عندما كنا صغاراً، في ستينات القرن الماضي، كنا نعلب مع أطفال القرية تحت شجرة كبيرة أمام منزلنا تسمى "علقة الفكي المسلمي" ظلت قائمة حتى جار عليها الجفاف فسقطت قبل سنوات قلائل، وذات يوم سألت والدي- رحمه الله- عن تلك الشجرة فقال: إن رجلاً صالحاً يدعى الشيخ المسلمي قد حط الرحال في قريتنا "دميرة" بمحلية بارا، في ذلك الوقت المبكر، فعلّم الناس القرآن وأمور الدين، وعاش بينهم حتى أدركته المنية، ولا يزال قبره معروفاً هناك، ولذلك ما من شخص يتلو آية من الذكر الحكيم في تلك الديار، إلا وكان للمسلمية في أجرها نصيب؛ولذلك اقول إن صلتي بهذه القبيلة تمتدلأكثر من مئتي عام. ومنذ أن انهار سد مارب وتفرقت القبائل العربية وانداحت في الصحراء، ظلت الإبل رفيقة لهم في حلهم وترحالهم، يتخذون من أوبارها بيوتاً يستخفونها عند ظعنهم واقامتهم، ومنذ ذلكم الحين أصبحت الخيمة تعنى الكثير للإنسان العربي حيثما حل وكان، سواء في جزيرة العرب أو بوادي السودان في شرقه وغربه على حدٍ سواء. والخيمة ليست مجرد سكن يأوي إليه العربي في البادية، إنما تعد بمثابة جزء مكمل لحياته وتراثه، يرتاح له، ويخرج إليه كلما أراد أن يخفف من وطأة الحياة العصرية، وضجيجها. والبدوي إذا ما استضافك في خيمته ذلك يعني أنه يريد أن يكرمك كعادة العرب في إكرام الضيف. ولعل هذا ما جعل أبناء قبيلة المسلمية المقيمين في العاصمة السعودية، يقيمون احتفاليتهم بمناسبة عيد الأضحى لهذا العام 1433 هجرية، في مخيم خارج المدينة وتحديداً في منطقة الثمامة التي تقع في الشمال الشرقي من الرياض، وهي منطقة صحراوية مفتوحة، ذات هواء عليل، يخرج إليها كثير من الأسر السعودية للاستجمام في أيام العطل والأعياد لأنها تذكرهم بحياة البادية التي لا يزال الناس هنا يحنون إليها حنين الإبل إلى المعاطن، مع ماهم فيه من رفاهية ودعة لا تخطئها العين. ونحن إذ نشكر لإخوتنا أبناء المسلمية الكرام، وعلى رأسهم الأخ محمد صديق ود أبوتوب، دعوتهم الكريمة لحضور تلك الجلسة العربية الجميلة التي ضمت نفراً عزيزاً من الإخوة السعوديين، وهم الشيخ المرزوقي وصحبه الأعزاء، نود أن نسجل صوت شكر لحكومة خادم الحرمين الشريفين والعائلة المالكة الكريمة، وللشعب السعودي الشقيق، على حسن تعاملهم مع أفراد الجالية السودانية، كما نهنئهم جميعاً بعيد الأضحى المبارك، سائلين المولى عز وجل أن يديم على مملكة الإنسانية أمنها وسلامتها واستقرارها، ويحفظ مليكها وولي عهده الأمين، وأن يديم الود والإخاء بين شعبينا اللذين تربط بينهما أواصر الدين واللغة، والمصير المشترك، والمصالح الاقتصادية المتبادلة.و لقد كان اللقاء تجسيداً لقول الله تعالى(وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)؛ فقد التقى السوداني بالسعودي، واجتمعت قبائل السودان من الجهات كافة، حيث جاء عبد المنعم شيخ العرب من البطاحين بأرض البطانة، وهارون الشريف من بني هلبة بجنوب دارفور، وصابر بيرم من دنقلا، في بلاد النوبا، وشخصي الضعيف من رعاة الإبل، في بادية شمال كردفان،ومثّل سفارة السودان بالرياض، سعادة القنصل الأستاذ/عبد الرحمن محمد رحمة الله،الذي هو من ديار الجعليين أصلاً. وبالتأكيد هذه ليست دعوة للقبلية، ولكنها إشارة لبعض جوانبها الإيجابية. في مستهل اللقاء تحدث السيد محمد صديق أبوتوب شاكراً الجميع على المشاركة والحضور، ومعرفاً بقبيلة المسلمية، وهي قبيلة عربية أصيلة لها وجود في كل أنحاء السودان، ولكن يقطن السواد الأعظم منها في محلية شرق النيل، بولاية الخرطوم؛(حيث يقيم الطراريف بالجريف شرق، والمريوماب ببحري، ومنهم الشيخ حمد ود أم مريوم، والبادراب بأم ضواً بان،وأولاد قيامة، والعضاليل بقرى الشيخ مكي،كما يوجد القريداب في نهر النيل،والجملاب بالولاية الشمالية، والإبراهيماب بقرى مشروع الرهد.