الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فكفكة دولة كتشنر ... كيف؟ .. بقلم: أحمد الأسد: الولايات المتحدة
نشر في سودانيل يوم 21 - 07 - 2012

ميتشيقان/ الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected] (2) [email protected] (1)
بدأت كتابة هذا المقال في الأسبوع الأول من يناير عام 2010 ولكنني ترددت في نشره وعكفت على تنقيحه طوال عشرة أشهر ليتزامن مع الذكرى السادسة والخمسين لرفع راية استقلالنا.
مضت ثلاثة وخمسون عاماً على استقلالنا المسنن (1/1/56) وتعاقبت على دست الحكم قوى توارثت نظام الدولة الاستعمارية واستمرأت تسلط المركزية وهيمنة البيروقراطية وتجيش الإدارة الأهلية وسلكت مسارات انتقائية للتنمية الإقنصادية وانجرفت في مزالق هوية الاستعراب الإسلامي وتدجين النخب الدينية والسياسية. نكسنا علمي إدارة الحكم الثنائي ورفعنا راية استقلالنا بالتراضي مع دولتي الاحتلال. بدأت النزاعات للاستيلاء على السلطة بمسميات خادعات: الديمقراطية الأولى... الخ والحكومات العسكرية...الخ. وقد هالني تكبير وتهليل الإنقاذيين ومعارضيهم يوم 3/1/2010 داخل سور قصر غردون باشا احتفاء بذكرى الاستقلال وهم يستمعون لنشيد "اليوم رفعنا راية استقلالنا." تفرست في وجوه الأجيال من الحاضرين واستجمعت قواي لأرجع أعنة الذاكرة إلى سواكن وكررى عام الكسرة ومذابح أم دبيكرات والشكابة وتداعياتها. وليقل من يشاء أن هذا نبش لمدافن المسكون عنه. وقد يخشى البعض الغوص في لجة العقل السوداني والتصدي لمحظورات القداسة الدينية والسياسية ومواجهة ادعاءات خادعات أفقدت الأجيال المتتالية قدرة البصر والبصيرة.
أستميح القارئ الكريم عفواً إن استشف فيما أسرد من أحداث جرأة وقحة أو تطاولاً على آلهة بشرية أو نبشاً لخيانات تسربلت ببطولات زائفة أو جرداً لحسابات عفى عليها الزمن. ليس من مقاصد ما أسرد إثارة معارك شخصية ... من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر! بذلت قصارى جهدي أن أتفادى رصد موبقات من يتسترون واثقاً من أن كل من يدمن إيهام نفسه واستغفال الآخرين لن يفلت من القصاص.
(1 ) مواقف مخزية
في هذا السياق سأحتكم إلى القراء مستهلاً بعض المواقف المخزية بالعجالة التالية:
 حينما إستباح كتشنر بقعة المهدي (أمدرمان) عقب كسرة كرري سقطت الأقنعة الخادعة عن أوجه المتربصين بالثورة في الداخل وإفتضح تآمر الوافدين من الخارج والمتهافتين على فتات موائد الغزاة من زعماء القبائل والطوائف الدينية والطرق الصوفية ومرتزقة الخديوية والأرقاء والمؤلفة قلوبهم من الانتهازيين. ابتدعت إدارة الحكم الثنائي عدة وسائل لتدجين العقل السوداني وقمع الهبات الثورية وأطلقت عنان الزعامات الدينية المعادية للثورة من المقيمين والوافدين وطوعت ضعاف النفوس من المهزومين أبناء شهداء كرري وأم دبيكرات والشكابة...فأقبلوا صاغرين على خراب آخرتهم وانكبوا على أعمار دنياهم. ما أشبه الليلة بالبارحة!
