الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنقذوا ناجي القدسي يا أهل السودان .. بقلم: صلاح شعيب
نشر في سودانيل يوم 17 - 12 - 2012

يعيش الهيثمي هناك في اليمن مع عشيرته وحيدا بعد أن أهملناه نحن السودانيين كلنا، وهو الذي قدم لنا عيون اللحن. فناجي القدسي موسيقار مسكون بالتجويد المتناهي لأعماله. ولا يقف عند حد إعطاء المغني اللحن وإنما يسلمه للأوركسترا حتى تتقنه أمامه. وسط عمالقة الملحنين في عصره كان يملك حسا لحنيا متقدما، وهو آنذاك لم يكمل الثلاثين من عمره. كان صاحب البصمة المميزة في اللحن السوداني إذا نظرنا إلى أغنية الساقية التي كتب كلماتها عمر الطيب الدوش بإسلوب وظف فيه علاقته بالدراما التي كان يحاضر عنها في المعهد العالي للموسيقى والمسرح. والساقية، كلمات وكوبليهات، كانت في وقتها نقلة كبيرة من نقلات النغم السوداني. فمن جهة مفرداتها الموغلة في الرمزية، ولحنها الذي ينتقل بهذه المفردات من حالة إلى أخرى، عبرت الأغنية عن تيارين من تيارات الحداثة الشعرية واللحنية في الأغنية. أما أداء حمد الريح الذي تشرب فكرة اللحن فقد نقلته الساقية إلى مرتبة متقدمة في لونية الغناء الذي أجاده. ليس ذلك فحسب، فالألحان الستة التي منحها القدسي لحمد الريح أعطته دفعة كبيرة وسط مجايلييه من المغنيين. فقد غنى له بخلاف الساقية "أحبابنا أهل الهوى" و"خليتني ليه عشت الشقا" و"سلم بي عيونك" و"حمام الوادي" و"أحلى منك":
بالنسبة للملحن ناجي القدسي فقد مهدت له أعماله التي أهداها إلى حمد الريح، والتاج مكي، وأبو عركي البخيت، ومصطفى سيد أحمد، سمعة طيبة وسط الملحنين المجيدين. وبالنسبة للدوش فقد عززت الأغنية تجاريبه المتطورة في شعر العامية، حيث كان قبلها قد تعاون مع وردي في بناديها، والود، وبلد رايح، والحزن القديم. وفيما بعد أهدى الدوش مصطفى سحابات الهموم التي تسير على منوال مفرداته المحتقنة بالهم العام، حيث لا يقتصر خطابه الغنائي على مناجاة الحبيبة أو التدلل إليها، وإنما ينطلق من الهم العاطفي ليغزل نولا شعريا يتناص مع مضامين الساقية وبناديها، وغيرهما. والحال هكذا، لولا حرفية ناجي المعتقة، ومقاربته اللحنية المكتملة لنص الساقية لما وجدت هذه الأغنية الرواج الكبير الذي تزامن مع الظرف السياسي الذي رمزت ضده. هذا برغم أن حمد الريح أنكر، لاحقا، ترميزها السياسي إزاء سلطة مايو التي سجنت الملحن ناجي في كوبر، ولم تطلق سراحه إلا بعد أن مضت ثلاثة أشهر.
