[email protected] وسيلة الاتصال التي عناها الشاعر قد تفضي بسبيل أو بآخر إلى المدرسة.. التي صاغها شعراً محجوب شريف في أضابير سهله الممتنع : المدرسة فاتحة على الشارع.. والشارع فاتح على قلبي والقلب مساكن شعبية.. الشاعر لم يسيّر مظاهرة سواء كانت سلمية أم مُخربة بل جهر بمطالبه الحياتية اليومية، نريد وسيلة اتصال تذهب بنا إلى مدرسة نطرد بها دياجير الجهل، ومن بعدها نريد شفخانة صغيرة نتداوى بها من الملاريا والبلهارسيا، ونخيط فيها جروحاً كانت بعامل الزمن.. لا نريد مستوصفاً فاخراً ندفع فيه من أجل(الرنين المغناطيسي) ملايين الجنيهات.. حسبنا فقط مستشفى بحسب أمراض بيئتنا بدلاً عن نقطة البوليس، فالأمن يأتي بعد الطريق والمدرسة والمستشفى لعلاج الإنسان الذي حدد المولى أولوياته في سورة قريش أنّ الطعام أولاً ثم الأمن.. لأنّ الجوع بلا شك يفضي إلى الجريمة وانعدام السلام (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، ودوننا قول أبي ذر الغفاري عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ثم لا يخرج على الناس شاهراً سيفه). البنية التحتية لا تشيد عبثاً أو ملهاة بل هي محكومة بالتخطيط الوظيفي للخدمات والأولويات التي تهم المواطن، وكل من فكر وقدر سيجد بكل بساطة ودونما إعمال عقل كثير أنّ التعليم ورفع الجهل أولى من الصحة.. فالجهل يقود المجتمع نحو مهاوي الأمراض، وربّ متعلّم حريص على صحته أفضل من غني جاهل بما يضرّه .. كيف تستقيم سبل مكافحة الأمراض والوقاية منها والتوعية بمخاطرها دون علم وجهل.. شتان ما بين أخو علم وجهول. أيّهما أنفع وأجدى مدرسة يتلى وتعلّم فيها يومياً مفردات ومعاني (إقرأ) أم مستوصف يحتاج إلى خريج في هذه المدرسة يديره و يبرئ فيه جراح المرضى.. أيّهما أجدى وأنفع.. وأجدى وأنفع أسماء تفضيل وكلاهما خير، ولكن أحدهما أفضل وأعلى شأناً من الآخر. ما سبق سقناه لنقول بوصفنا مواطنين سودانيين أنّ قضية تجفيف مدرسة العمارات 1 واختزالها وتحريكها أو دمجها في المدرسة 2 في مساحة واحدة تتغول على الساحة ومراتع تهيئة الأذهان هي قضية مجتمعية أجدر بها أن تكون قضية رأي عام، أو نقطة نقاش لنتعلم معادلة الأولويات، وأيّهما أنفع وأجدى لمجتمع سوداني مدرسة أم مستوصف استثماري لطف أسمه وهُذب تحت صفة ومُسمى خيري – مع حاجتنا لهامش أو قواميس لغة تشرح لنا العلاقة بين الاستثماري والخيري- وتحت دعاوى أنّ بيئة المدرسة غير صالحة، وكأنّهم من يقرر ذلك أو منوط بهم أمر حل مشاكل التعليم دون سواهم وفي العمارات فقط مع ان الهامش يحتاج لمئات المدارس.. وهذا في حد ذاته أكبر دليل على التسلّط وركل الديمقراطية وهضم حق الآخر، وفي خضم هذا النزاع ذي الحق الواضح تمّ إغفال رأي أهل التخطيط التربوي الذي غُيّب وصرف تماماً في عصر تبنى فيه الحقائق وتشيد المشاريع والمنشآت استناداً على لغة الأرقام، ولم يكلّف أصحاب المشروع أنفسهم معرفة ما هي المساحة المطلوبة علمياً وتربوياً لتشييد مدرسة أو شكلها المعروف بحسب وضعها سواء كانت في طرف الأرض تبنى على شكل (L) أم تتوسطها وفي هذه الحالة يكون شكلها (T) أو حتى قدر المساحة خارج الفصل التي يحتاجها التلاميذ لإقامة مناشطهم وامتصاص التوتر هذا دون حساب أماكن الخدمات مثل مياه الشرب والبوفيه والفرندات والمسرح ودورات المياه وحتى لا نزحم القارئ بالأعداد كثيراً نقول له باختصار إنّ المدرسة ذات النهر الواحد تحتاج إلى (10800) ناهيك عن مدرسة بنين وبنات ستمثل أربعة أنهر في شكلها المزعوم بناؤه عند اختزالهما ولن تتعدى المساحة الفاصلة بينهما عند تحويلهما أكثر من 20 متراً.. وهنا ستظهر سوالب السلم التعليمي فسيكون في مساحة واحدة 4 (أنهر) تحوي (32) فصلاً وحوالي (1400) تلميذ تتفاوت أعمارهم وهم مكتظون ما بين السادسة والرابعة عشرة، وهنا مدعاة لأن يختلط الحابل بالنابل، وتظهر