بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس توطئة: كثيراً ما نسمع بعض قادة المعارضة ومنهم من يقترن اسمه بصفة الإمامة ، والامامة تعني قيادة فئة لتوافر اشتراطات القدوة الحسنة فيه، والقدوة الحسنة من الائمة هي من طبّق الشريعة على نفسه أولاً واتبع هدي وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ما نشاهده ونسمعه ونقرأه عبر وسائل الاعلام أن البعض يزعم أنه يصدع عبرها بالنصيحة والتي أصبحت توظف العلن كأداة للمكايدات السياسية وهذا لعمري عوار عظيم في توظيف النصيحة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها " دين" في غير مقاصدها التي أُصّلت من أجلها، وعن جَرِير بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» البخاري ، النَّصِيحَةُ في اللغة يُقَال نَصَحَ الشَّيْء إِذَا خَلُصَ، وَنَصَحَ لَهُ الْقَوْل إِذَا أَخْلَصَهُ لَهُ أَوْ مُشْتَقَّة مِنْ النُّصْح، وَهِيَ الْخِيَاطَة بِالْمِنْصَحَةِ وَهِيَ الإِبْرَة، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَلُمّ شَعَث أَخِيهِ بِالنُّصْحِ كَمَا تَلُمّ الْمِنْصَحَة، وَمِنْهُ التَّوْبَة النَّصُوح، كَأَنَّ الذَّنْب يُمَزِّق الدِّين وَالتَّوْبَة تَخِيطهُ انظر فتح الباري ، وَقِيلَ إِنَّهَا مَأْخُوذَة مِنْ نَصَحْت الْعَسَلَ إِذَا صَفَّيْته مِنْ الشَّمْع، شَبَّهُوا تَخْلِيصَ الْقَوْل مِنْ الْغِشّ بِتَخْلِيصِ الْعَسَل مِنْ الْخَلْط انظر شرح مسلم النَّصِيحَةُ في الاصطلاح: قَالَ الإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّه النَّصِيحَة كِلْمَة جَامِعَة مَعْنَاهَا حِيَازَة الْحَظّ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، وَهِيَ مِنْ وَجِيز الْكَلاَم، بَلْ لَيْسَ فِي الْكَلاَم كِلْمَة مُفْرَدَة تُسْتَوْفَى بِهَا الْعِبَارَة عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَة (المصدر فتح الباري)!! المتن: و نستشهد بالقرآن بآية من الآيات التي نزلت في شأن النصيحة وهي عديدة إذ قال تعالى على لسان نوح عليه السلام:[ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ الأعراف ، وقال تعالى على لسان هود عليه السلام أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ الأعراف ، وقال تعالى على لسان صالح عليه السلام بعد إهلاك قومه فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ الأعراف ، وقال تعالى على لسان شعيب عليه السلام بعد إهلاك قومه أيضاًً فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ] الأعراف ، وكثيراً ما نسمع عن الساسة ومنهم أنهم يدعون مناصحة أولياء الأمور عبر الفضائيات و ويحشد لها كل وسائل الإعلام من أحزاب وتنظيمات معارضة تعارض أو موالية تنتقد وتدبج وتزين مقالها على أنه نصيحة للحاكم. فشتان بين النصيحة التي هي في العلن فضيحة وبين النصيحة والتناصح المجرد عن الهوى والغرض التي تتبع فيه مقاصد الشريعة والسنة النبوية. نعم ، النصح أو النقد مطلب شرعي وهدي نبوي ينبغي ألا تضيق به الصدور ولكنه لابد له من آداب وضوابط منها : أن يكون المقصود به وجه الله تعالى لا الاستعلاء على المنصوح، أو التعالي، أو ادعاء الغيرة على الدين . أن يصدر عن محبة للمنصوح، وشفقة عليه، ورأفة به لأنه نابع من شعور نبيل لا يهدف إلى انتقاص القدر أو إرادة التجريم، أو القصد إلى التجريح. أن يكون بأسلوب حسن وحكمة بالغة، وما دخل الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه. أن يؤسس على علم شرعي، ومعرفة بالواقع ومراعاة للظروف والأحوال فلا مجال للنقد بالهوى أو الذوق، أو بمقتضى العرف والعادة المخالفة للشرع. أن يضبط بالتثبت والتحري فلا تسرع، وأن يسبق بحسن الظن فلا اتهام، وأن يرافقه التماس العذر والإعانة على التغيير دون التشنيع أو التغيير. أن يكون خاصاً بالمنصوح مقتصراً عليه في حالة وقوع الخطأ مخصوصاً ومستوراً، فإن فشا الخطأ ودعت الحاجة إلى إعلان النقد والجهر بالنصح، فليكن على منهاج النبوة "ما بال أقوام " وقليلة هي الحالات التي يتعين فيها التحديد والتفصيل. الحاشية: يحضرني من محاضرة للشيخ الدكتور عائض القرني إيجازه لآداب النصيحة إذ حدد عناصرها بأن أول عنصرٌ هو الإخلاص لأنها من آداب النصيحة ، ثم الستر وعدم التشهير من آداب النصيحة وحسن القصد في النصيحة من آدابها، ث اللين في النصح، وبالتالي الإسرار بالنصح في موضعه، والعمل بالنصيحة، ثم التثبت مما تنصح من، ثمّ الصبر على الأذى في النصيحة، و إنزال المسائل منازلها ولا بد من معرفة حال المنصوح . كما أن منهج السلف في إسداء النصح للحكام أي ولاة الأمور، من كتاب ظلال الجنة / باب كيف نصيحة الرعية للولاة أورد لكم هذا الحديث : [عن عياض بن غنم قال لهشام بن حكيم: ألم تسمع يا هشام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "من كانت عنده نصيحة لذي سلطان؛ فليأخذ بيده فليخلوا به، فإن قَبِلها قبلها، وإن ردها كان قد أدى الذي عليه] .صححه الألباني. وقال ابن جماعة عن حقوق ولاة الأمور في كتابه "تحريم الأحكام في تدبير أهل الإسلام": "ردُّ القلوب النافرة عنه إليه، وجمع محبة الناس عليه، لما في ذلك من مصالح الأمة، وانتظام أمور الملة، والذب عنه بالقول والفعل، وبالمال والنفس والأهل، في الظاهر والباطن والسرية والعلانية". قلت: ومن الحِكم ما قيل قديمًا: "سلطان غشوم خير من فتنة تدوم"، وقيل: "ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان" الهامش: مَن مِن أئمتنا الذين يزعمون أنهم يصدعون بالنصيحة جهراً للحاكم من تخيل إن كان من يحكمنا هو السفاح أبو جعفر المنصور الذي قال قولته الشهيرة " من اتهمته فأقتله" لمجرد الشك لمجرد، وهو كان لا يقبل أن ينتقد أو يناصح حتى في السر فما بالك بالعلن فيكفي في عهده – كما ذكرت ت مجرد الشك لتطير الرقاب، ومن منا لا يذكر مصير ابن المقفع الذي لقي مصرعه في أبشع ميتة ، حيث وثق بالحبال ثم انهالت عليه سكين جزاره تقطع في لحمه وتلقي بها في النار أمام ناظريه!!. إن المسئولية الأخلاقية ترغم صاحبها إن كان حسُن المقصد بأن يتبع الأصول الشرعية وهدي نبينا في والخلفاء الراشدين والتابعين والسلف الصالح لإسداء النصيحة والتناصح. بعض