ibrahim elsiddig abu awab [[email protected]] التسريبات الاعلامية بعد القصف الاسرائيلى تشكل حالة اخرى وفصلا اخر من الحرب بذات الفاعلية والتأثير والابعاد , كانت دقيقة ومضللة الى حد مدهش , وعزز ذلك عالم متعطش للمعلومية وباحث عن خيوط الانباء مع احداث متسارعة وشديدة التعقيد .. كانت الرسالة الاسرائيلية محددة ومدروسة وتجاهلت الاشارة للضربة و لم يرد سوى (ان السودان دولة ارهابية شديدة الخطورة) حتى تعزز هذه الصورة فى الاذهان وتلوكها وسائل الاعلام وتبنى عليها و بدأت اساطير كيفية الضربة والاسلحة المستخدمة والتكتيكات والمسارات وربط ذلك بالسجال الايرانى والاسرائيلى وفى ذلك تتوارد معلومات بعيدة عن الواقع ويمكن كشفها بيسر لو تمعننا ابعادها ومن ذلك خبر صحيفة صنداى تايمز البريطانية( يوم الاحد 28 اكتوبر) ان 8 طائرات اسرائيلية منها 4 طائرات اف 15 وطائرة شينوك حاملة للقذائف .. وبمراجعة بسيطة يتبين ان طائرات اف 15 طائرات اعتراضية وحمولتها محدودة قياسا مع طائرات اف 16 التى غالبا ما تكون هى من شاركت فى العملية فهى ذات حمولة اكبر (7257كج) ولديها قدرات رادارية اكبر وامكانية التشويش الالكترونى والرؤية الليلية .. وكذلك اشار الخبر الى ان طائرات شينوك استخدمت للتموين بينما الارجح ان الطائرات المستخدمة هى (سى 130) فالاولى هى مروحيات اكثر منها حاملة وقود ودعم الذى تتميز به الاخيرة .. ويمكنك استخلاص التضليل فى المعلومات والبيانات بدقة وانما المقصد فى غالبه تحقيق حرب نفسية اشد مضاء من الحرب نفسها بابراز القوة الضاربة والامكانات المهولة .. فالانتصار يتحقق عندما تكسر ارادة وعزيمة عدوك وكلما يقول علماء النفس ان النصر والهزيمة (حالة عقلية).. وتستهدف الحرب النفسية احباط الروح المعنوية وتفتيت الثقة بالنفس وتثبيط الهمة والتشكيك فى سلامة المقاصد والغايات .. وربما يستبين ذلك من بعض الروح التى سرت فى بعض الاعلام الالكترونى ووسائل التواصل الاجتماعى تدعو الى فك الارتباط مع القضية الفلسطينية ونحمد الله ان كل القوى السياسية السودانية تحدثت بايجابية للمضى قدما فى دعم القضية الفلسطينية .. اماعلاقات مع بقية الدول فان الامر رهن بمصالح دولة تتغير وفق الضرورات دون حظر ومن راى اننا بحاجة الى رسم تلك الصلات الخارجية وفق منطق جديد وقد فصلنا ذلك فى مقال سابق.. لقد تمظهرت حالة الارباك الاعلامى فى عدة محطات .. ويمكن الاشارة للاتى اولا : ربط السودان بالارهاب كما ورد فى اول تعليق اسرائيلى ..وورد فى احدى الصحف ان الحاويات التى قصفت كانت معدة للاسال الى (حماس) و(سوريا) و(حزب الله) .. وذلك اضافة الى ما تردده بعض اطراف المعارضة والحركات المسلحة من ان المصنع هو ايرانى ولصنع صواريخ (شهاب) .. هذه كلها اليات للتشكيك فى المقصد والغاية وهو انتاج ذخيرة للقوات المسلحة السودانية وهو حق مشروع.. وبالمناسبة فان كل الصحف الاسرائيلية تورد الخبر ان ( Iran-run missile factory in Khartoum .... وهى رسالة مقصودة وقطعا مضت فى الوسائل الدبلوماسية بهذا المفهوم .. وثانيا : رسم (الهالة) للضربة نفسها وقدرات اسرائيل وامكانياتها .. وهذه رسالة الى اطراف اخرى وايران واحدة من تلك الاطراف وانما بقية الاطراف مصر فى عهد الربيع العربى وتونس وليبيا او اى امة تريد ان تنعتق بقرارها ورؤاها فى المرحلة المقبلة وغنى عن القول ان اسرائيل تحس بان التغييرات والثورات العربية افقدتها حلفاء مهمين جدا فى المنطقة .. وثالثا: التفتيت وتشتيت الثقة بالنفس .. لقد تم الادعاء بان خبراء وجواسيس كثر فى الداخل ولعل التضخيم لبعض تصريحات وافادات الناطق الرسمى للقوات المسلحة جزء من تلك الحملة ويضاف الى ذلك الحديث عن ضربة اخرى جنوبالخرطوم سكتت عليها الحكومة وكل ذلك لاعطاء الاحساس والشعور بان السودان اضحى ساحة مستباحة .. وهو اكثر الامور خطورة وقد ساعد التردد الحكومى فى هذا ومن الضرورى تداركه .. وحتى فاعلية الشكوى والمتابعة والخطاب الاعلامى حولها كأنما يستعجل طيها فى غياهب النسيان .. رابعا : الصرف والالهاء .. عن الضربة كحدث وخرق للمواثيق الدولية الى جوانب اخرى ومن ذلك الحديث عن البوارج الايرانية التى ظلت تبحر فى المحيط الهندى اسابيع حتى بصر البوارج الامريكية ليتم ربطها مباشرة بانها دلالة على الموقف الاسرائيلى والتحول الى هذه القضية الانصرافية .. صحيح ان هناك حرب استعراض قوى بين اسرائيل وايران ولكن السودان ليس طرفا فى تلك المواجهة حتى هذه اللحظة .. ان ابرز علامات هذه التسريبات وتاثيراتها ان السودان تحول من (ضحية) الى (مجرم) ومن الهجوم للدفاع عن النفس والتبرير ويمكننا ان معظم تصريحات المسوؤلين الاخير تدخل فى باب النفى .. والنفى يدخلك فى نفق ضيق .. وهو ما حدث للاسف لقد تطورت اليات ووسائل الحرب النفسية وفى ظل تدفق معلومات مهول من اليسير الحصول على المعلومات ومن الصعب التدقيق فيها .. بل تحول مفهوم غسيل المخ الى مفهوم السيطرة على العقول وادارتها كيفما اتفق ,(Brainwashing) وقد اضحى ذلك جزءا من ادوات الاستخبارات وهو علم قائم بذاته يقرن بين اليات الاعلام وعلم النفس ويطلق عليه )mind control) وخلاصة الامر اننا بحاجة الى اعادة النظر فى خطابنا الاعلامى فى السودان ولم يعد الاعلام بعيدا عن الامن القومى ولعلنا نشير الى ا ن اول اشارة الى الحرب النفسية وردت فى العام 1950 وتحديدا يوم 7 اكتوبر اوردها صحفى امريكى هو ادوارد هنتر فى تعليقه على الحرب بين الكوريتين وهو فى نفس الوقت عميل فى المخابرات .. ان امن الوطن يرتبط بصورته واقتصاده واعلامه وسياسته الخارجية ولا بد من رؤية شاملة وتغليب الغايات الكبرى على لحظات الانتصار الصغير .. ابراهيم الصديق على [email protected]