مع كل الإحترام و التقدير للمجهودات التي تبذل من كل الأطراف لمساعدة السودان و شعبه الكريم في أمور حياته اليومية و خاصة المعيشية منها إلا أنني أجد نفسي مضطرا للتنبيه ببعض ما اراه من إزدواجية في تعامل "حماية المستهلك" مع مواطني السودان , غني عن القول أن المستهلك دائما يستهلك سلعة يبيعها طرف آخر هو أيضا مستهلك لسلعة أخرى يبعها ثالث أو قد يكون الأول. و ما اردت الإشارة إلية هو ما يتعلق بتعامل "حماية المستهلك" مع الأضاحي و أسعارها. ما أقتربت أيام عيد الأضحى وما دخلت العشر الأواخر جعلنا الله و إياكم من مقتنمي فضلها إلا و خرجت علينا "حماية المستهلك" بشعارات التسعير و المقاطعة و بيع الخروف بالكيلو و ما الى ذلك مما يصلح فقط للظهور في وسائل الإعلام. و الأمر هنا كما هو معلوم للجميع متعلق بالرعاة الذين يمثلون الحلقة الأضعف في المجتمع عن قصد أو دون قصد ، وأقول "الرعاة" رغم أن بعضا من وسائل الإعلام و ضيوف الفضائيات شبه الدائمين درجوا على تسميتهم بمسميات مثل مربي الماشية و المنتجين و ما هي إلا مسميات استخدمت للتضليل و لخلق حالة فهم عامة أن صاحب هذه السلعة على قدر من الإمكانيات و المقدرات المالية ،و إلا فما تفسير أن يقال للمزارع مزارع ، اليس منتجا ايضا؟ و لهذا الذي لا بواكي له "منتج"؟ طبيعي ان أحدنا عندما يسمع كلمة "منتجين" يتبادر الى ذهنه مزارع مسورة و مزودة بوسائل الري ونقل الأعلاف و الطرق المعبدة و المساكن المجهزة والمدارس القريبة و و و و ما يدري معظمنا أن هؤلاء "المنتجين" هم رعاة يجوبون اللوات و معظمهم ما زالوا يسكنون خيام الشعر و البروش التي هي من صنع أيديهم و معيشتهم تقريبا على الكفاف. و تحضرني هنا قصة طريفة فقد حكى لي قريبي الذي كان يعمل موظفا بالاشر أن أحد الأعراب إضطرته بعض الظروف لزيارة الفاشر و أقام عنده البيت و جيئ بالغداء فرأى الإعرابي شيئا غريبا فسأل صاحب البيت: يا فلان دي شنو؟ و كان يسأل عن الليمون، والأغرب ان هذا الإعرابي كان عمره وقتذاك فوق الستين. و إن جاز لهؤلاء الرعاة توجيه السؤال لجمعيتهم الرائدة بوصفهم "مستهلكين" فالأسئلة كثيرة ولكنا نذكر منها: - اين كانت "حماية المستهلك" حينما ارتفعت أسعار قوت الرعاة الأساسي و ليس الرغيف - أين كانت "حماية المستهلك" حينما جدبت الأرض و المرعى و أضطر الرعاة الى شراء العلف - أين كانت "حماية المستهلك" حينما كان الرعاة يعانون شغف العيش و المسغبة يجوبون الخلاء و الفلوات بحثا عن مرعى و ماء لحيواناتهم التي صارت "حماية المستهلك" تفتي و تصرح بأسعارها و مقاطعة لحومها. بكم كان الراعي يشترى الماء لحيواناته و بكم كان يأكل هو عياله؟ و كيف يتلقى عياله التعليم و كم يتكلف في سبيل ذلك أن وجد إليه سبيلا؟ ألا يعتبر التعليم سلعة و من حق الرعاة الحصول عليها لأطفالهم؟ - ألم يكن أجدى ل "حماية المستهلك" أن تجعل حملتها و ما صرفته على مقاطعة اللحوم في مقاطعة سلع أخرى أولى بهذه المقاطعة كالسكر مثلا؟ فهو من الأبيضين الخطرين على رأي الأطباء و أي شخص يستطيع أن يثبت عدم منطقية إرتفاع أسعاره ، و فوق كل ذلك الزيادة في أسعاره تذهب الى جيوب الأكثر ثراء في المجتمع ، أم ان هؤلاء هم من تود "حماية المستهلك" حمايتهم من الرعاة؟ - وسؤال أخير "بريئ": هل تعتبر "حماية المستهل" الرعاة (وليس مربي الماشية أو المنتجين) من ضمن المستهلكين الذين تود حمايتهم؟ الازدواجية تتضح في تعامل هذه الجمعية "حماية المستهلك" مع أمر الخروف بشئ من الغلو و العدوانية و كأنه خصمها الذي نذرت نفسها لمحاربته و لا نراها تحرك ساكنا –على الأقل بالحجم والجهد الذي بذلته لأمر الخروف – في سلع أخرى هي أهم و أكثر ضرورية من الأضاحي كالدواء (البشري منه و الحيواني ) و الماء و التعليم و السلاح ، و لا أذيع سرا بهذا فالكل يعرف أن هؤلاء الرعاة يعانون الأمرين في حماية أنفسهم و حيواناتهم في ظل إنعدام الأمن و إنتشار السلاح. كنا نتوقع أن تقف "حماية المستهلك" بنفس المسافة من كل السلع إلا بما تقتضيه ضرورة أولويات المستهلك للسلع. إن كان من موقف إيجابي ل"حماية المستهلك" في موقفها من الخروف فحديثها عن الجبايات التي تؤخذ بالمحليات التي يعبرها الخروف و التي لم تفلح في إيقافها و كان الأجدر بها أن تسعى في هذا الإتجاه بدلا عن الكلام الغريب عن بيع الخروف بالكيلو و هذه ما نراها إلا إضافة الى عجائب الدنيا فما هي الآلية التي يوزن بها الخروف في الأسواق و الأغرب من كل ما جاءت به "حماية المستهلك" منذ ميلادها هو سعر الكيلو (18 الف ج) ، مالكم كيف تحكمون؟. أللهم لا ملجأ الا اليك.... و الراعي بريئ من هذه الرسوم و الجبايات بل بالعكس متضرر إذ انها تؤثر في الطلب مما يبطئ عمليات البيع. و في نهاية الأمر السلعة خاضعة لعرض و طلب ولها تكلفة مثل بقية السلع و لو نظر الذين يفرضون و يفترون على أسعار الخروف الى التكاليف التي يتحملها صصاحبه لتبينوا العجب العجاب و لكنهم آثروا الظهور على شاشات الفضائيات مكتفين بالخطب و الشعارات على إعمال الفكر و البحث عن حلول من شأنها حماية المستهلك من الغش و التزوير الذي يملأ البلاد ظاهرا جليا في الرغيف و المشروبات و المركبات و الملبوسات و حتى لعب الأطفال. و أقل ما يقال أن سلعة الخروف مضمونة و خالية من الغش و التزوير في التصنيع وبلد المنشأ فالحمري واضح و الكباشي واضح و المدوعل واضحو القشاشي واضح و السوق يفتح اله و يستر الله. و ختاما نسأل الله ان ينتبه الناس من شرور الإعلام و نأمل ان ينتبه الإعلام لهدفه و أن تنتبه "حماية المستهلك" لدورها في المجتمع. siddiq Elsheikh [[email protected]]