عصره يؤثر الأنس بزخرفة النغم و اللفظ وفسيفساء المقدرة البيانية اللبقة .. وكان مع تحضره ذكياً حساساً عاطفياً ذوّاقة خلاقاً فناناً .. فأعطى معاصريه مع فسيفساء اللفظ و زخارف النغم ألواناً من لعب البادرة و النادرة و صناعة المعانى و تطريز الأفكار - من مثل :
ليس الغبي بسيد في قومه *** لكن سيد قومه المتغابى !!
هذا وعندما يتجرد أبو تمام عن مقاربتنا بغوامضه و يقف على منبر و يلتزم بنصر الخليفة و التغنى و النعت لبهاء الدولة .. أبو تمام مشرف من فوق هذا جميعه بتجرده الرائع من منبره الرهيب .. ما كان ملتزماً بنصر الخليفة و التغنى بجلاله فحسب، و لكن بإقامة دعائم القريض :
إن الخليفة قد عزّت بدولته *** دعائم الملك فليعزز بك الأدب
خذها مغربةً فى الأرض آنسةً *** بكل فهم غريب حين تغترب
من كل قافية فيها إذا أجتنبت *** من كل ما يشتهيه المدنف الوصب
لا يستقى بحفيرالكتب رونقها *** ولم تزل تستقى من بحرها الكتب
حسيبة فى صميم المدح منصبها *** إذ أكثر الشعر ملقى ما له حسب
و يستطرد الدكتور :
يعجبنى من أبى تمام قوله " حسيبة فى صميم المدح " وقوة إحساسة بعظمة القصيدة .. مسكين أبو العتاهية ومن إليه إذ قصيدة المدح هى الشعر !!
و أبو الطيب رحمه الله تلقى تحدى أبى تمام إذ يقول " ولم تزل تستقى من بحرها الكتب " ... فقال بصوته الجهير المنير:
أنا السابق الهادى إلى ما أقوله *** إذ القول قبل القائلين مقول !!
والذى صحّ عندى أن أبا الطيب رحمه الله تعالى قد بدأ شاعراً ضخماً .. وهو -
بعد - القائل :
ولو لم تكونى بنت أكرم والد *** لكان أباك الضخم كونك لى أماً
وهو القائل :
أنعم ولذّ فللأمور أواخر *** أبداً إذا كانت لهنّ أوائل
ما نال أهل الجاهلية كلهم *** شعرى ولا سمعت بسحرى بابل
ولقد كان شعر أبى الطيب – و الحديث للدكتور - قبل عهد السيفيات ضربين : ما حلّق فيه كقوله :
ومن ينفق الساعات فى جمع ماله *** مخافة فقر فالذى صنع الفقر
( تعليق : هذا البيت المذهل جاء في قصيدته " أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر" التي
قالها في مدح إبن عمار الإنطاكي و جاءت فيها أبيات من أروع ما قال أبو الطيب :
وما زلت حتى قادني الشوق نحوه *** يسايرني في كل ركب له ذكر
أستكبر الأخبار قبل لقائه *** فلما التقينا صغّر الخَبَرَ الخُبْرُ
دعاني إليك العلم والحلم والحجى *** وهذا الكلام النظم والنائل النثر
وما قلت من شعر تكاد بيوته إذا *** كُتبت يبيضُّ من نورها الحبر
كأن المعاني في فصاحة لفظها *** نجوم الثريا أو خلائقك الزُهر
و ما أنا وحدي قلت ذا الشعر كله *** ولكن لشعري فيك من نفسه شعر )
والضرب الثاني ما كان منه رياضة قول تدفعه اليه ملكة الفن و دأب العبقرية ..
و كان الغرض من هذه الرياضة و الدربة أن يتمكن الشاعر المستكن فى نفس أبى الطيب من السيطرة على بيانه كل السيطرة .
وقد هتك أبو الطيب بقوة شخصيته حجاب الهيبة والمرتبة بينه وبين السلاطين .. وانتقم لإنكسار أبى نواس ، و ضرر بشار، وتمتمة حبيب ( أبى تمام )، و بذاذة أبى عبادة ( البحترى ) ، و رعونة الرومى .. بهذه الإشرافة المهيمنة من عل بقوة الشخصية المباشرة .. و أبو تمام بإيمانه بالفكر مهّد لأبى الطيب طريق الصولة به .. قال أبو الطيب :
وقفت على دار الحبيب فحمحمت *** جوادي وهل تشجو الجيادَ المعاهدُ
وما تنكر الدهماء من رسم منزل *** سقتها ضريب الشول فيه الولائد
-3-
يستطرد الدكتور فيقول :
وفى النفس أيضاً من الشاعر الأنجليزى صمويل تيلور كولردج شىء.. ولعل فى قراءته بلغة ليست هى لغتك بعض حجاب .. وقد كان لك به إعجاب ..ففيه وضوح وإلى الإسماح جنوح . يسمون الإسماح الآن تلقائية.. ولا أدرى كيف صير بهم إلى هذا الاشتقاق .. كأن مجال اللغة عن مرادهم قد طاق .. وكان أيضاً يتقن النغم و يتقن تفاصيل الجرس :
Weave a circle round him thrice
And close your eyes with holy dread
For he on honey-dew hath fed
And drunk the milk of paradise
ما أجمل وما أسلس...
