شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالفيديو.. (يووووه ايه ده) فنان سوداني ينفعل غضباً بسبب تصرف إدارة صالة أفراح بقطر ويوقف الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    شاهد بالفيديو.. (يووووه ايه ده) فنان سوداني ينفعل غضباً بسبب تصرف إدارة صالة أفراح بقطر ويوقف الحفل    "الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    (برقو ومن غيرك يابرقو)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باتريس لومومبا – اغتيال الحلم الأفريقي .. بقلم: السر النور أبوالنور
نشر في سودانيل يوم 01 - 11 - 2012


(1925– 1961)
(أيها الأخوة الأعزاء فى الكفاح الأعزاء فى الفقر، إن إستقلالنا كلمة جوفاء بدون إمكانات التنمية الإقتصادية والبشرية)،،،،، لومومبا
باتريس لومومبا اسم محفور بالذهب على كل شبر من القارة السمراء، مناضل ضحى بحياته فكانت رخيصة زهيدة من أجل تخقيق هدفه. ومن ثم بات رمزاً للوطنية ومناهضة الإستعمار ليس فى أفريقيا فحسب بل فى العالم الثالث كله. فكيف خاض معركته فى الكونغو وأفريقيا؟ هذا ما نحاول عرضه فيما يلى: نشأته:ولد باتريس إيمرى لومومبا فى قرية كاتاتا كوركومبى بإقليم كاساى عام 1925، وعاش لومومبا فى عائلة فقيرة كان والده فلاحاً يكدح طوال النهار حتى يوفر لأسرته قوت يومها. حتى انه عندما بلغ الخامسة من عمره عمل مع والده، وعاش حياة شاقة لا يتسلل اليها نور الحلم ولا أمنيات المستقبل.
تعليمه:لكن الفتى كان ذكياً وعنيداً فقد صبر وثابر وواصل تعليمه فى مدرسة يشرف عليها مبشرون بلجيكيون ثم وظف برتبة منشئ فى شركة منجمية بلجيكية فى "كيندو" بمقاطعة "كيغو"، ثم منحته السلطة البلجيكية منحة دراسية فالتحق بمعهد البريد والبرق فى ليوبولدفيل –سابقاً- كينشاسا حالياً، وبعد تخرجه عمل محاسباً فى الصكوك البريدية.
وعندما بلغ من العمر 19 عاماً اشترك فى دراسة القانون والإقتصاد التى نظمتها مدرسة للمراسلات وقضى فيها حوالى 11 عاماً، ولكنه قدم للمحاكمة متهماً بتبديد حوالى 2500 دولار، وحكم عليه بالسجن – وقيل أن ذلك كان مدبراً لأغراض سياسية – وبعد إطلاق سراحه عمل فى شركة للبيرة، ثم مديراً لمحل تجارى حتى أغسطس عام 1958م.
وعلى الرغم من انتمائه للفئة الضئيلة من الكونغوليين المتطورين (أى الحاصلين على قدر من الثقافة وتجربة العمل فى دوائر الإدارة الإستعمارية).
ويجدر بنا أن نذكر أن الكونغو بتعدادها ابان الإحتلال البلجيكى الذى بلغ 13.5 مليون نسمة لم يكن من بين أبنائها سوى 17 هم الحاصلون على شهادات جامعية. وفى عام 1955 أصبح رئيساً للإتحادات العمالية كما التحق بالحزب الليبرالى البلجيكى فى الكونغو.
لومومبا وحركة تحول:حدث إنعطاف حاسم فى مسار حياة لومومبا فى أكتوبر 1958، فقد بادر بتأسيس الحركة الوطنية الكونغولية (Le Mouvenent National Congolais) ويرمز له (M.N.C) وأصبح هدفه هو الحصول على الإستقلال وتدعيم الوحدة الوطنية والدعوة لإقامة دولة كونغولية موحدة ذات حكومة مركزية قوية وفى نفس الوقت تنمية النشاط الإقتصادى لإشباع حاجات الأفراد عن طريق التوزيع العادل للدخول، وهو الإتجاه الذى أزعج السلطات الإستعمارية والمصالح الإقتصادية الأجنبية، خاصة انه كان يعمل بالصحافة فكان يترأس تحرير جريدة "الإستقلال" الناطقة بالفرنسية.
