تيسير ادريس [[email protected]] (1) العقلية "الاخوانية" شمولية تؤمن إيمانا راسخ بان الوصول للأهداف السياسية وإحداث التغييرات الاجتماعية التي تنشدها لا يتم إلا بالسيطرة المطلقة على مفاصل الدولة وجميع منافذ اتخاذ القرار وإقصاء الآخرين لتتأتى عملية إعادة صياغة المجتمع وفق رؤيتها الأحادية وهي في مسعاها لذلك تجيز استخدام كافة الوسائل بما فيها القوة الغاشمة بحجة أن الضرورات تبيح المحظورات وبهذا الفهم عينه انقلبت على السلطة الشرعية في ليلة 30 يونيو 1989م ونسفت النظام الديمقراطي الحاكم في السودان وتحاول اليوم إجهاض الثورة المصرية بنفس المسوغات. (2) فالعقل الجمعي "للإخوان المسلمين" مؤسس على النفور من مبدأ المشاركة والحوار وبعيد كل البعد عن روح وجوهر الديمقراطية أما أمر "الشورى" التي يتشدق بها البعض فهي مجهضة في نهج الجماعة بحكم الهيكلية التنظيمية الحاكمة والمتحكمة في عقل "الأخ المسلم" المحاصر بمنهج يكرس للطاعة العمياء التي تصيغ الضمير الجمعي الخاضع بدوره للمرجعية "البابوية" ذات الحصانة والسلطة المطلقة المستمدة مباشرة من السماء لذا نجد "الإخوان" متطابقين في الجوهر ومتشابهين في السمات والمظهر والجميع يسعى لتجسيد صورة المرشد العام والتشبه به في حالة من الاستلاب المقزز. (3) وهي عقلية أعطبها الكبت وكثرة التابوهات التنظيمية فغرقت في النرجسية تتوهم التمييز، وفي سعيها لإقامة "المثال" وتثبيت أركان الدولة الفاضلة لا تراعي حقائق الواقع الماثل ولا تحترم الأعراف الاجتماعية والتقاليد الموروثة وترى أنها جاهلية ويجوز الانقلاب عليها وهدمها ولو أدى ذلك لزلزلة استقرار المجتمع ،ثم أنها أنانية لا ترى غير نفسها وعلى قناعة بأنها مبعوثة العناية الإلهية لإنقاذ البشرية حتى إن لم يكن في جعبتها ونتاجها الفكري برامج لمعالجة معضلات الواقع وتلك هي المفارقة المحزنة التي سقطت فيها بعد استيلائها على السلطة في السودان وجره لمتاهات التجريب في عالم تحسب فيه الدول خطواتها السياسية بميزان الذهب. (4) ويرى الجميع ويتعجب من التناقض الحاد بين الشعار والممارسة في حياة "الإخوان" والذي مرده حالة الانفصام الذي يعانيه "الأخ المسلم" وهو يأمر الآخر بالبر وينسى نفسه بالإضافة لضعف أدوات التحليل العقلي بحكم رسوخ النهج الماضوي وتجزره في العقلية المستلبة التي تؤمن بأنها تمتلك مفاتيح الحكمة والحقيقة المطلقة وتمتاز دون غيرها بقدرات خارقة تؤهلها لان تكون حسيبا رقيبا على المجتمع. وبسبب هذه الأوهام والإفراط في تضخيم الذات يصاب "الإخوان" بلوثة "راسكولينوف" بطل رواية "الجريمة والعقاب" للروائي الروسي فيدور دستويفسكي وما نشهده اليوم من عنجهية قيادات النظام الحاكم ما هو إلا تجسيد حي لتلك لحالة المرضية ونافع وإخوانه من قيادات نظام "الإنقاذ" ما هم إلا "راسكولينوف" آخر. (5) فمثلما زينت العقلية المعتلة "لراسكولينوف" تقسيم البشر لنوعين نوع عادي يجب عليه العيش في هدوء والانصياع والالتزام بالقوانين وآخر ذو مقدرات خاصة وخارقة يقع على عاتقه مهمة "إنقاذ" البشرية وتنفيذ المشاريع العظيمة ويجوز له في سبيل تحقيق هذه الأهداف النبيلة القفز فوق الأعراف وكسر القوانين وارتكاب الجرائم زينت "اللوثة" نفسها لقيادات "الحركة الإسلامية" الانقلاب على السلطة الشرعية في السودان عام 1989م وأحلت لهم ما اقترف من جرم وآثام حتى الآن. (6) فالعقل الذي ينشأ في أجواء من الكبت والتوجيه العقدي المتزمت يجد نفسه غريبا خارج دائرة الجماعة وعاجز عن التعاطي مع المجتمع والأفكار المخالفة ،فيتعذر عليه إدارة حوار حضاري مع الآخر المصنف تلقائيا ملحد أو زنديق وهذا ما يفسر سلوك "الأخ المسلم" العنيف واتخاذه الأسلوب ألتناحري الهادف لنفي المخالف نفيا مطلقا في الصراع السياسي وبهذا النهج المغالي والمشاكس جر المجتمع الطلابي برمته لدائرة العنف وفسدت أجواء الصراع الفكري ليتحول التنافس الحضاري للرؤى والبرامج في دور العلم لتناطح مبتذل بالسيخ والأسلحة البيضاء. (7) هذا النهج الغارق في المسلمات المحاكة على مقاس الفهم السلفي لقضايا العصر يسد منافذ التلاقح الثقافي ويضيق من فرص التعاطي الايجابي مع الواقع وينسف أسس الحوار الذي يمكن أن يسير دفة الحياة العامة في سلاسة وينزع عنها سمة التشنج. فالعقلية المتزمتة وما تنتجه من برامج إقصائية تحول دون التفاف المجتمع حول برنامج وطني ومشروع نهضوي ولا تعطي الفرصة لتجانس مكونات المجتمع وانصهارها في بوتقة واحدة، وذلك بإعاقتها للاتفاق على طبيعة الهوية الوطنية وهو شرط أساسي لاستنهاض همة أبناء الأمة وتحصين الوطن ضد اختراقات الأعداء، مما يدفع المرء اليوم للشعور باليأس والقنوط من فداحة المأزق الوطني وصعوبة الخروج منه. ** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون. تيسير حسن إدريس 06/12/2012م