السطران الأولان نظر فيهما كولردج الى سواحر ماكبث حيث رقصّن حول القدر التى فيها الضفادع و الأورال و إبهام ربان السفينة.. و هذا معنى قوله " و أغمضوا أجفانكم بالفزع المقدس " ... ثم جاء بندى العسل ...و لبن الجنّة من التوراة !!
هذا والذى كأنه صحّ عندى أن كولردج كان نادر الذكاء واسع الاطلاع جيّد الملكة.. غير أنه لم يكن مع معرفته موسيقا اللفظ و النغم موهوباً سحر البيان العميق حتى قصته " البحرى الشيخ "
"The Rime of the Ancient Mariner"
( التى ذكر الدكتور فى مكان آخر من الكتاب أنه يمكن ترجمتها ب " قافية الأردم العجوز " .. والأردم هو الملاّح ) .. فيها كلام حسن مصدر بعضه انفعالات خاصة ذاتية جداً ليست من موضوع القصة فى شىء .. و لكن من طرب كولردج لضربات موسيقى الرجز الشعبي .
عيب كولردج أنه جرد الفكر للشعر فأعطاه كل شىء الاّ الإلهام .. ولعل هذا العناء بجهد الذكاء هو الذى دفع به آخر الأمر الى التماس تخدير الأفيون..شبهه بأبى تمام معاناة الفؤاد العظيم طلب حطم القيود .. أما أبو تمام فنهض بها من فوق منبره و تلك هى روعته و عبقريته .. و رام كولردج كسرها أو اذابتها أو التخلص منها بضروب الاحتيال فأعيته . و قد أفاد شيلى و كيتس من كولردج . ومع هذا فلعل الأخير لو قد سلك غير نهج الرومانتيكيين لكان قد تأتى له من راحة الفؤاد ما لم يتأت له .
قراءتك شعر شاعر فى غير لغتك ، وإن شرحه لك الشّراح ، لا تخلو بحال من حجب . و البيان افصاح و بلاغ . و أفصح كولردج وما بلغنا . ما بلغ شغاف قلوبنا .. و نغمه البارع نقرناه وما طنَّ !!
- 4 -
و فى الجزء الأخير من " الإلتماسة " يعقد الدكتور مقارنات بين عدد من الشعراء الفحول من أمثال أبى العلاء وطرفة و النابغة والطغرائي و البحترى وذى الرمة و أبن الرومى و جرير .. يقول الدكتور :
أبن الرومى رحمه الله أتعب نفسه ليفوق البحترى بطريقة أبى تمام أى بالجهد
و الكد و اللجاج واستقصاء ما عند ملكة نفسه غير القوية جداً .. و صفاء البحترى و نقاء جرير من عطاء الله الذى لا يستطيعه البشر... و جلال أبى تمام وجماله أيضاً !!
هذا ولم يكن أبو العلاء المعرى ممن يؤتى من ضعف الذكاء على أيما وجه .. ولكنه رحمه الله لم يكن من حيث حاقّ الشاعرية أريحى أعماق النفس . وقد سلمت لأبى العلاء ، بقوة الملكة ، بدائع فى كلماته " طربن للمع البارق المتعالى " و " نبى من الغربان ليس على شرع " و اللامية التى لعلها أميرة شعره " مغانى اللوى من شخصك اليوم أطلال ".. ولكنه - يستطرد الدكتور – كان يعانى من القبض الحضارى و العقد المزورة ( بتشديد الراء من الازورار لا التزوير ! ) .. و أحسب أن أبا العلاء آثر سبيل النظم بلزوم ما لا يلزم بعد أن أجبره ذكاؤه على ترك محاكاة أبى الطيب و طلب التفوق عليه بأساليب الشعراء المعروفة وحمله حملاً على التماس النظم البحت .. و اللزوميات أفضت الى رسالة الغفران .. وفى رسالة الغفران جوّد أسلوب حرية الفكر فألبسه التقية و السخرية فاجتمعت له فضيلة ذلك مع ما فى اللزوميات من النادرة وما يؤثر للحفظ .. ونظر الأشياخ فبهرتهم الصناعة و البراعة و اختار أبن الأثير أبياتاً منها ليدل على التكلف و الصنعة .. واستعار أبن الحريرى ما شاء الله له فى المقامات .عفا الله عن أبى العلاء المعرى .. كان من أهل الفضل من بيت فضل .. ولكن ما قاله فى اللزوميات وفى رسالة الغفران الله أعلم به .
