مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مِن بوادي الكبابيش (الرِّشاش) والخريف ونار السَّناف وماعِز درويش .. بقلم: عبيد الطيب (ودالمقدم)
نشر في سودانيل يوم 30 - 09 - 2012

كنت في اواخر فصل الصّيف بالمدرسة و هو افقر فصول السنة بالبادية وخاصة نهايته وتحديدا شهر يونيو او بما يسمي بوقت (الرِّشاش) فهو اشدها قسوة علي اهل البوادي حيث تُمْحِل وتُجدبُ المدامِر وتقفر التلال والمراعي و يجف الضَّرع لضعف البهائم وهزالها ويخلو طعامنا من الحليب والالبان ومشتقاتها الا قليلٌ من السَّمن الذي يكون مُدَّخرا لهذا الوقت ويَغلبُ علي طعامنا (التّريد) الثّريد وهو كما تعلمون (السَنسَن او القراصة) مع مرق اللّحم ولكننا في بادية الكبابيش نستبدل الثاء تاء وككلمة اثرم نقول اترم او كما يقول المقنع الكندي:-
وفي جفنةٍ ما يُغلق الباب دونها مكللة لحما مدفقة ثردا
وقد ذكر الراحل المقيم الاستاذ نجيلة (ان للشيخ الراحل علي التوم طبّاخ يجيد صناعة المرق او الرقاق ولم يكن طعام الشيخ اكثر من ذلك) ومازال الثريد طعام الرِشَاش الاول بالبادية وقيل في الحديث البركة في ثلاثٍ (الجماعة والسحور والثريد) وفي الخليج يسمونه (التشريب) او (المرقوق)وفي ليبيا يسمي (بالمثرودة) وعند بعض قبائل كردفان ودارفور اسمه (التسقية اوالسّخين) و تَلقح اغلب الانعام في اواخر يناير ونوفمبر وتُمْخضُ في الرِّشَاش لذا تكون غروز من الالبان حتي اوّل الخريف وما اروع حامد ودفضل شيخ رعاة الضأن حين يصوِّر المشهد:-
شهر ستة هلَّا
والغناَّمة ضيلها إنتلّا
يوم تيجاه نَشْ من المقيلة إضطرّا
فَقد ناس أم شِطير وناس الحِميلة الغرَّا
او كما يصفه (المضعون) السِّليماني عندما سخر من الضأن والابقار لهزالها في الرِّشاش ومدح الإبل:-
الضَّان والبقر في الضّيقة
اكلن بعضَهِن بِزْرَة ؤعلوق ما ريقة
أمَّات ولداً بِرك وجُّوجا لي الكاريقة
سِيدْهِن لا صَرَف عيش لا جَدع كُلّيقة
(الكاريقة حلقة من الحديد يُشبل بها بطان الجمل –اجّوجا اي اعتدل في مبركه- كليقة اي قصب الماريق)
واللطيف في الامر بالرغم من جفاف الرِّشاش الا ان نسمات الجنوب (الدِّعَاش) تفعل فعل الطّلح والفياجراعلي الماعز والضأن فتجعلها مسعورة بالشَّبق حتي ان الأتياس بنبيبها (صياحها) تستضيف المُدجلين ليلا كالكلاب النوابِح او كما يقول طَرفة :-
ملك النّهار ولعبه بفحولةٍ يَعلُونه بالّليل عَلْو الأ تيسِ
وعندما بدأت الامطار بالهطول مبشرة بخريفٍ واعدٍ وسال وادي المِلك ( اقروب) راجلا قادما من الجنوب البعيد حيث هطلت سواري علي منابعه (النّعَّاع ابو رزيز براقو صوط هَزِيز) وتحديدا علي جبال (زرقة) ولم تشرق الشمس حتي علت( الكواريك) والزغاريد معلنة فيضان الوادي و اصبحت الغزلان واقفة محتارة بين (الجواسر) الخيران حتي كان لتلاميذنا منها نصيبٌ كبير والي جنبها الاغنام والماعز وفي ظنيِّ ان الهواري او الكباشي لاحظ هذا المنظر عندما قال:-