الظروف السياسية وتعجيل الإستقلال:كان عام 1958 زاخراً بالأحداث التى شكلَّت انقلاباً فى طبيعة الحياة السياسية بالكونغو ومنها: أولاً: الزيارة الشهيرة التى قام بها الرئيس الفرنسى "ديغول" خلال صيف 1958 لمدينة "برازفيل" وإعلانه فى الخطاب الذى ألقاه أنه يمكن لكل من يرغب فى الإستقلال الحصول عليه فوراً وفى الوقت الذى يريده.
ثانياً: انعقاد مؤتمر التضامن الآسيوى والأفريقى الذى عقد فى أكرا عاصمة غانا عام 1958 وحضره باتريس لومومبا، وعاد يعلن لبلاده أنه يطالب بالإستقلال الفورى لكل أفريقيا وعلى الشعب الكونغولى أن يكف عن النوم وينتظر الحرية، فهو حق أساسى وليس هدية من المستعمر.
ثالثاً: فعلى الرغم من فرض بلجيكا ستاراً حديدياً يحول دون اتصال الكونغو بالتيارات الفكرية التى تجرى بالقارة إلا أنها لم تستطع أن تحافظ على هذه العزلة للأبد.
فكان لظهور العديد من الأحزاب أثر كبير فى تعجيل الإستقلال وبداية بزوغ حياة سياسية وطنية، فظهرت العديد من الإتجاهات السياسية ومنها:
الإتجاه الأول: يتزعمه "جوزيف كازافوبو" "Joseph Kasa Vobu" ويمثل حزب الأباكو "Abako" وهو يؤيد فكرة الإنفصال وذلك من خلال تقسيم الكونغو لدول جديدة مستقلة.
الإتجاه الثانى: حزب الكونكات ويقوده "مويس تشومبى" ويؤيد وجود حكومة مركزية وسلطة تشريعية على مستوى الدولة – اتحاد فيدرالى.
الإتجاه الثالث: هو اتجاه الوسط الذى يميل للإعلان ويهدف لإقامة مجتمع بلجى كونغولى ومن مؤيديه حزب الإتحاد وحزب التقدم الوطنى.
الإتجاه الرابع: يمثله باتريس لومومبا وحزبه الحركة الوطنية الكونغولية، وإن كان الحزب قد انقسم لجناحين:
جناح يمينى من الحركة بقيادة السيد اليو.
جناح يسارى بزعامة لومومبا.
هذا الخلاف ساعد على ظهور بذور الشقاق مما أدى بعد ذلك لحرب أهلية، وإن كان ذلك لا يعد غريباً خاصة أن المجتمعات الأفريقية تتميز بالتعدد وكل جماعة أو حزب تنتمى لقبيلة معينة وبالتالى يسود الولاء القبلى مما أدى لحدوث اضطربات فى أوائل يناير 1959 ومظاهرات عنيفة اجتاحت البلاد وقد ذهب ضحيتها خمسون قتيلاً وعشرات الجرحى، مما جعل السلطات البلجيكية تعتقل باتريس لومومبا بتهمة تدبير المظاهرات.
وكانت البلاد على ابواب حرب فعلية، كما خشيت السلطات البلجيكية من أن يتحول الكونغو "لجزائر" أخرى، مما جعلها تقرر عقد مؤتمر المائدة المستديرة فى بروكسل فى الفترة من 20 يناير 1960، وذلك لدراسة إقتراحات كونغولية وبلجيكية. وأفرج عن لومومبا لحضور هذا المؤتمر، وقد استغل وجوده وراح يشن حملة على بلجيكا ودورها المشين فى الكونغو.
استقلال الكونغو: وهكذا تحقق الحلم الذى طالما كان يداعب جفون الشعب الكونغولى، ونالت الكونغو استقلالها عقب انعقاد مؤتمر المائدة المستديرة وقد اتفق الطرفان على ما يلى:
 إعلان الإستقلال يوم 30 يونيو وإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية دون أن يكون للأوروبيين حق الإشتراك إلا إذا حصلوا على الجنسية.