والحقيقة أن قصة ناجي محمد أحمد علي إسماعيل الهيثمي تحكي عن العلاقة التاريخية بين اليمن والسودان في شقها الثقافي. فهو ضمن أبناء المهاجرين اليمنيين الذين وفدوا إلى السودان منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي. ولقد تزوج بعضهم من سودانيات وأنجبوا عددا من الأبناء الذين تمثلوا نار الوجد السوداني، وصاروا يضفرون معانيه في شعرهم، وأدبهم. ولا يمكننا إدراك عمق هذه العلاقة إلا بالرجوع إلى كتاب(السومانية) للدكتور نزار عبده غانم، والذي عاش والده ردحا من الزمان في السودان. ولقد عمل عبده غانم محاضرا بجامعة الخرطوم، وكان من أصدق أصدقاء العلامة عبدالله الطيب. ولقد رصد نزار و الذي حمل في حله، وترحاله، هويته السومانية جذور التبادل الثقافي بين البلدين. وفي سفره القيم أشار نزار إلى دور أبناء اليمن، والسودانيين من أصل يمني، في تشكيل جزء من الثقافة السودانية، وبالمقابل عرف بدور المهاجرين السودانيين، واليمنيين من أصل سوداني، في إثراء نواحي التعليم، والثقافة، في موطنه الأصل. وذكر الدكتور نزار ضمن ما ذكر في كتابه الفريد دور المبدعين السودانيين الذين يتحدرون من أصل يمني، وبحث أبعاد قريحتهم الإبداعية المميزة في إثراء الغناء السوداني. ولقد أشار نزار الذي كان يجيد غناء العاقب محمد حسن، وعبد القادر سالم بالعود إلى مساهمة الفنان الطيب عبدالله، والملحن ناجي القدسي، والشاعر حسين بازرعة الذي أسهم بقدر وافر في غنائية عثمان حسين، وهناك عدد آخر لا يسع المجال لذكرهم شملهم توثيق الدكتور نزار.
المؤسف أن الأستاذ ناجي القدسي توقف عن مد الفنانين بألحانه نحو ما يقرب الثلاثة عقود من الزمان، حيث قضى معظمها في اليمن التي عاد إليها ليستدفئ بحضن بعض أهله حين لم يجد التقييم اللائق به كموسيقار قدم جهدا إبداعيا نوعيا. والحق أن القدسي وجد أصنافا من العراقيل داخل الأجهزة الإعلامية والفنية. ونتيجة لذلك، ولرهافته العالية ترك التلحين وقفل عائدا إلى موطن أجداده عله هناك يواسي غبنه بشوق إلى من تبقى من الأهل.
وفي اليمن دخل الملحن الكبير في هالة تصوف قصد بها أن تعينه على التخفيف عن اصطدام الهويتين في ذهنه المتقد، فهو من حيث الوجدان سوداني أكثر من سودانيين من جهة الأم والأب، ولكنهم عاشوا في بلادهم دون أن يغوصوا في معرفة أحاسيس أمتهم كما فعل ناجي القدسي الذي أخرج من السلم الخماسي أنغاما طرقت مسامع غالبية السودانيين، وبزت أنغامه كثير أنغام لمبدعين سودانيين معروفين. ولعل هذا ما جعله يقف مع آخرين في القمة مع الملحنين الحداثيين الذين أدركوا معنى التجديد في الصياغة اللحنية للشعر العامي والفصيح. ولعل الرصد لمسيرته التي بدأت بأبو عركي، وحمد الريح، وإنتهت بمصطفى سيد أحمد، قبل مغادرته السودان، ترينا إلى أي مدى استطاع القدسي أن ينمي قدراته في تخيير الجيد من عيون الشعر العامي والفصيح، ومن ثم البحث عن مقابل لحني لا يأتي رتيبا أو مكررا لبناءات لحنية راسخة، وإنما يأتي باللحن الذي يحسه الناس عميقا في جدته، وقويا في قدرته على الإمساك بتلابيب الأذن المدربة خصوصا.
أما من حيث وجدان الجذور فإن القدسي لا محالة قد وجد بعض السلوى داخل عشيرته الكبيرة في اليمن، وهناك تعاون مع بعض المغنيين اليمنيين كما تواترت بعض الأخبار، غير أن تماهيه في التصوف قاده أيضا إلى الذوبان في حب المصطفى (ص). وعبر رحلة الروح الصادقة إلى منابع صافية قد تنجز لنفسها السلام الداخلي استطاع ناجي أن يلحن عملا كبيرا حافظ فيه على الإمتاح من بئر السلم الخماسي وليس السباعي. ويحكي السودانيون الذين قابلوه في اليمن كيف أنه ظل محافظا على التواصل مع أبناء الجالية السودانية في اليمن برغم خروجه الغاضب من السودان بسبب ما قال بإن الساحة الفنية ما عادت منتجعه التي ترعرع فيها، حيث كان الحسد لا يسري آنئذ فيها، ولا يطويها الضجر من تقدمه بخطى ثابتة نحو علالي المجد الفني.
