أثارة قضية الهجرة من السودان في الفترة الأخيرة جدلاً واسعاً وسط المفكرين والكتاب وقادة الرأي العام وإتحاد العمال الذي وصفها بأنها(ناقوس خطر) وفيما أكدت وزارة تنمية الموارد البشرية ابرامها لمذكرة تفاهم مع الجانب الليبي وضعت من خلالها ضوابط لا تسمح لأي مواطن سوداني بالسفر إلا بعد استيفائه مطلوبات السفر إلى الخارج، وقالت أن الحكومة (لن تتساهل مع الشبكات التي تقوم بتهريب البشر إلى الخارج) أعتبرعدد من الكتاب والمفكرين التطورات المتسارعة في قضية الهجرة من السودان التي باتت بواقع ثلاثة الالاف تأشيرة يومياً بأنهاتطلق جرس إنذار خطير حول الأوضاع الاقتصادية في السودان، وستلحق به _أي اقتصاد البلاد_أضراراً لن يعوضها تدفق العملات الصعبة القادمة من الخارج. وقالوا أن ظاهرة الهجرة الجماعية التي تتم هذه الأيام لا تشغل بال المسؤولين ولا تدفعهم لكي يفكروا في أسبابها الجذرية ونتائجها على واقع العمل في السودان ولا في الفراغ الذي ستخلفه والذي ستملؤه عمالة غير مدربة ورادة من دول الجوار -كما نشاهد الآن– لا أحد يبحث عن نتائج هذا الاستنزاف القهري للقوى البشرية السودانية بل كل ما يفكرون فيه أن هؤلاء المغتربين سيصبحون مصدر عملات أجنبية تتدفق على السودان لتسهم في إخراجه من وهدته. وقال بعضهم قُطعت أرزاقنا، وبُترت أطرافنا، ثم .. قطعت أعناقنا، وتساقطت أجزاء الوطن تحت أبصارنا، وجلادنا موقن أنه يفعل بنا وبوطننا خيراً، يضربنا بالكرباج ويمنعنا الأنين، يقمعنا بالحديد ويمنعنا الشكوى،نحن جيل ضاقت به (الوسيعة)، حتى بات يتمنى أن تُخسف به الأرض لتبلعنا نحن والإنقاذ معاً، فليس هناك ما يستحق أن نحيا لأجله في مثل هذه الظروف، أي مستقبل ينتظر بلد غاية (المواطن) فيه أن يحصل على (فيزة راعي) خارج وطنه وهو يحمل شهادة جامعية!! ضوابط للسفر: وقالت وزيرة تنمية الموارد البشرية إشراقة سيد محمود مطلع سبتمبر الحالي أن الوزارة وقعت مذكرة تفاهم مع الجانب الليبي، قائلة إن وزاتها (وضعت ضوابط لا تسمح لأي مواطن سوداني بالسفر إلا بعد استيفائه مطلوبات السفر إلى الخارج)، مشيرة إلى أن الحكومة (لن تتساهل مع الشبكات التي تقوم بتهريب البشر إلى الخارج) وأكدت الوزيرة أن (أولئك ستتم ملاحقتهم)، كاشفة أنه (تم إجراء المعاينات لأطباء وكوادر أخرى تنوي المغادرة إلى ليبيا قريبًا) وفي ذات الاتجاه أكد وزير الدولة في وزارة تنمية الموارد البشرية والعمل أحمد كرمنو اهتمام ومتابعة وزارته لأوضاع السودانيين الذين يعملون في الخارج، وتفعيل قوانين العمل للمحافظة على سمعة السودان، ومحاربة الهجرة الغير الشرعية إلى ليبيا، بالتنسيق مع سفارة السودان في ليبيا وكان سفير السودان في ليبيا حاج ماجد سوار أعلن في تصريحات سابقة إلى (العرب اليوم)، أن السفارة السودانية (اتفقت مع السلطات الليبية على كيفية توفيق أوضاع السودانيين) وأشار إلى أن (بعض الجامعات الليبية بدأت في إجراء تعاقدات مع أساتذة من السودان، وصل بعضهم إلى ليبيا) وقال إن بعض المجموعات من الخارج بدأت تستعين بسودانيين في الداخل، وتعمل هذه المجموعات في تهريب السودانيين للعمل في ليبيا بطريقة غير شرعية، ومخالفة للقانون، نافيًا تعرض رعايا بلاده إلى (العنف) في ليبيا سُرقت أعمارنا وأحلامنا: تحت عنوان (مواطنون .. لا رعايا)كتب سيف الدولة حمدنالله نحن جيل – بل ثلاثة أجيال – سُرقت أعمارنا وأحلامنا، وتحولنا من مواطنين الى رعايا منذ ربع قرن، أصبحنا شعب (البدون) ونحن في وطننا، قُطعت أرزاقنا، وبُترت