سلبيات السلم التعليمي الذي كان يخفف من حدته المساحة التي تشكل تنفساً وفصلاً في بعض الأحايين ما بين ثلاث فئات عمرية تضج بهم مدارسنا في مرحلة الأساس هي: - فئة عمرية ما بين 6-8 سنوات تعرف بالطفولة المتوسطة. - فئة عمرية ما بين 9-12 سنة تعرف بالطفولة المتأخرة. - فئة عمرية مابين 13-14 سنة تُعرف بمرحلة النمو غير المتزن وبوادر المراهقة وتحتاج لتعامل خاص. ربما كنا سنجد العذر لآل النفيدي لو أنّهم قالوا إنّ المدرسة قابلة للسقوط أو تكاد تسجد جدرانها، ولكن أن تدك وتهدّ بسبب انعدام الخدمات وتردي الصرف الصحي وانعدام الفراشين فهذا ما ليس بموضوعي أو حلاً لمشاكل مدارسنا السودانية التي لا تختلف عنها كثيراً.. وهب أنّك تسكن مكاناً لا توجد فيها مدرسة وجاءك من يتبرع لك ببناء مدرسة ولكن دون تشييد خدمات الصرف الصحي والتكفّل بنفقات الفراشين أو نقش لونها مثلاً فهل نرفض ذلك تحت دعاوى أنّ الخدمات ناقصة والمثل يقول رب قليل أنفع من كثير.. الأولى أن نرمم منشآتنا ونُصلح ما حاق بها من ضرر، ونحافظ على بنيتنا التحتية ونبدأ من حيث انتهى الآخرون. نعم بيئة المدرسة متدهورة ولكنّها تلقم كل من كان في قلبه مرض حجراً بجدارتها وجودة مستواها واحتلالها للمراكز الأولى لعدد من السنوات السابقة برغم قلة الموارد ونقص الخدمات.. ثم ما هي معايير تردي وتدهور الخدمات هل هو الصرف الصحي أم انعدام الماء والكهرباء؛ أمّا الصرف الصحي فدونك وسط الخرطوم وعماراته الشاهقة وهي تعاني سوء الصرف الصحي بسبب الإدارات والقرارات غير الموفقة فهل من أحد أمر أصحابها بتحويلها أو إزالتها لذات السبب، وأمّا قولهم عن الماء والكهرباء فهي تنعدم في بيوتنا نحن الفقراء يومياً لأنّه السودان، ولأنه قدرنا الذي لن نفر منه، فبلادنا وإن جارت علينا فهي عزيزة، فهل نهدم كل السودان القديم ونرحل لا جتراح واشتقاق سودان آخر جديد ينعم بتلك الخدمات والرفاه.. والله لهي كلمة حق أريد بها باطل سار بها الأمر حتى سوح محاكمنا السودانية التي أحقت الحق وللقاضي من الله عظيم الجزاء.. حيث أمرت المحكمة برئاسة القاضي عثمان العبيد أحمد قاضي محكمة الاستئناف بالخرطوم بإيقاف القرار موضوع الطعن وإلغاء تخصيص القطعة موضوع النزاع، وقد خاطبت محكمة الاستئناف بالخرطوم وزير التخطيط العمراني التي أصدرت قراراً بالتصديق لإقامة المستوصف مكان المدرسة وكذلك خاطبت لجنة الولاية للتخطيط العمراني ومؤسسة بشير النفيدي الخيرية بأمر وقف القرار موضوع الطعن لحين الفصل في الطعن والقاضي بإلغاء تخصيص القطعة رقم (11) شرق الامتداد. والقاضي بحكمه هذا يرجع الشأن لأهل الاختصاص ويقطع الطريق أمام أي حديث عن بيئة المدرسة غير الصالحة أو أنّ مستوى المدرسة ليس في مستوى أهل العمارات المادي.. ولكن ما غاب عن موسسة النفيدي الخيرية أنّ مدرسة العمارات ليست وحدها التي تعاني فكل المدارس الحكومية في بلدنا تشبهها فهل نهدمها جميعاً لنبني مكانها مستوصفاً استثمارياً خيرياً يتبع لآل فلان وآل علان.. وثمة تساؤلات أخرى يجب أن تطرح لتمليك الحقائق، هل يعرف من منح التصديق أنّ هناك مناطق طرفية في الخرطوم هي أحوج ما تكون لهكذا مدارس وليست منطقة العمارات.. ومن الذي صدّق بقيام هذا المستوصف ؟ أهي وزارة الصحة أم كان الأمر بناء على موافقة التعليم العام أم التخطيط العمراني؟ وأين أساليب التخطيط الديموغرافي الحديث؟ هل استصحب معه حسابات الكثافة السكانية النوعية والكمية عند التصديق؟ وهل من منح التصديق خاف الله واتبع أسلوب خرائط التوزيعات، ومعرفة خارطة توزيع وظيفة الصحة والتعليم في الخرطوم عموماً والعمارات بصفة خاصة؟ أم أنّهم لا يعرفون أنّ بمنطقة العمارات أكثر من 22 مرفقاً تؤدي وظيفة الصحة وأقل من 11 أو 12 مرفقاً تؤدي وظيفة التعليم؟.. إذن أيّهما أجدى وأنفع المستوصف الاستثماري الخيري أم المدرسة؟.