 أقتطع التوسع الإمبريالي كلوية من خارطة السودان القاري الممتدة من البحر الأحمر الى الأطلسي وسيجها في إطار رقعة سميت السودان الإنجليزي/المصري! سرقة السارق يديك ليها الخالق. ارتوت أرض السودان القاري عبر القرون بدماء الملايين من البشر وشهدت صدام حضارات وأديان وممالك لا حصر لها تعرفنا علي بعضها من التاريخ المكتوب والبعض الآخر من لقيات تنقيب الآثار. هكذا كان شأن البشر في غالبية بقاع المعمورة ولكن اللافت أن التاريخ لم يرصد أي كيان سلطوي أو نظام حكم كان يسمي السودان من بين كل الكيانات التي نشأت وبادت: ممالك كوش والنوبة وعلوة والسلطنة الزرقاء والمسبعات وسلطانات داجو وترجم والفور وممالك العبدلات والجعليين ... ألخ
 أنشغل آباء استقلالنا بتوزيع الغنائم وإنشدهوا عن الألغام التي زرعها الشره الإستعمارى في ترسنم خارطة السودان ألإنجليزي/الخديوي (حفرة النحاس – أبيي – المثلث الليبي - الفشقة – حلايب ...الخ). لقد رفعنا راية استقلالنا فوق رقعة أرض استردتها الخلافة العثمانية المتألمة من أعتي وأول دولة أفريقية نزعت في بوتقتها إرادات العديد من الأعراق والديانات إلى التوحد وتقاطعت في مساراتها مقاصد الأسياد والأرقاء. هل تساءل آباء استقلالنا إن كانت مذبحة كررى انتحارا متعمداً أم مخطط خيانة وطنية؟ أو سألوا من كان ضالعاً في صفوف الخيانة ومن كانوا الضحايا من أسلاف وأجداد وآباء المتصدرين لمحافل رفع راية استقلالنا. إذا لم يجرأ على كشف المستور أى من الذين رضعوا لبان الخيانة ماذا دهى أبناء وأحفاد الضحايا؟ وماذا كسب الشعب السوداني من تنازع بعضهم على توارث المواقع والتفاخر بالانتماء لآل البيت والإدعاء باستخلافهم على الأرض من رب العزة والجلال؟ جعل بعضهم من مقام إسماعيل باشا مصلى (قاهرة المعز) وأتخذ البعض الأخر من مقام جورج الخامس قبلة (لندن). صدق الشيخ فرح ود تكتوك حينما قال "السبقونا ما حدثونا واللحقونا ما صدقونا!" وعند هذا المنعطف لا أتردد في نبش قبور أحداث تاريخية لا يجرؤ أحد على إنكارها.
 مواقف أعيان أمدرمان الثمانين الذين رفعوا عريضة لسردار الجيش المصري في مايو 1898 يعترضون فيها على انتزاع ما ملكت أيمانهم من الأرقاء لتأهيلهم للخدمة في قوات دفاع السودان. رفع المذكورون عريضة احتجاج بوصفهم أهل الحل والربط وقعها كل من كان قادراً على فك الخط وطبع العاجزون أختامهم.
 وحينما أصدر السكرتير الإداري منشور صكوك تحريرا لأرقاء أول مايو 1919، خاطب السادة على الميرغنى ويوسف الهندى وعبد الرحمن المهدى زعماء الطوائف الدينية )مارس 1925( مدير المخابرات المركزية مطالبين بإيقاف إصدار صكوك التحرير متحججين بتبعات ما ينجم عن تحرير العبيد من مضار على الإنتاج الزراعي والتسبب في انتشار المفاسد (الدعارة وتجارة الخمور) وتفشى الجريمة في المدن والقرى. فما كان من إدارة الحكم الثنائي إلا أن تراجعت بموجب المنشور الصادر في مايو 1925 وأوقفت مراسم إصدار صكوك تحرير الأرقاء واستبدلتها بلوائح تسمح لبعض من تم تحريرهم بالرجوع الطوعي إلى أسيادهم.
 تهافت مشايخ القبائل وزعماء الطوائف الدينية لرفع سفر الولاء والطاعة (1919) إلى جلالة الملك جورج الخامس تهنيئة لبريطانيا العظمى وحلفائها عقب الحرب العالمية الأولى وابتهاجا بهزيمة دول المحور المتحالفة مع سلطنة الخلافة العثمانية المتألمة.