 تشكيل اول وزارة كونغولية وفق نتائج انتخابات المجالس الأقليمية ، وقد تقرر العمل بنظام مجلس النواب والشيوخ اللذين يشتركان فى وضع الدستور.
 عقد معاهدة صداقة بين البلدين وتنص على أهمية التعاون الفنى واحتفاظ بلجيكا بقواعدها العسكرية فى كل من كامينا – كيتونا – وأخرى على حدود كل من رواندا وبوروندى.
وبالفعل جرت أول انتخابات فى البلاد فى 11 مايو 1960 وحقق كل من لومومبا وكازافوبو وكالونجى انتصارات ملحوظة وأصبح من الواضح انهم هم الرجال الذين سيحددون مصير الكونغو، وبالفعل تشكلت أول حكومة كونغولية فى 10 يونيو 1960 وحلت محل الإدارة البلجيكية. فتولى كازافوبو منصب رئيس الجمهورية فى 24 يونيو 1960 وأصبح لومومبا رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع – وقد أعطاه هذا المنصب القدرة على التحكم فى القوات العامة – كما أعلن البرلمان اسم الدولة وهو "جمهورية الكونغو" فى 30 يونيو 1960، وجرت العديد من الإحتفالات فى البلاد بمناسبة الإستقلال وقد حضرها الملك "بودوان"، حيث ألقى كلمة مجد فيها أعمال أسلافه وقال:(إن الأخطار الحقيقية تكمن فى عدم قدرة الدولة الناشئة على أمور البلاد بسبب خبرة الشباب فى الحكومة وبسبب الصراعات القبلية وكأن الملك يتنبأ بما سيحدث فى المستقبل).
ولكن باتريس لومومبا أخذ يعدد المساوئ التى عاناها الشعب فقال: (إن جراحنا حديثة بحيث لا يمكن إزالتها من أذهاننا. كان يفرض علينا القيام بالأعمال الشاقة لقاء أجور زهيدة لا تتيح لنا الغذاء الكافى، كنا نعامل بالشتائم والإهانات ونتحملها لأننا زنوج، فمن الذى ينسى ما حدث لإخواننا من أعمال القتل والشنق).
وهكذا حصلت الكونغو على الإستقلال فى ظروف لم يحدث مثلها فى أى بلد أفريقى آخر، وذلك لأن الإستقلال فى البلدان الأخرى كانت تسبقه مراحل متتالية تمهيدية ولكن الكونغو لم تشهد هذه المراحل الإنتقالية، ويرجع هذا لطبيعة السياسة البلجيكية التى تعد من أهم أسس الصراع الدائر فى الكونغو، خاصة أنها كانت تطبق السياسة الأبوية فى الحكم ولم تمهد الطريق أمام الكونغوليين للمشاركة فى الحكم وظلت تمارس سياستها حتى فوجئ الشعب بدون مقدمات بحصوله على الإستقلال.
إنجازات لومومبا: بالرغم من قصر مدة حكمه إلا أن له العديد من الإنجازات على المستوى الداخلى والخارجى:
أولاً: على المستوى الداخلى: عمل لومومبا على تكريس الوحدة القومية والتى تسمو على اعتبارات الولاء القبلى ولايمكن تحقيق ذلك إلا من خلال قيام حكومة مركزية وإحلال أبناء الوطن تدريجياً فى مناصب الإدارة والجيش والمؤسسات الإقتصادية، وبالرغم من أنه كان يدرك أن البلاد لا يتوافر فيها الفنيون فى مختلف المجالات فإنه لا يرى مانعاً من الإستعانة بالدول التى ليس لها أطماع مثل كندا، ومن أهم المشاكل التى واجهته: نقص الخبرات الفنية، تزايد الإتجاهات الإنفصالية، خضوع الإقتصاد القومى للإحتكارات الأجنبية، فكان يقول دائماً: (أيها الإخوة الأعزاء فى الكفاح الأعزاء فى الفقر. إن إستقلالنا كلمة جوفاء بدون إمكانات التنمية الإقتصادية).
