مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات العربية الإفريقية في ظلّ الثورات العربية .. بقلم: بروفسور امباي لو بشير


Mbaye Lo, PhD, Duke University) (
Mbaye Lo [[email protected]]
في الحقيقة الموضوع جدّ خطير إذا تأملنا آفاقه في هذا العقد الثاني الذي نحن فيه من بداية الألفيّة الثالثة من تاريخنا الحديث. ونحن لا نحبّذ الخوض في التخمين الجدب في العلاقات العربية الإفريقية دون صياغتها في حقائق الواقع الاقتصادي ومستلزمات الحين السياسي. وعليه تستحسن الإشارة إلى ثلاث نقاط سوف تساعدنا في فرز الموضوع وتحليله.
النقطة الأولى: أنّ جيوبوليتك العالم بدأ يتفكك عمّا عهدناه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أو بالأولى، نهاية الحرب الباردة . فقد أثبت الكثير من الدراسات وعلى رأسها تقريرGlobal Trends 2025 الذي حرره مجلس الاستخبارات القومية الأمريكية عام 2008 حقائق هذا الوضع الجديد. مفاد الدراسة أنّ النظام العالمي "كما ورث أو صمّم عقب الحرب العالمية الثانية سوف يتغير في صميمه بمجيء عام 2025 ، وهذا بسبب القوى الناعمة (soft powers)، وعولمة الاقتصاد والتحول الجذري التاريخي لمصادر الثروة والنفوذ الاقتصادية من الغرب التقليدي إلى الشرق، وكذالك تزايد نموّ القوى غير الحكومية." وخلاصة النقطة في هذه الدراسة، التي تصدر بعد كل عشر سنوات، هي أنّ عالمنا المتغيّر سوف يرتكز حول عدة قوى إقليمية بدلا من قوتين كما عهدناه خلال المائتين السنة الماضيتين أو حول قوة إقليمية واحدة كما الحال منذ نهاية الحرب الباردة عام 1990. والدول المقترحة لصياغة هذه الكتل الجديدة هي المعروفة اقتصارا بBRIC، (البرازيل، روسيا، هند والصين) كما سوف تبقى الولايات المتحدة ألأمريكية واحدة من رواد هذه الكتلة. و ترجح الدراسة بقاء المناطق العربية والإفريقية و لوعلى تفاوت، على وضعها الهامشي التبعي نتيجة غياب الكفاءات العلمية، كما سوف تشهد هذه المناطق عدم الاستقرار السياسي الناتج عن انعدام الفرص وعدم تكافئها.
النقطة الثانية: مصطلح "العلاقات العربية الإفريقية" تنطبق عليه الضبابية الموجودة في كثير من المصطلحات السياسيّة التي تعبّر عن العلاقات الدولية، وبالأخصّ العلاقات بين التجمعات الإقليمية، وليس بين الكيانات السياسية الوطنية. أقصد هنا، أنّ ماهية هذه العلاقات لا توجد في ́العربية ́ ولا في ́الإفريقية ́ لأنّ كلتيهما منعدمتان في الواقع العملي المعاش. لكنّ جدارة هذه العلاقات تنبع من علاقة مصر بجنوب إفريقيا ، أو علاقة السعودية ببوتسوانا ، و علاقة ليبيا بيوغندا كأمثلة للواقع السياسي المعاش . بعبارة أخرى، الدول هي التي تمثل صيرورة وديمومة هذه العلاقات وليست الكيانات المجردة من ماهيتها؛ وبما أنّ دول هذه المنطقة من صناعة ارث الاستعمار الغربي كما أكدتها دراسات ديفيدسون من حيث حدودها الوطنية ، فاسدال المصطلحات الفضفاضة دون تقييدها قد يجردها من العلمية ويخضعها لرومانسيات التاريخ الوهمي أو المختلق .