 توافقت دولتا الحكم الثنائي على تطويع زعامات العشائر والطوائف بوسائل مادية واجتماعية مكنت بعض نخبها - على الرغم من خلافاتها العقائدية وتعارض مصالحها الذاتية - من الاستحواذ على مقدرات دنيوية وقدسية تحولت بموجبها من طرق وطوائف دينية إلى طبقات اجتماعية متميزة. استدرت زعامات الطوائف الدينية الرئيسية الثلاث عطاء دولتي الاحتلال الثنائي (استقطاع الأراضي الزراعية وتقنين الرشاوى التمويلية وجباية الزكاوات والإتاوات من الأتباع وإباحة استغلال الرق الديني مقابل صكوك الغفران). اقترفوا أبشع المظالم وانشغلوا بنعيم الدنيا دون محاسبة أو عقاب والأنقى بل الأمر من كل هذا أن بعض ورثتهم يطالبون اليوم باسترداد المظالم وتسوية مستحقاتهم المكتنزة أصلاً من مسغبة وعرق الأتباع والمريدين.
 مواقف زعماء الطوائف الدينية والقبائل عقب هزيمة ثورة 1924 عندما أصدروا بيانا أدانوا فيه قادتها وتجنوا فيه على شهدائها وجردوهم من شرف الانتماء إلى البيوت والقبائل السودانية وبرؤوا أنفسهم من مغبة الفتنة. وقالوها مجلجلة : ديل عبيد ساكت! واشهر أبناء المهزومين وسدنة الغزاة - بجرأة غير مسبوقة - ولاءهم لإدارة السلطات المعتدية وعرفانهم لما بذلت من جهد في سعيها المتواصل للحفاظ على أمن واستقرار البلاد.
(2) استقطاب براعم الطبقة الوسطى
ودع آباء استقلالنا بكل حبور فلول قوات الاحتلال من محطة السكة الحديدية بالخرطوم وهرعوا إلى أسلاب السودنة ولم يكملوا عمليات التسليم والتسلم وارتدت إليهم الأبصار خاسئة دون التدقيق في الخارطة التي تم ترسيمها بقلم إلمدير البريطانى لمصلحة المساحةّ! لماذا تستر من ادعوا أبوة استقلالنا على سوالف مواقفهم ورؤاهم ؟ شهور معدودة -قبيل رفع راية استقلالنا -كان بعضهم يدعو باسم الإسلام والعروبة لتحقيق حلم الخديوية : وضع السودان تحت تاج الفاروق المفدى سليل العترة النبويةّ! وكان البعض الآخر يحلم بملك عضد تحت التاج البريطاني.
كشف رواد الطبقة الوسطى : أحمد خير المحامي وخضر حمد ومحمد أحمد يس وأمين التوم وحسن نجيلة وعبد الله رجب وآخرون كشفوا في مذكراتهم تكالب الطوائف الدينية وتسلطها على طليعة الحركة الوطنية من الطبقة الوسطى وذلك باستقطاب عناصر نادى ومؤتمر الخريجين (4619-1918) واستدراج الفئات المستنيرة إلى بؤر الأدلة الدينية والسياسية المتشظية في حظائر طوائف وأحزاب أحكمت قبضتها على مفاصل الحركة الوطنية ما يقارب القرنين من الزمان.
كان ذلك تسلطاَ بالوكالة على أجنة حداة الاستنارة في الحركة الوطنية وإخماداً لحراك فئات من الموظفين والتجار والحرفيين وكل من أشتد ساعده لإرساء لبنات الأساس لأول كيان قومي للطبقة الوسطى. وقد أجمع رواد الاستنارة على إدانة مواقف فئات متقاعسة تخلت عن نقاء عناصر الصفوة وعقلانية أهدافها ولم تقو على الإفلات من مصائد الاستقطاب الطائفي. لم تكن نشأة الطبقة الوسطى - من أرضية النخب المستنيرة في المدائن والأرياف صدفة تاريخية بل كانت ضرورة حتم ظروف تركيبة إدارة الحكم الثنائي وأتساع هوة النزاع بين شقيها الخديوي والبريطاني. يتطلب هذا المنعطف التاريخي توجيه أضواء ثاقبة تقشع العتمة التي أسبلها التناحر الطائفي على تاريخ الحركة الوطنية.