فِتيلة ريحة ابو شمعة ؤعَسُلت الجرعة
وضمير من حسَّ بي الحركة ؤبَغَم بي سُرعة
مِتل ما إتْفاصَلَت شُمَّارتو مِن الدُّرعة
هبَّالو النسيم أُمُّو أم صَوادِغ ترعَي
وبدأ النبات يشقُّ باطِن الارض ولقّح الهمبريب اشجار السيّال والسَّمُر فتفتق برم عليفها وتفتح نوارها او كما وصفها الكباشي المبدع دكتور جمعه البري:-
السيل وهَّط العالي وعني الشَخَتور
وإتخلط رحل عاد كبُّو مو معبور
الوادي الرَّفَس سقَّايو في الصنقور
ضَهبان سيلو في صدرو الشّدر مَدفور
مِدّرِّع رقبتو ؤمِمّغي ومِمسُور
ؤفار جِنحينو متمَدِّد بعيد مَغرور
يوم التّالتة شقاقاً قبيل مغبور
شقَّ خضارو مِن تحت التري المَمطُور
سِنون البَضْرة تتلاصف مع الحيمور
تقول زينة عروساً سَوُّوا ليها سِبور
ودون سابق انذار وموعد وصلتنا سيارة قادمة من سودري تخبرني ان تمَّ نقلك لمدرسة رهد النِّمر وبالرغم من ان مدرسة الرهد بالقرب من مضارب فرقان (دكة) الاسرة مما يُمكّنني من الاستمتاع بوقت الخريف وكنت وقتئذٍ اشبه ببدويّ الشاعرة السعودية اشجان الهندي:-
وجه البداوة مُمطرٌ...
وبريق عين الرمل
لا يهواه الا من به مسٌّ
ومن إن امْطَرَت صحراؤه شجنا يَجنُّ..
ذاك الفتي البرّاق
سبّاقٌ الي سكب الغرام علي الغرام
البرقُ وجه حروفه والرّعدُ لحنُ
ويغوصُ في ربق الطرائد
بالرحيق الغض ينسل سهمه
ويروح يلعق اصبعيه ..طبع البداوة غالب ابدا عليه
كفُّ التصحر كلما اقصاه من كفيه يَدنُو
الا انني حزنت لمغادرتي حيث اني بدأت في التعرف لتوي علي احد شعراء الكبابيش المميزين الشاعر مُظعن (مُضعن) السِّراجابي وهو من اروع شعراء الكبابيش واعذبهم لحنا ففي صوته شجنا دفينا وفي حنجرته ينابيعا من الانغام وهو من الشعراء المسكونين بالجَمال والجِمال والمتدفقين ذوقا والمولعين بالرحيل والنشوق والشّيوم فاستطاع ان ينتشلني من جُب الأُنس (المغيِّب) المُمِل ومن رتابة التدريس وجدب الرشاش وشدّني من اذني الي اياّم الأُنس والمغامرات بمفرداته الرائعة والمباغتة احيانا
ابو رقبة الفرَش هِدبو وعملُّو مَطَارِح
نازل كَركَر اللِّيد الدِّرُوبو مَقارِح
علي سَقديبها واليت النقيق لي البَّارح
ؤ خَازين النِّجُوس عِرفوكَ بيهُن سارِح
ابورقبة كناية عن طول عنقها وهو محمدة لجمال المرأة –ومضارب فرقانهم علي جروف الوديان وسلاسل الجبال حيث طريقها الا عبر العقبة الكؤود ولقد اكثرت من الشيّوم الي فرقانها ولكن (النّجوس) احكموا الحراسة لانهم عرفوا انك بالقرب من ديارهم
