حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    البرهان يزور جامعة النيلين ويتفقد مركز الامتحانات بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالجامعة    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الشأن الإجتماعي: حلاوين وفلاّتة: (الفيس بوك يجمعنا) !! .. بقلم: الهادي محمد الأمين-الخرطوم
نشر في سودانيل يوم 02 - 10 - 2012

لا أحد منّا يستطيع بالضبط تحديد زمان وميقات دخول بعض القوميات والقبائل الوافدة لمنطقة الوسط لكن من الواضح والراجح انّ هجرة بعض سكان الشمال وتدفق مواطني غرب السودان قد بدأت مع بداية انطلاقة مشروع الجزيرة الزراعي في النصف الاول من عشرينات القرن الماضي فظهر الشايقية والبديرية كزرّاع وبناة للمنازل وكذا الحال بالنسبة لبعض أبناء جبال النوبة لكن يظل أهل دارفور هم الاكثر عددية في التدفق والمجئ والاستقرار بالجزيرة وتوزع كثيرون منهم في كنابي المشروع يقيمون في قطاطي ومنازل مشيدة من المواد المحلية في اعالي ترع المشروع باسرهم وعائلاتهم يشاركون أهالي المنطقة في الزراعة وآخرون عملوا في محالج القطن ..
حسنا فالمقدمة أعلاه تبقي ضرورية لجهة تحديد وجود مجموعات سكانية أخري وثيقة الصلة بهذا الموضوع والاشارة هنا لأقوام قبيلة الفلاتة ابرز مكون اجتماعي وافد من خارج المنطقة من حيث الكثافة العددية وعراقة الاستقرار وتأثيرهم علي الواقع عبر خارطة إنتشارهم بصورة واضحة لا تكاد تخطئها عين فاذا اختارت بعض قبائل الفور مثل ( التاما - البرقو – البرنو – المساليت وغيرهم من القبائل الوافدة من غرب دارفور ) السكن علي ترع وقنوات المشروع وأحيانا يعسكرون داخل الحواشات في رواكيب صغيرة فان الفلاتة فضلوا الاستقرار في قري صغيرة وسط المشروع الزراعي وكلا المجموعتين يشاركان في الحراك الاقتصادي والزراعي والنشاط الرعوي في وقت لاحق أعقبه شئ من التعاطي مع الشأن السياسي مؤخرا لسبب ناتج من تزايد حالة الاستقطاب السياسي في المراحل السابقة والحالية ...
فحالة الإختلاف في تحديد مقدم قبائل الفلاتة واستقرارهم بالجزيرة مرتبط لحد كبير وبعيد بحالة الغموض والاختلاف في تحديد أصولهم وجذورهم وكذا الحال بالنسبة لتحديد لغتهم أو لهجتهم وطبيعة لسانهم فحتي الآن لا يوجد إتفاق بين علماء التاريخ والإنسانية والجغرافيا في التعرف علي هوية الفلاتة هل هم الهوسا أم الفولاني أم التكارير أو التكارين أو الأمبررو ؟؟ هل وفدوا من غرب إفريقيا وفقا لما تردد بعض الروايات والمصادر من نيجيريا وفولتا العليا ( بوركينا فاسو ) أم من قدموا من جزيرة العرب أم هم ينتمون لقبائل نوبية ؟ . بل ذهب البعض الي نسبتهم لليهود ' لكن واقع القبيلة يكذّب هذه الرواية لما عرف عن الفلاتة من نزوع نحو العبادة والارتباط بالدين وإتقان للقرآن الكريم الأمر الذي نستبعد معه وجود علاقة بين الفلاتة واليهود بل قيل أن الفلاتة ايضا ليسوا زنوجا ولا أفارقة ..
