وسعت الهجرة التي ركب على متنها العديد من أبناء بلادي دائرة الفتوى العامة وسيما تلك المتعلقة بالشهر الكريم المبارك، وربما يسميها البعض فقه (الهجرة أو الاغتراب)، والتي تشمل موضوعات الصيام والامساك، سيما في تلك البلاد التي قد يطول فيها النهار الى حد قد يؤثر على صحة المرء، وذلك الأمر يتطلب من العلماء والأشخاص الذين يتولون أمر الفتوى المزيد من الدراسة والتمحيص والتنقيب في تلك الأمور حتى يتسنى لهم الاطلاع التام بتلك المسائل الشائكة واصدار الفتوى على وجه صحيح على من يستفتيهم في تلك المسائل الحيوية التي تمس صميم تلك العبادة. وفي مجال الاستفتاء برزت وجوه شابة (مسلحة) بالمعرفة والالمام التام بشئون الفقه مكنتهم من ارتياد آفاق كانت حكرا من قبل على العلماء (الشيوخ) وفتحت لهم الباب على مصراعيه للدخول في مجالس وهيئات الافتاء وكبار العلماء، حتى رأينا (صغارا) في (أعمارهم) الا انهم كبار في (أعمالهم) ومعرفتهم ومقدراتهم. وقد بثت القنوات الفضائية العديد من برامج الافتاء التي كانت من قبل محدودة العدد والمواضيع وقاصرة على مسائل لا تتعدى أصابع اليد، ولكن اليوم وبفضل الله، تنوعت البرامج والمسائل الفقهية والدعوية وانداحت دوائر المعرفة الفقهية لتشمل مواضيع فقهية جديدة تحتاج الى اعمال الفكر والفقه واستنتاج واستنباط الأحكام التي تتوافق مع آراء المتقدمين السلفيين ولا تتنافي وأصول الدين والفقه والافتاء المتعارف عليها بين علماء اصول الدين والفقه. وليس الهجرة والاغتراب قد وسعا ميدان الفتاوى في مجال الصيام فقط بل برزت مستجدات أخرى تتبع هذا الباب في المسائل التي تتعلق بالحياة الزوجية وغياب الزوج عن زوجته والمدة الشرعية لغياب الزوج أو الزوجة عن شقها الآخر (هناك حالات تقتضي بعد الزوجة عن زوجها المقيم في السودان بغرض العمل والدراسة)، لذلك برزت قضايا تتعلق بتلك المسائل تحتاج ايضا الى دراستها دراسة مستفيضة ومن ثم اصدار الفتوى التي تناسب تداعياتها وملابساتها، مثل مسألة الطعن في أنساب المواليد وحالات الطلاق وغيرها من المسائل الفقهية (فقه الأسرة) الأخرى المعقدة التي خلقتها تعقيدات ظروف الهجرة والاغتراب. شياطين الانس ينشطون في رمضان في رمضان يقول الفقهاء والشيوخ وحسب الأحاديث الصحيحة أن مردة الشياطين يصفدون فيكون لاحول ولا قوة لهم ولذلك تنمو الرغبة لدى بني آدم في فعل الخير وتسمو الأرواح لتحلق في سموات البر والتقوى ومخافة الله ورسولة ومحبته وتسعى جاهدة أن تزيد وتنمي محصولها من الحسنات في ذلك الموسم (الخالص) لأعمال الخير. الا أن نفوذ شياطين آخرين يكون أقوى من نفوذ المردة والشياطين، لا يقدر بني آدم على ردعهم أو اجبارهم على اخلاء الساحة، وهم على حد قول الشيخ الطنطاوي (يرحمه الله) هم (شياطين الانس) اذ ان الشياطين (تخنس) وتخجل وتتوارى من ذكر اسم الله وتلاوة آية الكرسي والتعوذ منها بآيات الله، ولكن شياطين الانس لا رادع لهم ومهما تعوذت فهم لايبرحون مكانهم وهم كما يقول المثل الشعبي (سيك سيك معلق فيك). ولعل شياطين الانس لا بعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ويريدون تفويت الفرصة على الناس وابعادهم من ساحات المساجد وحلقات القرآن والذكر و اتباع شتى وسائل الاغراء والجذب واللهو بانتاج سيل من المسلسلات الدرامية والكوميدية والبرامج والفوازير وغيرها من برامج الأغاني والفكاهة والمرح وتبث كاميراتها الخفية في كل القنوات العاملة بغرض سحب البساط من تحت أقدام كل من تسول له نفسه أن يشهد (منفعة) له في هذا الشهر الفضيل وتشتيت الانتباه والتركيز بحيث ينصب على مشاهدة تلك القنوات التي تكرس كل امكانياتها لانتاج المزيد