ثانياً: على المستوى الخارجى: كانت سياسته الخارجية ترتكز على محورين أساسين هما:
أ‌. سياسة الحياد الإيجابى:كان يتبع سياسة الحياد الإيجابى والبعد عن التكتلات الدولية المتنافسة، وقد أوضح هذا فى المؤتمر الصحفى الذى عقد بالأمم المتحدة فى 26 يوليو 1960، فقال: (إن سياستنا هى الحياد الإيجابى إننا لا نريد المساعدة من جانب الدول التى تريد أن تفرض سلطانها علينا، ولا نريد أن نتخلص من الإستعمار لنقع تحت نيران الديكتاتورية، إن أفريقيا ليست ضد أحد وتطلب من الدول الإعتراف بحقوقها فإذا استجابت لندائنا بشأن الحرية والمساواة والإخاء فإن السلام العالمى سيكون مصيرنا).
ب‌. مبدأ الوحدة الأفريقية:كان لومومبا يؤيد مبدأ الوحدة الأفريقية وحركات التحرر الوطنى فقال: (إننا نريد أن نضع حداً لكل شكل من أشكال السيطرة الأجنبية فى أفريقيا وإنشاء أفريقيا حرة مستقلة وإلغاء الحدود المصطنعة التى خلفها الإستعمار فحركة تحرير الكونغو خطوة حاسمة لتحرير أفريقيا كلها، إننا نضع الغرب الآن فى ورطة إما أن يختار الصداقة مع أفريقيا أو يتركها).
وبالرغم من هذه الإنجازات إلا أن هذا المشروع الوطنى والثورى اصطدم بالمصالح القبلية من جهة ومن الإمبريالية الغربية من جهة أخرى. فقد كانت خيوط اللعبة تنصب للقضاء على هذا الزعيم الوطنى، حيث لم يمض وقت قصير على رئاسته للوزراء، حتى كان لوكالة الإستخبارات الأمريكية دور واضح فى الكونغو وتفجير وحدة البلاد، بعد أن انتهت زيارة لومومبا فى يوليو 1960 للولايات المتحدة نهاية سيئه، ناشد لومومبا الإتحاد السوفيتى طلباً للمساعدة مما أثار ضيق حكومة ايزنهاور وكان الضوء الأخضر للتخلص من لومومبا. ولكن داج همر شولد رغم عجز قوات الأمم المتحدة للتدخل بما يرضى لومومبا إلا أنه كان من جانبه على عكس رغبة حكومة ايزنهاور والتى كانت تؤيد موبوتو.
إن اغتيال لومومبا تلك الجريمة التى لا تغتفر والتى تتسم بالخسة والدناءه والوحشية تقع مسئولتها على بلجيكا وكازافوبو وموبوتو ومويس تشومبى والولايات المتحدة ولكن جزء من المسئولية يقع على لومومبا نفسه الذى ترك سراً مقره الآمن ليوبولدفيل – فى حماية قوات الأمم المتحدة – وذهب الى ستانلى فيل مما سهل لأعدائه القبض عليه وإغتياله.
أزمات ومؤامرات:تعددت الأزمات التى شهدتها الكونغو وتحقق كل ما كانت ترجوه المصالح الإمبريالية الغربية، وغرقت الكونغو فى فوضى كاملة بعد مرور 6 أشهر فقط من الإستقلال ومن أهمها:
أولاً: بدأت القوات العامة بالتمرد وذلك بسبب سوء مرتباتها وامتد هذا التمرد لبقية أجزاء الدولة، فكان فى حد ذاته إنذاراً بالفوضى والإنقسام.
ثانياً: إعلان مويس تشومبى فى 11 يوليو 1960 استقلال إقليم كاتنجا أغنى مقاطعات البلاد على الإطلاق وإنفصاله عن الحكومة المركزية.
ولهذا مرت البلاد بمرحلة حرجة وحساسة أدت الى أخطر أزمة سياسية وأعنف مشكلة تواجه دولة حديثة الإستقلال.
