يوافق غدا الاول من اغسطس 2012 م ، الذكرى الحادية عشرة لثورة التحرير التى انطلقت من دار فور فى عام 2003 م ، والتى ظلت متقدة حتى اليوم وهى تتقدم بخطى ثابتة نحو اقامة دولة المواطنة الحقيقية . دعونا نجعل من هذه الذكرى وقفة للعودة بالذاكرة الى الوراء ، ولكن ليست بحسابات الايام او الشهور او السنيين أنما بحسابات امتدت الى عمر اجيال بكاملها خلّفت وراءها عقود من الزمان تنوء بعبء تكاليف النضال فيها ملايين الانفس ذهبت فداءً من اجل الوطن والانسانية وفيها رفعرت الستار عن المستور الذى ظلّ حكرا لفئة قليلة لامد طويل وفيها سلكت اجزاء من الوطن طريقها تلقاء وجهة اخرى بعلم جديد وبنشيد وطنى يكاد ينطق باوجاع التأريخ واحلام الغد معلنة نفسها الدولة رقم 193 ضمن الامم التى ترفرف اعلامها فوق بنيان الاممالمتحدة ومزّقنا بذلك صفحة كنا نردد فيها انشودة الوحدة...منقو قل لا عاش من يفصلنا ... ، هل هى بدعة قد تتكرر فى بقية اجزاء الوطن لا سمح الله؟ وفيها.. وفيها الى ما لا نهاية من المآسى..... فى هذه الوقفة نستلهم الماضى لأنه زادنا فى طريق المستقبل ونتحسس الراهن لأنه العتبة التى منها نلج ابواب الغد المشرق. مشوار الالف ميل يُستهلّ بخطوة واحدة لأن لكل شئ بداية وان كانت المسافة بين البداية والنهاية عادة تتخللها اخفاقات ونجاحات وهزائم وانتصارات فالثورة فى السودان نشأت فى ظروف كان بعض الناس ينظر اليها بعين الازدراء رغم انها انطلقت من منطلقات لها من القوة ما تؤهلها للوصول الى ما نشاهده الان.. بالفعل كانت بدايايات متواضعة ، والنار من مستصغر الشرر.... الا ان وميضها ظلّ نبراسا يُهتدى به حتى اصبحت الثورة قبلة لكل المحرومين وادبا وثقافة لكل المتعطشين للحرية والكرامة. يقال انّ الكون كله بدأ من شئ شبيه بالعدم يعرف بالفرادة عند علماء الكونيات وهى قوة هائلة لا يزيد حجمها حجم البروتون فى الذرة ولكن فى هذه الفرادة تكمن قوة مهولة قوامها الجاذبية والكهرومغناطيسية والنووية فهذه القوة هى سبب وجود هذا الكون الشاسع. ونحن نقول انّ الثورة فى السودان ايضا بدأت وكأنّها لا تساوى شيئا فى نظر الغافلين و(شذاذ الافاق). قالوا بالامس.. انه مجرد عصيان كتيبة فى مدينة (بور) وقالوا انها عصابات نهب مسلح فى وديان (ابوقمرة) و(قارسلبا) وفى اعالى جبل مرة ، بل قالوا مجرد محاولات مرتد حاول التسلل الى دارفور عبر الحركة الشعبية وبالامس القريب قالوا هؤلاء شرذمة ، قليلون من النوبة والانقسنا فاسحقوهم واليوم فى الخرطوم يصرخ كبيرهم الذى علمهم السحر فى وجه الشعب الاعزل ليقول لهم انهم شذاذ الافاق وسيحرقهم ويشوى جلودهم بصيف السودان الحار.. ولكن الحقيقة لا هذا ولا ذاك بل انه تمدد طبيعى للثورة بعوامل قوتها الكهرومغناطسية والنووية والجاذبية ، هى قوة قوامها رجال وافكار ومواقف تتفاعل لتزيد وهج الثورة يوما بعد يوم حتى تفيض وتغمر ارجاء السودان لكى لا يبقى شبرا من تراب الوطن وإلا غمرته الثورة وحينها بإذن الله ستقلع السماء وتبلع الارض ماءها وسيكتب المجد للشعب السودانى وفى النهاية سينعم السودان بالاستقرار الى الابد. فى هذه الوقفة دعنا نستصحب الماضى وننظر كيف كان تفاعل الرجال والافكار والمواقف معا لتتولد هذه الطاقة الجبارة التى دفعت بالاوضاع برمتها نحو التحرر والانعتاق...