وحين عاوده الحنين والشوق إلى مراتع الصبا، وإلى المناخ الفني الذي منحه صيتا كبيرا ومعتبرا في الإبداع الغنائي السوداني عاد الملحن ليغذي وجدانه القديم الذي عمقته صحبة الأحباب من الشعراء في سنار والخرطوم بحري، وجملته علاقاته المتينة بالفنانين والموسيقيين الذين يحتفظون له بدور كبير في تطوير إحساسهم الفني عبر أنغامه التي تتدفق من خلال معالجات الأوركسترا لموازيره اللحنية القوية العلاقة، والمتماسكة في تراتبها النغمي. ولقد فرح الكثيرون بمقدم الفنان السوداني، إبن البلد البار، وتوقعوا أنه سيبدأ من حيث إنتهى ليدعم تجارب الأصوات الجديدة التي ظل منحازا لها في سبعينات القرن الماضي، ومراهنا على أن يكون لها الصيت الواسع يوما. غير أن القدسي لم يجد الإحتفاء اللائق به من قبل المسؤوليين بالدولة كما قال للكاتب أثناء محادثة ربطت بين واشنطن وصنعاء. ولقد قال لي ناجي إنه عاد إلى السودان بأمل أن يجد التقدير داخل الوطن الذي ولد وترعرع فيه، وقضى أسعد أيامه، ولكنه لم يلمس بأن وطنه قادر على إستيعابه وهو في هذه السنة المتقدمة ليعين الأجيال الجديدة بخبرته الموسيقية. وقال بصدق " برغم أنني قد بلغت في الكبر عتيا ولكن القلق الإبداعي ما يزال يملأ جوانحي، وكان همي أن أعيش بقية حياتي في وطني الذي منحته كل ما عندي من إحساس فني لتطوير تراثه الغنائي. لقد أهملني من هم يرعون الإبداع داخل الأجهزة القومية ولذلك قررت العودة مرة ثانية لليمن". وأضاف ناجي "لم يسأل عن ناجي الذي جاء ليعيش بقية حياته في موطنه أحد..كل ما يمكن أن أقوله إن السودان هو الدولة الوحيدة التي لاتقوم برعاية المبدعين الذين لهم بصمات واضحة في الإبداع..ومع ذلك أحس الآن أنني يجب أن أقنع بأنني قدمت تراثا فنيا جاء نتاج معايشة نفسية للحظات الإلهام الفني.. وهذا يكفيني.."
في حديث مع المهندس أحمد محمد الهيثمي، وهو شقيق الملحن ووكيل أعماله في الخرطوم، قال إن الأسرة تتكون من خمسة أشقاء وأربع شقيقات، ويرى أنهم ينتمون إلى شرق السودان الذي شهد ميلادهم، حيث تنتمي والدتهم إلى أسرة السيد علي الميرغني. وأضاف أحمد أن ناجي إكتسب إسم القدسي في المعهد العلمي الذي درس فيه، وقد كان دائما ما يقول إن كل الأحاديث قدسية حينما يسأل عن تصنيفها. ولذلك فقد منحه زملاؤه الطلاب لقب القدسي، وحين قرر الدخول إلى الساحة الفنية إستعان بلقبه المدرسي. وقال أحمد إن ناجي وجد في بدء إهتمامه بالفن معارضة من الاسرة لدخول هذا المجال، وكان يمتلك صوتا جميلا غير أنه فضل ألا يخوض غمار الغناء وإحترف التلحين إحتراما لرغبة الأسرة. ويقول المهندس أحمد إن من ضمن الاسباب التي ساهمت في مغادرة أخيه السودان الإحساس بالمعاملة السيئة التي وجدها من بعض زملائه الذين كانوا يضعون العراقيل أمامه، وكانوا يهابون تقدمه الفني ويرون أن ذلك يتم خصما عليهم. وأضاف أحمد أن أقرب الفنانين إليه لم يقدروا دعم ناجي لهم، وظلوا لا يعيرون حقوقه المادية إهتماما ما جعله يلجأ للقضاء ويوقف بعضهم من ترديد الألحان التي منحها لهم.
