[email protected] في مقالين سابقين بعنوان الديمقراطية هي الحل كنا نحاول ان نعرف اليمقراطية من وجهات نظر عديدة حتي تسني لنا إجاد تعريف عام لها ولكن بالضرورة هناك مقومات تحكم هذه الديمقراطية . مقومات النظام الديمقراطي: ونستخلص مما أسلفنا به سابقا أن إرادة الشعب هي جوهر النظام الديمقراطي، فهي مناط السلطة، والمرجع لتحديد الخيارات العامة، وبالتالي فإنه لا يكفي لقيام نظام ديموقراطي، وجود دستور ينظم السلطات في الدولة، ومؤسسات لتمثيل المواطنين، وقوانين تسمح بتعدد الأحزاب، و تنص على حرية الصحافة، لأن الآليات والمظاهر التي لا تخلو منها المجتمعات الديمقراطية، قد تبقى فارغة المحتوى، ومجرد واجهات شكلية، لا تعكس المضامين الحقيقية للديمقراطية على أرض الواقع، والتي لا تتحقق إلا بتوفر مجموعة من المقومات الأساسية ومن أهمها: 1) الحريات الفردية والجماعية: الحرية من الحقوق الملازمة لحياة الإنسان، فمن خلالها يستطيع أن يعبر عن حاجاته وطموحاته، ويفصح عن اختياره لأسلوب العيش الذي يريده، ويفجر طاقاته الفكرية والإبداعية، ويروض قدراته على ابتكار الوسائل الكفيلة بتحسين مستوى عيشه، ويعبر عن رأيه حول ما يجري في محيطه، في مختلف المجالات، وفي طريقة تدبير الشأن العام في مجتمعه، ويدافع عن معتقداته وقيمه، وقد جاء في الجملة الأولى من المادة الأولى للإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه «يولد جميع الناس أحرارا..». وباعتبار أن إرادة الشعب هي العمود الفقري في كل نظام ديمقراطي، فإنه لا يمكن التعبير عنها بوضوح إلا في مناخ الحرية الذي ينبغي أن يسود المجتمع، ويتيح للأفراد والجماعات إبداء آرائهم ومواقفهم دون أي قيد، ويطرحون أفكارهم بعيدا عن أي ضغط، ويناقشون أفكار غيرهم، وينتقدون السلطات العمومية دون خوف من الانتقام أو القمع،كما الغالب ويستطيعون الانخراط أو المساهمة في تأسيس الحزب السياسي، أو التنظيم النقابي، أو الإطارالجمعي ، الذي يتلاءم مع ميولاتهم السياسية، ومصالحهم الحياتية، ووضعياتهم الاجتماعية، وقناعاتهم الفكرية، وطموحاتهم الشخصية. ولا يتسنى للأفراد والجماعات التمتع بالحرية، إلا بضمان حرية وسائل التعبير عن الآراء والمواقف، وتتمثل بصفة خاصة في حرية الصحافة، وحرية النشر وإصدار الكتب، وعدم احتكار وسائل الإعلام العمومية من طرف الرأي الرسمي وحده، أو من قبل أي تيار سياسي، وإتاحة المجال للآراء المخالفة، وحرية التواصل والحق في تلقي وتداول المعلومات، عن طريق جميع وسائل الاتصال، وحرية تنظيم التجمعات العمومية، وحرية التظاهر والتجمهر، وحرية شن الإضراب عن العمل، والقيام بالوقفات الاحتجاجية.. وبطبيعة الحال فإن الحريات ليست مطلقة، وإنما تنتهي حرية كل فرد أو جماعة عندما تبدأ حرية الآخرين، كما أن الحرية لا تعني عدم المسؤولية، فلا يمكن باسم الحرية الاعتداء على حقوق الغير، أو المساس بكرامتهم، أو انتهاك حرماتهم، ولذلك يعرف البعض الحرية بأنها« قدرة الشخص على التصرف بما لا يضر الآخرين »، وانطلاقا من هذا المفهوم تضع الأنظمة الديمقراطية القوانين التي تنظم الحريات الفردية والجماعية، لتكون