-5-
كنتَ فى الصبا تنشد بردة المديح تستعين بها على المطالب...فتوسل بها الآن ، فكم بها أحرزت مآرب ، و نيلت مكاسب ، و أنت الى ربك راغب .
قال الإمام البوصيرى رضى الله عنه :
أمن تذكر جيران بذى سلم *** مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة *** وأومض البرق فى الظلماء من إضم
فما لعينيك إن قلت اكففا همتا *** وما لقلبك إن قلت استفق يهم
يذكر الدكتور أن مقدمى البردة فى الطبعة الشعبية قالوا أن أحد الأئمة كان يقرأها كل ليلة ليرى النبى ( صلى الله عليه و سلّم ) فلم تتيسر له الرؤيا.. فقيل له إن لها شرطاً و هو أن يقرأ بعد كل بيت :
مولاى صل و سلم دائماً أبداً *** على حبيبك خير الخلق كلهم
وذلك أن الإمام البوصيرى أنشد النبى ( صلى الله عليه و سلّم ) بردته فى منامه فلما بلغ قوله فيها " فمبلغ العلم فيه أنّه بشر " أرتجّ عليه فلم يستطع إكمال البيت فقال له النبى ( ص ) :
... و إنّه خير خلق الله كلهم
و أبيات البردة مائة و ستون كما قال الإمام رحمه الله تعالى :
وهذه بردة المختار قد ختمت *** والحمد لله فى بدء وفى ختم
أبياتها قد أتت ستون مع مائة *** فرّج بها كربنا يا واسع الكرم
ويرى الدكتور أن نموذج البردة الأول الذى حذا عليه الحاذون هو كلمة كعب أبن زهير رضى الله عنه :
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول *** متيّم إثرها لم يفد مكبول
إنّ الرسول لنور يستضاء به *** مهند من سيوف الله مسلول
-6-
و لم يكن مثل عنترة فارس .. وما كان شخصاً اسطورياً و لكن من لحم ودم يدلك على ذلك أنه هجين و ما كان بالعرب حاجة لو قد كان اسطورياً لأن يجعلوه هجيناً أسود وقد كانوا يضنون بخيلهم على الهجنة فكيف بفرسانها ؟!
ثم شعره يدل على روح من لحم و دم - ومعلقته فيها الحزن و الطرب
و قبول قضاء الله و احتمال ظلم الناس ثم مع ذلك ثقة القلب بالتبريز و هذه مادة البطولة الخارقة . . ثم قتاله الخارق بالرمح و السيف و السهم كان صورتها . وقد جاء فى سيرته أنه خرج و هو شيخ كبير بين شرج و ناظرة فرمى بسهم فمات ..
ونغم عنترة مرهف الاحساس بعيد أغوار الشجى رنّان.. و لعل هذا جاءه من أخواله السودان فإنه يغلب على موسيقاهم إيثار الغناء الصادح الجهير من جوف قصب الصدر .. وكان للسودان بجزيرة العرب غناء و لعب و دفوف:-
هلا سألت الخيل يابنة مالك *** إن كنت جاهلة بما لم تعلمى
يخبرك من شهد الوقيعة اننى *** أغشى الوغى وأعف عند المغنم
وفى آخر المعلقة :
ما زلت أرميهم بثغرة نحره *** ولبانه حتى تسربل بالدم
فازوّر من وقع القنا بلبانه *** وشكا الىّ بعبرة و تحمحم
لوكان يدرى ما المحاورة اشتكى ولكان لوعلم الكلام مكلمى
و بعد ، آمل أن تكون الأمثلة والنماذج التى أخترت معبرةً عن أجواء وروح هذا الكتاب الجامع الممتع الذى هو - فى تقديرى - أهم كتاب للعلاّمة عبدالله الطيّب بعد كتابه المرجع " المرشد الى فهم أشعار العرب و صناعتها " كما أرجو أن يكون فيما اخترت لمن لم يطّلع على الكتاب بعد إغراء وحافز للسعى للحصول عليه : فهو جدير بالاقتناء و القراءة مرات ومرات !!!
= = = = =
salah ali [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.