وقال شقيق الموسيقار إن عودة ناجي الأخيرة إلى السودان كانت بدافع أن يعوض سنين غربته ولينشط في التعاون مع الفنانين الكبار، وكذلك فناني الجيل الجديد، وأن تستفيد الأجهزة الفنية والثقافية من خبرته الموسيقية بيد أنه فشل أن ينال مراده بسبب الإهمال الذي يجده المبدعون الكبار وسط هذا الضجيج الفني.
يقول الأستاذ يوسف الموصلي عن الملحن "هذا الناجي من أحسن الذين يناجون الخيال اللحني. فعندما خرجت الساقية إلي الوجود كنت طالبا أتلمس الطريق إلي موهبتي الفنية. لقد ظل هذا اللحن العظيم عالقا بذهني إلي أن قمت بتوزيعه موسيقيا للصديق الفنان حمد الريح بالقاهرة وتم تسجيله وحمل ألبوم حمد الريح إسم الساقية. ناجي القدسي كان فنانا عالي الحساسية والشفافية وكان يحلم بالاوركسترا السيمفوني يتغلغل في ثنايا ألحانه. أول مره التقيت به عندما التحقت بالمعهد العالي للموسيقي والمسرح. تعجبت من هذا الإنسان الذي لا يفارق العود يده. تجده دائما يحتضن العود كطفل صغير." ويواصل الموصلي في إفادته بقوله "ناجي القدسي ناجح بكل ما تحمله الكلمة من معني وقد ظهر نجاحه الباهر مع فنانين هما حمد الريح والتاج مكي وشكل مع كل منهما ثنائيا خاصا. تعلمت منه سماعا دون أن يعرف هو أنني قد تعلمت منه التداخل بين المقدمة الموسيقية ونهايات الكوبليهات مثلا في اغنيته التي غناها حمد الريح عندما يصل حمد إلي المد الصوتي (سلم ساحبيب) تنزل الموسيقي من الاعالي كشلال (تارا تا راتا) متخللة لذلك المد الصوتي، ويضيف الموصلي :( هنالك اغنيتين من اغنياتي ولدتا من صلب أغنيتين لفنانين عظيمين هما أبو عركي وناجي القدسي فبعد ولادة عن حبيبتي حأحكي ليكم لأ بوعركي جاءت أغنيتي (انتي ليا) كابنة شرعية لها وعندما ضمخت اغنية حمام الوادي ارجاء المهرجان الغنائي الأول فإذا ب"الاماني السندسية" تخرج إلي الوجود كابنة شرعية لها. لقد اهدانا اليمن السعيد اثنين من أعظم الموسيقيين الذين نشطوا في ديارنا فاعتبرناهم سودانيين هما احمد ربشه رحمه الله ناجي القدسي أمد الله في عمره "
من وسط هذه العلاقة خرج الملحن ناجي القدسي الذي يحدثنا عن نفسه بقوله للصحافية إنتصار بقوله إنه (من العرب العاربة، وأنا مولود في 1946 في أدبره، وليس عطبرة وأمي سودانية قريبة السيد علي الميرغني، وست نور خالة زوجة جعفر الصادق، ونحن أسرة ذات عراقة، وأي تاجر متجول في مدن السودان يعرف أسرتنا. درست الكمبوني، والثانوي في المدارس المصرية بمدينة عطبرة. كنت أعشق حصص الموسيقى، وفي سنار المدينة التحقت بالمعهد العلمي.. كنت شغوفاً ومحباً للسينما وأحرص على مشاهدة عروضها خاصة أفلام محمد عبد الوهاب منذ كان صغيراً يغني (أنا عندي كمنجة.. وصوتي كمنجة)، والفنانة صباح، للدرجة التي خبرت فيها تاريخ الفن المصري جيداً، وفي سنار بدأ عشقي للفن وخرجت موهبتي للناس. ويضيف القدسي (في سنار أوصيت ابن خالتي، الذي كان يعمل سائقاً مابين سنار والخرطوم فأوصيته أن يشتري لي عوداً من جورج مشرقي، وكان سعره (4.5) جنيه..وأول أغنية جربتها على العود (رحماك يا ملاك) للفنان أحمد المصطفى.. بالمناسبة أحمد المصطفى (أحسن زول بيعرف يعمل غنى في البلد دي).. ويواصل ناجي حديثه الشيق عن بداياته مع العود: كنت أمسك العود وأوزن أوتاره وكأنني (أصادقه وأحضنه على صدري) فالإحساس هنا حلو، ويشعرك بفخر وإعزاز خاصة أن آله العود لم تكن متاحة للناس كلياً، وفي العاصمة كان لدى حسن عطية فقط."