النقطة الثالثة: هي عمّا تسمّى بالثورات العربيّة عند البعض، و الربيع العربي عند الآخرين، ولا ضير من قبول المصطلحين. فالثورة بمفهومها الأكاديمي هي: "تغيير جذري يحدث في سلطة أو منظمة وفى حقبة قصيرة." وكان أرسطو قد فسرها بأنّها "حين يحدث استبدال دستور بآخر مغاير أو حين يحدث تعديل صارم في دستور ما." هذه التعريفة تؤدي بنا إلى إضافتين:
أولاها: أنّ استخدامنا لمصطلح الثورات العربية قد لا يكون دقيقا، و أنه إمّا تيمّن لما نستبشر به من تغيرات في المنطقة العربية أو إتباع تلقائي لما يرد إلينا من الإعلام العفوي . صحيح أنّ هناك ثورات ناجحة إلى حدّ بعيد في تونس وليبيا ومصر ، وأنّ هناك نزاعا أو احترابا أهليا في اليمن وسوريا، لكنه أيضا سليم القول بأنّ باقي الدول العربية السبعة عشر من مجمل 21 دولة لم يحدث فيها تغيير يذكر .
ثانيها ناتجة من إشكالية التقييد الأول. وهي أنّ افتراض أحكام استنباطية من وجود "الثورات العربية" على علاقات العرب بأفريقيا منهج غير دقيق. فهو تعميم للجزء "الثورة" على الكل الغير الثائر ، ثم صياغة حكم على جميع الأطراف بحكم هذا التعميم . وهذا في منطق البحث العلمي مخلّ للمنهج السليم . الناتج عنه قد يرضي العواطف بلا طائل عملي أو علمي. يرقى بنا هذا السلم التأطيري إلى النظر في موضوع الورقة وإعادة ترتيب أجزائه مجددا من منظور أثر الثورات في مصر وتونس وليبيا على الدول الأفريقية .
كنت أومأت في دراسة سابقة إلى أنّ الحقبة التي نعايشها اليوم تشهد انسدادا مؤسفا في العلاقات بين الدول العربية والمنطقة الأفريقية . وذكرنا أن انفصال جنوب السودان العام المنصرم (و قد ناقشت بعض جوانبه في كتابي عن "أمريكا: الإسلام والسودان) يمثل الوضع المنهار الذي تجلى فيه النزاع في دارفور وجنوب السودان وكيف فهم أدبيا وإعلاميا في أمريكا بأنه نزاع بين الإنسان العربي ‘الغازي' والإنسان الإفريقي ‘المناضل' من أجل حريته وأرضه. فنزاعات السودان، كما ناقشت في أوراق بحثيّة أخرى، قد أضافت بعدا آخر في أدب اللجوء العالمي، يتناول الحنين إلى الوطن والنضال ضدّ الظلم وهكذا. و مع سوء الحظّ، أطراف هذا النزاع كما يبدو للقارئ العادي غير المتمرس في تاريخ المنطقة هم العرب الرحل والأفارقة أصحاب الأرض. و من المفارقات المؤسفة أنّ هذه الصورة الداكنة كانت أصلا من صناعة النضال الجنوب الأفريقي موجهة ضدّ نظام أبارتاييد، وعليها بنيت الفرضية الأخلاقية لمعارضة هذا النظام العنصري ومقاطعته دوليا.
وبؤرة أخرى لتمثيل تدهور هذه العلاقات العربية الإفريقية توجد في نزاعات الصومال بين حركة الشباب ́المجاهدين̀ المتحالفة مع حركة القاعدة وبين حكومة أو حكومات مقديشو التي يدعمها جنود الاتحاد الإفريقي(African Union Mission to Somalia) ولسنا في حوجة إلى تشخيص تداعيات هذا النزاع في كينيا أكبر اقتصاديات القرن الإفريقي ويوغندا الحليف التاريخي لأمريكا في منطقة البحيرات. فحين يفجر منتحرو حركة الشباب الأماكن العامة في نيروبي أو كمبالا يبرّرونه بالإسلام . ولأسباب ثقافية، الإسلام والعرب ينحدران من نفس الزخم التاريخي لدى غالبية سكان مناطق النهر الكبرى. (و بالمناسبة، هذه العلاقة الارتباطية بين العرب والإسلام هي نفس ما يرنو إليها ذهن الناخب الأمريكي حين يتهم أنصار الحزب الجمهوري الرئيس أوباما بأنّه مسلم حينا أو عربي حينا آخر). ولم يكن مفاجئا لدى الكثيرين من سكان المنطقة حين صرح الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني لصحفيين "بأنّه يجب محو الإرهابيين من أفريقيا...علينا العمل على تنظيف إفريقيا منهم؛ يجب ردّهم من حيث أتوا، من آسيا ومن الشرق الأوسط." ((World Politics Review, 7/28/2010 . وكان يشير إلى عملية شباب المجاهدين الانتحارية التي حدثت في كمبالا عام 2010 خلال منافسات كأس العالم لكرة القدم في جنوب إفريقيا .
