بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: « هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ» ..الآية هذا بلاغ للناس توطئة: حقاً أن أهلنا الطيبون لم يتركوا أمراً إلا وعالجوه بمثلٍ يدل على حكمتهم لتتعلم الأجيال من حصيلة تجاربهم في حال النوائب والشدائد مرورا بها وتعلموا منها الدروس والعظات لتنقل إلى الأجيال التالية والأمثال سيّارة لا تتوقف ولا تحتكر لنرجسية في نفسٍ أنانية . بالطبع، لا يجد القراء الأعزاء صعوبة إذا ما حدّقوا بأعينهم قليلاً إلى أعلى لقراءة العنوان كرة ثانية لمعرفة أسباب استصحابه والذي سناتي على ذكره فيما يلي. وسيدنا الإمام الحبيب – جزاه الله خيراً- طفق يتجول مكوكياً في قاهرة المعز لجسر الهوة بين أحزابها المعارضة العلمانية والليبرالية والشيوعية والقومية وبين حزب العدالة والتنمية الاسلامي الحاكم بُعيد إصدار الرئيس مرسي الاعلان الدستوري الأخير، ويبدو لي من تصريح سيدنا الامام الحبيب مؤخراً أن نتائج وساطته الكريمة يمكننا توصيفها بأن "الجبل تمخض ولم يلد حتى فأراً" ، ولكن يكفيه شرف المحاولة وتسليط الأضواء عليه وعلى مبادرته اعلامياً!! ، وقد أتيت بهذا المثل موضوع العمود بعد أن قرأت تصريح الإمام الحبيب حول دعوة " قوش" له لقيادة البلاد بعد أن شبّه الوضع في مصر بما يجري في السودان وأنقل إليكم نص تصريحه:[الأمور في مصر لم تعد بعيدة عما هو عليه الوضع في السودان]، وهذا ما استوقفني وحفّزني للكتابة اليوم!!. ومع إني طرحت أولاً على نفسي سؤالاً يفترض توجيهه ل" قوش" لنسمع منه الإجابة على اعتبار أن " الغنى حلو في خشم سيدو"، إن كان يعتقد أن الإمام الصادق هو فعلاً رجل المرحلة الذي يمكن أن يقود البلاد لأنها "بلا راس" وأن حواء السودان المنجابة لم تنجب غيره فريداً لعصره لقيادة البلاد والعباد لمقدراته الفذة، رغم أن الشعب منحه في السابق فرصة حكمه مرات ثلاث!! المتن: من يقرأ بين سطور تصريح الامام الحبيب لا بد وأن تتبادر إلى ذهنه بعض الأسئلة والاجتهاد في محاولة للإجابة عليها، فالسؤال الأول الذي يفترض أن يطرح إن كان فهمنا لتصريح الإمام الحبيب صحيحاً : فهل يقصد الإمام الصادق أن هناك تشابهاً بين ما يحدث الآن في مصر وبين الحالة السودانية ولنكون أكثر وضوحاً ونسمي الأشياء بمسمياتها، هل ما يعنيه الإمام هو أن الصراع المحتدم بين الأحزاب الليبرالية المصرية وبين حزب الحرية والعدالة الاسلامي الذي فاز في الانتخابات الرئاسية وآل إليها الحكم ديمقراطياً هي ذات الحالة السودانية؟! وللإجابة نحاول أن نستدعي تاريخ السودان القريب الذي كان الإمام أحد أركان وصنعه، حينما أعلن الرئيس نميري - رحمه الله - أحكام الشريعة في السودان، هل عارضها الإمام الصادق؟! وبعد سقوط نميري هل تجرأ المجلس العسكري بقيادة المشير الزاهد عبدالرحمن سوار الدهب على إلغاء العمل بأحكام الشريعة؟! وهل عندما آل الحكم للإمام الصادق في فترة الديمقراطية الثالثة شمر عن ساعديه وألغى أحكام الشريعة رغم أنه أعلن أن أهم أولوياته هي إزالة آثار حكم نميري؟! أليست الشريعة هي أهم أثار حكم نميري؟! فلماذا لم يفعل؟!! هذا هو السؤال المحير الذي لم نجد له إجابة حتى الآن رغم أن الإمام الصادق حاول تبرير "الحكم الاسلامي" في السودان بمصطلحٍ جديد ضمن مصطلحاته العديدة والتي كانت دائماً مثاراً للجدل عندما قدح بأن حكم الانقاذ ليس "إسلامياً بل إسلاموي"، فشرح وأطنب فيما يعني بالمصطلح الذي