تشهد قناة السويس هذه الايام حركة دؤوبة لمرور ترسانة السلاح الاسرائيلي استعدادا لقصف محتمل للمنشئات النووية الايرانية بتأييد مصري وعربي حسب جريدة التايمز. وتعيد هذه الحركة الذاكرة الي حركة عبورالاساطيل الغربية بنفس الممر لتدمير العراق في 1991 , ثم حملة احتلاله في 2003 , كأنما قد أصبح هذا الممر المائي متخصصا في عبور أدوات الدمار لدول المنطقة. ولا شك ان القصف الاسرائيلي المحتمل للمواقع النووي الايرانية هو أمر يخدم مصالح الكيان الصهيوني ولكنه لا يخدم الامة العربية في شييء. ولكن الواقع أن القادة العرب قد استبدلوا اسرائيل مؤخرا بايران كعدو استراتيجي فيما يشبه الموضة كأن ايران تقوم علي أرض مغتصبة وتقوم باحتلال اراضي من عدة دول عربية. وكأنما ايران قد نفذت محرقة غزة الاخيرة مستخدمة أسلحة محرمة دوليا في المناطق المأهولة بالمدنيين , أو لجأت لاستخدام المدنيين كدروع بشرية والقتل بمجرد الاشتباه حسب الاعترافات الاخيرة لجنود اسرائيليين. وكأن ايران - وليس اسرائيل - قد قامت باراقة أنهار الدم الفلسطيني واللبناني منذ 1948 مرورا بمذابح بحر البقر وكفر قاسم وعين الحلوة وصبرا وشاتيلا ودير ياسين. ورغم أن الهجوم الاسرائيلي المتوقع علي ايران لا يخدم الامة العربية إلا أن أن حكامنا العرب - طال عمرهم - ظلوا دائما يتفانون ويتنافسون في تقديم خدمات جليلة لاسرائيل والغرب دون مقابل ودون مراعاة لمصلحة الامة. كما ظلوا دائما يتلقون الاوامر والتوجيهات من الغرب فيما ينتهجون من سياسة داخلية وخارجية ينبغي عليهم انتهاجها ويتبعونها كما التنزيل. وبالطبع فلا بد ان يتم خداعهم - ككل مرة - بمقابل وهمي كما حدث أثناء تدمير العراق عام 1991 , حينما وعدوا بحل مشكلة فلسطين بعد تلك الحرب , خاصة وان صدام حسين كان قد اقترح حلول مجتمعة لمشاكل المنطقة تتمثل في انسحابه من الكويت مقابل انسحاب اسرائيلي من الجولان والاراضي الفلسطينية التي احتلت في يونيو 1976 وانسحاب سوريا من لبنان. فكان خديعة هذه المرة - حسب جريدة التايمز- تقديم تنازلات بخصوص المستوطنات و"دولة فلسطينية" رغم الوضوح في عدم وجود رباط مباشر بين ضرب المواقع النووية الايرانية والدولة الفلسطينية المذعومة , ورغم شروط نيتنياهو التعجيزية الواضحة لقيام تلك الدولة , والتي من ضمنها اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة اسرائيل مما يتضمن عدم حق اللاجئين في العودة وترحيل عرب 1948 الي الضفة الغربية. والحقيقة أن الغرب واسرائيل علي يقين بأن القادة العرب قد استمرأوا تقديم التنازلات والشروع في مقدمات التطبيع دون مقابل , فقد ورد مؤخرا أن اسرائيل قد حصلت علي موافقة بالسماح بعبور الطيران التجاري في أجواء دول عربية. يحدث ذلك في وقت ليس بعيد بعد قصف المقاتلات الاسرائيلية لمواقع في شرق السودان مما يعني مذيد من الاختراق الامني للعمق العربي. وكانت هناك زيارة وفد بحريني رسمي من وزارة الخارجية لاسرائيل في أمر لا يستحق تلك الزيارة بذلك المستوي انما هو أمر ظاهره إطلاق سراح الاسري البحرينيين الذين تم اعتقالهم من احد سفن إغاثة غزة وباطنه التطبيع. وكان رئيس الوزراء البحريني قد التقي تسيبي ليفني في الاممالمتحدة عام 2007 رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما. بالاضافة الي تبادل الزيارات و العلاقات التجارية بين المغرب واسرائيل كأنما تلك المنتجات الاسرائيلية لا توجد في أي بلد اّخر في العالم. وبينما لم يجف الدم الفسطيني المسفوح بعد محرقة غزة الاخيرة تنازلت دولة الامارات بعد رفضها ووافقت علي منح تأشيرة دخول للاعبة الاسرائيلية للمشاركة في دورة دبي الدولية لكرة التنس. كما ان هناك شركات اسرائيلة خاصة في مجال الامن قد وجدت لها