ومثال آخر جدّ خشيب ظاهر في الاقتتال الدائر حاليا في شمال مالي حيث يحتل مقاتلو الطوارق وحلفاؤهم من الجهاديين مدن "تومبوكتو" و"جني" طالبين الانفصال من مالي وإعلان دولة الأزواد العربية. ومعروف في الدراسات الإفريقية منذ حركات الاستقلال أنّ تمبكتو هي رمز استقلالية الثقافة التاريخية لإفريقيا ، كما يسميها المؤرخ شيخ أنت ديوب. وهي نفس الصورة التاريخية التي رادها المؤلفان السنغالي سليمان بشير نيانغ والجنوب الإفريقي شميل جيبي في كتابهما الجديد عن "معاني تومبوكتو." وليس بغريب أن يدعم مشاريع ترميم هذه المدينة كل قادة القارة جنوبها وشرقها بمختلف الأماكن والأزمنة .
النقطة التي أريد تفعيلها في هذا السرد هي أنّ النزاع في شمال مالي يكرر في صميمها نزاعات السودان التي تم تجريدها من كل الخلفيات إلا المواجهة بين العربي والإفريقي. وهذا واضح من نداءات فيسبوك والصحف التي تحث الحكومات الإفريقية على تحرير " تمبكتو" من الاحتلال العربي الإسلامي . فمثلا في تقرير Human Rights Watch في 30 من شهر ابريل 2012 نقرأ التالي: "الانفصاليون الطوارق والمسلحون الإسلاميون والميليشيات العربية الذين غزوا شمال مالي في شهر أبريل لهذا العام قد تواطئوا على القيام بجرائم الحرب ، ومنها الاغتصاب ، تجنيد الأطفال ، نهب المستشفيات ، والمدارس ، ووكالة الإغاثة ومباني الحكومة ."
وفى ليبيا زادت الطين بلة طريقة انهيار نظام القذافى ونشوب النزاع بين القبائل العربية وبين قبائل الزوية والتبو وأصبح النزاع في كل مظاهره نضالا بين الأقلية والجهوريات الأخرى التي تستخدم منطقة محاربة الفلول لحشد حركة اللجان الثورية في صالحها والدعم الحكومي والعشائري في صفوفها. وقد قامت الجريدة التشادية Thade Hligne بمناقشة الموضوع في عدد 13 سبتمبر عام 2011 بعنوان " السود في ليبيا مابعد القذافى انتهاكات بالجملة وتصفية حسابات." بل في مقال ل"عبد الغني بريش" عقب مسح الأحداث في ليبيا يذكر بأنّ "مايميز الليبيين عن غيرهم هو استخدامهم للألفاظ العنصرية ك( عبد وعبيد) وغيرها من الألفاظ علنا دون أي خجل." وليس أقل من هذا شأنا ما يحدث في نيجريا من نزاع دموي بين أنصار بوكو حرام ذو النزعة الجهادية والتي تعرّف نفسها عربيّا بجماعة أهل السنة للدعوة والجهاد وبين ممثلي الحكومة الفدرالية عسكريين كانوا أم مدنيين. هذا التلبس الخاطئ باسم الدين هو ما يعطي معادي الإسلام فرصة التعميم والتلبيس بين من يدعي الانتساب إلى الدين الإسلامي وما ينتمي إلى التراث العربي. فنرى مارك دوري (Mark Dorie) في مقال له يربط شططا بين أعمال بوكو حرام والصحوة الإسلامية في العالم العربي و بروز الثورات العربية .