أطرافنا، ثم .. قطعت أعناقنا، وتساقطت أجزاء الوطن تحت أبصارنا، وجلادنا موقن أنه يفعل بنا وبوطننا خيراً، يضربنا بالكرباج ويمنعنا الأنين، يقمعنا بالحديد ويمنعنا الشكوى،نحن جيل ضاقت به (الوسيعة)، حتى بات يتمنى أن تُخسف به الأرض لتبلعنا نحن والإنقاذ معاً، فليس هناك ما يستحق أن نحيا لأجله في مثل هذه الظروف، أي مستقبل ينتظر بلد غاية (المواطن) فيه أن يحصل على (فيزة راعي) خارج وطنه وهو يحمل شهادة جامعية!! ويمضي الكاتب قائلا لم نعد مواطنين، لقد أضحينا فلاحين في عزبة الباشا، يفتك بنا المرض والجوع ونحن ننسج لجلادينا مفارش الحرير ليناموا عليها، ندفع لهم الضرائب والمكوس لينفقوها على مباهج الحياة، ومحنتنا أن الذي يضربنا بالكرباج ليس ناظر العزبة وحده، فكثير من (البدون) مثلنا يشاركونه في ضربنا، ويقسمون أنهم معنا، ويريدون لنا أن نقتنع بأنهم يضربوننا لمصلحتنا كابوس : وتسأل سيف الدين قائلاً :أي وطن هذا الذي تقوم الدولة فيه بقتل طالب جامعي (محمد موسى بحر الدين 23 سنة) وترمي بجثته في العراء ولا يجد غير والديه المكلومين ليبكياه!! لمن قدم هذا الفتى روحه الطاهرة!! هكذا علمنا أجيالنا، لا نبكي الاٌ على الأسماء الكبيرة، ولا نحزن على الغلابة، ماذا لو كان هذا الشهيد من أنجال الأكابر!! كم غيره قدموا أرواحهم ومضوا الى ربهم ونحن صامتون!! آآه يا وطن لا يأبه بدماء أبنائه (بشير – سليم – طارق – التاية – ميرغني النعمان – محمد عبد السلام – أبو العاص). وقال كاتب المقال :هل نحن مواطنون مثلنا مثل غندور وعبدالحليم المتعافي ومحمد إبراهيم الطاهر (حقٌق الله رغبته) !! هل نملك نفس حقوق المواطنة!! يخطئ من يعتقد بأن هناك دستور وقانون يقول بالمساواة في حقوق المواطنة، فليست هناك دولة لا يقول دستورها بمثل هذا الكلام،وتابع الكاتب مثلي كثيرون من الذين قذف بهم الوطن إلى أصقاع الدنيا، وإستطالت بهم السنوات وتبددت أحلامهم في أن يتعافي الوطن من هذا الكابوس قبل أن يأخذ صاحب الوداعة وداعته، وكنا نعتقد أننا ضحينا بما يكفي من أجل الوطن، حتى كشفت لنا تلك الجثة الطاهرة لابننا (بحرالدين) عن عورتنا، ولذلك كان لا بد أن أشكو حالي الى أمثالي من الذبن يقفون في الرصيف في إنتظار التغيير. قوارب الموت: وفي المقابل كتب الدكتور عبد الوهاب الافندي في مقال له بعنوان (تسونامي الهجرة الجديد في السودان )خلال الأسابيع القليلة الماضية، وصلت إلى العاصمة السودانية وفود لاستقدام العمالة للدولة الليبية الجديدة، حيث ركزت الوفود على التعاقد مع الأطباء والكوادر الصحية إضافة إلى أساتذة الجامعات. وفي نفس الوقت وصلت وفود سعودية ركزت على التعاقد مع أساتذة الجامعات في بعض التخصصات الحيوية والنادرة. وقد كان من الملفت تدافع المئات، وفي حالة الكوادر الصحية، الآلاف على مقار لجان التعاقد، بصورة مست بكرامة المهنيين المعنيين، والبلاد ككل. فقد كان الأمر أشبه بتدافع شباب شمال افريقيا على 'قوارب الموت' المبحرة إلى شواطئ أوروبا منه بأي شيء آخر. وأوضح الكاتب هذه التطورات تطلق جرس إنذار خطير حول الأوضاع الاقتصادية في السودان، وتهدد بعكس ما شهده العقد الماضي من هجرة معاكسة للسودانيين من مختلف مواطن الهجرة، بما في ذلك الغرب. لاسيما وان البلاد تواجه مصاعب اقتصادية جمة كان من بعض مظاهرها ارتفاع حاد في نسبة البطالة، خاصة وسط خريجي الجامعات. وأردف الكاتب تواجه الحكومة بالمقابل صعوبة مزمنة في جذب مدخرات المغتربين لأسباب عدة، أهمها أن الحكومة قد حولت السودان إلى