بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس توطئة: نواصل البوم تحليلنا لمرامي العدو الصهيوني عسانا أن نصل لصورة متكاملة لأهداف ومرامي هذا العدوان الذي شارك فيه بعض أبناء الوطن بمد العدو بالمعلومة وتفاخروا بذلك بعد أن إستمرأوا العمالة والمال المدنس . هؤلاء لا يتورعون من التحالف مع الشيطان من أجل مصالح ذاتية أقل ما توصف به هو "منتهى الدناءة"، على كل حال دعونا نواصل التحليل وأيضاً نبحث في تزامن زيارة الفرقاطتتين الإيرانيتين لميناء بورتسودان وإن كانت لهما علاقة بحادث الاعتداء الصهيوني على مجمع اليرموك. المتن: منطلق الطائرات المعتدية ومسارها : بعض الروايات المنشورة ذهبت إلى انطلاق بعض الطائرات المعتدية من جزر (دهلك – دهلك الكبير – حالب وفاطمة) في الجنوب الغربي من البحر الأحمر ، وهي جزر أريتيرية تستأجرها إسرائيل منذ عام 1995م ! فيما انطلق الجزء الآخر من الطائرات المعتدية – حسب ذات الروايات – من جزيرة (سنتيان) المواجهة لباب المندب وجزيرة (جبل الطير) الإثيوبية التي كانت تستأجرها الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل أن تسلمها لربيبتها إسرائيل ! وتحدثت بعض الروايات عن أن الطائرات قدمت من اتجاه الجنوب وتحديداً من دولة كينيا لكن أولئك الرواة لم يقدمون تفاصيل كافية ومقنعة. الرواية الإسرائيلية : الجنرال عمير إيشل قائد سلاح الطيران الإسرائيلي – بحسب تقرير للمركز العربي للدراسات والتوثيق – وضع النقاط فوق الحروف وسلط الضوء علي تفاصيل العملية وذلك لدى تنويره يوم 25 أكتوبر الماضي لوزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ! الجنرال إيشل قال أن العملية التي أطلقوا عليها (عملية زينوك) نفذتها طائرات من نوع (F15) و(16F ) وأنها انطلقت من قاعدتي (عوفدا) (وريمون) في النقب الجنوبي ، ومرت فوق خليج سليمان (خليج العقبة) مروراً بشرم الشيخ ثم خليج السويس ثم البحر الأحمر ! أي أنها مرت بالقرب من الساحل الغربى الذي يخضع للسيطرة المصرية والساحل الشرقي الذي يخضع لسيطرة المملكة العربية السعودية ، وقد قطعت كل تلك المسافة (حوالي 1800 كلم) دون الحاجة للتوقف للترود بالوقود ! قائد سلاح الطيران الإسرائيلي - والحديث لا يزال لتقرير المركز العربي للدراسات والتوثيق - قال أن العنصر الاستخباراتي كان حاضراً وحاسماً في نجاح العملية حيث أنه تم الترتيب بدقة لمرور الطائرات دون اكتشافها بواسطة المنظومة الإلكترونية أو اعتراضها بواسطة الطائرات ، سواءً كان ذلك بمصر أو السعودية أو السودان!! الجنرال إيشل اختتم تنويره لوزير الدفاع الإسرائيلي بأن العملية استهدفت المجمع الصناعي العسكري السوداني الذي يرجحون أنه يطور أنواعاً من الصواريخ منشؤها إيران ! وأن العملية ستكون مفتاحاً للهجوم علي المنشآت النووية ألإيرانية برغم الفارق الكبير بين القدارت الإيرانية والسودانية وبخاصة منظومة الدفاع الجوى والقدرة علي استخدام وسائل التشويش الإلكتروني . الحاشية: التصدي للطائرات المعتدية: مقالات عديدة نُشرت وتساؤلات كثيرة طُرحت حول دور منظومة الدفاع الجوى السودانية في التصدي للطائرات الإسرائيلية المعتدية ولماذا لم يتم رصدها ابتداء ؟ والإجابة علي هذه الأسئلة بالتأكيد فنية بحتة تختص بها المؤسسات العسكرية والاستخبارية والأمنية والفنية التي ربما لا تزال تتحقق في الأمر أو أنها تفضل عدم الإفصاح عما انتهت إليه ، لكن بعض ما ورد في تنوير قائد سلاح الطيران الإسرائيلي لوزير دفاعه حول ترتيباتهم المحكمة لمرور سرب الطائرات المعتدى دون أن يُكتشف أو يُعترض قد يقدم إجابة منطقية مفهومة للتساؤلات المطروحة ، وقد تحدث بعض المراقبين عن منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الروسية (S.300) التي مُنحت لسوريا ، وهي منظومة متكاملة وفعالة في الدفاع الجوى والتصدي للصواريخ الباليستية ، ومجهزة برادارات حديثة معدة لرصد وتتبع مائة هدف في وقت واحد ، لكن ما يجب الانتباه إليه أن تلك المنظومة تبلغ قيمتها (39) مليار دولار!! الهامش: الفرقاطتتين الإيرانيتين : رسو الفرقاطتتين الإيرانيتين (حاملة المروحيات "خارك" والمدمرة "الشهيد نقدي") لمدة أربعة ايام بميناء بورتسودان أثار موجة واسعة من التصريحات والتعليقات حول طبيعة الزيارة ولماذا تمت في هذا التوقيت بالذات ؟ لكن من الواضح أن الأمر لم يكن مرتباً حيث كانت الفراطتان ترسوان في المياه الدولية بالبحر الأحمر غير بعيد من ميناء بورتسودان ، وربما قدرت إيران أنها فرصة مناسبة لخدمة بعض سياساتها وأهدافها استغلالا لحادثة العدوان الإسرائيلي علي السودان التي رأى الكثيرون إلى أنها بروفة للهجوم علي المفاعلات النووية الإيرانية ، وقد أعلنت إيران أنها قصدت إرسال رسالة في مواجهة الإرهاب البحري والقرصنة وضمان سلام الدول المجاورة ، ولم تشر إيران مطلقاً إلى أن سفنها جاءت للتعبير عن تضامنها مع السودان الذي تربطها معه علاقات طبيعية ، لكن بعض المسؤولين السودانيين أكدوا بوضوح أن زيارة الفرقاطتتين الإيرانيين هي زيارة عادية لم تكن مرتبة أبداً ولا تستدعى كل هذا اللغط والغبار المثار ، واستطردوا أن السودان كدولة عربية وإسلامية عضو في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي موقفه واضح وقاطع تجاه جزر (أبو موسى – طنب الكبرى والصغرى) الإماراتية المُسيطر عليها بواسطة إيران ، وأن السودان رفض ويرفض أى تهديد أو مساس بدولة البحرين الشقيقة وسيادتها الوطنية . الإجراءات القانونية لمواجهة العدوان :منذ الوهلة الأولى ، شرعت وزارة العدل السودانية في حصر الخسائر البشير والمادية (عبر النيابات واقسام الشرطة) ودراسة الحالة وتكييفها علي ضوء القوانين الدولية ، وجمع وترتيب البيانات اللازمة والمضي في اتجاه شكوى ومقاضاة إسرائيل أمام المؤسسات الدولية المعنية ، ذلك بصرف النظر عن القناعة بمدى حيادية تلك المؤسسات وجديتها في مساءلة ومحاسبة ومعاقبة إسرائيل . وكما هو معلوم فإن العدوان جريمة مُصنّفة ومعرّفة دولياً ، واعتداء دولة علي دولة أخرى مُحرَّم ومُجرَّم بموجب القانون الدولي وبصفة خاصة ميثاق الأممالمتحدة واتفاقية قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1899م واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م بشأن حماية المدنيين واتفاقية 1976م حول منع استخدام تقنية تعديل البيئة لغايات عسكرية أو معادية ، وقد أكدت اللّجنة الوطنية للقانون الدولي والإنساني على سلامة موقف السودان من الناحية القانونية وأن تصنيع أسلحة تقليدية حق مشروع ومباح ولا قيود عليه وأن السودان صادق علي كافة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأسلحة المحرمة والتزامه قائم ومستمر دون وصاية من أحد ، وأن من حق السودان اتخاذ ما يراه مناسباً