أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برتكول تأمين الحدود ودوره في مسار علاقات السودان بكل من تشاد وأفريقيا الوسطى. اعداد :د. ريم محمد موسى
نشر في سودانيل يوم 04 - 01 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
معهد البحوث والدراسات الأفريقية – جامعة أفريقيا العالمية
مركز الدراسات السودانية – جامعة الزعيم الأزهري
مؤتمر علاقات السودان بدول الجوار
ورقة بعنوان :
برتكول تأمين الحدود ودوره في مسار علاقات
السودان بكل من تشاد وأفريقيا الوسطى
اعداد :
د. ريم محمد موسى
قسم العلوم السياسية
جامعة بحري
Email: [email protected]
مقدمة :
تحتل مسائل الحدود الدولية مكانة كبيرة في العلاقات الدولية بين الدول المتجاورة لارتباطها بالحيز المكاني الذي تمارس عليه الدول اختصاصها . وجاءت نزاعات الحدود في العقود الأخيرة من الزمان في مقدمة أسباب التوتر الدولي والتأثير على العلاقات الدولية بين اطرافها ، وربما تتحول إلى مواجهات عسكرية إذا لم تفض بالطرق السلمية .
وقد مرت علاقات السودان بكل من تشاد وأفريقيا الوسطى بكثير من حالات الشد والجذب وتارجحت بين تبادل المنافع والعداء والحرب ، بايواء ودعم الحركات المناهضة في كل منهما في ظل غياب البعد الاستراتيجي للمصالح المشتركة بين الخرطوم وانجمينا وبانقي في كثير من الأحيان وتأثره بالقضايا القبلية والحدودية المتداخلة .
ويظل أمن الحدود بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى من أهم وابرز الهموم المشتركة بين هذه البلدان ، ويعد من أكثر القضايا حساسية في المنطقة نظراً لارتباطهما بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدين ، وهذه الحدود عبر تاريخها الطويل لم تشهد سوى الجرائم العادية مثل الاعتداء على الأفراد والممتلكات والأرضي ، وكانت تحل هذه المشاكل بالنسبة للسودان وتشاد في إطارها التقليدي نسبة للتداخل العرقي والثقافي بين كل منهما .
وقد دخلت العلاقات السودانية بكل من تشاد وأفريقيا الوسطى اعتاب مرحلة جديدة في تعاونهما السياسي والأمني وذلك بالإتفاق على بروتكول تأمين الحدود و القوات المشتركة" البرتكول الأمني " في مايو 2011 لحماية الحدود المشتركة بين كل من السودان وتشاد و أفريقيا الوسطى ، والعمل على إنشاء آلية إستشارية ثلاثية للتفاعل مع القضايا الأمنية.
وتناقش الورقة المحاور الآتية :
أولاً – وضع السودان الجغرافي والحدودي .
ثانياً – اثر وضع الحدود في علاقات السودان بكل من تشاد وأفريقيا الوسطى .
ثالثاً – العيوب الأمنية في الحدود بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى.
رابعاً – البرتكول الأمني واتفاقية القوات المشتركة- مايو 2011 .
خامساً – رؤية مستقبلية للحدود المشتركة بين السودان وكل من تشاد وأفريقيا الوسطى .
 أولاً – وضع السودان الجغرافي والحدودي :
يعتبر السودان رقعة أرضية واسعة تبلغ مساحته حوالي(188200) كليومتر مربع وذلك بعد إنفصال جنوب السودان ليصبح دولة جديدة ، وتقع جمهورية السودان جغرافياً في الركن الشمالي من قارة أفريقيا ويعتبر جزءاً من القرن الأفريقي .
ومن الناحية الطبوغرافية تتعد أشكال الأرض فيه ، فالسودان يقع في المنخفض المكون من النيل وروافده ، وتحيط به المرتفعات من الشرق والغرب وينحدر نحو الشمال ، وكل شكل من أشكال الأرض له ميزته ، فالسهول لها ميزتها الاقتصادية التي يمكن أن تستغل في الزراعة ، والجبال والبحار والانهار لها ميزتها المتمثلة في الثروة المعدنية والقوة المائية وإستخدامها كحدود طبيعية إذ أن الحدود القائمة على المعالم الطبيعية يسهل التعرف عليها وقد لا تحتاج إلى تخطيط .(1)
والسودان من الناحية البشرية يتمتع بقوة بشرية كبيرة حيث يبلغ عدد سكانه حوالي (33419625) نسمة وتتنوع فيه الأعراق والقبائل ، وكل قبيلة لها عدد من المظاهر والمقومات التي تميزها عن غيرها من القبائل الأخرى من ناحية العادات والتقاليد والحرف والمهن ، وقد كان لموقع السودان الجغرافي أثر في جعله قبلة العديد من القبائل الوافدة ، فهنالك قبائل وفدت إلى السودان منذ ازمان بعيدة وانصهرت في المجتمع السوداني وصار أفرادها سودانيون بالميلاد ، وهنالك قبائل وفدت من دول الجوار سواء للعمل أو بسبب الجفاف أو التصحر أو بحثاً عن المراعي والماء الأوفر أو لأسباب سياسية ، وقد كان السودان معبراً للعديد من دول غرب أفريقيا في طريقهم للحج عبر البحر الأحمر ثم استقروا بالسودان ، وقد أتت هذه الشعوب المهاجرة من كل الاتجاهات حتى من الدول التي لا تشترك حدودها مع السودان .(2)
وقد كان لموقع الدولة ومساحتها وتنوع سكانها دور كبير في تحديد نظام الحكم وشكل الحكومات التي تمارس السلطة عليها ، فأنسب أشكال الحكم التي تناسب وضع السودان هو نظام الحكومات المركبة أو الاتحادية والتي تكون فيها حكومة مركزية تمارس صلاحياتها على نطاق الإقليم كله في حدود معينة وتكون مسئولة في نفس الوقت عن المسائل القومية كالعلاقات الخارجية والدفاع والأمن ، وتكون هنالك ولايات تشارك في الحكم ومستقلة بصلاحيات محددة في نطاق الولاية .
