بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى : « هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ» ..الآية هذا بلاغ للناس توطئة: الحمد لله أن عاد لحركة العدل والمساواة رشدها وأنا أشهد بذكاء وبعد نظر هؤلاء الذين توصلوا لتوقيع اتفاق أياً كان، وأن عنوان العمود اليوم ليس من باب التشفي أو الشماتة، فحينما يصبح الأمر مرتبط بمصير الوطن فلا مجال لذلك، ولكني أكتب من باب العتب خاصة أنني كتبت مؤخراً العديد من المقالات أناشد هذه الحركات التي حملت السلاح ضد الشرعية الوطنية أن تقرأ الأحداث المتسارعة حولها وأن تقوم بقراءة تحليل استراتيجي لتطورات الأحداث الداخلية والإقليمية والدولية، وقلت أن عدو الأمس قد يصبح صديق اليوم، لأن الدول التي يستقوون بها أو ينطلقون منها أو تمدهم بالمال والعتاد، أيضاً لها حساباتها وتوازناتها التي تحكم مصالحها الاقتصادية والسياسية، وما هذه الحركات إلا أدوات تكتيكية تستغلها لتحقيق مصالحها العليا. وكنت أعتقد أن من الأجدى والأنفع أن يدركوا المقولة التي تقول: “لا عدوات دائمة ولا صداقات دائمة بين الدول"، إنما هناك لغة واحدة فقد هي لغة المصالح الاستراتيجية وهي التي تتحكم وتحكم هذه العلاقات، فالمتغيرات السياسة والاقتصادية هي ما تبني عليه هذه الدول مواقفها تجاه الآخر، فرُبَّ صديقٍ الأمس يصبح عدواً اليوم.. أو العكس!! المتن: كان من الأجدر على هذه الحركات وهي ترى قطع الدومينو وقد بدأت بالانهيار تباعاً نتيجة الانتفاضات التي عمّت بعض الجوار أو نتاجاً الاتفاقات الأمنية الحدودية بين السودان ودول الجوار والتي عززت هذه الانتفاضات من الحوجة والضرورة لها وذلك لضمان الاستقرار السياسي لشعوبها، والذي ينعكس بالضرورة على السكان وتبادل منافعهم وقبائلهم المتداخلة حدودياً لتكون هذه الاتفاقيات وسكان الحدود هي الضمانة للاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي. كان على هذه الحركات أن تدرك مبكراً وهي التي كان يأويها الدكتاتور القذافي ويغدق عليها اغداق من لا يخشى الفقر من خزانة الشعب الليبي ظناً منه أنه ملك ملوك أفريقيا وأن افريقيا هي مملكته التي يحرك فيها الحركات المتمردة كقطع الشطرنج حيث أهدر ثروات الشعب الليبي عليها والشعب الليبي يعيش على الكفاف مما انعكس نقمةً على هذه الحركات عندما انتفض الشعب الليبي والتي حاولت أن تنجو بنفسها من خطر الموت وغضبة ونقمة الشارع الليبي سيما وهذه الحركات ساعدت القذافي على قمع الشعب الليبي وأعملت فيه تقتيلاً ونهباً، وبالتالي فإن القاعدة المتينة لانطلاقة هذه الحركات قد انهارت على يد الشعب الليبي ولم يعد لهذه الحركات حتى !! هناك اتفاقيات أمنية حدودية نهت جميع المناوشات ومساندة التمرد المسلح فلم يعد لهذه الحركات موطئ قدم لا في تشاد ولا أريتريا ولا أثيوبيا و لا افريقيا الوسطى فلم تبق لهم إلا وجهة واحدة تمموا نحوها ، وحقيقة لا يتوجه إليها إلا يائس وهذه الوجهة هي دولة الجنوب!!. دولة الجنوب تعاني من تنازعات داخلية بين النخب الحاكمة فيها ونتج عن ذلك قرارها المتهور بوقف ضخ النفط عبر الشمال فخنقت نفسها بنفسها، وكانت حركات التمرد السودانية تمني نفسها باستمرار الخلافات ، وحكومة الجنوب عولّت وراهنت على المساعدات المالية الغربية ولم تدرك أن " الخواجة" فلّس!!