لكن بدا أن هناك تفريقات وتفريعات فيما يخص هذه القبيلة التي يتوزع عدد من سكانها في النيل الازرق – سنار – كردفان – العاصمة الخرطوم والجزيرة بل هناك حلة كاملة كانت تسمي بعشش فلاتة وتقع بين السوق الشعبي من جهة الجنوب وحي إمتداد الدرجة الثالثة أو العشرة من ناحية الحنوب وتتاخم ميدان سباق الخيل ( نادي الفروسية ) من الاتجاه الشمالي الغربي وقد تم ترحيلها في عهد الوزير شرف الدين بانقا ونقلها من المنطقة الحالية التي اطلق عليها حي النزهة الي الانقاذ جنوب الحزام الاخضر متلاصقة مع حي مايو وتسمي تندرا ( الوزير دقس ) ... أمّا الطريف فهو اهتمام الاسلاميين في وقت مبكر بهذا الحي الذي ترشح فيه الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد في الانتخابات البرلمانية للعام 1967م عن دوائر جبهة الميثاق الإسلامي وفاز كنائب برلماني في الجمعية التأسيسية التي انتهت بانقلاب الرئيس الاسبق جعفر نميري ...
حسنا حديثي هنا لا يبعد كثيرا عما سردته سابقا حيث أريد ان اسلط الضوء أو استعرض وجها من وجود الفلاتة في منطقة الحلاوين وإن أردنا الدقة فسأتناول بالتخصيص الفلاتة الذين يجاوروننا في قريتنا السنية بالحلاوين في حلتهم التي كّنا نطلق عليها فلاتة كتفية باعتبار القرب الجغرافي والمكاني فقرية الفلاتة تقع في الجهة الجنوبية الشرقية لكتفية وصافية فهي تجسّد حالة نادرة لكون أن القرية لها تاثير في مسيرة حياتنا لا ينكر نظرا لاعتبارات كثيرة ومتعددة فحينما كنا طلابا فان مصدر الغذاء والطعام والأكل كان يأتينا من هؤلاء القوم فغالبية طلاب المدارس في قريتي صافية وكتفية ( الابتدائي والمتوسط ) – ( بنين وبنات ) كانوا يتناولون وجبة الافطار اثناء فترة الفسحة من الفلاتة حيث تبيع حاجة ( لنتنة ) الطعمية ومعها الشطة اليابسة ثم تبيع أخريات من الفلاتة الفول المدمس والتسالي وحلاوة سمسية وحلّي وحلاوة فول ... فالفلاتة مشهورون بذلك خاصة العنصر النسائي بينما يميل الرجال الي صناعة الأزيار والكوانين – مفردها كانون وهو منقد يصنّع من الطين أما الزير وصغيرته ( قلّة ) فهي تصنع من الطين والزبالة ثم تحرق بالنار لتتحول إلي وعاء فخّاري وبعد انحسار سوق الكوانين اتجه الفلاتة لاستبدال هذه الصناعة بعمل الرويحلات – جمع رويحلة وتستخدمها النساء المتزوجات لزوم دخان الطلح .. والغريب أن الفلاتة الذين يبيعون الكوانين لنا يقومون هم باستخدام ( اللّدايات ) في طهيهم للأكل ...
وفي تقديري لو تطوّر مواطن قرية فلاتة في اتجاه مواكبة حركة التصنيع المحلي لأمكنه ذلك من تصنيع (الأصايص ) عوضا عن الرويحلات لرواج سوق ( الاصايص ) حاليا كصيحة وتقليعة ( نيولوك ) فالورود والزهور أصبحت لهما وضعية خاصة في عالم اليوم الذي بدأ يكتسي بروح الرومانسية بعد أن غمرته وغشيته رياح المسلسلات التركية ..