وهكذا وجد باتريس لومومبا نفسه غارقاً فى المشاكل فلجأ الى هيئة الأمم المتحدة وسكرتيرها داج همر شولد، وبعد فترة وجيزة قرر مجلس الأمن إرسال قوات بقيادة الجنرال السويدى كارل فون هورن لكن بالرغم من وصولها إلا انها رفضت أن تتدخل لصالح لومومبا.
ونتيجة لهذا الإنفصال أصبحت هناك ثلاث سلطات تحكم البلاد:
السلطة المركزية فى ليوبولدفيل، وهى مدعومة من الأمم المتحدة والبلدان الغربية.
سلطة حكومية موالية للومومبا، ويدعمها الإتحاد السوفيتى والبلدان الأفريقية الثورية.
حكومة كاتنجا التى لم تكن تتمتع بأى اعتراف رسمى ولكنها مدعومة من قبل الرأسمالية العالمية.
الأزمة الدستورية: وفى هذه المرحلة تغير الوضع فى الكونغو بشكل درامى، فالرئيس كازافوبو لم يتخذ أى إجراءات حاسمة، حيث أعلن فى حديث إذاعى: (أنه طرد لومومبا من منصبه وأحل محله جوزيف إيليو رئيس مجلس الشيوخ وأنه سيتولى بنفسه قيادة القوات المسلحة).
لكن لومومبا رفض الإنصياع وقد صمم على مواجهة المؤامرة التى تستهدف من خلال شخصه مستقبل الدولة الوحدوى والتقدمى. وعلى الفور اتجه لومومبا للإذاعة وأعلن أنه لا يزال رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع وإن كازافوبا خائن ولم يعد رئيساً للجمهورية وقد إعتمد لومومبا على نص دستورى يسمح لرئيس الوزراء أن يعزل رئيس الجمهورية إذا ظهر عجزه عن القيام بعمله.
وهكذا بدأت الأزمة الدستورية التى كانت وقوداً للحرب الأهلية فى الكونغو، حتى قيل عن الكونغو (كينشاسا) محرقة أفريقيا (Poudriere) حسب تعبير مجلة لوموند دبلوماتيك (Le monde Diplomatique)، وأثناء انعقاد مجلس الأمن يوم 10 سبتمبر حيث قدم السكرتير العام تقريراً ذكر فيه أن الفوضى ناشبة فى الكونغو بسبب الصراع بين كازافوبو ولومومبا، وقال إن من حق كازافوبو دستورياً أن يعفى لومومبا من منصبه. ولهذا قررت الأمم المتحدة إغلاق محطة الإذاعة والإستيلاء على المطارات رغبة منها فى إخماد حرب الدعاية التى كان من الممكن أن تؤدى لثورة شعبية.
وبهذا نجحت بلجيكا أن تحقق بالخيانة والدسيسة مالم تحققه بالوسائل السلمية، ولكن فى نفس الوقت لم يتمكن كازافوبو من ممارسة السلطة الفعلية وكذلك عجز إيليو عن تشكيل وزارة تضطلع بالأمر بسبب قوة المعارضة فى ليوبولدفيل، وبهذا تكون قيادة الأمم المتحدة قد راهنت على حصان خاسر.
الإنقلاب:فى الرابع عشر من سبتمبر قام الجنرال موبوتو الذى عينه إيليو بإنقلاب عسكرى وأعتقل باتريس لومومبا ولكنه قد تمكن من الفرار بعد ذلك. وبالرغم من أن عديداً من الدول حاولت عقد مصالحة بين الطرفين ومنها منصر، إلا أن تلك الجهود باءت بالفشل لإنصياع كازافوبو وموبوتو للقوى الخارجية الأجنبية خاصة الولايات المتحدة. وفى فبراير 1961 عقد مجلس الأمن جلسة بناء على طلب الإتحاد السوفيتى سابقاً (روسيا الآن)، للنظر فى مسألة القبض على لومومبا وسجنه، وحاولت الولايات المتحدة تمييع الموقف وأحيل الموضوع للجمعية العامة وكانت الولايات المتحدة تصر على أن مسألة القبض على لومومبا هى مسألة داخلية.