، عولت وراهنت حكومة الجنوب على الصين واعتقدت أن بكين ستفتح خزائنها على مصاريعها للحركة الشعبية التي تحكم الجنوب دون أن تأخذ في حسبانها أن الصين لن تخسر السودان ولن تفتح خزائنها لأنها تدرك أن البترول دون تصدير لا فائدة منه لها وكيف ومن أين يُصدر؟! البديهي يعالج عبر المرافق ويصدر عبر الموانئ السودانية!! كان على هذه الحركات أن تدرك أنه لا بد وأن يحدث توافق واتفاق بين القيادة السياسية في شطري الدولتين، لأن الشعب هناك تضرر بنسبة كبيرة خاصة لاعتماد دولة الجنوب على مداخيل النفط بنسبة 97% من إيرادات الدولة الوليدة وإن كان السودان يعتمد بدرجة أقل ولكن هذا لن يؤدي إلى انهيار الدولة السودانية!! . كان على الحركات المتمردة أن لا تنساق وراء الثالوث العرماني(عرمان، الحلو وعقار) الذي كان يستغل دولة الجنوب ليصل إلى مآربه المضللة إذ أنه كانت مهمته تأجيج الصراع وزرع الفتن والتضليل لتستمر حالة عدم الاستقرار السياسي لأن كل ما ترفعه الحركة من شعارات شعبوية طنانة لا تسمن ولا تغني الشعب من الجوع، لأن الشعوب أصبحت تدرك أين تكمن مصالحها ، فمصالحها تكمن في الاستقرار السياسي الذي ينعكس عليها تنموياً واجتماعياً وسياسياً، أما الثالوث فهو لن يتأثر شخصياً ولن يعاني معاناة هذه الشعوب فهم يتمتعون بالفنادق الوثيرة الفخمة ويحتسون من بنت العناقيد ما يحتسون ويتنقلون بالطائرات حتى أنهم عندما تعودوا على حياة الدعة والترف نقلوا عائلاتهم إلى مأمن بدول الغرب بينما يستغلون أرواح البسطاء كوقودٍ لطموحاتهم الشخصية!! الحاشية: عندما بدأت هذه الحركات المتمردة تستشعر أن البساط سُحب من تحت أقدامها من قبل كل الدول التي كانت تعتمد عليها في التمويل والتموين والعتاد وأرضي الانطلاق، وأنها قد نفضت أياديها منها، وبدأت في التحدث بلغة المصالح والمنافع بدأت لتتحسب لأسوأ السيناريوهات وكان تحالف اليائسين في كاودا وها قد بدأ ينفرط عقده وكان الخاسر الأكبر بين كل هذه الحركات قطاع الحركة الشعبية الشمالي بقيادة الثالوث، ولضيق نظرة هذه الحركات شعرت بأن خيار رفع السلاح أصبح عديم الجدوى رغم الهجمات الصاروخية على المدنيين العزل والتي ربما تقودهم في يومٍ ما إلى الجنائية الدولية نفسها التي كانوا يتشدقون بقرار توقيفها للرئيس ، لذ فأن الخيار الوحيد والملاذ الأخير استعمال الاعلام كسلاح يبشرون به لربيع سوداني هدفه اسقاط النظام عن طريق الفوضى الخلاقة وحاولوا تسويق ذلك في رحلاتهم المكوكية باتجاه أمريكا وكندا وفرنسا!! يقال أن نجاح الساسة يعتمد على القراءة الواقعية والعملياتية أي ما اصطلح على تسميته (البرجماتية)، وانجحهم