أخضر من قصيبة السَّاقي
واجمل من متيليبة الضُهُر بِتلاقي
يا مولاي عَرب الرايقة هسِّع باقي
دخلت ليَّة الوادي الضّرَاهُو بِتاقي
ليلك بوبا يا العَرنوطي عِدَّك تابر
ؤ افرك إيديكَ وخِّر لي عواتيل جَابِر
تري البهَم البِسَوِّي الفضّة ليهو قَنابِر
نزل توتال فريق الدّقْسة كان ماك خَابِر
يا روحي اللَّبيتي إتْصَابْرِي
بقيتي إتسَألي في الجو والطيور واتخابْرِي
الشُّوح نوَّا لي ديفة الروينة الجابْرِي
دَلُو مِي ؤدَاكُو وينو وصَادَف البير تَابْرِي
-الشُّوح بعيره اي طويل- الروينة سربٌ من الغزلان – جابرة اي غير متفرقة لشحمها – البئر التابرة اي المملوءة ماءً
(شكيتك علي الله يا مضعن) ثم تقولون ان امرئ القيس اجاد حين قال دريد كخزروف الوليد...او طرفة او اي شاعر..!؟
والحديث عن مُظعن يطول ولكنني سوف افرد له مقالا اخر اتطرق لشعره وجمال تصويره وعلو مفرداته وصوته الشجيّ
الا انني هدهدت نفسي وعزيتها بلقاء الصديقين القادمين لتوهم من البندر صديق الشيخ والشاعر الرائع حنفي حاج الطيب واعلم واعرف تماما سوف ياتياني محملان بالجديد من الادب وخاصة الشعروكنت مولعا بازهري حتي عندما نقرأ الصباح الباهي لونك... ونصل الي مقطع يا بنية من خبز الفنادق نقول مالها ان تكون خبز (الفنادك) وصدقوني اذا سمعتم صوت (الفُنْدك) عندما يدوي مخنوقا ما بعد الواحدة ليلا وعرفتم بان وصل ضيف الهجعة لالتمستم لنا العذر وااسفي لانني لم اقرأ كثيرا للرائع محمد عبدالقادر محمد خير شاعر ثم ماذا بعد! وفي رأي هي من عيون الشّعر
وكنت اردد هذا المقطع:-
(مالي افتش في بوارِ الوحل عن ورد الزنابق عن اريج البرتقال!
علام احلم بالسواحلِ والمدائن في عيون صبية الليلُ ينبع من جداولها الطِّوال)
بعفويةعلي مسامع صديق...! ولها ذكري...! وكناّ نردد مع الطيناوي جزء من قصيدة (الفيلسوف عز الدين):- (وهمٌ وصدقت عزالدين ما دوامةٌ تلك المناصب) وعز الدين كان اظرف مجنون بمدينة فاشر السلطان، واظنه اقرب الي موسي (العتَّال) ذلك الفقيه الذي كتب عنه الروائي الكبير الاستاذ ابراهيم اسحق ،و بعد وصولي الي الديار وكان الخريف في عنفوانه وصِباه ،وبعد قضاء ليل سامر،قررنا ثلاثتنا ان نلحق باهلنا المشوقرين ،فاسرجنا في الصباح الباكروامتطينا رواحلنا ويمّمنا صوب مورِد خور الزراف ووادي (اللّقداب) في طريقنا الي مضارب خيام ابقارنا وكنا وقتئذٍ من بَزِر الاستاذ الراحل ومعلِّم الاجيال وافضل معلِّمٍ مرَّ علي البادية اجمالا من بعد الاديب الراحل حسن نجيلة استاذنا المُربِّي مرغني الفكي ذلكم المعلِّم القدير والمُربِّي النادر وقلَّ ان يجود الزمان بمثله وكان يحلو لاهل البادية عندما يأتي اولادهم من المدارس ان ينشدوا :-