رد عليه البعض بقولهم " آلا يعتقد الإمام أن أحكام الشريعة هي من الثوابت المنزلة نصوصها من السماء ولا تبديل لحكم الله؟!" إذن الواجب تطبيقها، فماذا نطلق على أي نظام أتى أو يأتي لتطبيقها يطلق عليه الإمام مصطلح نظام "إسلاموي" وليس "إسلامي"؟!! أم مثل هذه المصطلحات من ضرورات المرحلة بعد أن مسك الغرب بتلابيب ومصائر الشعوب وإعلانه معاداة " الاسلام ومحاربته ولا بد من مقاربات مصطلحية تقربنا منه؟! هل توجس خيفةً حينما كان الإمام الصادق في سدة الحكم من إلغاء قوانين الشريعة ؟! لماذا لم يُقْدِم على هذه الخطوة وأهم أولوياته كان "إزالة آثار نميري" - وقد مُنح النميري حق اللجوء في مصر وتوترت علاقات الإمام بمصر لأنها لم تسلم له النميري- فما كان أسهل عليه إصدار قرار بإلغاء أحكام الشريعة لأنها فعلٌ مريب قام به نميري خاصة أن بيد الإمام زمام السلطة، إذ أن رئيس في النظام البرلماني يمتع بكافة الصلاحيات الدستورية والتنفيذية؟! فهل كان يخاف من أن ينفضّ الناس من حوله وأولهم كيان الأنصار؟! ألم تكن هناك أحزاب وتنظيمات علمانية سودانية معارضة لأحكام الشريعة فلماذا لم يسترضيها؟! ولماذا لم ينزل آنذاك عن رغبتها الملحة ويلغي أحكام الشريعة؟!! وهل إن حدث وحشدت يومها المعارضة الليبرالية السودانية قواعدها ومناصريها وأتباعها بمخلف ألوان طيفها وتوجهاتها الايدلوجية وتظاهرت واعتصمت ضد حكمه مثلما فعل الليبراليون الآن في مصر مع حزب الحرية والعدالة؟! ، وكيف كان سيتصرف الإمام الصادق؟!!. ألم يكن السيد الصادق هو يكن قد تحالف والإسلاميين من الجمعية التأسيسية عقب ثورة أكتوبر، حتى تمّ طرد النواب الشيوعيين المنتخبين ديمقراطياً لأنهم ملحدين وقد قدحوا في الدين ؟! واليوم علينا أن نتساءل إن كان الامام قد (تَعِلْمَنَ ) أم (تأسلم) حلفائه الليبراليون؟! الحاشية: وبعد كل ما ذكرت لا بد أن أدخل لسبر غور التصريح التال" القنبلة" الذي فجره الإمام وهو في مصر يقوم بمساعيه الأريحية الحميدة للتوسط بين المعارضة الليبرالية وحزب الحرية والعدالة الحاكم في مصر: [أن قوش عند زيارته له في منزله وتناوله طعام الغداء معه في ذات اليوم الذي تم إعفاؤه من مستشاريه الأمن قال له ( النظام بلا رأس تعال قودنا )، مؤكدا أن النظام عملياً سقط منذ الأحداث الاحتجاجية التي شهدتها البلاد في شهري يونيو ويوليو من هذا العام، وأنهم في حزب الأمة يمدون جسور التواصل مع المجموعات الشبابية داخل المؤتمر الوطني لإسقاط النظام، وقال إن الأسرة الدولية باتت على قناعة بضرورة تغيير النظام لكنها تبحث عن بديل يحقق السلام والاستقرار في المنطقة بما يعزز العلاقة بين الشمال والجنوب. ] إنتهى هل يريد الإمام أن يقنعنا بأن في ذات اليوم الذي أعفي فيه "قوش" من منصبه هرول لمنزل الإمام لتناول طعام الغذاء، أي أن " قوش" تحول إلى معارضٍ للنظام وانضم لحزب الأمة لذا طلب من الامام ليتولى قيادة البلاد وإلا فما معنى " النظام بلا راس تعال قودنا"؟!!. أي شخصية دستورية أو تنفيذية حينما تعفى من منصبها تذهب لمكتبها لجمع أغراضها الشخصية فمتى تسنى " لقوش" جمع أغراضه الشخصية إلا إذا جمعها وتوجه فوراً إلى منزل الإمام واستنجد به "لتولى القيادة"، والحلة هذه أحسب أن الإمام ليهدئ من حماسة " قوش" فدعاه لتناول الغداء؟!! الشيء الآخر الذي يجعلني أستغرب تصريح الإمام لأنه عندما أقيل " قوش" تم تعيينه مستشاراً للرئيس كما أنه معروف بأنه أحد أركان النظام