الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    البرهان : " لايمكن أن نرهن سيادتنا لأي دولة مهما كانت علاقتنا معها "    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    "مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان يكشف عن انتهاكات خطيرة طالت أكثر من 3 آلاف شخص"    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا لذاك الزمان: الأناشيد القديمة .. بقلم: د. عبدالله محمد سليمان
نشر في سودانيل يوم 09 - 12 - 2012

لماذا لا تخلد القصائد والأناشيد التي تدرس لأبنائنا وبناتنا في مدارس الأساس هذه الأيام مثلما خلدت وبقيت في ذاكرة الأجيال المتعاقبة التي تلقت في بداية مرحلة التعليم العام تلك النصوص الشهيرة التي درسناها؟ بعد كل هذه السنوات الطوال لا يكاد أحدنا يذكر مطلعا من مطالع تلك النصوص الباقية في أي محفل من المحافل إلا ويكمل زملاؤه ومجايلوه القصيدة أو النشيد كاملا ، وقد يؤدونه بلحنه نفسه الذي كان معروفا في كل المدارس على امتداد السودان الواسع.من من جيلنا لا يذكر كتاب الأناشيد والمحفوظات للسنة الرابعة الأولية الذي أقرته شعبة اللغة العربية ببخت الرضا وقام بنشره دار النشر التربوي وصدرت طبعته الأولى عام 1949م؟ جاء في مقدمة التلميذ لذلك الكتاب ( أيها التلميذ المجد: لاشك أنك قد قرأت كتابك "الأناشيد والمحفوظات الجزء الثالث" ، وحفظت وأنشدت كثيرا من قصائده.وهذا كتابك الجديد جمعنا لك فيه عشرين قصيدة ألف بعضها شعراء من مصروأثنتان من هذه القصائد تمثيليتان، يمكنك أن تمثلهما مع أصدقائك في المدرسة أو خارج المدرسة وكثير منها أناشيد ستعرف تلحينها الجميل من مدرسك الذي سيشرح لك كل الكلمات والمعاني التي تصعب عليك)
بهذه المقدمة المختصرة المفيدة يتضح أن المنهج في الأناشيد والمحفوظات في أولى عتبات التعليم العام – المدرسة الأولية حينذاك- كان يهتم بعدد من الجوانب.فهو لا يعنى بالحفظ وحده وإنما الإنشاد كذلك ولهذا ينبه الكتاب التلاميذ في هذه المقدمة لمعرفة التلحين الجميل لكل نص في المنهج.وهذا في الحقيقة هو دور المعلمين الذين كانوا يقرأون النص قراءة متأنية واضحة أولا ، وكنا نقرأ معهم فرادى وجماعة ومن ثم يشرحون الكلمات ويوضحون المعاني. بعدها ينشد المعلم القصيدة بصوت جميل فنتبعه بالإنشاد. ولم يكن المعلم ينسى أن يتيح لأصحاب الأصوات الجميلة من الطلاب فرصة أداء الأناشيد وقد يتبعهم زملاؤهم ليستعرض بذلك مهارات التلاميذ الفردية من جهة ، ويثبت النص في أذهان تلاميذه الآخرين فيحفظونه في أغلب الأحيان بأنتهاء الحصة من جهة أخرى.ويشتمل المنهج إالى جانب الأناشيد على تمثيليات شعرية ، ومقدمة الكتاب تدعو التلاميذ للاهتمام بالتمثيل مع زملائهم داخل الفصل كما تشجعهم على أداء هذه التمثيليات مع أقرانهم خارج المدرسة.وهذه فرصة أخرى لتنمية ملكات التلاميذ التمثيلية والمسرحية . ولا شك أننا استفدنا كثيرا ونحن نعيد تمثيل هذه النصوص الشعرية خارج المدرسة في أماكن السكن وأندية الأحياء وغيرها.
