في آخر معاينة أجريت لي قبل قبولي في مهنة الصحافة سألني الدكتور جعفر محمد على بخيت، يرحمه الله، بصفته رئيس هيئة تحرير الصحيفة التي سألتحق بها: هل أنت على الاستعداد للقيام بتنفيذ مهام خارج العاصمة (الخرطوم) تتعرض فيها لمكابدة بعض المشاق والمعاناة والتعب والنصب (بفتح النون والصاد)؟؟؟؟ فكانت اجابتي فورية وحاسمة بالايجاب. فالصحافة في نظري ليست مهنة مكتبية، فالذي أطلق عليها مهنة (النكد) يعلم تماما أنها مهنة ميدانية، يتجاوب فيها الصحفي مع الأحداث وينفعل ويتفاعل معها وتجده سباق لموقع الحدث، يعمل بكل حواسه وأفكاره وينقب في كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة ويدقق ويتحرى الحقيقة ويستطلع الأراء ويقلب في المستندات، ويدرس القرائن والأسباب والعلل ويفحص المواقف ويستقرئ ويستصحب معلوماته، التي ينبغي أن تكون متجددة و (مواكبة). والصحفي ينبغي الا يحصر نفسه في صالة التحرير فقط، فالصحافة (صنعة) و (صناعة) عليه أن (يحشر) أنفه في (جملونات) أو مباني المطابع، ليسمع هديرها وهي تدور، وألا يخاف ان (تتبقع) ملابسه الأنيقة بشئ من أحبار الطباعة أو زيوت ماكينات الطباعة حتى يتعلم كيف تتم الطباعة وماهي أحجام واشكال حروف الطباعة، وكيف تدار الماكينات وماهي أعطالها المتكررة أو المعتادة وكيف يتم تفاديها واصلاحها؟؟؟؟؟ وعليه أن يكتسب المعرفة المتصلة بأدوات التحرير من كتابة النص وتحريره ومراجعته وتصويبه واجازته وقبوله الى مراحل نسخه (في زماننا كان للقلم شنة ورنة، الا أن لوحات الكمبيوتر الآن هي ثمثل التحدي الحقيقي للصحفي). ليس ذلك فحسب بل، على الصحفي (الناجح) او الذي يطلب النجاح في مهنة الصحافة أن يمر بصفة دورية في بداية عمله الصحفي على جميع أقسام التحرير و اعداد الصحيفة على حد سواء، ليوطن في نفسه المعرفة والالمام الحقيقي بكل ما يتعلق ويعرف ونسميه (أسرار المهنة). ويقسم فترات تدريبه على سبيل المثال لا الحصر على قسم الأخبار ليعرف كيف يتعامل مع مصادر الأخبار وكيف يحللها ويتعلم صياغتها على نحو سليم، وقسم التحقيقات الصحفية والأخبار الخارجية والسكرتارية وغيرها من أقسام الصحيفة. وعلى الصحفي الا (يتقوقع) في (صيغة) أو ينزوي في ركن من أركان الصحيفة متجاهلا ما يجري في اروقتها ودهاليزها الأخرى، بل عليه السعي (بكل قوة وهمة ونشاط) وأن يكون ملما بما يستجد في مجال ترقية وتطوير العمل الصحفي ودراسة والاطلاع على كل الأساليب المستحدثة في مجال (الابداع) الصحفي وألا (يتمكتب) أبدا مهما كانت الظروف والملابسات. alrasheed ali [[email protected]]