سجن للمغترب، تحاصره فيه القيود من كل جهة. فهناك إجراءات معقدة ومكلفة تواجه المواطن السوداني المغترب لدى محاولته الخروج من البلاد. وهذا بدوره يجعل المغترب يحجم عن العودة إلا مضطراً، ودفع هذا بكثيرين إلى توجيه مدخراتهم إلى بلاد أخرى، من أبرزها مصر، حيث عائد المدخرات أفضل والدخول والخروج أيسر بكثير. وختم الكاتب والمحلل السياسي مقاله قائلا لكل هذا فإن موجة الهجرة الحالية ستضر باقتصاد البلاد دون أن تعوض عن ذلك بتدفق العملات الصعبة. أما استاذ الأجيال وعميد الصحفيين السودانيين الأستاذ محجوب محمد صالح فقد كتب تحت عنوان (ولكن أخلاق الرجال تضيق.. الخروج للهجرة وصل إلى رقم غير مسبوق) من حق أولئك المواطنين أن ينجو بأنفسهم من هذا الواقع المتردي وأن يحاولوا أن يجدوا فرصة للعمل تحت أجواء أفضل وبأجور أكبر تلبي احتياجاتهم، ويمكنهم أن يحاولوا جزءاً من دخلهم لمساعدة أسرهم في الداخل. هذا حق مشروع لكل مواطن فالوطن لا يضيق بأهله لكن أخلاق الرجال تضيق من سوء المعاملة والخاسر هو الوطن الذي يفتقد عطاءهم وجهودهم في هذه المرحلة الحالكة، وسيظل يتطلع إلى يوم يعود فيه السودان لسابق عهده استقراراً وآمناً ورخاءً والناس فيه مواطنون لا رعايا حقوقهم مكفولة والخدمات متوفرة لهم وفرص العمل تستوعبهم في رحابة. ولقد لفتت ظاهرة تصاعد معدلات الهجرة الأنظار منذ أن طالت أساتذة الجامعات بصورة كبيرة حتى بلغ عدد المهاجرين منهم في الربع الأول من هذا العام ستمئة أستاذاً ومضي صاحب جائزة القلم الذهبي بالقول لا شك عندي أن العدد قد تجاوز الألف الآن مع تزايد حاجة الجامعات العربية لخبرة السودانيين وعلمهم، ولقد حاول أساتذة الجامعات بشتى الطرق أن يلفتوا نظر المسؤولين إلى معالجة المالية أوضاعهم دون أن يفلحوا في ذلك، وهاهي نقابة العاملين في أعرق الجامعات في السودان (جامعة الخرطوم) يعلنون إضراباً عن العمل مطالبين بمتأخرات مرتباتهم وليس بزيادتها. وقال صالح مما يزيد الأمر مرارة أن المرء يرى أمامه مجموعات صغيرة تملك أموالاً طائلة مجهولة المصدر فيسرفون في الإنفاق الاستهلاكي التفاخري ويطاولون في البنيان دون أن يسأل أي واحد منهم من أين لك هذا؟ والقلة التي انكشف أمرها وقيل إن تحقيقاً يجرى معهم في قضايا الفساد في قضاياهم دخل ذلك التحقيق في سراديب لم يخرج منها ولن يخرج! لقد بدأت الفوارق بين من يملكون ومن لا يملكون تتسع وتتزايد حتى استحالت الآن إلى برزخ يفصل بين عالمين: عالم أفراده ينعمون بدخول غير محدودة مجهولة الهوية وعالم أهله لا يجدون قوت يومهم، ولا يستطيع أي مجتمع مهما كانت درجة ترابطه أن يحتمل هذا الانقسام الانشطاري بين قلة يملكون كل شيء وأغلبية لا تملك شيئاً.. ومن المؤسف أن ظاهرة الهجرة الجماعية التي تتم هذه الأيام لا تشغل بال المسؤولين ولا تدفعهم لكي يفكروا في أسبابها الجذرية ونتائجها على واقع العمل في السودان ولا في الفراغ الذي ستخلفه والذي ستملؤه عمالة غير مدربة ورادة من دول الجوار -كما نشاهد الآن– لا أحد يبحث عن نتائج هذا الاستنزاف القهري للقوى البشرية السودانية بل كل ما يفكرون فيه أن هؤلاء المغتربين سيصبحون مصدر عملات أجنبية تتدفق على السودان لتسهم في إخراجه من وهدته. وهذا هدف لا بأس به إن كانت البلاد تصدر فائض عمالتها للخروج من الأزمة ولكن الهجرة تطال رجالاً البلاد أحوج ما تكون إليهم في مجال إنتاجها القومي وخدماتها الأساسية من تعليم وصحة وغيرها. إنها أزمة لا تجد وجيعاً hussein saad [[email protected]]