(الطّلابا جِيدَن جو وحتي الفريق ضوّه)
وهي لعمري لم تكن مدحا ولكنه دهاء وذكاء منهم للاستفادة من ابناءهم لمساعدتهم في رعي الانعام
هذا قبل ان يحُول ثلاثتنا اصحاب الشُّماخ والعقال والقُطرة بقدرة قادر الي (تاية مشوقرين)ومعنا الكثير من ابناء البوادي مثل الرجل المُثقَّف والانسان الرائع العمدة حمد محمد حامد، صِدَّيق يمتطي صهوة حصانة (الماضي) وكان مزهوا ومولعا به حتي قال فيه بعض الدوبيت :-
الماضي اسْوَد والليل بستمد من لونك
والشهر البضوِّي بِهِل وسط لي عيونك
خيل البادية والعربان كلُّو قصَّر دونك
شيوم هجم البريريب خليهو يكون في شؤونك
والرائع حنفي يتحفنا بالجديد المتاح وسهله الممتنع و صمتنا نحن الاثنين حين ضوّع وفاح عبق هذا الحنفي :-
زولاً في متاهات دنيتو مِسرِّحنا
جاتنا اخبارو راحل وتاني قول ما ارتحنا
حقيقة الدنيا بِتغُش مرة بتفرحنا
وتاني تِقبَّل الغشاشة تلغي سَمِحْنا
ؤسحبت مننا الادَّت بعد ما فرحنا
إتوالفنا ولفاً قلنا ما بِزَحزحنا
كان عرفات رحل نحنا السبتنا انحنا
لا احتجينا في يوم قلنا ليك ما سِحنا
ولا يوم بالوهم بي الفرقة بِتمازِحنا
وكل ما نَهوي زول من ريد بِتطَمِّحنا
ؤحَد ما نِطارد الصّيد إنتَ بِتقَمِّحنا
ونحنا جهالا ما بنسمع كلام ناصِحْنا
ما خفَّفنا من ريدو البقا مِكَسِّحنا
ؤ بقت الدمعة دم والهم بقا مصابحنا
والليل ببقا نَم كان الغنا بنصِّحنا
ما ودعنا مخصوص يوم بقي مبارحنا
زولاً كان حبيبنا وكان طبيب لي جرحنا
عارفين لا ولوف بعدك بجي بصارحنا
ولا بعد المسافات ببقي من صالحنا
ويادوب البريدك خشَّا بيت المحنة
وبقول لي اغلي زول يوم الوداع سامحنا
والخريف هو زوج الارض وعريسها كما قال ابو زيد الهلالي مخاطبا ابنته الصغيرة وقد اردفها معه علي بعيره حين مرت بسهولٍ ممطورة لتوها فصاحت : (الواطاه الليلة سمحة خلاس) فخاطبها قائلا (وطأها زوجها)وما اروع البادية في الخريف فكأنها عروس اكملت الاربعين يوما فعبق الاشجار كما (كَبَريت) العروس والارض لبست حلتها الخضراء وتدثرت باعشاب الخافور وام مصابع وحِبال حشائش الضريسة والوديان والخيران مملوءة فكأنها اسيافٌ مسلولة من اغمادها واشجار السِّعات والقضيم والاندراب ملء احضانها ونوار اشجار الكتر يضاحكها ويحصل علي قبلة مجانية من جروفها مع ابتسامة طفولية وتصدراحيانا اصواتا مزمارية حين تداعب اغصانها نسيمات السحر المضمخة برائحة جديد المطر والكبابيش يَطلِقون عليه(واقع البارح الطير ما بينو) وطائر القمري يشدو ويقوقي وتجاوبه طيرة( ام سُورج )بلحنها الخماسي وايقاعها (الدليبي) حين تُصَفِّقُ باجنحتها علي صدرها وهناك جدول صغير علي كتفه شالٌ و ملفحة درويش خضراء نسجتها الطبيعة من نبات (الدفرة) وفي عُمقه طائر الوزين (ابوكدوس) يسبح كأنه علي موعدٍ مع اولمبياد لندن وما اروع الصديق الشاعر الكباشي جمعة البري حين يصف الخريف :-