وقد كان اللجؤ إلى الحكم الفيدرالي ضرورة مهمة وذلك بسبب الحرب التي قامت في جنوب السودن قبل إنفصال دولة الجنوب الوليدة ، ونسبة للحركات الإثنية التي نشأت في غرب السودان وشرقه ، وقد وصل السودان إلى النظام الفيدرالي في عام 1992 وأصبح دولة اتحادية تضم ستة وعشرون ولاية قبل إنفصال دولة الجنوب ، وقد نص دستور عام 1998 على ذلك النظام صراحة في المادة الثانية حيث جاءت على(أن السودان جمهورية اتحادية تحكم سلطانها الأعلى على أساس النظام الاتحادي الذي يرسمه الدستور مركزاً قومياً وأطراً ولائية وتدار قاعدتها بالحكم المحلي وفق القانون ، وذلك تأميناً للمشاركة الشعبية والشورى والتعبئية وتوفيراً للعدالة في إقتسام السلطة والثروة .) (3)
وفيما يتعلق بوضع السودان الحدودي ، فلابد من توضيح الإطار المفاهيمي للحدود الدولية – Boundary فقد وضع فقهاء القانون الدولي تعريفات عديدة للحدود الدولية ، فعرفها Thiemy وآخرون بانها ( الخط القانوني الذي يعين نطاق الإقليم ويميزه عن إقليم دولة أخرى) ، وعرفها اربنهايم ( بأنها الخطوط الوهمية على سطح الأرض التي تفصل بين أقليم دولة عن دولة أخرى) ، أما Admi يرى أنها ( الخط الذي يعين النطاق الذي تستطيع أن تمارس فيه الدولة سيادتها) . (4)
ومفهوم الحدود يحتوي على سمتين : الأولى- سمة مركبة تبرز من خلال المعاني العديدة التي يشير إليها خط الحدود الذي يفصل بين إقليمين أو بين سيادة دولتين متجاورتين . والثانية – سمة جدلية تبرز بصورة واضحة في حقيقة أن الحدود وأن استندت في نشأتها إلى واقعة الاختلاف والتمايز ، الإ أن خط الحدود يشكل أداة إتصال ومعبر لتبادل المنافع واختلاط العادات والأفكار المختلفة .
وهنالك طرق وأساليب لتحديد الحدود الدولية وتكون أما بالاتفاق الحر بين الدول ، أو تكون نتيجة ملابسات وظروف تاريخية أو جغرافية بحيث تتحول الحدود الإدارية في ظل الإستعمار إلى حدود دولية بعد الاستقلال ، أو بواسطة محكمة تحكيم دولية عن طريق لجنة دولية تشكلها إحدى المنظمات الدولية .(5)
وبالنظر إلى حرص الدول وتطلعها إلى تحديد حدودها مع بعضها البعض ، تظهر مجموعة المهام والوظائف للحدود الدولية والتي تشمل مختلف الجوانب الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية ، فضلاً عن الجوانب السياسية والقانونية ، وللحدود ثلاث وظائف أومهمام تتمثل في :- (6)
1. وظيفة الأمن والحماية ، سواء كانت هذه الحماية تتعلق بحرمة أراضي الدولة وحمايتها ضد أي هجوم مفاجئ ، أو كانت تهدف إلى حماية شعب الدولة ووقايته ضد ما يتهدده في أمور الصحة والاقتصاد والثقافة .
2. دور الحدود في حماية الاقتصاد الوطني ودعم التنمية الاقتصادية ، فحدود الدولة بعد تحديدها تقوم على تحقيق وظائف مهمة في المجال الاقتصادي فإقليم الدولة بما ينعم به من ثروات يمكن أن يمثل عنصراً أساسياً في إقامة نظام اقتصادي وطني .