ويواصل ناجي في حديثه الشيق الذي نشرته صحيفة الرائد بأنه يتذكر في سنار الشيخ إبراهيم سليم الذي علمه العزف على آله العود في العام 1951م، ويضيف القدسي "مع احترامي الشديد لمكانة كرومة وسرور لكنني كنت أحس أنني في حاجة إلى أحمد المصطفى لأنه بالنسبة لي معلمي وقدوتي باعتباره طور الأغنية السودانية.. ولأنني منذ بداياتي كنت أحب التجديد والتطور كونت فرقة سنار المدينة الموسيقية، وسنار تعتبر رائدة النهضة في فن الموسيقى والصحافة وكتابة القصة القصيرة، وعلى فكرة أنا اعتبر سنار (قلب الجزيرة النابض)، وحالياً يترأس الفرقة السر نايل، ولا يزالون حتى اللحظة يتغنون بالأغاني التي لحنتها، وأنا أول شخص في العالم غنيت (للشيخ) لأنه كان العرف السائد، وفي الإسكندرية يحلف الناس بالمرسي أبو العباس، وهنا يحلفون بالسيد علي، أو بسيدي الحسن ود حسونة.. وفجأة انتقل أبي إلى الخرطوم مع الأسرة، ولكنني بقيت في سنار لإكمال دراستي في المعهد العلمي، وانتهزت الفرصة لعمل المزيد من الألحان الجميلة حتى أخذها معي إلى الخرطوم فعملت قطعة موسيقية بعنوان (ليالي سنار)، بعدها انتقلت إلى الخرطوم وكنت متخصصاً في أغنيات العملاق أحمد المصطفى، وأول الفنانين الذين تعرفت عليهم في حي الدناقلة بالخرطوم بحري الفنان محمد الأمين، وصالح الضي، وخليل إسماعيل، وكانت أغنية (الأماني العذبة) سيدة الموقف آنذاك تتردد في أي محفل، ومع هؤلاء أبو عركي البخيت، وهم الذين دلوني على الإذاعة التي كانت موجودة في حي الملازمين جنوب سجن الرجال وجوار منزل السيد الصادق المهدي، فذهبت إلى هناك وأتذكر أن رئيس قسم الموسيقى كان الموسيقار برعي محمد دفع الله، والأستاذ علي مكي اللذان أشرفا على إجازة مقطوعة (أمال) في العام 1961م التي اعتبرها جواز مروري ودخولي إلى عالم التلحين من أوسع أبوابه..)
نأمل أن تنهض اللجنة الجديدة لإتحاد الفنانين برئاسة د. محمد سيف الدين والمسؤولون عن الإبداع والأجهزة الثقافية والإعلامية للقيام بأدوار عرفانية تجاه كل المبدعين الذي شكلوا أحاسيسهم وعبروا عن إحساس الشعب السوداني، ولينهض المسؤولون مرة ثانية لإعادة الملحن الكبير ناجي القدسي إلى وطنه الذي بنى نهضته الغنائية بمساهماته المميزة في مجال الغناء والموسيقى. ولعله من المخزي أن يصل الجحود بأهل البلاد النافذين بإهمال مبدع مثل ناجي القدسي، هذا الفنان الذي عاد إلى اليمن وفي حلقه غصة بسبب هذا الجحود الذي لا يشبه بلدا أنجبت عبقريته الفنية الفذة ضمن عبقريات إبداعية كثيرة. وعلى أي حال نأمل أن تسعى الجالية السودانية في اليمن إلى بحث أحوال هذا الموسيقار ولتعيد إليه الاعتبار، ولتكرمه بشكل يليق لما قدم من إبداع، وليساعدوه للعودة حتى يجد مجالا للعيش الكريم وسط أهله.
salah shuaib [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.