سايق ضُهْرِي عام سَالاً جِروف ؤ خَورَّن
والسَّاري الحلوب مَطَراتو فاقَن ؤ دَرَّن
واصبح رابط الضحوي البِصُب واتْحَرَّن
ؤسقَّايك كسر غادي وجواسْرِك شرَّن
بِعَطْنَن فوق جواديلك تِلُوب ؤ حورَّن
وابو الجاعورة بِدقُّو الكتيرها تورَّن
والبرقة ام جرس رقَّت فحول ؤعَبَرَّن
ولي شدر العِديد ناس ام قرين بتطرَّن
( الساري هو المطر الليلي – فاقن ودرن اي هطلن وهو تشبيه رائع جدا لان الفواق والدر للابل- السقاي هي روافد الوادي - والجواسر هي البرك-بعطنن من المَعْطن وهو مكان شراب الابل خاصة والانعام عامة –ابو الجاعورة صوت البقر- البرقة ام جرس اي الاغنام –وعبرن من عبور وهي النعجة الشباب وام قرين هي الماعز)
في طريقنا عرّجنا علي اضاة (ام حَطَب) لنسقي رواحلنا هذا اقتراح قدمته بدهاء ومكر لصاحبيَّ واقنعتهما به لانني ارهفت السمع لِشدو عزاري وعندما وصلنا للمنهل وجدناه ممتلئ بالنعم الصغيرة كالابقار والاغنام والماعز وبالحسان والشباب والاطفال الصغار ايضا مكثنا قليلا ثم ذهبنا في سبيلنا وفي الطريق مررنا بحسناءين جميلتين وعندما حاذيناهما وقد عرفننا (افندية) من هُندامِنا صَاحن منشدات بصوتٍ شجيِّ:-
(مو افندي بي ساعتو----- ومو تاجر بي بضاعتو------ سِعْنو الحليب زاعتو----- ؤعايض لي رباعتو )
اي لا يعجبهن المدرس او ابن البنادر وان تجمَّل بساعته ولا التاجر وان كثرت بضاعته وانما يعجبها المملوء (سعنه) بالحليب والقارص والذي يتفقد (رباعته) رفاقه وكان وقتئذٍ لم يرجعوا الابالة من الجنوب (رحلة النِّشوق)
ثم شدون ايضا وهُنَّ يخاطِبن الهرع:-
الهَرع الجيت من فَجُر ------ لقيت آتو في البَزُر---- لقيت عبدول ودصَقر----- ؤهَاد كاكليت فوق بَكُر
(سألن الهرع وهو راحل من الجنوب قائلات:-من رأيتَ من شبابنا الناشقين (المشوقرين) ؟ فاخبرهُنَّ بانه رأي عبدالله ود صقر وانه استقطع جزء من ابله وجعل عليها فحلا (هاد) جملا(كاكليت) اي بعيرٌ جميل وكبيرٌ وطويل وكلمة كاكليت تطلق ايضا علي الشاب القوي )
وفي طريقنا لفت انتباهنا الاخ حنفي حين لاحظ بعض الماعز برشاقته وخفة ظلِّه يرعي فروع اشجار (الكتر والسِّعات و..) فقرأ علي مسامعنا قول درويش:-
رأيتُ جبينك الصيفيُّ في الشفقِ.....
وشَعْرُكِ ماعزٌ يرعي حشيش الغيمِ في الأُفِقِ
ثم طرح سؤالا ....هل استهلكنا النخلة والجدول والساقية في شعرنا.......!؟ وان كانت الاجابة نفيا لماذا لم نجد مثل تشبيه محمود درويش عند شعراء بلادي.......؟!