الحكم، فكيف يستسيغ العقل تقبل هذه الرواية؟! السؤال الذي لا بد كان أن يسهب ويطنب الإمام في الاجابة عليه وهو إن كان" قوش" قد ذهب لمنزل الامام قبل أو بعد تعيينه مستشاراً فور إعفائه؟!!.. أسئلة كثيرة لا بد وأن تدور برأس أي محلل يقرأ تصريحات الإمام الصادق التي تلازمت وتزامنت مع مساعيه للوساطة في مصر خاصة حينما لم يتوفق في مساعيه فحاول أن يربط بالتشابه بين ما يحدث في مصر وما حدث في السودان من محاولة تخريبية أو انقلابية فكلاهما في النهاية خروج عن الشرعية الدستورية حتى وإن إختلفت المسميات وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع منفذيها أو مع النظام!! الهامش: الآن قوش ومن معه يفترض أنهم في عهدة العدالة بلا حول ولا قوة لهم ، وبالتالي يمكن لأي شخص أن يدعي عليهم ما يدعيه سواء بالحق أم الباطل- وليس هذا دفاعاً عن قوش - بقدر ما هو محاولة لسبر غور تصريحات الإمام والتي قادتنا لإعمال العقول حينما نستدعي الأحدث منذ لحظة إعفائه وتعيينه مستشاراً للرئيس. لكني بدلاً من أن أجد إجابات على تساؤلات أدلةٍ ظرفية، حدث العكس لينتج عنها مزيد من التساؤلات التي لا يستطيع إلا الإمام الصادق إماطة اللثام عن غموضها. والسؤال الأهم لماذا صمت الإمام كل هذه المدة منذ يوم إعفاء" قوش" ولم يتحدث إلا اليوم ومن القاهرة؟! وهل كان الامام يعلم بالمحاولة " الانقلابية" وأن علاقته مع " قوش" امتدت وتوطدت منذ يوم الغداء في بيت الإمام وهو اليوم الذي أُعفي فيه " قوش" من منصبه؟! هل كان سفر الإمام الصادق والدكتورة مريم قبل حدوث الحركة التي وصفها ب "الانقلابية" وبقائه في مصر وتوسطه بين الليبراليين والاسلاميين مجرد محض صدفة ؟!!. ليت الامام التزم الصمت حتى لا تثار حول تصريحاته الكثير من التساؤلات؟!! أعتقد أن الحكومة ستلتزم بتعهداتها وكفالة حرية التعبير وعدم اعتقال أي رمز حزبي ربما يريد أن يجر رجل الحكومة لتعتقله من واقع حساباته الخاطئة بأن الوقت هو الأنسب للخروج من المعتقل إلى سدة الحكم!! قصاصة: من حسن إيمان المرء أن لا يكتم الشهادة وأن الإدلاء بالشهادة أمانة وعهد مع الله ويكون الادلاء بها أمام الادعاء العام وليس مكانها صفحات الجرائد والاعلام. وقد أنزل الله تعالى في شأنها قرآناً بقوله الحق:[ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالاَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاَللَّه أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ].. و قَالَ ربنا جلّ في علاه : [وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَة وَمَنْ يَكْتُمهَا فَإِنَّهُ آثِم قَلْبه وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم].. من أهم الصفات الحميدة التي تميز الشعب السوداني أنه يتقي الله ولا يستغل مواقف الضعف ليظهر بطولاته لذا كان المثل الساري [ التور كان وقع بتكتر سكاكينو]!! اللهم أرزقنا قول كلمة الحق. (حديث مرفوع) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو سَعِيدٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ ، عَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ ، قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ ، أَوْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أَنْ أُظْلَمَ ، أَوْ أَنْ أَجْهَلَ أَوْ أَنْ يُجْهَلَ عَلَيَّ " . أمين يا رب العالمين!! عوافي.. Abubakr Yousif Ibrahim [[email protected]]