والمزيد من وسائل اللهو وسبل التشويش على الأجواء الروحية التي يجلبها معه ذلك الشهر الفضيل. وفي النهاية ينجح هؤلاء (الشياطين) في زحزحة الكثير من الناس من ساحات الصلاة وحلق الذكر والعبادة وأعمال الخير الى (شاشات) اللهو والضياع، عاملين على (تفويت) تلك الفرص الذهبية والأوقات الفضيلة على فطاع كبير من الناس. أطفال كثيرون قست الدنيا عليهم وحرمتهم من الابتسامة البرئية التي عرف بها الأطفال، وحرمت ذويهم وأهلهم من كثير من مباهج الحياة والاستمتاع بها، بعضهم اصيب بداء العصر (السرطان) وآخرين بالفشل الكلوي المزمن وغيره من الأمراض والأسقام الشهرالمبارك الذي يثري جميع أوجه حياتنا ها هو الشهر الفضيل ينحسر مده العمري فيتقلص يوما بعد يوم بعد أن أثرى حياتنا الروحية والاجتماعية والثقافية وغيرها من مظاهر الحياة الأخرى التي القى رمضان بظلالها عليه. فقد تعزز التواصل بين الناس سيما الأهل والأحباب حتى في اصقاع المعمورة المتناثرة هنا وهناك ناهيك عن ربوع السودان التي طوتها شبكات (الجوالات والموبايلات) المعززة بواسطة الأقمار الاصطناعية التي تسبح في فضاء الكون الفسيح، حتي يخال لك أنه لا بد من إنشاء ادارة خاصة للمرور (الفضائي) تنظم وتنسق حركة مرور تلك الأقمار في الأجواء العالمية، ولكي تأخذ فكرة عن ذلك القي نظرة (سريعة) على قائمة المحطات الفضائية على شاشة تلفزيونك (السوداء) {لم تعد الشاشات بلورية كما كانت توصف من قبل}، فقد تمددت تلك القائمة من محطات كانت تعد على اصابع اليد الواحدة الى ارقام (خرافية) تعدت قدرة (المتابعة) و (المشاهدة) لدينا و (الحصر) كذلك. هذا فقط ما يتعلق بالقنوات العربية. والأثر الروحي قد استأثر بنصيب الأسد (أرجو ذلك)، حيث طافت الأرواح في تلك الأجواء الروحانية الخالصة سيما في ليالى الشهر المبارك التي تشهد تجمعات كبيرة في بيوت الله تعمرها بالصلاة والذكر ويؤم من توافرت له الظروف بيت الله الحرام ومسجد الرسول بالمدينة المنورة لأداء عمرة رمضان والزيارة الميمونة. حيث تشهد أجواء المملكة العربية السعودية وخطوطها البرية والبحرية القادمة من انحاء وبلدان الشرق الأوسط والأقصى ازدحاما وحركة دائبة، ورغم موجة الحر الشديد شهدت الحركة البرية نشاطا منقطع النظير في الأيام الأخرى لحملات العمرة القادمة من الداخل وخارج المملكة منذ بداية الشهر الفضيل، وستتصاعد تلك الحركة حتى أيام عيد الفطر المبارك. وبحق فان شهر رمضان هو موسم روحي جميل تتسامى فيه الأنفس وتتسابق لحصاد كبير، وتتباري فيه من أجل تحقيق أكبر قدر من (الدرجات) التي تتضاعف في الأجر والثواب لتتوج المجهود البدني والروحي الذي دأبت عليه في أيام وليالي الشهر الفضيل ويا (بخت) من نال شرف الاستجابة والتوفيق بشهود وقيام تلك الليلة العظيمة التي هي خير من ألف شهر، فهي قمة مضاعفة الدرجات والأجور والثواب والقبول. نسأل الله أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وخير أعمالنا ويستجيب لدعواتنا ويبلغ كل فرد مقصده في مافيه الخير والصلاح له في دنياه وآخرته وعاقبة أمره. وأبتهل هذه الفرصة بأن أحمد لله وأشكره وأثني عليه ثناء لا انقضاء الله حمدا يليق بمقامه وعظيم سلطانه وأصلى وأسلم على من هو خاتم النبيين وأل بيته وصحابته الميامين مستغفرا لي ولواديي ولسائر المسلمين الأحياء منهم والأموات، وأسأله تعالي أن ينزل والديي مع الصديقين والشهداء وحسن أؤلئك رفيقا وأن يحقق أماني كل من قرأ لي سطرا ودعا لي بالتوفيق ومن تواصل معي على سبيل الدعم والمؤازرة أو التنوير والتوجيه والنقد الهادف البناء. والله المستعان وبالله التوفيق والسداد. alrasheed ali [[email protected]]