عجيب أنّ كل هذه التطورات تحدث على التخوم الواقعة بين المنطقتين من الصومال و عبر السودان إلى نيجريا ومالي. فقد تحولت مناطق التماس الثقافي هذه إلى ميادين للتناحر العرقي الديني. واحتدمت الأحداث الدامية بصعود الثورات العربيّة مما جعل بعض جهالة الصحافة العالمية يربط بين الظاهرتين. ففي عدد 20 /4/ 2012 من جريدة The Nation الدولي يكتب ( John Thome ) في مقال بعنوان "الربيع العربي يزيد من جرأة الميليشيات في أفريقيا" أنّه : "من بوكو حرام في نيجيريا، والمتمردين الطوارق في مالي إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تضاعفت عمليات العنف منذ الربيع العربي وتواجه المنطقة زعزعة الاستقرار لحصول هذه المجموعات على المزيد من الأسلحة والقوة."
وعلى كل، تفاديا لهذه النظرة الشموليّة للإحداث يستحسن تحليل الثورات في مصر وتونس وليبيا في إطار خصوصيات كل وضمن ما يربطها بباقي القارة الإفريقية . وليس دقيقا النظر في محددات مدى وكيفية إمكانية نشر الثورات العربيّة في الجانب الإفريقي ، أو كما هو موهوم في معظم دراسات لهذه الروابط السياسيّة، كون الربيع العربي بذرة للثورات الإفريقية ضدّ الدكتاتوريات المحليّة. ومن نوافل القول ومعاده التنبيه إلى أنّ مثل هذا التحليل يتجاهل كون نماذج الحكم الديمقراطي في كثير من الدول الأفريقية جنوب الصحراء أكثر تقدما واستقرارا من نموذج الحكم الفردي العسكري الذي شاهدناه في مصر والشمال الإفريقي منذ أيام الاستقلال.
حالة مصر:
وزن مصر في إفريقيا لا يقلّ من وزنها في العالم الإسلامي. إضافة إلى الدور التاريخي للرئيس جمال عبد الناصر في حركات التحرير الأفريقية وتشجيعه للدور الأزهري في كثير من الدول الأفريقية ذات الأغلبية المسلمة هناك عامل جغرافيا التداخل مع السودان ودول حوض النيل ممّا يمثل مطلبا إستراتيجيا لتوجهات الدولة المصرية. ومع سوء الحظ، فسياسة مصر تجاه إفريقيا منذ 1970، نهاية حكم عبد الناصر، بقيت مجرد ردود أفعال يتحكم فيها ملفاّن:
مشاكل السودان في جبهاته الداخلية وأزمة التعاون مع دول حوض النيل التي تستلزم مراجعة المعاهدات التي أشرف عليها الاستعمار البريطاني في بداية القرن الماضي. و ليس أدلّ على خروج أفريقيا من أولويات الدولة المصرية، أو كما قد يدعي البعض، غياب مصر من أجندات الدول الأفريقيّة، أنّ الرئيس مبارك قاطع قمم منظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الإفريقي بعد تغيير الاسم، لمدة ست عشرة سنة، أو منذ محاولة اغتياله في أديس أبابا بأيدي الجماعة الإسلامية المصرية في 26 يونيو 1995.
لا يختلف نزيهان في أنّ حكومة مصر فيما قبل الثورة فشلت في إدارة هذين الملفين وليس أدلّ على ذالك انفصال جنوب السودان الذي اتخذ معظم روّاده وقادته القاهرة مقرا رسميا لحركتهم طوال سنوات التأسيس ثم لم يراعوا لمصر مصلحة إبان قرار الاستقلال. بل لم يكن لمصر عدا دور المراقب الهش إبان ترتيبات اتفاقية نفاشا عام 2005 بين الجانبين. أضف إلى ذالك انسحاب دول المنبع بصفة استثنائي من الاتفاقية التي كانت تربطها بمصر منذ الانتداب البريطاني عام 1929 ، وانفراد سبعة من هذه الدول باتفاقية جديدة تستثنى دول المصبّ—مصر والسودان.
