بسم الله الرحمن الرحيم خطاب الحبيب الإمام الصادق المهدي للترحيب بالعرض الخاص الذي تقيمه إدارة الفنون الاستعراضية بمسرح الفنون الشعبية بأم درمان 29 اكتوبر 2012م الجماليات من مقاصد الكون. ألوان الزهور والطيور وأنغامها وهي تغرد تعابير جمالية، لذلك قال تعالى عن الأنعام: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [1] كما أن القرآن نفسه بالإضافة لما فيه من عظمة المعاني نص يشد الناس إليه بروعته الفنية. الفنون قسم من أقسام الجماليات، وهي مع غيرها من الجماليات من ضرورات الحياة. الفنون ليست كماليات، سيان وجودها وغيابها، لذلك في العشر ألف ثقافة الحية اليوم لم تخل واحدة من الفنون ما يدل أن الفنون إنما تستجيب لحاجة فطرية في الإنسان. الفولكلور هو سنن الشعوب المنقولة بوسائل المشافهة والتقليد ومن هذه السنن الفنون الشعبية. كانت البلدان في الماضي تحرص على فرض أحادية ثقافية تحت عنوان "الستاس فولك" أي الشعب القدوة ففي أمريكا كان التطلع لما سمى الواسب WASP أي البيض البروتستانت من أصل انجلو سكسوني، ولكن أمريكا الآن تمثل تنوعا ثقافيا عريضا انتخاب أوباما من نتائجه. نحن في السودان كان التطلع للثقافة الإسلامية العربية ثقافة قدوة ولكننا الآن نتطلع لاعتراف ثقافتنا الإسلامية العربية بالتنوع الثقافي، وقبول استحقاقات ذلك التنوع. إنه اعتراف يجسد قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) [2]. ثقافات السودان الحالية عربية، زنجية، نوبية، نوباوية، وبجاوية. الفنون الشعيبة تتطلع للتعبير عن هذا التنوع الثقافي في مجال الفنون، ويرجى أن يمتد ذلك لسائر المجالات، كالتعليم، والإعلام لتحافظ بلادنا على التنوع في ظل الوحدة. تقرير الأممالمتحدة عن تراث الإنسانية البشري الخلاق تعبير عن قيمة التنوع الثقافي بين البشر ما جعل الاعتراف بالحقوق الثقافية حلقة جديدة من منظومة حقوق الإنسان. أما الاكروبات فإنه إبداع رياضي فني وافد إلينا، وفيه التعبير الرياضي الفني بلغة الجسد وما في ذلك من إبداع وامتاع في تطويع الجسم الإنساني. كانت بداية هذا المنشط اتفاقية عقدها الرئيس السوداني مع الرئيس الصيني ورئيس كوريا الشمالية في السبعينيات فأثمر ذلك تدريب وتأصيل فرقة الأكروبات السودانية فصارت الفرقة آية من الإنجاز السوداني المبدع. الإبداع والفن لا وطن له، بل مستوطن عقول وقلوب الإنسان حيثما يكون، لذلك صارت الفنون والأنشطة الاستعراضية لغة عالمية. كنت قد أبديت إعجابا بأداء بعض برامج الأكروبات، فقدمت لي إدارة الفنون الاستعراضية الدعوة مشكورة لحضور عرض خاص لبرامجها، وبدوري رأيت أن يحضر معي آخرون يمثلون أسرتي، وأصدقائي، وطيفا اجتماعيا عريضا لعلنا إذ نقدر أداءه نرى أهمية هذا المنشط، ونكون منبرا أهليا قوميا لدعمه في الأوساط الرسمية والأهلية لتمكينه من أداء مهامه، وتأمين حياة وتدريبات العاملين فيه لمزيد من العطاء. في إطار العلاقة بين السودانيين ودول الجوار، ودول حوض النيل، بل كافة العلاقات بيننا وبين الآخر الإقليمي، والدولي، يمكن لهذا المنشط أن يلعب دورا مهما في التواصل الثقافي، فالعصر يقتضي أن نحصر السيادة في أضيق مواعينها السياسية، وأن نفتح أوسع أبواب التواصل الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي. وطبيعي أن نهب لدعم هذا المنشط أهليا، فالمجتمع في السودان كان، ولا زال، وسوف يظل مركز المبادرات. وطبيعي أن ينطلق هذا التوجه من أم درمان، فقد كانت، وما زالت، وستظل محراب التأصيل في السودان؛ فهي مدينة تؤهلها الجغرافيا أن تكون حلقة الوصل بين سودان سنار، وسودان الفاشر، وملتقى أركان السودان الأربعة ومجمع لشعوبها. ما أوحى لشاعرينا ما قالوا: أنا أم درمان تأمل في نجوعي أنا السودان تمثل في ربوعي أنا ابن الشمال سكنتو قلبي على ابن الجنوب ضميت ضلوعي وقوله: أنا أم درمان أنا السودان أنا الدرة البزين بلدي اختم فأقول إن الإعتراف بالتنوع والوفاء باستحقاقاته هو الترياق المضاد للإقصاء والتفرقة بعبارة شاعرتنا: أنا العروبة في عرق الزنوجة في فرادة جمعت كل الأفانين هنا انزرعنا في هذا التراب معا منوعين كأزهار البساتين