للدفاع عن نفسه ورد العدوان والحفاظ علي سلامة مواطنيه وممتلكاتهم والحفاظ علي سلامة أرضه ومطالبة إسرائيل بالتعويض عن كافة الأضرار الناتجة عن العدوان الغاشم . قصاصة : خلاصة: كافة الشواهد العقلية والموضوعية والمادية ، تؤكد علي مسؤولية إسرائيل عن واقعة العدوان الغاشم علي مصنع اليرموك وما ترتب علي ذلك من خسائر في الأرواح وأضرار معنوية ونفسية ومادية ، سواء في مخازن المصنع وبنيته أو في ممتلكات المواطنين القاطنين بالمنطقة المحيطة ، وربما لجأت إسرائيل إلى تسريب بعض المعلومات المفبركة التي تصرح وتلمح إلى ضلوع بعض الدول الجارة والصديقة للسودان في عملية الاعتداء وذلك بغرض الوقيعة وإثارة الفتنة وقطع أواصر العلاقات المتينة التي تربط السودان بتلك الدول وصرف الأنظار عن الجاني الحقيقي ! ومما يُحمد للقيادة السياسية والاستخبارية والعسكرية في بلادنا ، انتباهها المبكر لتلك الجوانب وتوجيه تركيزها نحو دويلة إسرائيل دون غيرها . دروس وعبر: لعل واقعة الاعتداء الإسرائيلي الآثم علي مصنع اليرموك ، التي نُفَّذت قبل يومين من عيد الأضحى المبارك ، حملت في طياتها العديد من الدروس والعبر ، ليس للحكومة السودانية فحسب بل للمجتمع والإعلام والعديد من مؤسسات المجتمع المدني الوطنية ، وبالتأكيد فإن الحكومة بالذات ستعمد لتقييم الواقعة والسلبيات التي صحبتها سواء كان الأمر يتعلق بالأداء العسكري والاستخباري تجاهها أو يتعلق بالأداء السياسي ومدى انضباط التصريحات وحساب التصرفات من كافة الزوايا ، وبالتأكيد فإن ما لا يقتلك يُقوِّيك ويرفع مستقبلاً من درجة حذرك وتحسبك وجديتك في تصحيح الأخطاء وردم الفراغات المميتة بين ما كان وما ينبغي أن يكون . أخيراً : فإن الحادثة المُفزعة المُرعبة ما ينبغي لها أن تكون مدخلاً أو دافعاً لهزيمة أهل السودان نفسياً وزعزعة إيمانهم وشل إرادتهم وهز ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم وإمكانية نهوضهم وبلوغهم المعالي والنيْل من عزمهم وخططهم وخطواتهم المتقدمة نحو مرافئ المنعة والنهضة والتطور ، وما ينبغي لها أن تكون كذلك مدخلاً لجّرهم ودفعهم نحو الخضوع والخنوع وتبني مواقف استسلاميه وسلبية تجاه قضايا أمتهم وهمومها الكبرى وعلي رأسها حقها المشروع في المقاومة لاسترداد كامل أرض فلسطينالمحتلة وثرواتها مهما يكن ثمن ذلك باهظاً ومكلفاً . إن الأمم الكبيرة والعظيمة لا تُولد إلا في رحم المعاناة والكَبَد والحصار، ومهما انتفشت إسرائيل وانتفخت واعتدت وتكرر عدوانها على السودان أو لبنان أو غزة فإن العدوان يبقى فعلاً باطلاً ممقوتاً وسلوكاً مرفوضاً وفعلاً منبوذاً ومداناً بموجب كافة القوانين الشرعية والإنسانية الدولية العادلة . نحن نجتهد بالتحليل مما اطلعنا عليه من المعلومات المتاحة من المواقع الإلكترونية ومواقع الصحف العبرية والايرانية والسودانية وبعض تحليلات القنوات الفاضية العالمية وهذا يعتبر أقرب إلى الحقيقة وذلك بناء على كل المعطيات التي جمعتها عن هذا العدوان البربري وكنت أفضل لو أن كانت الحكومة أكثر شفافية حتى لا تدعنا للبحث والتنقيب واللهاث وراء المعلومة من جهات عديدة وعلى كل حال هو مجرد اجتهاد لتمليك القارئ حليلاً للحدث من وجهة نظر شخصية لسبر غور ما وراء هذا العدوان. وهي وجهة نظر قد تقبل الخطأ والصواب!! إنتهى...عوافي.. Abubakr Yousif Ibrahim [[email protected]]