النقطة الواردة في قراءتنا للثورة المصرية وعن علاقتها بأفريقيا هي أنّ هذه الثورة ليست مثل ثورة عبد الناصر، وأنّ طبيعة الرئيس مرسي الإسلامية الإصلاحية تختلف عن نزعة عبد الناصر الثوريّة التقدميّة. فالثورة المصرية الحاليّة تبدو شأنا داخليا غير معدة للتصدير كما ورد في خطاب الرئيس مرسي بتاريخ 30 يونيو من هذا العام؛ بينما أخذ عبد الناصر مشروع ثورته شمالا و جنوبا، فألفت في شخصيته حركات التحررالافريقي أخا ثوريّا وزعيما قاريّا يرى أفريقيا في رحاب مصر اللامتناهي فلم يملكوا الا أن يروا مصر قلب أفريقيا المتحررة. كان عبد الناصر كما ورد في أدبيات ثورات إفريقيا يفهم التحرر والتحرير في كمالياته—لا تتحرر الدول في قومياتها الضيقة، لكن تتحرر في محاورها المتشابكة. وعظيم في ذاكرة التاريخ أنّ هذه النقطة التقطها المناضل الأفريقي الأمريكي مارتن لوثركينغ في أواخر أيّام حياته حين نبّه الذين كانوا يهنئونه على نجاحات مشروعه في تشييد حقوق السود في أمريكا، بأنّ المشوار مازال طويلا وأنّ بقاء "الاضطهاد في أية بقعة من المعمورة دليل على وجود ظلم في كل مكان... وأنّ التحرر لا يتم إلا حين يتحرر كل المضطهدين." أخذ الرئيس مانديلا هذا المفهوم باستيفاء في كتابه عن سيرته السياسيّة، كما تبناه كمبدا سياسي أثناء فترة حكمه لجنوب أفريقيا.
الرسالة التي أروم بثها هنا هي أنّ الثورة مشروع تحرري عفوي تنطفئ حين نحدد زواياها. وعليه، يجب ألا نبالغ في تقييمنا للثورة المصرية بعدم وضعها في القالب المناسب. والمصلحة المشتركة بين مصر والمنطقة تفترض النظر إلى العلاقات ليس بعين الماضي لكن بعين المستقبل الذي ذكرناه في بداية هذه الدراسة : بأنّ أمن الدول الحاليّة يكمن في التكتلات الإقليمية وليس في تقوقعها على نفسها . يجب أن يكون بعد مصر الإفريقي متكاملا مع بعديها العربي والإسلامي.
حالة ليبيا
وبالنسبة لليبيا فأثر ثورتها على الجوار الإفريقي كان أكبر ورافد سقوط نظام القذافى على المنطقة أيضا كان أعظم. فسياسة المعارضين لقذافي من البداية قامت على تجريد الرجل من أي سند أو شرعية ليبية و بأنّ دعمه وجنوده يأتيان من وراء الحدود الليبية: كلهم من الأفارقة و غير ليبيين. وبمساعدة قنوات التلفزيون العربية ، وعلى رأسها الجزيرة والعربية وفضائيات أخرى تبلور منطق المحللين المقيمين في المهاجر بأنّ الذين يحاربون مع القذافى هم مرتزقة من أفريقيا السوداء ، علما بأنّ الأدلة تثبت اعتماد ألقذافي طوال حكمه على الأقليات العرقية الليبية بمن فيهم السود الليبيين والطوارق. والاعتماد على الأقليات العرقية في الدواوين الأميرية والجيوش الملكية تراث عربي أقدم من الاستعمار. وتجاهلها بين ليل وضحاها لشرعنة الخروج على القذافي كان نمطا من القرصنة الأخلاقية . أضف إلى ذالك أنّ الصور التي التقطت لجنوده المأسورين أثناء الحرب أظهرت تنوعا في خلفياتهم وأعراقهم ،، لكن التركيز المنظم كان على السود منهم . لقد كان ذلك خللا منمطا في الإعلام وعنصرية متبعة جهارا لدعم منطق الثورة .
ومجمل القول هو كيف نقيم آثار هذه الثورات على الجوار الإفريقي؟
في حالة ليبيا يبدو الردّ قاطعا بأنها أسهمت في فرز عدم الاستقرار في منطقة الصحراء الكبرى بتسليح أنصار القاعدة في المغرب الإسلامي وتوفير السلاح لحركات المتمردين في مالي وتشاد والسودان. وداخليا هناك تشرذم في البنية العرقية الليبية فأصبحت الأقليات مهاجرين كانوا أم مواطنين محل اضطهاد وتشريد من قبل القوى الثائرة المهيمنة .