وبالعودة إلي صلب القضية فان الفلاتة ببلديّاتنا عرفوا بهوايتهم أو حرفتهم ومهنتهم في مجال الزراعة فلا زلنا نذكر ( جلجلو ) الشريك الاصيل لعمنا ( أحمد علي أحمد حاج البشير العمدة ) في حواشته التي تلتصق بقريتنا ف( جلجلو ) منذ أن كنّا صغارا عرفناه ملازما لتلك الحواشة من مرحلة الحرث وتنظيف الارض ثم الزراعة ورمي التيراب مرورا بالسقي والري فالإنبات وحتي اكتمال إنتاج المحصول في مراحله النهائية عبر حصده سواء كان فولا او ذرة او قطنا وبقوليات فظل رجلا أمينا ووفيّا لكل سكّان القرية هو وآخرين أمثال ( بابو ) الذي مهر في عملية البياض ( الكحل ) خاصة بعد اختيار كثير من الشباب – سابقا – الهجرة والاغتراب لبلدان الخليج ( السعودية والكويت ) وتحوّل عملية البناء من الجالوص والطين الي الطوب الاحمر حيث برز ( بابو ) في عملية ( البياض ) لا يجاريه في هذا المضمار إلا أهلنا القوّازة ( ناس قوز عبد السلام ) الذين اشتهروا بمهارتهم كتربالة وبنّائين للمنازل .. ويلاحظ أن قبائل دارفور بمنطقتنا يهتمون بتربية الدواجن مثل الحمام والدجاج بجانب ميل بعضهم للتجارة الصغيرة ..
وتحكي بعض الروايات أن الفلاتة هم من أدخلوا آلة ( الكدنكة ) وهي الطورية التي تقوم بعملية تنظيف الارض من الحشائش والقش بينما كان أهل المنطقة يستخدمون ( الملود ) وهي آلة حديدية مصممة في شكل هلالي تلصق بعود طويل ومن يستخدمها يكون وافقا ومتخذا شكلا مريحا عكس ( الكدنكة ) التي ترهق مستخدمها الذي يكون ظهره منحنيا خلال عملية التنظيف في حالتي ( الحش والكديب ) .. فقرية الفلاتة وبصورة سنوية يستفيد مواطنوها رجالا ونساء وشبابا وصغار من المواسم الزراعية في العروتين ( الصيفية والشتوية ) حيث لا يميل الفلاتة الي ادخال ابنائهم للمدارس رغم قربها من مواقع سكنهم لكن لاحقا التحق عدد منهم أمثال ( محمد ثاني ) لكنهم لم يواصلوا مسيرة تعليمهم حيث لا يستلطفون النظام التعليمي ولا توجد لديهم رغبة في مواصلة الترقي الاكاديمي فمن لم يعمل بالزراعة اتجه لمهنة العتالة أو العمل ككمساري في السيارات أو بيع ( الكوانين ) مثل الشاب حمزه هارون الذي يعرفه الكثيرون فهو مثابر ومجتهد يحمل عددا من الكوانين في ظهره ويديه ويذهب ليبيعها في الاسواق وكنا نعجب من جلد وصبر حمزه هارون حافي القدمين كيف يستطيع ان يسير حافيا علي رجليه في نهار ساخن وملتهب في شمس حرارتها لاذعة ورغم وجود ( الضريساء) والشوك وحشائش ( الجّبّين ) بل وفي منطقة مشهورة بكثرة العقارب وملئ بالثعابين خاصة في فصل الخريف أو في شهور الصيف .. !!
ربما ففي مرحلة سابقة وعند الصغر حدّثنا ان عائشة موسي أحمد أو المغنية والمطربة الشهيرة ( عائشة الفلاتية ) من قرية فلاتة التي تجاور وتتوسط قري ( صافية – كتفية – السنّية ) وقيل لنا أن أختها ( جدّاوية ) وهي أول امرأة تعزف علي آلة العود من هذه القرية لكن مما هو معروف ومشهور أن الفلاتة لهم لونية ومدرسة أخري في الغناء والطرب بطقوس تظهر في مناسباتهم الاجتماعية وأفراحهم وحفلتهم تسمي ( الكيتة ) وفي الاكل والشرب لهم طعام ( القدو قدو ) بينما كنا نحن نستمتع بالعكارة ثم تطورت الي النشأ أو المديدة حاليا سواء من بودرة الدخن القمح أو من دقيق الذرة ..