اكتفى رواد الاستنارة بتعرية التسلط الطائفي وأطلقوا إنذارات مبكرة حول مخاطره على الدين والمجتمع وامتشقوا شعارات مدمرة - الكهنوت مصيرو الموت – ولكن بعض فئاتهم لم تنفذ إلى منبت الطوائف وركائز نشأتها وارتقائها لا لعجزهم الفكري وإنما لتهافتهم على حاضنات طبقات اجتماعية تخلقت في رحم إدارة الحكم الثنائي. رضعوا لبان مرجعيات الفكر العرقوبي/الإسلامي: الناس سواسية كأسنان المشط وأغمضوا أعينهم عن تضاريس التركيبة الطبقية للمجتمع السوداني السابقة واللاحقة للتدخلات الأجنبية.
(3) أسبقية نشوء الدولة
يطفح الزهو والانبهار بإيجابيات تطورنا الحضاري قديمه وحديثه بينما تسدل عتمة داكنة على سلبياته. وخير مثال لذلك تفاخرنا بالدويلات الأفريقية والنوبية والمسيحية والإسلامية وغض الأنظار عن استعبادها للإنسان وتسلطها عليه. وعلى الرغم من طبيعة أنظمتها العبودية وتشظي تناحرها الطبقي والعرقي وطول باعها في إبادة البشر يتواصل ستر عوراتها تحت رداء الحضارة السودانية.
وفقاً لمعايير نشأة وتطور ا لدولة يمكن للباحث تصنيف عدة عوامل لمكوناتها المحلية والخارجية (القهر القبلي والهيمنة العرقية وإقحام الثقافات الدينية والغزو الأجنبي والاستحواذ على وسائل الإنتاج خاصة الأرض والقوى البشرية ... ألخ ). على امتداد تاريخ رقعة السودان القاري تخلقت نظم للحكم في إطار سلطنات وممالك ودويلات قبلية متعددة الأعراق والديانات والتوجهات الحضارية. يمكننا - استنادا إلى التاريخ المكتوب وما توصلت إليه علوم الآثار - أن نثبت أسبقية نشوء الدولة في الرقعة الجغرافية التي سادت فيها الحضارة النوبية (شمال وشرق وأواسط السودان القاري). كما نشأت سلطنات متباينة الأنماط والتوجهات في الرقعة المسماة حالياً : دارفور وكردفان والجزيرة الزرقاء. وعلى الرغم من شح الدراسات التاريخية وتقاعس الجهد الوطني وتسلط الفكر الإمبريالى توصل العديد من الباحثين إلى نشأة وتطور الدولة في السودان القاري عبر آلاف السنين. منذ انقسام الجماعات البشرية إلى طبقات اجتماعية أكتشف الإنسان توأمة الدين وجهاز الدولة لإدارة القهر الطبقي وتقنين مصالح الفئات المهيمنة وتأليه البشر.
ويتواصل السجال الأيديولوجي حتى اليوم حول الحضارة النوبية ومواقع نشأتها بينما يصر بعض علماء الآثار على انحدارها من الهضبة الأثيوبية. نذكر منهم شيخ أنتا ديوب العالم السنقالى 1926) (1983 – عالم الآثار والفيزياء والسياسى الذى أنجز دراسات غير مسبوقة عن أرومة العناصر البشرية والحضارات الأفريقية قبيل الاجتياح الإستعمارى.
ويؤكد آخرون تمازج هذه الحضارة مع حضارات السودان القاري. ويؤكد علماء الاجتماع والسياسة أن هياكل النظم المستحدثة للدولة القومية (nation-state) - الدينية و/أو المدنية - لا تختلف كثيراً عن نظم الدول القديمة في شمال وغرب السودان القاري بل تماهت في غالبية القسمات : خاصة تمركزا لسلطات الدنيوية والدينية في قبضة الفئات المهيمنة على مفاصل المجتمع اقتصاديا واجتماعيا.