قيّم الحرية والمواقف الجادة دائما كالشعلة التى تضئ فى الظلام تحتاج الى رجال يسهرون لها حتى تبقى مشتعلة من أجل الحرية والكرامة ، ولثورة السودان رجال قدموا الغالى والنفيس فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ويمسك بجمرة القضية وما بدّلوا تبديلا... ابطال غادروا الدنيا بعد ان تعلمنا منهم الكثير من معانى الحياة بافكارهم النيرة وبطولاتهم النادرة ولكن ذكراهم تزل باقية فى ذاكرة كل حر وأبى من ابناء وبنات هذا الوطن الغالى يتقدمهم ابو الاحرار الشهيد د جون قرنق فى موكب مهيب يزدانه الشهداء الابرار منهم الشهيد عبدالله ابكر والشهيد د خليل ابراهيم والشهيد بولاد والشهيد يوسف كوة وشهداء رمضان وشهداء كثر ارتوت بدماءهم الطاهرة ارض دارفور والجنوب وجبال النوبة والنيل الازرق وبورتسودان وأرض المناصير والخرطوم والجزيرة الخضراء ، هؤلاء جميعا قدمتهم الثورة مهراً لقيم الحرية والكرامة وسيذكرهم التاريخ بأنهم قادة التحرر فى البلاد. وهنا يتساءل (شذاذ الافاق) التحرر من مَن؟ والثورة تصحح السؤال... التحرر من ماذا ؟ ولنا وقفة عند هذا الفهم... فى هذا المقام حرىّ بنا ان نذكر اولئك الذين لا زالوا يمسكون بجمرة القضية واؤلئك الذين ساهموا فى قيام الثورة فى بواكيرها وعلى راسهم قادة الجبهة الثورية اليوم متمثلة فى حركة تحرير السودان بشقيها والحركة الشعبية وحركة العدل والمساواة ، هؤلاء لا ننسى دورهم كيف واجهوا الصعاب دون ان تلين مواقفهم فى ظرف اقليمى وعالمى تتشابك فيه المصالح وتختلط فيه الامورعند كل دقيقة تمر علينا وكل منا يعلم جيدا كيف اداروا شئون الثورة بين ما هو سياسى وما هو قتالى سواء كان فى وقت السلم او الحرب وكما لا ننسى رجالا كان دورهم كدور البدر فى سماء الليلة الظلماء وهم لا زالوا فى مواقفهم كالقمم الاشم وكان منهم من كّرس وقتاً ثميناً من حياته بين اوسلو واسمرا وعواصم غرب افريقيا والميدان حاملا فكر الثورة..الدكتور شريف حرير ومنهم من قطع الاف الاميال فى مغامرة نادرة من اجل فتح آفاق للثورة فى دارفور..القائد عبدالعزيز حلو ومنهم من تحدى كل تابوهات المجتمع الذى نشأ فيه ليصبح عضوا فاعلا فى معسكر كان اهله يظنون فيه غريب الوجه واليد واللسان... الاستاذ الجسور ياسر عرمان واخرين كثر بقامامتهم الثورية وكل هؤلاء نذكرهم ليس من باب المدح ولكن من باب ذكّر فان الذكرى تنفع المؤمنين لأنّ الطريق لا زال بعيد وشائك ولكن امامهم االفرصة لقيادة الثورة الى غاياتها النبيلة ... فى ذكرى الثورة التحية والتجلة لجنود الثورة الاشاوش وعلى رأسهم قادة الجيش ، كما لا ننسى اهلنا الذين يفتروشون الارض ويلتحفون السماء فى مخيمات اللاجئين والنازحين ، هؤلاء جميعا هم عناصر القوة لهذه الثورة . نرى اليوم سفينة الثورة تمخر عباب البحر ولكنه بحر فيه تتلاطم الامواج وساعة الرسو لم تحن بعد فلذا يلزم على الربان اليقظة والحذر.... اليقظة والحذر من امور كثيرة بعض منها واضحة كوضوح الشمس فى كبد السماء والبعض الاخر خفية كدبيب النمل فى ليلة ظلماء على صخرة صماء...