بمناسبة الثالث والخامس من سبتمبر في ذات يوم من الأيام وتحديدا صبيحة الأول من مايو عام 1973 ، كنت خارجا من دارنا بكامل هندامي ، ناداني والدي " رحمة الله عليه " وسألني إلى أين ؟ فأجبته : إلى دار إتحاد عمال السودان فاليوم هو العيد العالمي للعمال ، قال لي بما معناه أن الله رفع درجة العمل إلى مرتبة العبادة وقرنه بالإيمان في كثير من الآيات ، جاء " البص " فانطلقت نحو هدفي . في " البص " كنت أطالع كتيبا صغيرا عن الأول من مايو – معناه –مضمونه – أهدافه ، ولأني كنت مفتونا بالقراءة فقد طالعته بشغف شديد ، تذكرت اليوم ذلك الكتاب صغير الحجم ، وتذكرت الحفل المتواضع الذي أقيم بدار إتحاد عمال السودان إحتفاء بالأول من مايو . الكتاب كان يتناول تاريخ الأول من مايو منذ عصر النهضة الصناعية في أوربا وما تعرض له العمال ، وكيف أنهم رفعوا لواء الدفاع عنهم ، وكيف طالبوا بتحسين ظروف العمل ، وكيف تمخض عن تلك التحركات والمطالب ظهور عدد من الهيئات والجمعيات والنقابات العمالية " بالمناسبة أصبح هذا منهج دراسي كامل في معهد جورجي ديمتروف في بلغاريا والذي درسته بالكامل " وأدى ذلك النشاط إلى جعل الأول من مايو ذكرى تستعاد كل عام ، وما لبث أن أعتبر يوما للعمال يحتفى به في كل أنحاء العالم بهدف لفت الأنظار إلى دور العمال ومكانتهم ومعاناتهم والعمل على تأمين متطلبات عيش كريم لهم . المسرح العمالي وبعد خمس سنوات فقط وجدت نفسي في الكويت التي جئتها بهدف شراء " عربية " والعودة بها إلى السودان والعمل " سواق تاكسي " ، وكنت أحمل رسالة للراحل المقيم ناصر الفرج رئيس إتحاد عمال الكويت – توفى أثناء الغزو العراقي للكويت – وعندما عرف أني مخرج مسرحي طلب مني تأسيس فرقة للمسرح العمالي وكانت تلك أمنيته خاصة وهو شقيق الممثل الموهوب سعد الفرج ، راقت لي الفكرة فشرعت في جمع الممثلين من خارج وداخل الوسط المسرحي الكويتي ، كنا نعمل يوميا ثلاث ساعات تدريبا ومحاضرات عن تاريخ المسرح ، نشأت الفرقة وأخرجت لها مسرحيتين ، الأولى من تأليفي باسم " عمال الورشة " والثانية من تأليف المسرحي العراقي الراحل المقيم قاسم محمد واسمها " حكاية الرجل الذي صار كلبا " . والثقافة العمالية أيضا وفي نفس تلك الأيام تسلمت إدارة الثقافة العمالية عندما تغيرت كل خططي وهكذا بدأت خطواتي الأولى نحو عالم العمال وما أروعه وأجمله ، عملت في معهد الثقافة العمالية في الكويت منذ عام 1978 إلى عام 1990 ، 12 عاما في قلب الحركة العمالية الكويتية والعربية والعالمية ، وتعرفت على عدد كبير من القيادات النقابية الكويتية والعربية والعالمية خاصة الإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والإتحاد العالمي للنقابات وكان مقره في براغ – تشيكوسلوفاكيا سابقا – وكان أمينه العام النقابي المعروف الراحل المقيم إبراهيم زكريا . ولكني عرفت أيضا أن هناك إتحاد عالمي آخر وهو الإتحاد العالمي للنقابات الحرة ومقره في بروكسل – بلجيكا ، بالطبع كان هناك ثمة تعاون خجول بين الإتحادين بحكم الصراع بين المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي ، ثم أتيحت لي فرصة ذهبية للعمل مع صحيفة الوطن الكويتية ، وكنت قد درست علم الصحافة في مصر ، فأشرفت على تحرير صفحتين أسبوعيتين الأولى تحت مسمى " وادي النيل " وتتناول أخبار مصر والسودان ، والثانية تحت مسمى " عمل وعمال " وتتناول أخبار الحركة العمالية والنقابية الكويتية والعربية والإفريقية والعالمية وبدعم مباشر من رئيس التحرير الراحل المقيم جاسم المطوع ، والصحفي النابغة محمود المراغي ود. احمد الربعي . الآن أكون قد وصلت إلى لب الموضوع وهو الإحتفال بعيد العمال العالمي في كندا وأمريكا ، حقيقة صفحة " عمل وعمال " أتاحت لي فرصة التعرف على قضايا العمل والعمال في أنحاء الدنيا ، وأصبحت لدي مكتبة عمالية زاخرة بمئات الكتب نهبت جميعها إبان الغزو العراقي للكويت ، وبما أني كنت لصيقا بالحركة العمالية فقد أتيحت لي أيضا المشاركة في بعض المهرجانات والمؤتمرات العمالية وبعض دراسات عن الثقافة العمالية في الجامعة العمالية في مصر والمعهد العربي للثقافة العمالية في الجزائر وغيرها . ونواصل [email protected]