وجدير بالملاحظة أن لكل نص من نصوص ذلك المنهج في الأناشيد والمحفوظات فكرة محورية ، يدل عليها عنوان النص.فمن منا لايذكر "نشيد الصباح" أو "الله" أو "النيل" أو "صديقنا منقو" أو "يا كنار "أو"الوردة" أو "نداء الجيل": أو "المذياع" إلى غير ذلك من النصوص الخالدة التي يتناول كل منها فكرة أو قيمة أو مجموعة من قيم الحياة ترسخت في الأذهان بفضل جهود معلمينا الأفذاذ وتلك الألحان الأثيرة التي تميز كل نص منها وذلك الإنشاد البديع الذي كنا نؤديه فرادى أو جماعات. لهذ ليس مستغربا أن بقيت هذه الأناشيد في الذاكرة ما زلنا نذكرها بنصوصها وألحانها.
مثله مثل كل المناهج عندما كان التعليم في بلادنا يحظى باهتمام كبير ويتوفر عليه ذوو التأهيل والخبرة والدربة من أفذاذ التربويين، كان منهج الأناشيد والمحفوظات للمرحلة الأولية وبصورة خاصة في الصف الرابع في زمان مضى كما ذكرنا ، كان يقوم على فلسفة تربوية محددة . تستهدف تلك الفلسفة التربوية توصيل معارف وأفكار وقيم معينة للتلميذ ، وترمي لتنمية مهارات منها الحفظ وتجويد فنون القراءة والإلقاء والتلحين والإنشاد والتمثيل والأداء المسرحي لبعض نصوص المنهج . وفي الوقت الذي كان فيه المعلمون يهتمون اهتماما كبيرا بالأداء الجماعي في قراءة النصوص واستظهارها وإنشادها ، لم يكونوا يغفلون عن تشجيع القدرات الفردية للتلاميذ، وتنمية وتشجيع ذوي المواهب للقيام بقراءة النصوص وأداء الأناشيد أمام زملائهم.وقد كان هذا حافزا كبيرا لهم للأهتمام بمواهبهم في مقبل الأيام.ونستطيع أن ندلل على أثر هذه التربية الفريدة في تجربة عدد من الفنانين والمبدعين السودانيين ممن أفادوا من ذلك المنهج ، ومن الذين ظهرت مواهبهم وتجلت قدراتهم في مجال الغناء والمسرح والشعر وغيره من ضروب الأدب لاحقا ، ونعود بها إلى تلك البدايات في سنوات الصبا الباكر عندما كانوا تلاميذا وتعهدهم معلموهم بالرعاية والتشجيع . ولا شك أن الكثيرين منهم يشكرون لأولئك الأساتذة أن أتاحوا لهم الفرص أمام أقرانهم وفي المناسبات المدرسية المختلفة التي يؤمها الآباء وأولياء الأمور وغيرهم .
في ذلك الزمان لم يكن هذا الأمر قاصرا على أولى عتبات مرحلة التعليم العام وكانت تعرف بالمرحلة الأولية ( وهي الإبتدائية والأساس كما سميت فيما بعد) وإنما كان يمتد ويستمر في المرحلتين الوسطى والثانوية بنصوص مختلفة وبأساليب أخرى تنمي القدرات والمهارات ، بصورة تتناسب مع تقدم أعمار التلاميذ وتدرجهم في مراحل التعليم.وقد أشرنا في هذا المثال الذي اعتمدناه وهو منهج ( الأناشيد والمحفوظات للصف الرابع الابتدائي) إلى أن كل نص تم اختياره في المنهج إنما أختير بعناية ووفق رؤية تربوية ، ليقدم للتلاميذ فكرة محورية أو قيمة أو مجموعة من القيم.فنجد على سبيل المثال أن أول نص في الكتاب وهو ( نشيد الصباح) تدور فكرته حول الأمور التي ينبغي أن نفعلها كل يوم حين نصحو من النوم باكرا:نحن إن أشرق صبح نترك النوم ونصحو/ ثم نمضي فنصلي إن تقوى الله ربح/ونحيي أبوينا فرضا الآباء فتح/ولدار العلم نسعى وإلى العلياء ننحو/ ولنا كل صباح أمل في الله سمح.