وفي وسط الجزيرة تمتد قبيلة المسلمية في محلية المناقل، وفي النيل الأبيض في محافظة القطينة.وفي كردفان يوجد المسلمية المجانين حول المزروب، وفي جنوب كردفان في مناطق العباسية تقلي، ومحافظة رشاد، كما توجد بطون منها في شمال دارفور في كتم ومليط).ويحترف المسلمية عموماً الرعي والزراعة ومنهم من يعمل بالتجارة؛ خاصة المقيمون منهم بالسعودية فإنهم يتاجرون في الإبل "المزايين". لم تكن الجلسة فقط "للونسة" وتزجية الوقت، بل كانت تمريناً فعلياً في ممارسة الدبلوماسية الشعبية،بمشاركة أحد أركان السفارة،ودار الحديث عن الاستثمار في السودان إذ عبّر الشيخ المرزوقي، وهو رجل أعمال سعودي معروف، عن رغبته الأكيدة في الاستثمار في السودان. ومن جانبه أوضح سيادة القنصل قائلاً: على الرغم من إن السودان بلد مفتوح للمستثمرين من مشارق الأرض ومغاربها،إلا أن الاستثمارات السعودية تحظى بعناية خاصة من البعثة الدبلوماسية بالرياض،خاصة وأن السودان الآن لديه ملحقية اقتصادية للتنسيق مع رجال الأعمال والشركات في السعودية الذين يرغبون في العمل الاستثماري في السودان في المجالات كافة، الزراعة، والثروة الحيوانية والصناعة، والخدمات وغيرها من الأنشطة التجارية؛ علاوة على أن رئاسة الجمهورية والمجلس الأعلى للاستثمار قد وعدت بتذليل كل ما يواجه المستثمر السعودي من صعاب في البلاد. ولو أن كل اللقاءات السودانية –السعودية قد سارت في هذا الاتجاه لكونت جسوراً للتواصل تصب في مصلحة شعبي البلدين.ولو استطاعت الحكومة السودانية إصلاح بيئة الاستثمار عبر القوانين والأنظمة الجاذبة، والاستعانة بذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة،وتحسين البنية التحتية، وأفلحت في جذب 10% فقط من الاستثمارات العربية، لأصبح السودان سلة غذاء العالم العربي،ولذلك لابد من الإعداد المبكر للملتقى السوداني–السعودي المزمع عقده في مطلع العام القادم، مع تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والاقتصادي، واستتباب الأمن، لأن هذه متطلبات ضرورية للاستثمار أياً كان نوعه ومجاله. من ناحية أخرى لقد غمرنا أبناء المسلمية بكرمهم المعهود، فهذه ليست أول مرة يدعوننا إلى مثل هذه الجلسات، بل هي ديدنهم في كل وقت ومناسبة، فعندما زارنا شيخ العرب الأخ عيس التجاني عمر قش في السعودية استقبله أبناء المسلمية في مدينة الطائف، وقاموا بواجب الضيافة على أكمل وجه، وتكرر ذات المشهد عند زيارة الأمير سليمان جابر جمعة سهل للرياض في العام الماضي. إن أبناء المسلمية يضعون أنفسهم في خندق الوطن عن بكرة أبيهم، وهذا ما عبّر عنه شاعرهم بابكر طه المعروف "بالله جاد" الذي شنّف الآذان بقصائد من الدوبيت قال فيها: إتوكلتوا على الحي العلي وقدير نهجكم أصلو قرآني وشريعة الخير دفاعنا الشعبي إلا ما يدفّر بغدي الطير ما دار فزع من ناس بوش ولا شامير عميل اليهود المدرب ناسا في هجليج هناك لقنوه دراسا نحن جنودنا أمريكا خشيت باسا كم جابوا دبوكة من الليزر الحساسا