أداة تساعد الأشخاص والهيئات والصحافة ووسائل الإعلام والاتصال على المساهمة في تطوير المجتمع والنهوض به، وتضع الضوابط التي تحول دون خلق الفتن داخله، وتحدد القواعد التي تسري على الجميع بالتساوي، ودون أي ميز على أساس السلطة، أو النفوذ، أو الجاه، أو الجنس، أو اللون، أو المعتقد الديني، أو الانتماء السياسي، ... ......... ولا يكفي بطبيعة الحال سن القوانين التي تنص على ضمان الحريات الفردية والجماعية، وتحدد القواعد والضوابط المتعلقة بممارستها، وإنما لابد من احترام مضامينها على أرض الواقع، وعدم تجاوز مقتضياتها في الحياة اليومية، لأن القوانين التي لا تُحترم أو لا تسري في مواجهة الجميع، لا يكون لوجودها أي مدلول، وبالتالي حينما تمنع الصحف عن الصدور، ويتم اعتقال الصحفيين بسبب ما يعبرون عنه من آراء معارضة للسياسات المتبعة، أو منع تظاهرات سياسية، أو عروض فنية، بدعوى انتقادها لأسلوب الحكم، أو سخريتها من بعض الممارسات الصادرة عن السلطات العمومية، أو مواجهة الوقفات الاحتجاجية، وتفريق المسيرات السلمية، باستعمال العنف والقمع، مثل هذه الظواهر تتنافى مع الممارسة الديمقراطية السليمة، وتكشف عن وجه استبدادي قد يكون مستترا وراء قوانين ليس لها سوى وجود شكلي، ولا تجد صداها في مجال التطبيق. 2)التعددية الحزبية: التعدد والتنوع والاختلاف من الظواهر الطبيعية في أي مجتمع بشري، فمهما كانت القيم المشتركة التي تسود المجتمع، فإن مصالح الناس تختلف وتتعارض، واهتماماتهم تتباين، والقضايا التي تنشغل بها جماعة ما، تتعدد تصوراتهم حولها، وتتنوع اجتهاداتهم في طرق تناولها، وأساليب التعامل معها. وإذا كان نظام الحكم الفردي، أو الحزب الوحيد، يجعل الفرد أو الحزب "ينوب“ عن الأمة بكاملها، دونما اعتبار للتباينات الاجتماعية، والاختلافات الفكرية والمذهبية، ويدير الشأن العام وفق منهج أحادي لا يتغير إلا في حالة تغيير النظام من جذوره، فإن النظام الديمقراطي يقوم على الإقرار بالتنوع والتعدد، والأحزاب السياسية هي التي تتبلور من خلالها رغبات وتوجهات مختلف الطبقات الشعبية، ولا تحظى بشرف النيابة عن الشعب إلا الأحزاب التي تتجاوب اجتهاداتها وبرامجها أكثر مع طموحات ورغبات الأغلبية. والحزب كما يقول (موريس ديو) هو الأداة الرئيسية للنشاط السياسي الشعبي في الدولة الحديثة، وهو ظاهرة سياسية برزت مع ظهور الديموقراطية في أوروبا، وانتشرت منها إلى قارات أخرى، والحزبية السياسية مرتبطة بالحرية السياسية، التي من مظاهرها تعدد الأحزاب، سواء كانت تعددية ثنائية، أو تعددية أوسع. ولا يمكن تصور قيام نظام سياسي ديموقراطي دون تعددية حزبية، أي دون وجود أحزاب سياسية تعكس طبيعة المجتمع، وتعبر عن واقعه، وما يسوده من تباينات اجتماعية، واختلافات بين المذاهب والتيارات السياسية المتعددة، وتباشر الأحزاب في نطاق القانون، عملها في تأطير وتمثيل المنخرطين فيها، والمناصرين لمبادئها وإطروحاتها، والدفاع عن مصالحهم الاجتماعية، وتصوراتهم المشتركة فيما يتعلق بتدبير الشأن العام، وذلك من خلال التوجهات التي تتبناها، والبرامج التي تقترحها، وتعلن عنها