ومع أنّ القذافي لم يكن عنصر بناء في معظم سنوات حكمه، فإن طريقة إسقاط نظامه بمعاونة NATO (حلف الشمال الأطلسي) ورفض القوى الوطنية لأي اقتراح إفريقي لإيجاد حلّ إقليمي للقضية ، بل واتهام هذه الدول الأفريقية بتوفيد جنود ومرتزقة لمساعدة القذافى، مثل خرقا للتقليد الإفريقي التحرري في مؤسساتها الإقليمية كما خلّف هوة سياسية بين الأطراف قد تؤثر على استقرار المنطقة لسنوات طويلة. وليس مبعدا ظهور حركات تمرد جارفة على حدود المنطقة الجنوبية المتاخمة لتشاد أو داخل ليبيا نفسها.
وبالنسبة لمصر فحدث ولا حرج، طريقة سقوط نظام مبارك تعتبر درسا لكل حكام العالم المستبدين بمن فيهم من الحكام الأفارقة بيد أنّ عدم استقرار البيت المصري ودوامة الأزمات الداخلية إضافة إلى الاتجاه الإسلامي الأممي لحكومتها المنتخبة قد يقلل من جاذبية النموذج كمثال للنقل لدى الآخرين. فالنماذج في جنوب أفريقيا، بوتسوانا، غانا، أو ثورة الأحزاب لنقل السلطة شرعيا في السنغال ، كما يذكر الباحث (Ousmane Kane) ، قد تبدو أكثر جاذبية لدى دول الجنوب من النموذج المصري .
وتبقى تونس نموذجا مقتضبا للمصالحة الوطنية والتزاوج بين الإسلاميين والعلمانيين للمحافظة على مصلحة البلاد والعباد. فإن أفلح المثال التونسي على تلجيم غلاة العلمانيين و تشدد المتدينين فستتكون تطبيقياته أكثر جاذبية وصلاحية في الدول ذات الأغلبية الإسلامية بما فيها الدول الأفريقية المسلمة.
وفي الختام تجدر الإشارة إلى أنّ غياب فكر ثوري أدبي لمناصرة أخلاقيات الربيع العربي قلل من قيمة هذه الثورات مقارنة بالثورات العالميّة التي خلفت أدبا فلسفيا ذا طابع عالمي ضارب في جدليّة الإنسان وأزليّة نضاله من أجل الحريّة. لقد ألفيت الطريقة الحضارية التي تجمهر بها المصريون سلميا وتنظيميا لتجريد حكومة مبارك من شرعية البقاء في الحكم خلال 18 يوما أنبل شكلا من دمويّة الثورات الأمريكية و الفرنسية و الروسية وحتى الإيرانية عام 1979. والدليل هو أنّ الحكام المخلوعين في هذه الثورات حاولوا مجادلة الثوار سياسيا وأخلاقيا لتبرير حكمهم وللبقاء على عروشهم، بل أثبت التاريخ أنه كانت لبعضهم ثلة غير قليل من مؤيدين كما كانت الحال في روسيا وفرنسا. ولم تكن الحال كذالك مع الرئيس مبارك. فقد كانت الحجة دامغة ضدّه والتوافق الشعبي طاغيا على أية حجة سياسية أم أخلاقية لبقائه. فكانت كل ردود فعله الخطابيّة اعتذاريّة مستجدية الانسحاب المشرف بدلا من البقاء المشروع. و مع الأسف، فالفراغ الفلسفي التقدمي وغياب الفكر الثوري الذي تبع انسحاب مبارك من السلطة شوّه الميدان السياسي المصري وأحطه داخليا إلى خطاب إقصاء وتخوين. و من ثمّ تحول الربيع العربي خارجيا إلى آلة استقطاب في تصرف التحالف السني-الأمريكي الذي طفق يستخدمه لمعاقبة الحكومات الخارجة على ما كان الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، قد أسماه تحالف الراغبين (The Alliance of the Willing). وبديهي القول أنّ مستقبل القارة الزاهر سوف يكمن في استقلاليتها سياسيا وتكاملها اقتصاديا في الكتل الناهضة من برازيل والهند وفي قدرتها على الانتقاء الصائب مما تفرزه التكنولوجيا الأمريكية وما يرد إليها من الاستثمارات الصينية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.