فقلت :- سأجيبك من الدوبيت فقط ،موجود مثل هذا الشعر في الدوبيت بل اروع منه واقوي ديباجة وامتن سبكا وآنق مفردة ودونك قول ابوالبرعي:-
هِنّا إتْنين عنانيف شَرْق
نَواوِير عاطفة لا ضَاقَنْ سَموم لا حَرْق
إدين مَهَدُولَة لا بِتَحْمَل غَزِل لا طَرْق
ؤشَعَر من لونو دَهَرابَاً بِفِجُّو البَرْق
هاتان الفتاتان شبههن الشاعر ببكرتين مزيونتين من شرق بلادي حيث بيجاويات ابو الطيب المتنبي واضاف بانهن يرعين حشائش العاطفة ولاسموم ولا ...ثم ان ايديهُنَّ منعمة لم تتعودا علي غَزْل الشَعَر ولا حياكته ونسجه ولا طَرْقه حتي ثم شبه شَعْرَهُنّ بركام وسحاب المطر المصحوب بالرياح حين يهطل بمكانً قريب (الدهراب)ويلمع و يلوح في منتصفها البرق والوقت ليلا فلا قمر ولانجوم مع الامطار وهنا روعة التشبيه ثم قول محمد ودصالح الفحلي النورابي:-
سلطانة بنات ما إتضلِّي
فوقْهِِن ظاهرة كيف نار السَّناف بِتلِّي
العانس السّيدْهَا فوق كُوفَات عَقَر ناس سلِّي
بمثل ليكي يا الدارسة القوانين حلِّي
بدأ بتشبيها بالاميرة (سلطانة بنات) المقطع الثاني هو قمة الابداع والوصف ان كان درويش شبه شعرها بماعز ترعي حشيش الغيم.....فهذا البدوي يشبها بالنار التي توقد في الليل وتشبُّ في اعلي التلال فالكل يراها(نار السّناف) والعانس هي الناقة السمينة (وكوفات) البعير النشط وسريع الخبب وبمتل ليكي- اي احكي واشرح لك وشبها بالقاضية لفصاحتها وظلمها له وانها هي الخصم والحَكُم ثم لاتذهب بعيدا فبخيت ود عبدالمولي :-
العرب الفي مَلَمَّات الدروب السّاهلة
وجينا الليلة شُفناهُن كبيرة وجاهلة
مشيتاً روقا ماها المِسْتَخِفّي وراحلة
ؤجِلداً شوفتو كيف ريع الوَطا المِتْمَاحلة
والمقطع الاخير في غاية الجمال فاديمها مثل رمال الصحراء ولعمري لم اجد شاعرٌ في العالمين وصف جلد المرأة بهذا والمقطع قبل الاخير هذا علي خلاف صاحب هريرة (كأن اخمصها بالشوك ِ مُنتَعِل) اي لم تكن سريعة المشي (لفيفة)
وهذا يذكرني بشيخ العرب ود ابوسن حين يقول:-
عَنز أم شُومر الفي ريرا ضامنا خريفا
ما اكلت سندوتش محَشي ومعاهو رغيفا
ؤماشِربت سجارة وبيها تَمت كيفا
وكِشْكيش الجزالين مِنُّو باقية عفيفة
لم اكن ضد الطبيعة والناموس الكوني ولكنني العام الماضي ركبت الحافلة من الخرطوم الي المغتربين وبعد تحرك السيارة مباشرة لاحظت بعض الحلوين يتناولون بعض الساندوتشات داخل المركبة غضضتُ الطرف حين اختلط الكريم مع الجبنة وسال واندفق علي...! وحين تدخلت الايدي لفك الاشتباك ظهرت بانها كانت بلون والوجه بلونٍ اخر وعندما لمحت صاحبة خِمَار جالسة فقلت في سري :- السودان بخير ولم اكمل حتي ارتفعت مظلة السواد وبدأ صاحبها في رعي الحشائش فصحت:-
( الكتراااااااابل يا القدح المغطي علي اليَبَاس)