من يقدم مصلحة بلاده وشعبه حتى إن اقتضت الضرورة تحالفه مع الشيطان، أما الرومانسية السياسية التي يتمسك بها الثوار الحالمون فتلك انقضى زمانها بعد جومو كنياتا ومانديلا ولوممبا والأزهري، هؤلاء كانوا ثواراً يقاومون استعماراً وليس متمردين يحاربون الشرعية في بلادهم، بدخولنا عصر المعلوماتية والعولمة، وأما الحركات المتمردة عندنا فلا ينطبق عبيها الرومانسية لأنها نشأت وقامت في ظل عصر العولمة الذي يحكمه الدولار واليورو والشيقل!! الهامش: أعتقد أننا سنشهد قريباً تحولاً ًفي نشاط بعض هذه الحركات، فقد يلجؤون إلى التضليل الاعلامي والتبشير إفكاً بربيع سوداني دون أن يدركوا ويرجعوا للحقائق التاريخية بأن الشعب السوداني هو مفجر الثورات والسباق لها متى ما توفرت ظروفها الموضوعية ولذلك، لا يمكن أن يوهمنا البعض من المنتفعين الذين يحاولون الاتجار والارتزاق بأن التحريض الاعلامي سيدفع بالشعب السوداني ليثور ضد النظام، إنما بالظروف الموضوعية التي يحكمها العديد من العوامل لا بد لها من أن تتوافر، فالشعب السوداني تأبى عليه كرامته الوطنية أن تعارض وتتمرد وتلجأ للأجنبي لتستقوي به ضد النظام، ولا يقبل أن تدعي النضال باسمه بالمراسلة من دول بعينها لها مواقف معادية من الوطن وشعبه ونظامه الحاكم، فيجب أن تكون بين أهل الشارع حاضراً معايشاً لهمومه اليومية وتتحمل ضريبة نضالك من اعتقال وتوقيف وتحقيقات وذلك من أجل القضية إن كان لك قضية، شريطة أن يلتف ويؤمن بها معك الشعب كله وليس مجرد شرائح منتفعة أو لها أطماع وطموحات حزبية أو جهوية أو نضالاً من فنادق الخمس نجوم معروف له مصادر تمويلها!! قصاصة: الاجابة على السؤال الذي اتخذته عنواناً للعمود اليوم هو إن كان الاتيان طوعاً فهذا يعني أن حركة العدل والمساواة غلبت شعورها وانتمائها الوطني على ما دونه، وإن كان كرهاً فهذا يعني أنها أدركت أن المناخ السياسي لا يدعم لها موقف، خاصة بعد اتفاق التعاون مع دولة الجنوب وقد يصبح لا ملاذ لها وقد أصبح البحر أمامها والعدو خلفها وليس من العقل أن تحرق كل مراكبها وهذه نظرة برجماتية تحسب لها، أما إذا كان قهراً فهذا يعني أن الدول التي تقدم لها الدعم المعنوي واللوجستي نصحتها باللحاق بقطار الشمال وهذا يعني تضميناً أنها تخلت عنها، وبرأيي أن العوامل الثلاثة اجتمعن سوياً فأدت لتوقيع الاتفاق واللحاق بالركب مما يؤكد أن الدكتور التجاني السيسي كان الابعد نظراً وقراءة لما يحدث حوله لهذا كان السبّاق، فقاد القطار واصبح من يلحق به الآن مجرد لاحق وليس سابق سبّاق!! أن ينسلخ قادة مؤثرون في حركة العدل والمساواة بالدوحة ويوقعون اتفاقاً للانضمام لاتفاقية سلام دارفور فهذه خطوة لإدراك وتقدير الموقف الداخلي والاقليمي والدولي من قبل " البرجماتيتين" فيها و الذين أجادوا القراءة الدقيقة لتطورات، وبرايي أن من لم يلحق بالقطار يعرض نفسه لعملية انتحار سياسي!! عوافي.. يتصل.... Abubakr Yousif Ibrahim [[email protected]]