صادف يوم الجمعة 17 يوليو 2009 يوم العدالة الدولية، ويوافق هذا اليوم الذكرى الحادية عشرة لإعلان ميثاق روما، الذي وافقت عليه 120 دولة في اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في إيطاليا، واعتبر هذا الميثاق قاعدة لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، وعارضت هذه الفكرة سبع دول، وامتنعت 21 دولة عن التصويت. وفي نشرة تم تدويرها عبر الإنترنت من جهة تُعرّف نفسها بأنها "التحالف الدولي من أجل المحكمة الجنائية الدولية"، وهي شبكة مجتمع مدني تضم حوالي 2500 منظمة حول العالم من حوالي مائة وخمسين دولة جاء الآتي: (يحتفل هذه السنة التحالف الدولي من أجل المحكمة الجنائية الدولية بيوم العدالة والطابع العالمي للمحكمة في تزايد، ويدعون جميع الدول خاصة تلك التي هي طرف في معاهدة انشاء المحكمة الجنائية الدولية، على التعاون الكامل مع المحكمة لكي تستمر كمحكمة عادلة، فعّالة ومستقلة بالإضافة إلى تحسين سُبل وصول ضحايا الحروب، الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية إلى العدالة). لقد إنصرم احد عشر عاماً منذ توقيع هذه المعاهدة(روما)، إلا أن غالبية من تم إتهامهم أمام المحكمة التي نشأت وفق المعاهدة هم من الافارقة، الذين توزعوا بين قادة لمتمردين في دولهم، كما هو حادث في الحالة اليوغندية، أو رؤساء لدول ذات سيادة وحدود معروفة كما حدث في ليبريا، أو قيادات لمليشيات عسكرية في الدول التي تعاني من حروب أهلية طاحنة كما هو الأمر بالنسبة للكنغو الديمقراطية. الآن مرّت حوالي ثمانِ سنوات منذ تفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية، شهدت إنضمام أكثر من مائة دولة، يقرون بقانونيتها، ويساعدونها في القيام بأعمالها على مستوى المساعدة في القبض على الجناة داخل أراضي الدول الموقعة أو بتقديم الأدلة والوثائق لمحاكمة المتهمين، وحسب مبدأ التكامل Complementarity في ميثاق روما، فالدول الأعضاء ملزمة بإنجاز تشريع وطني يُشرِّع التحقيقات والملاحقات القضائية للجرائم الواقعة في اختصاص المحكمة. الولاياتالمتحدةالأمريكية من أشهر الدول التي لم تُصدّق على أعمال هذه المحكمة ولا تقرها، وقد قالت في تبريرها لهذا الموقف: هناك حاليا توافق آراء داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي على ان الولاياتالمتحدة لا تعتزم التصديق على نظام روما الأساسي، وهناك بعض السيناتورات الأمريكيين إقترحوا ألا يتم التصديق على هذا الميثاق ما لم يكن هناك تعديلاً دستورياً واضح في الولاياتالمتحدة، بالإضافة إلى ذلك فإن هناك إعتراضات أخرى تتعلق بأن هذا الميثاق ينتهك القانون الدولي، وبأن المحكمة الجنائية هي محكمة سياسية دون حق في الاستئناف، وبأنها تتجاهل الحقوق الأساسية للإنسان الأمريكي، وتنكر سلطة الأممالمتحدة، كما أنها تنتهك السيادة الوطنية للولايات المتحدةالأمريكية. أما بالنسبة للدول المعارضة لأعمال هذه المحكمة فأشهرها الصين، التي لم تتوان عن إعلان معارضتها تلك وإيراد بعض الأسباب لكونها معارضة لقيامها وقد حددت هذه الأسباب في أن: المحكمة تناقض سيادة الدول الأعضاء مبدأ التكامل Complementarity يعطي المحكمة القدرة على الحكم على النظام القضائي في الدولة العضو حق المقاضاة في جرائم الحرب يغطي كل من الصراعات الداخلية والدولية اختصاص المحكمة يغطي جرائم ضد الإنسانية في زمن السلم تضمين جريمة العدوان يُضعِف دور مجلس الأمن في هذا المجال حق الإدعاء في بدء ملاحقات قد يفتح المحكمة للنفوذ السياسي أما عن دولة الهند أحد الأحصنة السوداء في تسابق دول العالم نحو التنمية والتطور السياسي والتكنولوجي، فإنها عارضت قيام المحكمة كما أنها عارضت مبدئياً التوقيع على ميثاق روما 1998 قائلة أنها معترضة على: التعريف المطاط لمصطلح جرائم ضد الإنسانية الحق المعطَى لمجلس الأمن لإحالة قضايا، ولتأخير التحقيقات ولإلزام دولة غير عضوة. استخدام أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل أخرى لم يتم تجريمه بصراحة. كما أنها أبدت قلقاً كذلك حيال نواحٍ أخرى متعلقة بالمحكمة: كيفية تطبيق مبدأ التكامل Complementarity على نظام العدالة الجنائي الهندي تضمين صراعات غير دولية - مثل كشمير والخلافات الأخرى داخل الهند - في تصنيف جرائم حرب سلطة الإدعاء في بدء ملاحقات. من الواضح خلال ما تم إيراده أعلاه أن هذه الدول، الولاياتالمتحدةالأمريكية، الصين والهند هي من الدول التي توافق موقف الحكومة السودانية من تسليم الرئيس البشير بشكل مبدئي، كما أن أكثرية الدول الأفريقية، والتي تمثل غالبية الدول التى صادقت على ميثاق روما، هي رافضة لتسليم رئيس دولة أفريقية للمحكمة وبالتالي فإن الدول التي يمكن أن تدعم مواقف المحكمة ومصادقة على ميثاق روما هي الدول الأوربية، أمريكا اللاتينية بكاملها وكندا وأستراليا، وبعض الدول الأسيوية والأفريقية. إن المحكمة الجنائية الدولية مواجهة بتحديات وعقبات إن لم تتجاوزها فقد تسقط نهائياً وتفشل تجربة صنع جهة عدلية دولية، أحد أكبر تلك التحديات هو الفصل بين النفوذ السياسي للمحكمة وتوجهات القضاة والإدعاء السياسي، وبين السلطة العدلية الحقيقية التي تعتمد القانون ومجرياته في تقديرها للأمور، وثاني أكبر هذه التحديات التعريفات المطاطية لبعض المصطلحات الواردة في الميثاق كمصطلح جرائم ضد الإنسانية كما أوردت الهند في سياق إعتراضاتها، كما أن هناك بعض الدول تتخوف من أن الضغوط السياسية على المحكمة قد تؤدي إلى إعادة تفسير القوانين الدولية أو قد تؤدي إلى"إكتشاف قوانين جديدة".