[email protected] مصر لن تتقدم مطلقاً إذ ظلت تصنع قرارها السياسى بناءً على "حكمة" و"توجيهات" سيادة الرئيس, أو"فرمانات" "جماعة أو توافقات أهل الثقة, لكنها ستنهض باليقين إذا صُنع قرارها السياسى بشكل مؤسسي قائم على الكفاءة والخبرة. ثورة 25يناير التي أوصلت د.محمد مرسى إلى كرسي الرئاسة لم تكن لتندلع إلا بسلسلة من القرارات والتوجهات الخاطئة التى أصدرها وتبناها الرئيس السابق فى شتى المجالات. فى المجال الاقتصادى ك تحرير سعر الصرف -دون توافر شروط ومسوغات القرار- وقوانين "منع الممارسات الاحتكارية ودعم المصدرين" التي "فصلت" على مقاس المحتكرين والمُستغلين, وتدمير القطاع العام ثم "وهبه" ب تراب الفلوس للمحظوظين من الأجانب والمصريين, والتركيز على الأنشطة الريعية والخدمية على حساب الإنتاجية والتصديرية, ونهب و"تسقيع" أراضي الوطن لصالح "ثلة" من النافذين الفاسدين, سلمهم البلد "تسليم مفتاح". وسياسياً "أمم" الرئيس السابق الحياة السياسية, وفي السنوات الأخيرة السابقة لسقوطه عندما "شاخ" على كرسيه لم يتجه لإشراك أهل الخبرة فى صناعة القرار السياسي, حتى يصل البلاد بر الأمان, وإنما اعتمد على ثالوث الزوجة والوريث وغلمان لجنة السياسات, فأمسكوا بخيوط إدارة المسرحية السياسية الهزلية, كانوا مؤلفيها ومخرجيها وأبطالها وجمهورها, فحركوا المشهد وكأن المصريين "عرائس ماريونيت", ومارسوا تزويراً فجّاً لإرادة الشعب, ودفعوا أحراراً للموت قهراً ويأساً, وشباباً للانسحاب من المشهد العام إحباطًاً واكتئاباً, وقزّم النظام دور مصر عربياً وإقليمياً ودولياً, وفشل فشلاً ذريعاً فى صيانة مصالحها الاستراتيجية وإدارة ملفاتها الكبرى. وثقافياً واجتماعياً بالغ فى الدعوى ل"تمكين"المرأة, ونشر قيم السطحية والتسطيح السوقية والتدني, على حساب قيم المضمون والعمق والأصالة. وأفضت قرارات وتوجهات الرئيس السابق وعائلته وغلمانه, إلى سيطرة "بضعة شلل" على وطن بحجم وقامة وتاريخ مصر, فالسياسة ل شلة والاقتصاد لأخرى والثقافة لثالثة... وهكذا دواليك..!! الثورة- أي ثورة- ليست غاية فى حد ذاتها, وإنما وسيلة للتغيير الجذري لواقع رديء عجزت الوسائل الأخرى عن تغييره, سعياً للنهوض والتقدم والإنجاز الحضاري. والثورة -أي ثورة- تمر بمرحلتين, مرحلة هدم نظام قديم, وأخرى لبناء النظام المنشود, الذي قامت الثورة لتحقيقه, والثورة إذ وقفت فى منتصف الطريق, بين الهدم والبناء, أو أعادت إنتاج مضمون النظام القديم, بتغييرات في الشكل والأسماء فقط, لا يمكن أن نسميها ثورة, ولكنها انتفاضة أو حركة احتجاجية لم تكمل مسيرتها, ولم تبلغ مبتغاها وغايتها, ولعل "الثورتين" الرومانية والأوكرانية خير دليل على ذلك. ثورة 25ينايرلم تستهدف مطلقاً استبدال حكم فرد أو جماعة أو دائرة أهل ثقة أو نفوذ بحكم مرادف فى المضمون مختلف فى الأسماء والمسميات, ولكنها أرادت بالأساس "نسف" المضمون والجوهر القديم لإعادة صياغة الحاضر والمستقبل. الثورة مشروع لاستنهاض وطن من كبوته وغيبوبته الممتدة لأزمنة طويلة, لإخراجه من حكم الفرد والدائرة المنغلقة, إلى حكم دولة المؤسسات وسيادة وإنفاذ القانون, وبدون تحقيق ذلك وإنجازه على الأرض, لا يمكن الادعاء أن الثورة نجحت أو حققت أهدافها. القرار السياسي بكيفية صناعته ودرجة رشاده معياراً اساسياً للحكم على مدى الابتعاد عن مضمون النظام البائد, وبالتبعية على مدى نجاح الثورة أو انتكاسها, ومصر لن تبدأ انطلاقها, وثورتها لن تنجح إلا بتغيير جذري فى طرق وكيفية صناعة القرار السياسي, بالاعتماد على المؤسسية والخبرة والعلم بدلاً عن الفرد وأهل الثقة والمصالح والمكاسب السياسية الضيقة. *رئيس تحرير صحيفة الجيل