لست متأكدا إن كان هذا النشيد ما زال في منهج مرحلة الأساس ، وأرجو مخلصا ألا تكون قد طالته بالحذف يد التربويين الجدد.فمهما يكن من شئ لن يقنعني أحد بأي نص بديل لهذا النشيد البسيط في عبارته ومفرداته وسلاسة معانيه ليكون في مقدمة كتاب الأناشيد والمحفوظات لتلاميذ في الفئة العمرية بالصف الرابع. ما زلت أعتقد أن الأمور التي نص عليها وبالترتيب الوارد في النشيد هي ما نريد تعريف أطفالنا بها.ولئن كانت فاتحة المنهج هي هذه المجموعة من المعاني والقيم التي تلخصها هذه الأبيات القليلة لنشيد الصباح ، فإن في بقية الأناشيد والمحفوظات التي اشتمل عليها المنهج غير قليل من المعاني والأفكار والقيم التي يعرضها للتلاميذ في إطار متنوع وبديع مما سنستعرضه في فرصة لاحقة.
يا لذاك الزمان: الأناشيد القديمة .. بقلم: د. عبدالله محمد سليمان
(2-2)
د.عبدالله محمد سليمان
بأسلوبه التربوي الفريد يمضي منهج الأناشيد والمحفوظات للصف الرابع في ما كان يعرف بالمدرسة الأولية، في تقديم النصوص لناشئة التلاميذ.نصوص تم اختيارها بعناية ، يهدف كل منها لتعريفهم بمعانٍ وأفكار معينة ولغرس مجموعة من القيم والفضائل في نفوسهم.فبأسلوب سلس وطريقة هادئة فيها عفوية محببة بعيدة عن التكلف والعسف الذي نشهده اليوم ، كان يتم تقديم الواجبات الدينية من خلال تلك الأناشيد إضافة لما يتلقاه التلاميذ في منهج الدين .يعرف التلميذ مثلا من خلال نص "نشيد الصباح" ، أن عليه أن يصحو باكرا وأول ما يفعل الصلاة لأنها من تقوى الله. ثم يقوم بواجب تحية الوالدين ويسعى من ثم للمدرسة لينهل العلم النافع الذي يعينه للتطلع للعلياء ، ويملأ نفسه بالأمل في المستقبل الواعد.وفي نشيد "الله" يدعو المنهج التلاميذ للتفكر في خلق الله :أنظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة / كيف نمت من حبة وكيف صارة شجرة؟ ثم يدعوه للتأمل في الشمس التي تشرق كل صباح: وأنظر إلى الشمس التي جذوتها مستعرة / فيها ضياء وبها حرارة منتشرة؟ ويدعوه للتساؤل : من ذا الذي أوجدها في الجو مثل الشررة؟ ثم يدعوه للتأمل في الليل والتساؤل أيضا: وأنظر إلى الليل فمن أوجد فيه قمره/وزانه بأنجم كالدرر المنتثرة؟وكذلك يدعوه للتأمل في الغيم والسحاب: وأنظر إلى الغيم فمن أنزل منه مطره/ فصير الأرض به بعد أغبرار خضره؟
ثم يأتي النص في الخاتمة للإنسان نفسه: ويدعو التلميذ للتأمل والتساؤل: وأنظر إلى المرء وقل من شق فيه بصره/ من ذا الذي جهزه بقوة مفتكره؟ ولا يترك المنهج في هذا النص البديع التلاميذ إلا بعد ترسيخ حقيقة كبرى ، وهي أن الله تعالى هو الخالق المدبر، فتأتي نتيجة تأملهم لخلق الله وتساؤلاتهم حول من أوجدها بحقيقة ما يقرره النص: ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة / ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة ! ولن يغيب عن فطنة القارئ الكريم أن هذا الأسلوب لا يقف فقط عند تقرير هذه الحقيقة الكبرى إزاء الخالق العظيم ، وإنما تكمن فيه قيمة أخرى هامة وهي تدريب ناشئة التلاميذ على أهمية التأمل والتفكر في كل ما حولهم وطرح التساؤلات للوصول للحقائق وليس الاعتماد فقط على التلقين.