وعلي ذكر المناسبات فان ( فلاتتنا ) لا ينقطعون عن الزيارات ولا يسجلون غيابا عن مشاركة الاهل في الاحزان والوفيات أو في مناسبات الزواج بل يساهمون حتي في ( الكشف ) ويقدمون التهاني والتبريكات بمناسبة الاعياد في الفطر والاضحي لكن مما هو مشهور عندهم ونعرفه جيّدا أن الفلاتة يصومون بعدنا بيوم في شهر رمضان حتي يرون الهلال راي العين المجردة وبالتالي يكون عيدهم في الفطر بعدنا بيوم بينما يتساوون معنا في الاحتفال بعيد الاضحي في يوم واحد حيث يجيئون للمعايدة فيخرجون من قرانا وحلتنا وبقية القري بما لذّ وطاب من الملبس و الطعام والمأكل شحما ولحما كمؤشر لقوة العلاقة والتواصل الاجتماعي فالقوم متدينون وبعض المتقدمين من رجالهم ذهب للحج قديما كما أن رحلة ومسار قبائل الفلاتة للحج قضية مالوفة ومعروفة منذ التاريخ القديم حيث يقدمون من أقاصي دولة نيجيريا مرورا بالسودان ونهاية بموانيه في سواكن وبورتسودان وصولا لجدة ومنها للمدينة المنورة ومكة المكرمة ولعل هذا واحدا من الاسباب التي جعلت شرائح وفصائل من قومية الفلاتة يميلون للإستقرار بالسودان كنقطة عبور للحج بالسعودية حينما تنقطع بهم السبل ..
نساء الفلاتة يكتفين من مشروع الزينة باستخدام ( السكسك ) كأسورة في اليد وكسلسل في العنق بجانب ( الخرس ) أو الزمام في الانف ولا يميل الفلاتة لختان إناثهم وبالتالي لا تكون هناك اي مشقة في عملية التوليد حيث تقوم النفساء ومن أول يوم بمهام منزلها وأعباء عملها حاملة وليدها الرضيع خلف ظهرها تلفه بلفافة قماشية وأغلب النساء عاملات ونادرا ما تجد شابة أو امرأة لا تكدح أو تكافح من أجل المعيشة في مساعدة بعلها وزيادة دخل ومصروف الاسرة وكان مثار العجب لدينا حول قدرة الفلاتيات في نقل البضائع والمحمولات الصغيرة علي رؤوسهن بشكل ثابت دون ان تقع هذه الاشياء بالاضافة الي سيرهن كمجموعات وقد رأيت طريقة غريبة في أعالي النيل تتعلق بكيفية سير الفلاتة حينما يهاجرون بأسرهم فتجد المرأة تحمل فوق راسها بعضا من الإحتياجات وتسبق زوجها بمسافة بعيدة ولا تجد الرجل يسير جنبا إلي جنب مع امرأته أو يمشي بالقرب منها بل بين الاثنين مسافة محفوظة ...
وعلي المستوي الشخصي أذكر وقبل عدّة سنوات خلت مررت علي قرية فلاتة حينما كنّا مهمومين بقضية الدعوة فوجدت أن لهم زاوية صغيرة طينية بها فرش من ( السعف ) المهترئ بفعل الامطار – وغالبية بيوتهم من الطين والجالوص فقدّمت مقترحات لأخواني جماعة أنصار السنة بالحصاحيصا تضمنت تصورا لبناء مسجد صغير مشيّد من الطوب بقرية فلاتة أو تشييد خلوة قرآنية وعمل برنامج توعوي ودعوي لسكان القرية خاصة النساء والشباب وأن تكون القرية جزءا من خطة نستهدف بها نشر العلم الشرعي خاصة في أوساط الفلاتة نظرا لقلة تعليمهم وانتشار الاميّة بين رجالهم ونسائهم علي حد سواء ..