موطيء قدم في دولة الامارات. و يعاني الاردن من اتفاقية سلام مع اسرائيل تصب في حماية المصالح الاسرائيلية وفيها بنود مذلة أشبه بقيود اتفاقية ناتجة عن استسلام بعد هزيمة عسكرية , فقامت السلطات استنادا علي هذه الاتفاقية يوم 5-7- 2009 بقمع تظاهرة ضد استيراد الفواكه الاسرائيلية والاعتداء علي الصحفيين الذين جاؤوا لتغطيتها. وتستند السلطات الاردنية في قمع منظمات المجتمع المدني التي تقوم بتعرية اسرائيل علي المادة الحادية عشر من تلك الاتفاقية التي تنص علي "التعهد بالامتناع عن القيام ببث الدعايات المعادية , واتخاذ كافة الاجراءات القانونية والادارية التي تمنع انتشار مثل تلك الدعايات من قبل اي تنظيم او فرد". وواضح عند صياغة هذا البند أن الجانب الاسرائيلي كان يقصد ويعي انه سيتم استخدامه لقمع الرأي المناويء لاسرائيل في الاردن , وانه لا يمكن باي حال من الاحوال استخدامه لمنع حرية التعبير في حالة قيام تظاهرة ضد الاردن في اسرائيل لقمعها. والواضح ان الحكام العرب لا يدركون أن العلاقات بين الدول تقوم علي تبادل المصالح فتتقوم الدولة بتقديم شيئ وتحصل علي مقابله , ويسود هذا المبدأ حتي فيما بين علاقات الدول الغربية ببعضها البعض. لذا نجدهم يقومون بكرم عربي أصيل باستضافة القواعد الامريكية دون مقابل , وبكرم عربي اصيل أيضا وإرضاءا لامريكا يزيدون إنتاج النفط - ثروة الامة الوحيدة - حين ترتفع الاسعار. وبنفس الكرم أيضا يودعون ارصدتهم التي أصبحت هباءا منثورا في أسواق المال الامريكية. وعندما ينهار النظام المصرفي الامريكي يُطلب منهم دعمه ماليا فيوافقون بطاعة عمياء رغم عدم مسؤليتهم في ذلك الانهيار. كما يصرون علي بيع النفط - ثروة الاجيال القادمة - بالدولار رغم تذبذبه وتدنيه أخيرا لان بيع النفط بالدولار يخدم امريكا إذ يزيد من قوة الدولار ب 40 في المائة من قيمته. ولان امريكا علي علم بحالة الهزال والتحنط التي أصابت النظام الرسمي العربي فقد طلبت هيلاري كلنتون قبل ايام من هذا النظام في كلمة امام مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن وفي صيغة امربأن " الدول العربية لديها مسؤلية اتخاذ تدابير لتحسين العلاقات مع اسرائيل واعداد الرأي العام لديها لتقبل السلام وتقبل مكانة اسرائيل في المنطفة" مع عدم الاشارة الي الزام اسرائيل بالمقابل باي شيئ في تلك الكلمة ولا حتي وقف الاستيطان. وكما هو معلوم أن إنفصال القادة العرب عن تطلعات الشعوب وعدم اكتراثهم لمصالح الامة مرده هو أنهم لم يأتوا عن طريق تفويض شعبي لذا فهم في مأمن لبقائهم في السلطة حتي الموت دون مسائلة ثم يتم توريث الامة لابنائهم كالمتاع. ونحن هنا امام ظاهرة هي الوحيدة في العالم وهي التوريث في النظم الجمهورية كما سيحدث في مصر قريبا. ولو كان هنالك تفويض بدورة انتخابية محددة يتم بعدها تجديد الثقة أو سحبها لاتعظ أولئك الحكام. وبالعودة الي مقدمة المقال بشأن تعاون عربي لقصف اسرائيلي محتمل للمواقع النووية الايرانية فان خطورة تلك الخطوة لا تكمن في العامل الديني فقط بل أن مصالح واستقرار دول المنطقة ستتأثرا تأثرا بالغا إذ أن ايران لديها المقدرة العسكرية لشل حركة انسياب النفط رغم وجود القواعد الامريكية التي تعج بها المنطقة. ولا يحتاج اغلاق مضيق هرمز الي مقدرات عسكرية معقدة او متطورة لاغلاقه لاعاقة الملاحة خلاله , كما ان هناك احتمال ان تقوم ايران بقصف المنشئات البترولية علي الجانب الغربي من الخليج العربي لضرب المصالح الغربية. بالاضافة الي ذلك فان الاقليات الشيعية في الدول العربية ستتحرك وتثور استنكارا لهذا الهجوم المحتمل مما يؤدي الي عدم استقرار المنطقة وإثارة عداء مذهبي يضر بالتعايش السلمي وفوضي تبدو المنطقة في غني عنها.