ثم عرجنا علي كثير من الشعر واستمتعنا بالعباسي وهو عندي من اشعر العالمين والي الان حين يأرقُ جفني اردد شعره:-
استغفر الله لي شوقا يجدّده زكر الصِّبا والمغاني اي تجديدِ
ان زرت حيَّا طافت بي ولائده يفديني فعل مودود بمودودِ
وكم برزن الي لقياي في مرحٍ وكم ثنينَ الي نجوايا من جيدِ
لو استطعنا وهُنَّ السافحات دمي رشفنني رشف معسول العناقيدِ
وقلت هذا ايضا موجود بالبادية ودونك حسن دياب
نَشَّف ريقي هم البَدري ليَّ ببادْرَن
ؤ بِردَن في الغدير مِتخفيات ؤ بِسَادْرَن
بِخاطْرَن بي رِويحاتِنْ بجنّي يخَابْرَن
بلولْحَن لي رِقيباتِن بعد ما يغادْرَن
وبالمناسبة حين يقول العباسي:- يقول لي وهو يحكي البدر مبتسما يا انت يا ذا وعمدا لا يسميني
ورب الكعبة كأنني اراه امامي لانني اعرف الناس الذين يقصدهم والي الان هم اجمل الكبابيش بل من اجمل السودان والي الان المرأة منهم لا تذكر اسم زوجها او ابن عمها ان كانت مخطوبة له حين تناديه بل تخاطبه قائلة :-( هنايا او عشايا اوخيري..) ثم عرجنا علي الشابي وكنت معجبا برائعته (كم من عهود عذبة في عدوة الوادي النضير) وكان يختصرها عليَّ قول ود ابوسن حين لمح طفلا يلعب بالدمي ويُشرِّك للطير..(ياحليلك يا البشرِّك لي طيرك ان خلاني قديرك وتاكل الهم فوق غيرك)
عذبةٌ أنت كالطفولة كالاحلام كاللّحن كالصباح الجديد
كالسماء الضّحوك كالليلة القمراء كالورد كابتسام الوليد
كل شئ موقع فيك حتي لفتة الجيد واهتزاز النهود
انت كالحياة في قدسها السّامي وفي سحرها الشّجيِّ الفريد
وقلت موجود ايضا وما اروع حسن دياب حين يشدو:-
اجمل من صباح العيد
ؤ حَلات الدنيا كان شُفت العلامتو فِصيد
حَقُّو الناس تريد ناسَاً بِعِزُّو الريد
ؤ زي زولاً صغيروني وبشابه الصّيد
ونحن مع الانس الجميل والشدو.. والشمس ما تبقي لها الا القليل وتدخُل غمدها سمعنا خوار الابقار فوقفت ريشات قلوبنا وتنفسنا الفرح فلاحت لناظرنا الخيام والفرقان واتانا الراحل احمد ودحسن مهرولا وكان السلام بالاحضان ولم تمضي دقائق معدودة حتي اتانا القدح المُترع بالدُّخن وادام اللّبَن والسَّمن ثم شاي الحليب (الناعم- ابوكتحة –الدباّري) كما يحلو لاهل البادية:-
الشّاهي ابولبن خلاني أمشي وانود
ؤعانِج عَنجَة الصّقر اللِّقالو عَتُود
اتنين وتلاتة ما بِتِمَّن المقصود
وخمسة وستة في الراس بِفتَحَنْلُّو قِدود
والليلُ طويلٌ وانا مُقمِرٌ والبرقُ العباديُّ يُومِضُ و(الهمبريب والواوير) مضمخان بروائح الصندل و(الكبريت) والرَّيحان والقيصوم ويغازلان العزاري والجِرابُ مملوءٌ بالذكرياتِ والقلبُ مُتكٌئٌ عليها والعود احمد إن بقي العمر و لم تثقُب قوارض الاغتراب والهجرة الجراب
عبيد الطيب(ودالمقدم) بادية الكبابيش
aubaid magadam [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.