ومن الطريف أنه وفي مرحلة سابقة سمعت ان الفلاتة كونوا فريقا لكرة القدم بيد أن الفريق الرياضي لم يكتب له نجاحا أوعمرا طويلا ولو كانت هناك جدية لتم تطوير تيم الكرة وتسجيله في الاتحاد المحلي وكذا الحال بالنسبة للقرية نفسها فهي تحتاج لإدراج اسمها في السجل المدني .. هل تمّ ذلك أم لا ؟ لا أدري .. !!
لكن من الواضح ان قرية الفلاتة تسير في اتجاه التوسع باعتبار انهم قوم ( ولودون ) يتناسلون وينجبون بسرعة ولهم ثقل سكاني وكثافة آخذة في الزيادة ولعله بعد أعوام قادمة ستلتصق قرية فلاتة مع صافية وكتفية بعد الزيادة السكانية المضطردة وزحف المنازل والبيوت نحو الحواشات التي لو قدّر لهذا الزحف والاستمرارية أن يتواصل سيتم تخصيص الاراضي الزراعية لصالح عملية الخطة الاسكانية وقد تزول أو تختفي العوازل والفواصل بين تلك القري مع الفلاتة في المستقبل القريب ...
وعود علي بدء فان انجذاب الفلاتة نحو الدين وإقبالهم نحو العبادة جعلهم يحطمون ويكسرون الحواجز وصولا للأراضي المقدسة بل واستقرار كثير من قبائل الفلاتة القادمين من غرب إفريقيا في الصعيد الطاهر بمكة المكرمة ومنهم من تسعود واكتسب الجنسية السعودية ( التابعية ) وبعضهم مقيم منذ سنوات طويلة ملازما هناك ويطلق عليهم التكارنة وآخرون خالطوا السعوديين وأصبحوا جزءا من المكون الاجتماعي بتلك البلدة كما أنهم محبون بطبعهم للتدين ويستلطفون كلمة ( حاج ) كما أنهم يميلون في إختيار أسماء أبنائهم أسماء الانبياء مثل ( موسي – داوود – يحي – زكريا – عيسي – صالح – هارون – آدم – يوسف – يعقوب ) وعلي ذكر الفلاتة فقد حرصت حينما كنّا في رحلة صحفية وجولة ميدانية لولاية جنوب دارفور شملت مناطق ( عد الفرسان – كاس – رهيد البردي – الضعين وتلس ) والأخيرة هي حاضرة وحاضنة قبائل الفلاتة – حرصت وقتها للإستماع لإفادات ورؤي ناظر قبائل الفلاتة وهو الشيخ يوسف السماني تقريبا وخلال حديثه معي أكد أن فلاتة الوسط هو الاقرب لوجدان ودم أهالي تلس من حيث العادات والتقاليد والاعراف ولتأكيد ذلك رأيت اوجه الشبه كثيرة بين أهالي تلس هناك وفلاتتنا هنا ومن ذلك كثرة الاهتمام بزراعة أشجار النيم وكذلك في اللهجة واللسان بينما يختلف لسان الامبررو القاطنين مناطق النيل الازرق وشريط في اعالي النيل عن فلاتة الوسط فأولئك لهم لغة ورطانة تتشابه مع لغة النوبة وليس الهوسا كما أن الامبررو قوم مرتحلون ومتنقلون مع مواشيهم وثروتهم الحيوانية في خط سير يبدأ من النيل الازرق وحتي أواسط ولاية أعالي النيل والوحدة فهم ليسوا مثل فلاتة كتفية الذين عرفوا بالاستقرار وفي طريقهم لتطبيع معيشتهم علي نحو مدني متحضر لو تيّسرت لهم سبل ومعينات التعليم الحديث وتوفرت في منطقتهم الخدمات الضرورية أو تم تجميعهم في قري نموذجية وهي خطوة قام بها قبل فترة المحافظ مبارك الكودة الذي نقل جزءا من سكان الكنابي لقرية تقع بالقرب من ابوعشر ويطلق عليها حاليا ( كمبو الكودة ) كما أن بعض أهالي ومواطني بعض