امور على ضؤ تجربة الثورة لسيت بفوق الادراك ولكنها بسبب سياسات الخصم فى المركز أخذت تتشكل وتتلون كل يوم من اجل الوقاية ومزيد من التمويه... على قوى الثورة يجب ان تدرك إنّ الخصم اليوم ليس خصم الامس...بالامس كان الخصم يمتلك رصيدا معتبرا يتمثل فى قدرته التنظيمية واستغلاله للدين ومتاجرته للوحدة الوطنية واستفادته من ريع النفط واستعطافه بالمحيط العربى فكل هذه الارصدة نضبت فعلا او كادت ان تنضب ولم يبق امام النظام فى الخرطوم الا اللجوء الى المكر والخدعة باتّباع اساليبه المعروفة التى ظلّ يستخدمها لتفتيت ارادة وعزيمة الشعب السودانى. النظام فى الخرطوم يدرك جيدا إنّ ما تطرحها القوى الثورية فى السودان ليست بضاعة كاسدة لأنها تحمل من قيم اقلّ ما توصف انها قيم عالمية من الديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة والعدالة وصون الحريات العامة والخاصة وتاسيس حكم يقوم على المواطنة فى الحقوق والواجبات ، هذه الاطروحات تقابلها فى الطرف الاخر....طرف المؤتمر الوطنى الافلاس فى الرؤية والمتاجرة بالدين وبكل القيم السمحة وحروب الابادة وعمليات الاغتصاب الجماعى والنهب المقنن لاموال الدولة...هى منظمومة من الاخفاقات تجعل المؤتمر الوطنى يغرز الخنجر فى نحره بنفسه ولا يتطلب من الثورة عناءاً كثيرا للكشف والفضح فهى واضحة فى نظر كل الشعب السودانى ولكن للمؤتمر الوطنى اسلوبه الخاص فى مواجهة الثورة وهى سياسات اشرنا لها بعبارة (خفية كدبيب النمل...). ففى مواجهة الازمة السودانية اختار المؤتمر الوطنى من بين اسلحته سلاح تميز الشعب والضرب بعضهم بالبعض باسم الدين والجهة والقبيلة والعرق وقد فعلها فى الجنوب وفى دارفور واخيرا فى جنوب كردفان وجنوب نيل الازرق والان يتهيأ لاطلاق فرية رواندا بدعوى الهامش الهائج ضد ابناء النيل فى الوقت الذى يتفنن المؤتمر الوطنى فى تقتيل وتشريد ابناء النيل طمعا فى اراضيهم بسدود لا تعود عائداتها الأ الى جيوب الخاصة من المؤتمر الوطنى. فى قاموس وادب الثورة لا مجال للمساومة فى مفهوم التحرر مهما حاول (شذاذ الافاق) محاصرته فى قالب اللون والعنصر والجهة ، الثورة تتحدث عن التحرر فى المفاهيم أى من ماذا وليس من مَن وهنا يأتى الخلاف بين من ينادون بالقيم النبيلة من اجل الانسان وكرامته وبين من يمارس ليلا ونهارا ابشع جرائم ضد الانسانية ... من اجل التحرر والكرامة الثورة فى السودان ترفض ان يتحدث أىّ شخص بنبرة التعالى من شاكلة...اذا وردنا نشرب ماءً صفواً...واذا ورد غيرنا يشرب كدرا وطينا. الثورة ترفض ان يكون هناك بين الناس من يتعالى على الناس بحسبه ونسبه من شاكلة نحن قريشيين وغيرنا ادنى منزلة ، الثورة ترفض من يتولى امر الشعب غصبا وينادى باحادية الحلول من شاكلة السودان دولة عربية اسلامية ومن لا يعجبه يشرب من البحر ، الثورة ترفض ان تكون الطائفية او الايدلوجية العقائدية او الجهوية مطية لتحقيق المآرب السياسية ، الثورة ترفض أىّ سياسة او ممارسة تؤديان الى تمييز بين المواطنين بسبب الدين او العرق او اللغة اواللون او الجهة...بهذا ينجلى مفهوم التحرر عند الثورة حتى لا تختلط لدى الناس مقاصد التحرير فى ادب الثورة السودانية. Mohamed Basheer Abunommo [[email protected]]