أثبتت لقيات الحفريات الأثرية أن الحضارة النوبية المسماة حالياَ بالفرعونية قد انحدرت من بوتقة الهضبة الأثيوبية وأن براعم الدويلات الدار فورية السابقة للفتوحات الإسلامية شقت مسالك حضارية مع الأسر النوبية (الفرعونية). كان التبادل التجاري (الذهب والعبيد) رأس الرمح في التلاقح الحضاري : دخل التاجر ثم اللغة تحت مظلة الدين. وكانت مناطق شمال وأواسط وغرب وشرق السودان أمهاداً لبراعم الدويلات العشائرية والإثنية والممالك الوثنية (الديانات النوبية) التي لم تقو على صد إجتياحات القوى الوحدانية : العبرية والمسيحية والإسلامية وما فرخت من نظم إمبريالية. هذا وقد اشرأبت في غرب السودان خلال منتصف القرن الخامس عشر أنماط دويلات إسلامية متأثرة بالهبات الإسلامية في غرب السودان القاري (نيجيريا والنيجر والسنغال ... ألخ ) حيث تسللت النخب الصوفية المتأسلمة إلى معاقل الفئات السلطوية الحاكمة ( راجع طبقات ود ضيف الله). صنفت معظم تلك النظم – حسب مفهوم العلوم الاجتماعية – في عداد الدول الثيوقراطية المستندة إلى مختلف المعتقدات الدينية. ولتقريب مفهوم تركيبة الدولة الثيوقراطية إلى مخيلة القارئ نشير إلى الدوليات المعترف بها فى خارطة السودان الانجليزي/المصرى : النوبية والمسيحية والإسلامية في شمال وشرق وأواسط وغرب البلاد.
(4) سلطانات دارفور والمهدية
تفادياً لتداعيات السجال المتواصل حول هوية الإنسان السودانى وتهافت الطقم الحاكمة لعربنة وأسلمة السودان الإنجليزي/المصري ؛ لا بد من التعرض لنماذج نشأة وتطور الهياكل التنظيمية لإدارة الدولة في شمال وشرق وغرب السودان القاري. وبما أن المجال لا يتسع للخوض في لجة الممالك النوبية والسلطنات الإقليمية الأخرى لجأت لانتقاء أنموذجين متقاربين تاريخياَ وأيديولوجيا (دويلات السلطنات العشائرية بغرب السودان ودولة الثورة المهدوية) . كانت المرجعيات الإسلامية آنذاك قاسماً مشتركاً في بنية أدبيات بن فودن الفولاني (نيجيريا) وكتاب السلطان دالي (غرب السودان) وأدبيات آل الشريف الهندي الوافد من (الحجاز) ومولد المراغنة الوافد من (الحجاز وإريتريا) وراتب ومنشورات الإمام المهدي المبوتق في (شمال وأواسط وغرب السودان). ونسبة لشح الدراسات المرصودة حول سلطنات غرب وشرق السودان فضلت التركيز على دولة الثورة المهدوية.
لا جدال حول مكانة الثورة المهدوية في تاريخ بطولات شعوبنا وحتمية تصنيفها في باكورة الثورات الدينية التي تصدت للإمبريالية الأوربية (بريطانيا العظمى) والإمبريالية الإسلامية (السلطنة العثمانية والنظام الخديوي).
استندت دعوة المهدي المنتظر في السودان الى مرجعيات الديانات العبرية والعيسوية والإسلامية (الشيعة والسنة) بالإضافة إلى ما استبطنت من اجتهادات ذاتية. وعلى الرغم من تقاطع المقاصد والرؤى العقائدية فى مصاف قيادات المهدية وتعدد تركيبة قواها البشرية لا يمكن إنكار أنها ثورة انصهرت في بوتقتها أعراق وديانات وقبائل وفئات وطبقات اجتماعية. كما تضافرت في صدارة قيادتها جهود الصوفي وزعيم القبيلة وتاجرالرقيق. فقد تجيش لنصرة الثورة المسلم والنصراني والوثني والمستعرب والمتأفرق. وتلاحمت في تضاريس مسارها عزائم السادة والأرقاء لمواجهة العدو بينما أشهرت طوائف وافدة وقبائل سودانية عداءها العرقي والعقائدي لمعاقل الثورة وحرضت قواها لنصرة الغزاة. أحدثت المهدية تجليات غير مسبوقة في استيعاب الموروث الإسلامي من المرجعيات العقدية والسياسية والإجتماعية ليس في السودان فحسب بل على نطاق المجتمعات العربية والأفريقية. إستلهمت المهدية إجتهادات عقائدية مميزة إستنهضت بها قوى ثورية كسرت شوكة تسلط الإمبريالية العثمانية المتأسلمة وسدنتها من السلفيين. سلط المهدي سيفه ضد المنكرين لدعوته وقطع دابر سدنة الخلافة العثمانية المتأسلمة.