الكنابي قد تجمعوا في وقت سابق في قرية ( كبكابية ) جوار حلة ( استرحنا ) من الناحية الجنوبية .. وقد استنتجت أن تلك الخطوة ولأهميتها إلا أن مقصدها أجندة سياسية حيث يحاول الحزب الحاكم ( المؤتمر الوطني ) الاستفادة من ورقة الفلاتة ككرت إنتخابي في مواجهة خصومه من القوي السياسية الأخري وليس الهدف توفير التنمية للفلاتة أو مدهم بالخدمات الاساسية وتأسفت أكثر حينما رجعت لدليل منطقة الحلاوين بالموقع الألكتروني لأبناء المنطقة للبحث عن قري فلاتة فوجدت ان السجل يتضمن 56 قرية خلا من الاشارة لتلك القري وأتمني أن تكون تلك القري قد سقطت سهوا وليس من منطلق استعلاء عرقي نابع من نظرة قبلية فالحلاوين تعتبر رقعة جغرافية انصهرت فيها كثير من القبائل والعشائر والاصلاب والقوميات – قدامي وقادمين أصيلين ودخيلين سابقين ولاحقين وافدين من الشرق والغرب والشمال ومن الصعيد كما يقولون ولو أن المفاوض الحكومي في مباحثات وجولات السلام المتعددة – أسفارا واصفارا - تم اختياره من أبناء تلك المنطقة لما تأزمت وتعمقت مشكلتي الجنوب ودارفور ولانتهت قضيتي جبال النوبة والنيل الازرق ففي الوسط تختفي العصبية والعنصرية وتتلاشي الجهوية وتذوب الاعراق والاثنيات فالكتاب هنا اخضر وليس أسودا وما دفعني لتدوين هذه السطور ما سمعته نهاية شهر رمضان المنصرم أن رجل البر والاحسان والراسمالي الشيخ سليمان البشري مالك قد تصدّق بمال كثير لأهله واقاربه وأن العطاء لم يستثن حتي الفلاتة الذين كان نصيبهم ( لوري ) من المواد التموينية وقد سعدت لهذا الخبر لكن في المقابل حزنت حينما عرفت أن الفلاتة ينوون بيع هذه الشحنة والتجريدة من أجل مشروع الإمداد الكهربائي ذلك لأن هذا المال موقوف للصدقة وشرط الواقف فقهيا لا يجوز تغييره أو تبديله لغرض آخر كما هو معروف في كتب الفقه لكن ربما غلبت علي القوم نظرة اخري لتمسكهم بمذهب آخر قد يبيح شرط الواقف لمصلحة راجحة أو حقيقية او متوقعة لكن الامر يدعو للفرح من ناحية ثانية وهي جدية الفلاتة واتجاههم لتنمية قريتهم التي تجاورنا ولو صدق سرد بعض المؤرخين ان الفلاتة ينحدرون من صلب ( فلات بن عقبة بن نافع ) فهم في هذه الحالة يكونون ابناء عمومتنا وجيراننا في وقت واحد ..
وإني لادعو المشرفين علي الموقع الألكتروني لأبناء منطقة الحلاوين ( حلاوين نت ) ورابطة أبناء منطقة الحلاوين المضي في إجراءات تسجيل قري فلاتة بالسجل المدني وتضمين قراهم في دليل المنطقة لتلافي الانتقائية ومحاولة نقلهم بصورة حضارية للدخول في مسيرة التعليم وسلك التطور لكي يواكبوا حركة التقنية الحديثة ويستفيدوا من وسائل الاتصال المتقدمة لصالح إنسان فلاتة الذي كما علمت انه بدأ يمتلك أجهزة الهواتف الجوالة وقريبا ستكون لابنائهم حواسيب الكترونية ولاب توب حتي يأتي يوم ونقول فيه أن ( حلاوين وفلاتة ) يجمعهم الفيس بوك مثلما جمعتهم رقعة جغرافية واحدة ...
Sabah Anoor [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.