ونص آخر يستوقفنا في أسلوب منهج الأناشيد والمحفوظات لتقديم القيم الدينية لناشئة التلاميذ في تلك المرحلة وهو نشيد "الخالق" الذي يبدأ بالتساؤل أيضا: من مد للطير جناحيه فطار/ يلتقط الحب يغذيه الصغار؟ والنحل من علمه رشف الزهر/ يخرجه شهدا شهيا يدخر؟ من ألهم الحنان قلب البقرة/ حتى غدت لعجلها مسخرة؟ من ذا الذي علم ذا الدود الحقير/ أن يصنع الريق خيوطا من حرير؟ وبعد أن يستغرق التلاميذ في التأمل والتفكر في كل ما تصنعه هذه المخلوقات التي يعايشونها في بيئاتهم المختلفة، وتدور هذه التساؤلات في رؤوسهم وهم يبحثون عن الإجابة يأتيهم النص مؤكدا لها: هذا صنيع الله رب العالمين؟ وخالق الإنسان من ماء وطين! وبهذه التأملات والنفحات الإيمانية التي يسوقها المنهج بهذا الأسلوب المتفرد الرزين الهادئ وبجهود أساتذتهم الأجلاء ، يتهيأ التلاميذ لتلقي جماليات الكون ومباهجه. فما دام الخالق هو الله فلا شك أنهم سيبتهجون وهم يطالعون ويحفظون مناجاة أستاذنا الكبير ضرار صالح ضرار حفظه الله في أنشودته الرائعة " يا كنار": يا كنارا قد تغنى في القفار/ ينشد الألحان آناء النهار؟ في حقول القطن زاهي الإخضرار ! كما أنهم سيسعدون وهم ينشدون بذلك اللحن الخفيف المتوثب نص الشاعر محمد الراوي "الوردة ": يا وردة نبتت على غصن جميل ناضر/ ما أنت إلا بهجة ومسرة للناظر/ فيك الندى كالدر يلمع في الضياء الباهر/ من ذلك النهر أشربي ومن الغمام الماطر/ في الصدر أنت جميلة مثل الوسام الفاخر! وقبل ذلك فإنهم سيستمتعون بمناجاة " النيل" وهم ينشدون: تدفق أيها النيل وفض بالخير والرزق/ وطف بالزرع عطشانا وروِ حقوله وأسق/ جعلت بمائك الصحراء بعد الجدب بستانا/ به الأزهار والأشجار أشكالا وألوانا ! هذه أمثلة للمعاني والقيم التي يرسخها ذلك المنهج الفريد من خلال نصوص مختارة ينشدها التلاميذ بألحان جميلة تحببها لنفوسهم.
ونختتم حديثنا عن منهج الأناشيد والمحفوظات كمثال بارز للمناهج السودانية في أزمان سابقة كانت العملية التربوية تحظى فيها بإهتمام كبير ومثابرة للتجويد تبذل فيها جهود مهنية متميزة.فقد أشرنا فيما سبق لكيف كان ذلك المنهج يحفز التلاميذ للتأمل والتساؤل حول حقائق الكون الكبرى ، ليروا الأشياء بعين ناقدة وبصيرة نافذة ولا يكتفي بالتلقين.ونأتي من بعد هذا لحب الوطن الذي عمد المنهج لترسيخه في أذهان التلاميذ من خلال عدد من الأناشيد منها (صديقنا منقو) للشاعرالأستاذ عبداللطيف عبدالرحمن:أنت سوداني وسوداني أنا /ضمنا الوادي فمن يفصلنا/ نحن روحان حللنا بدنا/منقو قل لا عاش من يفصلنا/هاهو النيل الذي أرضعنا/وسقى الوادي بكاسات المنى/فسعدنا ونعمنا هاهنا/وجعلنا الحب عهدا بيننا!ولاشك أننا نذكر ذلك اللحن الأثير الذي كان التلاميذ يؤدون به هذه المعاني الوطنية الباذخة.تلك المعاني التي لو أننا حرصنا عليها ورسخناها في ممارساتنا السياسية ، مثلما رسخها منهج الأناشيد لما وقعت كارثة الإنفصال!
ويمضي المنهج في ترسيخ حب الوطن من خلال أناشيد أخرى رائعة.فها الشاعر هو مصطفى التني في نشيد (نداء الجيل):المجد للوطن هذا نداء الجيل؟ يبقى على الزمن إلى العلا دليل.وهاهو الشاعر محمد آدم الطيب في (نشيد الوطن): مرحبا مرحبا بنداء الوطن/ كلنا عن حمى حوضه ذائدون/ يا بني السودان هبوا/أتركوا النوم ولبوا دعوة الوادي الحزين.ونجد في المنهج (نشيد السودان) للشاعرمصطفى عوض الكريم:سوداننا الحبيب فداؤه النفوس/فداؤه القلوب فداؤه الرؤوس/هبوا بني السودان يا أيها الأبطال/ بالعزم والإيمان للجد والنضال.ولا يقف المنهج عند نصوص الشعراء السودانيين وإنما يورد أنشودة (بلادي) للشاعر مصطفى صادق الرافعي التي لا تخلو منها ذاكرة كل من درسوا ذلك المنهج المتفرد : بلادي بلادي فداكي دمي وهبت حياتي فدىً فأسلمي/غرامك أول ما في الفؤاد ونجواك آخر ما في فمي/سأهتف باسمك ما قد حييت تعيش بلادي ويحيا الوطن.