الأئمة الساسة يحدثنا هذه الأيام علناً عن تناجيه بالإثم والعدوان، ولا مندوحة عنده من أن يبدي تستره على ما حدث من الأحداث الأخيرة حسبما يتضح من أحاديثه وتصريحاته " الاسهالية" بالتالي أنه إن لم يكن ضالعٌ فيها لما كان قد كتم الشهادة ليؤثم قلبه ، كيف وقد رأى المنكر رأي العين وأقر بأنه وتناجى مع أحد الخارجين على الشرعية؟!. لا مندوحة من ذكر أسباب قتل ابن المقفع، فهناك رأي عن أن سبب مقتله يعود إلى المبالغة في صيغة كتاب الأمان الذي وضعه ليوقّع عليه أبو جعفر المنصور، أماناً لعبد الله بن عليّ عم المنصور. وكان ابن المقفع قد أفرط في الاحتياط عند كتابة هذا الميثاق بين الرجلين (عبد الله بن علي والمنصور) حتى لا يجد المنصور منفذاً للإخلال بعهده. ومما جاء في كتاب الأمان: إذا أخلّ المنصور بشرط من شروط الأمان كانت "نساؤه طوالق، وكان الناس في حلّ من بيعته"، مما أغاظ المنصور فقال: "أما من أحد يكفينيه"؟ وكان سفيان بن معاوية يبيّت لابن المقفع الحقد، فطلبه، ولما حضر فيّده وأخذ يقطعه عضواً فعضواً ويرمي به في التنور!! ، فالحمد لله الذي يحمد على نعمائه التي لا تحصى ولا تعد أن قيض لنا من الحكام من يتحمل هرف الأئمة وهم يصولون ويجولون عبر الفضائيات ويصرحون بأنكى المكايدات والمزايدات ويدّعون أنها النصيحة!! قصاصة: أقر الغرب علناً أنه سيقوم بتنفيذ استراتيجية الفوضى الخلاقة التي وعد بتطبيقها حتى يستطيع إعادة تشكيل الشرق الأوسط ببديل أسمته كونداليزا رايس "الشرق الأوسط الجديد"، فاخترق الغرب ثورات الربيع العربي ، لبث الفتن والضغائن والأحقاد بين الشعوب الإسلامية و ليسقط من انتخبوا من المخلصين لإلهائهم عبر العلمانيين الذين فشلوا في الحصول إلا على النذر غير المؤثر في كل انتخابات جرت في دول الربيع العربي، وبدأ الاختراق بتمويل العلمانيين، وإقامة المنابر الإعلامية لهم من قنوات فضائية وصحف، ثم بدأت مرحلة أخرى هي اختراق حتى بعض الاسلاميين لجرهم لحروب طائفية مدمرة لها بداية وليس لها نهاية ، وبتأجيج الخلافات بين المذاهب والمعتقدات الدينية والسياسية الصالح منها والطالح ، والهدف تدميرها وسفك دماء المسلمين بعضهم بعضا ، ولنهب ثرواتهم والتحكم بمواقع بلادهم الاستراتيجية دون أن يفقدوا الكثير من جنودهم كما حصل لأفغانستان والعراق وليبيا ، ولم ولن تفتر همتهم بعدم السماح للمسلمين بنجاح أي ثورة من هذه الثورات وحصول شعوبهم على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان الصحيحة ، التي يتمناها كل مسلم عربي أو أعجمي ، لأنها كما يعتقدون أنها يجب أن تقتصر فقط على بلادهم وشعوبهم ، وقد استعمروا بلاد المسلمين مئات السنين فرسخوا الجهل ومنعوا تقدمهم وتطورهم صناعياً وثقافياً ، وعدم السماح لهم بامتلاكهم الأسلحة المتطورة للدفاع عن سيادتهم ومقدراتهم، حتى لا تتوافر لديهم أدوات وسبل المنعة للدفاع عن أوطانهم فيسهل احتلالها، ليت النخب المعارضة والائمة خاصة يتعظون ويقدمون الوطن على ما سواه.. وللأئمة ولنا ولكل سوداني مليون ألف عوافي !!. Abubakr Yousif Ibrahim [[email protected]]