في صحيفة الرأي العام الصادرة الاثنين الماضي 15اكتوبر 2012م يُشير الكاراكاتيرست (نزيه) إشارةً لطيفة إلى فتوى جواز اشتراك الأضحية بكاراكاتير بديع يجعل من الرجل الذي يحمل على ظهرِه خروفاً ، يقول لاهثاً وهو يتوسَّط شريكَيْهِ اللذين لا تحيد نظراتُهما عن مطالعة الخروف الغالي ونفيس ، يقول الرجل : يا جماعة أنا تعبت .. واحد يشيل منِّي كتاب المطالعة ده ! وهذه الضحكة النابعة من أقصى مكامن البكاء القصيَّة ليست تعبيراً عن صعوبة أو استحالة الحصول على خروف أضحية لهذا العام للكثيرين من أبناء هذه الأُمَّة الكادحة .. الباركين على جمرِ الخاصةِ في جلَد ..يُؤثرون على أنفُسِهم رافِعي رؤوسهم وهم يتبوَّؤون شُرفات القناعة واليقين ..يمضغون لبان حاجاتهم وحنظل قِلَّة حيلتهم في انتظار اليُسْرِ الذي لا محالة سيعقب العُسر ! إنَّما الضحكةُ الباكيةُ تعبيراً عن سوءِ الحال (المايِل) والمآل البئيس في شتَّى ضروب الحياة وأبسط مقوِّمات العيش في بلدٍ يرزح 46.5 % من إجمالي سكَّانه في خط الفقر ! بيتُ القصيد – يا هداكم الله – هو تردِّي الأوضاع الاقتصادية في البلاد عامَّة ، وماهذه المحاولات من لدُنِّ مواجهة أسعار السكَّر في رمضان وإلى محاولة تخفيض أسعار خراف الأضاحي أو توفيرها بالأقساط أو جواز استدانتها فقهيَّاً إلاَّ مسحٌ على الوبَر لا يصل إلى منابت الجراح ! وما هذا الاهتمام التداوُلي من قِبَل الأجهزة الرسميَّة والشعبيَّة و أفواه المواطنين إلاَّ دليلٌ على معزَّة الخروف وبُعد مناله في هذا الزمن الرمادي ..قديماً عندما كان الزمن (زين والشَّعَر مغتِّي اللضنين) ؛ كُنَّا ننْصِبُ شراكَنا الغراميَّة لهذه اللحوم كلَّ عيد أضحية ، فنغمز لها بعد أن نتلمَّظ آخر (ربيتها) أنْ موعدنا العام القادم ! ولكن الآن يبدو أنَّ الأفقَ ملبَّدٌ بسحاب التمنُّع والتدلُّل إن لم تكن القطيعة والهجران ! وبمناسبة القطيعة عندما دعا – سابقاً - بعضُ المُتخمين الشعب (الفضَل) إلى مقاطعة اللحوم في إحدى قفزات أسعارها الجنونيَّة ؛قلنا لهم :خسئتم ، هي التي تقاطعنا! ولأنَّ العاشقَ لا يملَّ مطالعة الوصْلِ وأسباب الدُّنوِّ وإنْ قالت العاذلات (تعزَّ عنها واشْفِ لهيبَ قلبِكَ بالسُّلُوِّ ) ؛ فقد ظللنا نتابع الأنباء ونترقَّب ظهور (الكبش) في كبد السماء ..قتلقف آذانُنا – والأذن تعشق قبل العين أحيانا- تارةً بُشريات وزير التجارة بأنَّ الحد الأدنى لسعر الأضحية 450 جنيهاً فنبتسم للمرآة ونفرك يديْنا استعداداً لمعانقة الحبيب الخروف ..ثم تتسع ابتسامتُنا قليلاً عندما تطلُّ الجمعية السودانية لحماية المستهلك ومحفظة سلَّة قوت العاملين (بالحكومة طبعاً) ..وذلك لتوفير خراف الأضاحي بالأقساط ..فتتحوَّل ابتسامتُنا إلى صافرة منغَّمة تتبعها دنْدنة وهينمات احتفاءً مُسبقاً بإزالةِ (22) عقبةً كؤوداً من الرسوم الحكوميَّة التي تعترض مسار الخراف في طريقها إلى لقاءِنا الميمون لتصل قيمة هذه الرسوم مجتمعة إلى (200) جنيهاً للرأس الواحد! نعم اتَّسعتْ ابتسامتُنا قليلاً رغم أنَّ الحد الأدنى ارتفع قليلاً بالمقارنة مع بُشريات الوزير ! نهرع إلى سوق المواشي حيث التجَّار و (السبَّابه) يرتكزون على عصيِّهم .. يزحْزحون عماماتهم إلى الأمام وإلى الوراء لا ليتغزَّلوا في خرافهم فحسب وإنَّما ليُثيروا فينا رعبَ الأسعار وسعَرها فنقفل راجعين إلى مطالعة الصحف ونحن نردِّد : لا تحزن أيها الفقير فقد ضحَّى عنك البشير النذير (إلى يوم الدين ) صلواتُ الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ..لنجد أنَّ مجمع الفقه الإسلامي أصدر فتوى جواز اقتراض الأضحية ! حسناً ولكن أمر الاقتراض هذا ماضٍ فينا نحن السودانيين بحرصنا على هذه السنَّة -مُسبقاً- إذا ما وجدنا إليه من سبيل ! وإن شئتَ الدِّقَّة نقول : إنَّ صعوبةَ الاستدانة في هذا الزمن والظروف المتشابهة هي التعريف الحقيقي لصعوبة الحصول على خروف ! لأنَّ السواد الأعظم من هذا الشعب ليس بوسعه أن يدخِّر من دخله الشهري وإن شئت السنوي ما يُعادل قيمة خروف على أرض الواقع أي في سوق الله أكبر ! عموماً أمنياتنا للجهود المبذولة كافَّة لتسهيل إحياء هذه السنة والإبقاء على فرحة العيد حتى لا (يزمْبِرْ ) من يملك حقَّ الخروف – كما هو في السوق – وحدُه !!