هل كانت المهدية قدراً ألاهيا أوكلت حتمية إنجازه لمحمد أحمد بن عبد الله المهدي المنتظر؟ هل تصلح دولة المهدية أنموذجا يحتذي لإنشاء دولة عصرية للمواطنة في القرن الواحد والعشريين ؟ للإجابة على هذين السؤالين لا بد من التنقيب عن العوامل التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والعقدية التي أدت لنشأتها وتقييم إيجابياتها. هنالك حقيقة ناصعة لا يمكن إنكارها وهى بالتحديد هزيمة التخلف الإسلاموي (الخلافة العثمانية) ومجابهة أعتى قوى امبريالية ( بريطانيا العظمى )
(5) الخيارات المتاحة
لقد ظلت المجتمعات السودانية خلال عدة قرون من الزمان عرضة للتجارب العشوائية دون التوصل إلى هيكلة مؤسسية لأجهزة الحكم وإدارة المجتمع. نشأت في رقعة السودان القاري القديم دويلات رصد نشأتها وتطورها مؤرخون أجانب صنفوها وفق رؤاهم الدينية ومقاصدهم السياسية (وثنية ومسيحية وإسلامية) وتواصل السجال العقائدي قبيل وبعد الاستقلال في حلبة النزاع بين النخب الحاكمة من زعامات وأبناء وأحفاد المستخلفين في الأرض (الطوائف والبيوت الدينية والمؤدلجين من أزلام القبائل والعشائر وعلماء السوء السلفيين).
منذ استقلالنا المسنن (1956) إلى أن فرضت دبابات الإنقاذ مشروعها الحضاري ظلت فلول النخب المستعربة المتأسلمة – رغم مفاصلاتها وتراجعها عن إدعاءات بناء الدولة الرسالية - تتلفع بأقنعة الإسلام لإقامة دولة قهر شمولية.
وبعد خمسة أعوام من التراضى على الالتزام بتنفيذ اتفاقية نيفاشا وصل السودان إلى منعرج خطير : إما الانقسام الى دويلات أثنية / جهوية /دينية أو التوجه لإرساء نظام دولة يستوعب حراك التعدد العرقي والدينى والثقافى المتنامي فى أرجاء الرقعة الموروثة من الحكم الثنائي (خريطة السودان الإنجليزي/الخديوي).. أقعدتنا الصراعات الطائفية والحزبية دون اكتساب أى قدرات على تفكيك وإعادة هيكلة بنية صرح دولة كتشنر/سلاطين.
(6) خيارات التغيير
ألخيارات المطروحة عصرياً لتغيير نظم الحكم في السودان لا تتعدى الفرضيات التالية:
1. نظام دولة ثيوقراطية ( (theocraticتكون حاكميته لقوى خارقة تدعى جماعات تكليفها بتسيير المجتمع وفقاً لأحكام الأديان وفقه الضرورات. ولا يستطيع أحد إنكار خضوع المجتمعات السودانية القديمة والمعاصرة لأنماط من النظم الثيوقراطية الشمولية (الوثنية والمسيحية والإسلامية). ولا تزال شعوب في مختلف القارات ترزح تحت نظم ثيوقراطية هالكة
2. نظام دولة إكليسويكراسية (ecclesiocracy) تكون الحاكمية فيه لصفوة تسير لمجتمع بتوجهات تنزع إلى الالتزام بوسطية بين أحكام الدين واجتهادات البشر. وفي كلا الحالتين يتم إخضاع المجتمع لسلطة (نخب بشرية) من فئات أو طبقات اجتماعية مهيمنة.
3. نظام دولة مدنية (civil state) قوامه المواطنة دون تحيز و/أو إقصاء للمعتقدات الدينية والإنتمآت العرقية يُكَّرس فيها نظام الدولة لتسيير الشئون الدنيوية وتحقيق قدر من المساواة والعدالة على أساس أن "الدين لله والوطن للجميع.
