[email protected] الوطن إنسان , روح وجسد , الروح هى الهوية والاحلام والأهداف القومية العليا , والجسد المساحة الجغرافية المحددة على خارطة الكون , وصون وحماية الوطن تقتضى الحفاظ على روحه قبل جغرافيته , والإنسان والوطن كلاهما يتآلمان , وربما يحتاجا فرصة أخرى . قد تحلق فى السماء من فرط النشوة أو من قسوة الألم الساكن فى تلابيب النفس , فقمة السعادة ومنتهى الشقاء صنوان , يصهران كل الخطايا ويطهران الروح الشوائب والآثام , فللعذابات سعادة وللسعادة عذابات . ربما " تحسد " طائراً معتلياً السحاب , سابحاً فى عجائب أسرار الملكوت , مغرداً تراتيلاً ملائكية مقدسة , بينما هو ذبيح يترنح فى دمائه , ويتأوه ترانيم النهاية , ويرثى نفسه بانشودة جنائزية عن الموت والفناء والبقاء السرمدى 0 فأنا وأنت وأنتم لا نرى الحقيقة المجردة , وانما نرى انعكاساتها على ذواتنا ورغباتنا الدفينة التى غالبا ما تحركنا فى الإتجاه المضاد لجوهر الاشياء وكينونتها , فالحياة هى الطلسم الأعظم الذى لم نحل الغازة او نفك شفراته حتى لو عشنا مليون حياة , وأقصى ما فيها- الحياة- ان تكتشف فجأة انك دخلتها واوشكت ان تخرج منها وانت صفر اليدين بلا مكاسب حقيقية , بلا أحبة أو أصدقاء أو أهل , ولجتها عارياً واوشكت ان تبارحها ايضا عاريا بلا رداء من مشاعر صادقة تستر عوراتك وتضمد جراحك وتطبب آلام نفسك الشقية التعسة , اقسى ما فيها- الحياة- ادراكك انك كنت تحرث فى ماء , وترمى بذورك فى بحر لجاج , وأن حصادك الحقيقى اشواكا تخيلتها من فرط غفلتك زهورا وياسمين 0 اقسى ما فيها ان تكون الضحية والجانى, والسجين والسجان , والمقتول والقاتل فى الوقت نفسه . اقسى مافيها ان تتنازع نفسك اقصى المتناقضات , ان تنقسم لشطرين , وتعيش شعورين , وتسير فى طريقين , وتكون تحت رحمة قدرين ومشيئتين , وكأنك شخصين فى بدن واحد0 اقسى ما فيها ان تكون بين نار وجنة , وشك ويقين , وسعادة بلا حدود وشقاء لا ينتهى , وايمان مطلق وكفر بواح اقسى ما فيها انك جئتها جبراً , ومفارقها لا محالة قسراً ,وما بين الجبر والقسر لا يوجد الا مزيد منهما , والمؤلم أن حياتنا التى لانملك سواها والتى لا تتخطى برهة فى عمر الزمن ليست إلا امتحان قاس وعسير ليس لنا فيه فرصة للاعادة أو دور ثان 0 وتظل أمنية الإنسان العظمى فى حياة وفرصةأخرى, نحياها بقليل من الجبر والقسر , وإذا كان حلم الإنسان مستحيلاً , نتمنى أن تكون حظوظ الوطن أفضل , ويحظى بفرصة أخرى . صحفي مصري