من الطرائف أن ذلك المنهج يورد نصا عن الراديو الذي كان آية ذلك الزمان فيترنم التلاميذ بنشيد( المذياع): هو في الحياة مرفه ومنعم ومعلم ينبيك ما لا تعلم/يطوي بك الدنيا وإنك هاهنا لم تنتقل وكأن رأسك يحلم! فمن يا ترى سيأتي لتلاميذ اليوم بأنشودة طريفة حلوة كهذه تحدثهم عن معجزات العلوم في زماننا هذا .والمنهج لا يغفل المناسبات فلها فيه مكان.فهذا نشيد بمناسبة بدء محاربة محو الأمية : يا بني السودان هذا يوم عيد/ يوم هب الشعب في عزم أكيد/ أشعل الحرب على الجهل العنيد/ وسعى للعلم والنور المبيد.وهذا نشيد (العيد): أقبل العيد فأهلا بتباشير السعود/ قد نعمنا بسرور ما عليه من مزيد/ وحبانا أبوانا بالهدايا والنقود/ وخرجنا نتحلى فيه بالثوب الجديد! وللغة العربية في هذا المنهج الفريد مكان فهاهو نشيد (اللغة العربية) يترنم به التلاميذ تمجيدا للغة الضاد:لا تلمني في هواها ليس يرضيني سواها/ لست وحدي أفتديها كلنا اليوم فداها/نزلت في ظل نفسي وتمشت في دماها / فبها الأم تغنت وبها الوالد فاها/وبها الفن تجلى وبها العلم تباهى!
ومما نعده عبقرية لذلك المنهج أن قيم الخير والجمال جاءت كلها في صورة نصوص شعرية للإنشاد لتبقى وتخلد. أما الصفات الذميمة فقد تعرض لها المنهج بنصوص شعرية منظومة ليمثلها التلاميذ ويدركون من خلال التمثيل وتبادل الأدوار قبحها ونتائجها السيئة فيحذرونها. ففي تمثيلية ( عابد الذهب) نجد أن الموضوع هو الطمع . هذا إنسان يطمع في اكتناز الذهب حتى يكاد أن يجن ( الذهب الذهب يكاد عقلي يذهب!) فيصادفه ملاك ويحقق منيته فيتحول كل شئ يلامسه لقطعة من الذهب حتى بلغ ذلك غذاءه بل إبنته التي حين لامسها تحولت لصنم من الذهب.عندها يدرك ذلك الإنسان خطيئته الكبرى ، ويتمنى على الملاك بخلصه مما ابتلاه به وأن يعيد إليه إبنته كما كانت، ويدرك أن الطمع وجمع المال ليس هو كل شئ في الحياة. وفي تمثيلية (الراهب والنمر) نجد أن محور النص هو الغدر وعدم الوفاء لمن يصنع خيرا.فالراهب يمر بالنمر المحبوس في القفص ويألم لحاله ويطلقه. وبدلا من أن يشكر النمر الراهب يتأهب ليقتله.ولا تسعف الراهب وساطة التمساح ولا الثور ولا النسر ولا الحصان فكلهم يدعون النمر لقتله،ولا تنقذ الراهب إلا حيلة ماكرة من الثعلب يعيد بها النمر للقفص سجينا.
وأخيرا فهذه خواطر عجلى حول الأناشيد القديمة التي تربت عليها أجيال وأجيال واحتوت على معانٍ وقيم متجددة خلدت بها في وجدان كل من كان لهم فيها نصيب ، وتتلمذوا على أيدي أساتذة أجلاء أفذاذ درسوهم ذلك المنهج المتفرد.
Abdalla M. Suliman Badr [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.