4. يجنح البعض للأخذ بمفهوم نظام الدولة العلمانية (secular state) ونماذج تطوره النظري والتطبيقي انطلاقا من منتصف القرن التاسع عشر لتصنيفه في عداد النزعات الإلحادية المعادية للأديان. ويعتقد غلاة الأصوليين الدينين أن مفهوم الفصل بين الدين والدولة حمال أوجه قد لا تقل مخاطره عما يتهدد الدين من التوجهات الإلحادية. لا يمكن إنكار الحقيقة الناصعة وهى نشأة وتطور الرؤى الإلحادية منذ الأزل علماً بأن العلمانية (secularism) لم تخل من الشوائب الإلحادية كترياق مضاد لهيمنة الكهنوت الديني وتسلطه على الحياة المدنية. فالعلمانية - حسب مفهومها النظري - لا تنهى عن اعتناق دين معين أو ملة معينة، بل تنادى فقط بأن يتم فصل الدين عن السياسة والدولة، وبأن يكون الدين معتنقا شخصيا بين الإنسان وربه. ولا شك أن الصدام بين الأديان والحضارات يتشظى أواره على وجه الخصوص في مناطق التماس العقائدية والاجتماعية والاقتصادية حيث تنشب حرائق التكفير.
استقراء لمجريات الأحداث فى العالم خاصة ما يدور في المجتمعات العربية الإسلامية واعتبارا لما آلت إلية نظم الدولة من اضمحلال وإعادة بناء وتأهيل عبر العديد من المراحل التاريخية، يواجه المجتمع السوداني مسئولية ملحة للتوافق على نظام دولة يتصدى لحسم الصراع الدائر حالياً ويدرأ عن الأجيال شرور النزاع العقائدي والسياسي ويكفل للمجتمع خيار مسارات آمنة للنماء والتقدم.
(7) بنية ومؤسسات الدولة
توارثت المجتمعات البشرية نظما أحادية لإدارة الدولة وتسيير شئون المجتمع - اهتداء بوحدانية القوى الخارقة - أٌخضعتْ إرادة قوى البشر الجمعية لأفراد وجماعات تدرجت هيمنتهم تاريخياً من آلهة (الفراعنة) إلى أبناء آلهة ثم إلى مرسلين من عند الله. وأبتدع الإنسان فيما بعد مراكز قوى فئوية وطبقية أسلم قيادها لأفراد تحصنوا بقدسية ألاهية وبشرية تخلق في رحمها الكاهن والإمام والخليفة والملك ورأس الدولة ورئيس الوزراء وراعى الطائفة وشيخ القبيلة ورئيس الحزب......ألخ. لم تفلت المجتمعات السودانية من معوقات الاستلاب البشرى وتداعياته عبر القرون علماً بأن بعض مكوناتها التاريخية ظلت مستعصية على اختراقات أعتي الحضارات والثقافات الوافدة القارية والإقليمية. فبالرغم من تعرض شخصية السوداني للإجتياحات الجائرة من قوى خارجية متعددة الحضارات والثقافات ظلت القوى الاستيعابية للشخصية السودانية انتقائية مما أكسبها مناعة حضارية متفردة. ورث السودانيون بنى موسسية لنظم حكم ودويلات نشأت وتطورت بالتدافع التوسعي من قوى متعددة الأديان والمقاصد (الفرعونية والإسلام والمسيحية). وتعرض كيان السودان القاري لتشويهات عقائدية وسياسية واجتماعية بفعل الإحتلال الثنائي المتمثل في التحالف بين الإسلام الخديوي ومسيحية الإمبريالية البريطانية – من جهة – والتوجهات النفعية لزعامات محلية ووافدة - من جهة أخرى. وخير مثال لتفرد شخصية الإنسان السوداني هو تمكنه من اجترار الحضارات الوافدة (الدين واللغة) وتنقية بعض شوائبها السلفية.