أما الوثائق فتؤكد أن السياسة الأمريكية قررت التخلص من لومومبا وأن الأجهزة السرية تلقت الضوء الأخضر من الرئيس أيزنهاور بالموافقة على إجراءات الإستئصال وفكرت المؤسسات السرية فى إستعمال السم بوضعه فى معجون الأسنان، وفكرت فى إستخدام فريق كوماندوز لخطف لومومبا.
إغتيال الحلم الأفريقى:اعتقل باتريس لومومبا فى 2 ديسمبر وأرسل الى النظام الإنفصالى فى مؤامرة دنيئة دبرها له رئيس البلاد وقائد الجيش حيث أعدموه فى يناير 1961 بالقرب من (اليزابيث فيل) فى إقليم كتانجا رمياً بالرصاص هو وزميله Joseph Okto نائب رئيس مجلس الشيوخ و Mourice Mpolo أول قائد للجيش الوطنى الكونغولى وجاء فى كتاب The Assasination of Lumumba الذى كتبه Ludo De Witt المساعد الأول ل Rolph Bunch مبعوث همر شولد للكونغو أن Albert Kalonji زعيم كاساى Kasiكان أحد المشتركين فى جريمة قتل لومومبا وسبب حقده عليه المجزرة التى ارتكبها الجيش الوطنى بأوامر من لومومبا وبمساعدة السوفيت لوقف ما أسماه حركة انفصال كتانجا وكساى.
ولقد كشف البلجيكى جيرالد سوت الذى كان يعمل فى سلك البوليس بإقليم كاتنجا كيفية التخلص من جثة باتريس لومومبا، وذلك حتى لا يصبح قبره مزاراً للثوار. فلقد تم إستخراج الجثة من باطن الأرض وتقطيعها بمنشار فولاذى وتذويبها فى حمض الكبريتيك، وبعد عملية التذويب وجد المنفذون أن عظام الفكين والجمجمة لم تتآكلا، فقاموا بطحنها حتى تحولت الى طحين وتم خلط الطحين بالتراب الذى تمت فوقه عملية التذويب.
وهكذا اغتيل الثائر الأفريقى فى وضح النهار على مرأى ومسمع من العالم كله، فى جريمة يندى لها جبين المجتمع الدولى فقال عنه الزعيم جمال عبدالناصر (إن جريمة قتل باتريس لومومبا سوف تؤرق الضمير الإنسانى، فلقد تمت محاولة اغتيال استقلال الكونغو كوطن، وتم بالفعل قتل لومومبا كإنسان وزعيم).
حالته الإجتماعية:كان باتريس لومومبا متزوجاً وعمره 18 عاماً واسم زوجته "بولين" وله ولدان وبنت، وعندما حكم عليه بالإعدام عام 1961، لجأ أولاده وزوجته للقاهرة للإقامة فيها، وإبنة لومومبا الكبرى تعمل صحفية فى مجلة المنار العربية التى تصدر من باريس.
تكريم الزعيم:أطلقت حكومة الكونغو اسم لومومباشى على مدينة (ستانلى فيل) تخليداً لذكرى الزعيم فى 1 يوليو 1966. كما أطلق إسمه على جامعة موسكو والتى يؤمها الطلبة الوافدون من أقطار العالم الثالث وهذا تأكيداً على الأبعاد العالمية لنضاله.
والغريب فى تكريم لومومبا، أن الجنرال موبوتو – الذى اعتقله – إعتبره فى عام 1966 بطلاً وطنياً من أبطال الكونغو، ومحاولاً بذلك توظيف الرصيد التقدمى الذى يمثله لومومبا لمصلحته، حتى أن الدار التى نفذت فيها عملية الإغتيال أصبحت محجاً لكل الشباب الأفريقى.
هذه قصة كفاح باتريس لومومبا، الذى أغتيل بعد حياة سياسية قصيرة فى مدتها عميقة فى تأثيرها من أجل مبادئه وأفكاره، مما جعله أسطورة ومصدراً لتوهج العديد من حركات التحرر فى أفريقيا. ولهذا ستظل ذكراه خالدة فى قلب كل مناضل.
yahya yahya [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.