د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم [email protected] تعريف الظاهرة: ظاهره شخصنه القضايا العامة، هي ظاهره تقوم على التطرف في التأكيد على الذاتية، إلى درجه إلغاء الموضوعية ، ومظهرها الاساسى يتمثل في تحول الإسهام الفكري الذى يقدمه المثقف للمجتمع ( والمتمثل في تحديد طبيعة المشاكل التي يطرحها الواقع ، أو الحلول الصحيحة لهذه المشاكل،أو نوع العمل اللازم لتنفيذ هذه الحلول في الواقع)،إلى سرد لسيرته الذاتية. إن شيوع هذه الظاهرة السلبية بين المثقفين (أي الذين لهم المقدرة الفكرية لإدراك المشكلات الاجتماعية، ومعرفة حلولها، والمقدرة على العمل الجماعي اللازم لحلها)، والمتعلمين أو الأكاديميين (الذين لا يعرفون من العلم إلا ما تعلموه في معاهده المتخصصة، ويجهلون علاقته بمشكلات الواقع الاجتماعي، أو لا يهتمون بتلك الصلة)،ورغم تعدد أسبابه، إلا انه - في التحليل النهائي- إفراز امتداد الحياة في ظل تخلف النمو الحضاري للمجتمع ، و في ذات الوقت فانه احد أسباب استمراره، لأنه يفتك بمقدرة المثقفين ، الذين هم قادة حركة التطور الاجتماعي في كل المجتمعات. أسباب الظاهرة: تخلف النمو الحضاري : كما سبق ذكره فان شيوع هذه الظاهرة بين المثقفين هو نتيجة لتخلف النمو الحضاري للمجتمع ، كمحصله لعوامل داخليه (كشيوع التقليد وقفل باب الاجتهاد، شيوع البدع،الاستبداد...)، وخارجية( كالاستعمار) متفاعلة ، فهي مثلا محصله لشيوع أنماط التفكير الخرافي والاسطورى في المجتمع المعين " والتي هي بمثابة شروط ذاتيه لتخلف النمو الحضاري" والتي تتصف بذاتيه مطلقه ، تلغى اى موضوعيه على المستويين المادي والفكري. سرد السيرة الذاتية و غريزة النزوع للبقاء : وإذا كان المظهر الاساسى لهذه الظاهرة السلبية (كما سبق ذكره ) يتمثل في تحول الإسهام الفكري الذى يقدمه المثقف للمجتمع إلى سرد لسيرته الذاتية. فان الميل إلى سرد الشخص لسيرته الذاتية شفاهه أو كتابه هو- طبقا لعلم النفس - استجابة لغزيرة النزوع إلى البقاء(لذا يزداد هذا الميل إلحاحا كلما تقدم الإنسان في العمر)، وهى غربزه تولد في الإنسان نوازع عاطفيه (ذاتيه) غير عقلانيه (وغير موضوعيه)، فضلا عن أن هذه الغريزة تمحو (لا شعوريا)،كل ما لا يتفق مع غايتها (تخليد صور الشخص مطهره من كل نقص)،يترتب على هذا أن السير الذاتية لا يمكن أن تكون صادقه(موضوعيا)،حتى ولو كان الأشخاص الذين رووها صادقين(ذاتيا). (د. عصمت سيف الدولة، ،مذكرات قرية،القاهرة، دار الهلال ،1994، ص3-5).غير انه ليس هناك مشكله، في سرد اى شخص لسيرته الذاتية ، مادام مجال السرد هو المجال الشخصي (ممثلا في مجالات التواصل الاجتماعي)، وباعتبار أن السرد هنا هو تعبير عن رؤية ذاتيه لمواقف وأحداث معينه، لكن المشكلة تبدأ حين يتحول السرد إلى المجال العام (ممثلا في التصدي للمشاكل والقضايا العامة(السياسية،الاقتصاديه، الفكرية...)،لأنه مجال يقتضى الموضوعية. تضخم الذات: ومن أسباب شيوع هذه الظاهرة السلبية عند المثقفين والمتعلمين تضخم الذات كظاهرة نفسيه ترجع إلى عوامل تربويه،اجتماعيه، ثقافيه...متفاعلة ، فهي قد تكون محاوله سلبيه لتعويض مركب نقض مادي أو اجتماعي أو تعليمي أو ثقافي... أو قد تكون تعبير عن اختلال التوازن بين الفرد والجماعة في المجتمع، نتيجة شيوع نمط التفكير والسلوك الجماعي، الذى لا يستطيع فعليا إلغاء الوجود الفردي أو الأبعاد الذاتية للشخصية، ولكنه يحيلها إلى فرديه وذاتيه متحولة، اى فرديه وذاتيه تتضائل أو تتضخم طبقا لدرجه الإلزام الموضوعي، ذلك لأنه يكاد يبقى النزوع الفردي "الغربزى" عند الأفراد دون اى ترقيه وتهذيب وتطوير. الفردية : ومن أسباب شيوع هذه الظاهرة السلبية عند المثقفين،شيوع النزعة الفردية عند المثقفين والمتعلمين،والتي قد تأخذ شكل ايجابي بالاستعلاء على الجماهير، أو شكل سلبي بالعزلة عنهم ، وهى النزعة التي يعبر عنها عامه الناس بالانانيه، وشيوع هذه النزعة بين المثقفين والمتعلمين هو محصله عوامل متعددة: الثغرة الفاصلة: من هذه العوامل أن المثقفين هم قادة حركة التطور في كل المجتمعات،وإذا كانوا في المجتمعات المتقدمة كثرة تفيض عن الحاجة، فإنهم في المجتمعات المتخلفة قوة نادرة؛ ذلك لأنهم أكثر معرفة وعلماً ومقدرة على العمل من الكتلة السائدة، فلا تستطيع مجتمعاتهم أن تستغني عنهم، وبينهم وبين سواد الشعب المتخلف ثغرة فاصلة. الاستعمار والتغريب : ومن هذه العوامل أن برامج التربية والتعليم والثقافة والإعلام في المجتمعات المتخلفة، كانت لفترة طويلة من وضع القوى الاستعمارية لخدمة غاياتها، ومن غاياتها إضعاف العلاقة الاجتماعية التي تربط الناس بمجتمعاتهم في مصير واحد ، حتى لا تقود هذه الروابط إلى وعى الناس والتزامهم بتحرير مجتمعاتهم، وقد احتضنت القوى الاستعمارية في فتره ماضيه العناصر المتفوقة من المتعلمين، وأتاحت لهم فرصة إكمال ثقافتهم في معاهدها وجامعاتها عن طريق البعثات، وهنا حاولت دس مفاهيمها وقيمها في أذهان المبعوثين،وهى مفاهيم وقيم غريبة عن مجتمعاتهم. الممارسة الليبرالية: ومن هذه العوامل ميراث الممارسة الليبرالية، ذلك المذهب الفردي الذي يتجاوز تمجيد الإنسان، إلى إطلاق الفرد من التزاماته المترتبة علي انتمائه إلى مجتمعه؛ فيتحول المجتمع إلى ساحة صراع فردي لا إنساني؛ وتكون الفردية فيه قيمة لا يخجل منها صاحبها، بل يفخر بها بقدر ما يكون لها من ضحايا من أفراد آخرين. - للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان http://drsabrikhalil.wordpress.com) ).