ولا تزال أقدم المجتمعات حضارةً وأحدثها تقدماً تواصل جهوداً مضنية لتفكيك أنماط مؤسسية عفي عليها الزمن في محاولات جادة لإعادة هيكلة نظم الدولة والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والدينية مستهدفة إنقاذ الإنسان من تداعيات الاستلاب الديني والتسلط البشرى. هذا في الوقت الذي لا يكف فيه الأصوليون – على اختلاف توجهاتهم العقائدية - عن استدعاء أنظمة تخطاها الإنسان. في بريطانيا يضمحل نفوذ النظام الملكي ويتراجع أمام ديمقراطية وبست مانشستر وفى هولندا يحتمي العرش الملكي بقداسة ديكوريةً تحت رحمة التعددية البرلمانية وفى روما تتمرس البابوية في أسوار أقدم سلطة ثيوقراطية في أوروبا. وفى العالم العربي تتلاحق كتوف الملوك والأمراء وأزلام الهيمنة الرئاسية وكلهم في الهم شرق. وفى بلادنا أٌسقط في يد الذين تهافتوا لوضعها تحت التاج المصري وتكشفت عورات الذين تداعوا للاستنجاد بالتاج البريطاني.
ورثنا من إدارة الحكم الثنائي موطناً متعدد الأعراق والديانات والثقافات الأمر الذي أستدعى تراضى القيادات المتنازعة آنذاك (1956) على قبول مؤسسة سيادية كانت - رغم نواقصها - أنسب أداة لفض النزاعات وتنسيق الجهد القومي وهى "مجلس السيادة." ولكن سرعان ما تآمرت دينصورات الطوائف وأحزابها المتناحرة على تلك المؤسسة وتم استبدالها بمؤسسة كُرستْ لسيادة الرئيس. أنتهك النظام الرئاسي حرمة السيادة الوطنية فاستباحها كل من هب ودب.. زعيم الطائفة ورئيس الحزب وكتفون سلاح وأجتاح ساحاتها حواة وبهلوانات أمسكوا بمفاصل القداسة والسياسة.
أدمن المجتمع السوداني تدوير النفايات المؤسسية طوال نصف قرن من الزمان : صدام فيما بين الطوائف والأحزاب وانقسامات أميبية في قياداتها وقواعدها وخواء فكرى مُكرَّس لتبرير مصالح انتهازية لا تسمن ولا تغنى من جوع. تراكمتْ المشاكل وضاقتْ حلقات الأزمة. كيف نفك الحصار المؤسسي المضروب حول العقل السوداني ومن أين نبدأ؟
لا مناص من إجراء دراسات مقارنة للتوافق على بدائل للنظم المؤسسية القائمة تمكن المجتمع السوداني من تلافى تداعيات الأزمة والارتقاء بأقل خسائر ممكنة إلى مدارات الألفية الثالثة. ما هي البدائل المتاحة ؟
1. بديل لنظام الرئاسة الفردى بمؤسسة للسيادة القومية تضم ممثلين منتخبين من الأقاليم الرئيسية.
2. بديل لنظم الراعي الفرد للطائفة والطريقة الدينية بمجالس رعاية جماعية تحد من تكالب الورثة وقدسيتهم وتمهد لتحرير عقول التابعين من عبادة الأفراد. هنالك خيارات عديدة نذكر منها على سبيل المثال ما كان علية الحال في نظام السجادة الذى ابتدعته الطرق الصوفية.
3. بديل لنظم الزعامات القبلية والعشائرية بمجالس جماعية إقليمية تقلص نفوذ الزعامات الفردية وتحول دون الصراعات الممزقة لنسيج المجتمع.
لابد من تفكيك النظم والمؤسسات السيادية والتشريعية والإدارية والحزبية وتحريرها من تسلط الأفراد والطبقات الاجتماعية وتمليكها للعقل الجماعي الخلاق . هل من سبيل لإنشاء مجالس قطاعية ( للزراعة أو الصناعة أو التجارة أو الخدمات... الخ) في إطار الحكومة المركزية أو الإقليم أو الولاية لتكون بديلاً للوزير العبقري أو الوالي الفاسد ؟
ليس من أهداف هذا المشروع المقترح إلغاء جهاز الدولة أو اجتثاث الإيمان الديني من القلوب أو هدم الكيانات والثقافات العرقية وتجفيف روافدها. عبقرية المجتمع السوداني كفيلة بإيجاد الأنموذج الأمثل لفكفكة دولة كتشنر المورثة من الحكم الثنائي وإعادة هيكلتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.