للرأي العام. وبهذا المفهوم فإن التعددية الحزبية تنبع بتلقائية من حاجات المجتمع، ومن رغبات وتطلعات فئاته، فكل شخص لا يستطيع بمفرده أن يشكل قوة ضاغطة للدفاع عن مصالحه بشكل فعال، داخل مجتمع تتناقض فيه المصالح، ولا يستطيع إعطاء الحياة والحضور لأفكاره في محيط تتجاذبه عدة تيارات، فينتظم داخل مجموعة تشاطره نفس الأهداف، وينسجم أو يقترب مذهبها مع ما يراوده من أفكار، وتتجاوب برامجها مع ما يسكنه من آمال وطموحات، ومن خلال المجموعة يمكن التعبير عن الذات بصوت يتحدد مستوى صداه ومدى تأثيره، بحسب قوة ووزن المجموعة داخل المجتمع. وهكذا تتكون مجموعات في إطار تنظيمات سياسية تسمى الأحزاب، وتختلف في توجهاتها وتصوراتها باختلاف المصالح والأهداف المشتركة التي تربط بين الفئات المكونة لها ، ويتسع أو يضيق الحزب السياسي بحسب نسبة المتجاوبين مع مبادئه وبرامجه، الأمر الذي يتوقف على مدى قدرته على التواصل مع المواطنين، وإقناع الرأي العام بصواب خياراته، وجدوى ما يبتكره من تدابير لمعالجة القضايا التي تهم أوسع الشرائح الاجتماعية وفي الختام يمكن أن نستخلص بأن الديمقراطية نظام يرتكز على مبدأ أساسي مفاده أن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، وبالتالي {فهي ليست قالبا جاهزا، أي كالباس يمكن أن نحصل عليه بأي وسيلة ونرتديه عندما نريد ذلك فنصبح ديمقراطيين} علي حد قول الكاتب المخضرم د\أبكر ادم اسماعيل، فالديمقراطية إذا حق طبيعي لكل شعب، وليست منحة أو هدية يتكرم بها الحكام على شعوبهم عندما يحلو لهم ذلك، كما أنها ثقافة وسلوك، وليست مجرد شعارات وواجهات شكلية، ولا يتحقق وجودها على أرض الواقع إلا بتوفر ,وتاسيس مجموعة من المقومات والعناصر المتكاملة، ووجود عدد من القواعد والمؤسسات والممارسات، وتنبع الديمقراطية من الإرادة الحرة للشعوب، وإن كان هذا لا يتحقق بين عشية وضحاها، فالتخلص من أي نظام استبدادي، أو حكم مطلق، أو وضع غير ديمقراطي، وإقامة نظام يستوفي مقومات وشروط الديمقراطية الحقة، فإن هذا لا يعني أن الأمر يتطلب قرونا، أو عدة عقود من الزمن، وبالتالي فإن التعثر الملحوظ في إرساء وتوطين مفاهيم الديمقراطية في كثير من دول العالم الثالث وبصفة خاصة بلدنا هذا الذي ظل ومايذال تحت وطأة أنظمة مارست عليه في إعتقادي نوع فريد من الإستبداد لا يرجع لما يفرضه التدرج المنطقي الذي يستغرق في الزمن، وإنما يُفسر ذلك بالتردد، والتخاذل, والتواطؤ ,وغياب الإرادة الحقيقية. ولا يمكن رفض الديمقراطية ومناهضتها بدعوى الخصوصية، لأن سيادة الشعب، وتدبيره لشؤونه بنفسه، وتحكمه في مستقبله ومصيره، مبادئ لا ميزولاخيار فيها بين الشعوب، بل هي من الحقوق الطبيعية والأساسية لكل شعب، ولا يمكن القول بأن بعض الشعوب تسمح لها ثقافتها وتقاليدها بأن تكون سيدة نفسها ومصيرها، وشعوب أخرى لا يسمح لها تراثها ومعتقداتها بذلك، في حين أن الخصوصية تجد مجالها في التطبيقات المختلفة، وفي طرق وأساليب تجسيد الديمقراطية على أرض الواقع، دون المساس طبعا بمبادئها الجوهرية، التي بغيابها أو اختلالها لا يبقى هنالك اي مجال للحديث عن الديمقراطية.