3. تعيين النطاق الإقليمي لسيادة الدولة ، حيث أصبح الخط الحدودي يعني تحديد النطاق المكاني الذي تباشر عليه الدولة سيادتها واختصاصاتها .
والسودان حسب موقعه الجغرافي يمثل إقليم طويل الحدود ومتعدداً ومتنوعاً للجوار ، مما أكسبه سبع دول تشاركه حدوده سواء كانت برية أوبحرية ، حيث يشترك مع مصر في حدوده الشمالية ، وليبيا في الشمال الغربي ، وفي الشرق يجاور كل من أرتيريا واثيوبيا ، وغرباً يشترك مع تشاد و أفريقيا الوسطى ، وفي الجنوب يشارك دولة جمهورية جنوب السودان وذلك بعد إنفصال الجنوب .
وكان للدول الاستعمارية دور في رسم حدود السودان مع جيرانه ، فإيطاليا كان لها دور في تعيين حدود السودان مع أرتيريا وليبيا ، وفرنسا لعبت دوراً في بلورة حدود السودان مع تشاد وأفريقيا الوسطى ، أما بلجيكا فقد قامت بتسوية الحدود مع الكنغو قبل إنفصال جنوب السودان ، وبريطانيا كان دورها في تسوية الحدود مع مصر وأثيوبيا .
والسودان كغيره من الدول الأفريقية ورث حدوداً بعد نيله الاستقلال حددت دون إرادته ، وأتسمت بالعديد من النواقص والعيوب نتيجة لتعميم الوصف وإنقسام القبائل ، وعدم التخطيط ووضع المعالم بوضوح على الأرض في معظم الأحيان . وبالرغم من ذلك فقد تعهد السودان كغيره من الدول الأفريقية باحترام الحدود القائمة عند الاستقلال والموروثة من الاستعمارفي مؤتمر القمة الأفريقي الأول عام 1963 .
وحول الوضع القائم لحدود السودان مع دول الجوار ، هنالك إتفاقيات ومعاهدات أبرمها المستعمر وأصبحت هي المنشأة للحدود الحالية للسودان ، فالحدود مع مصر يبلغ طولها 1260 كيلومتر وتحكمها إتفاقيات ابرزها معاهدة يناير 1899 بين بريطانيا ومصر ، ولعل ابرز أسباب النزاع بين السودان ومصر هو إعتبار مصر أن خط 22 شمال هو الحد الفاصل بين البلدين بالرغم من أن الاتفاقيات أثبتت غير ذلك ، والسودان مارس سيادته كاملة على الأاضي المشمولة بالوثائق وأستمرت الإدارة في المناطق هادئة حتى ظهر النزاع حول مثلث حلايب في 1980 .
والحدود مع أرتيريا يبلغ طولها 605 كيلومتر تحكمها عدة إتفاقيات أنحصرت في الفترة ما بين عامي 1891-1902 ، عقدت بين بريطانيا ومصر وإيطاليا ، وليس هنالك أي خلاف بين السودان وأرتيريا حول تفسير تلك الاتفاقيات التي تم تخطيطها ووضع معالمها على الأرض ، والخلاف الموجود بين السودان وأرتيريا يتمثل في التوسع الاريتري في منطقة جنوب طوكر والتي تقطنها قبائل مشتركة مثل البني عامر .
والحدود مع أثيوبيا يبلغ طولها 1605 كيلومتر تحكم بعدد من الاتفاقيات والمعاهدات عقدت في فترة الحكم الثنائي بين بريطانيا والحكومة الأثيوبية ، أهم هذه الاتفاقيات إتفاقية 1902 وبروتكول 1903 الذي وضح الحدود على الطبيعة بناءاً على الوصف العام ، وإتفاقية 1907 وبروتكول 1909 ، وإتفاقية 1972 بين حكومة السودان وأثيوبيا التي بموجبها تم الإعتراف بالاتفاقيات السابقة . وتتمثل مشكلة الحدود بين الدولتين في منطقة (الفشقة) التي ترجع إلى عام 1957 عندما أزال المزارعون الأثيوبيين معالم الحدود بغرض التوسع في الزراعة ، وقد عمل السودان على حل المشاكل الحدودية رغم اعتراف الأثيوبيين بالوثائق التي تثبت أحقية السودان للأرض .
الحدود مع أفريقيا الوسطى يبلغ طولها 1070 كيلومتر ، يحكمها عدد من الوثائق وقعت بين بريطانيا وفرنسا عام 1898 و 1919 و برتكول 1924 الذي تم بموجبه تخطيط الحدود المشتركة .
الحدود مع تشاد يبلغ طولها 1280 كيلومتر تقريباً ، تحكمها نفس الإتفاقيات التي كانت مع أفريقيا الوسطى حيث إنهما كانتا مستعمرتان فرنسيتان .
وتبلغ طول الحدود مع ليبيا 380 كيلومتر ، تحكمها إتفاقية 1899 بين إيطاليا والسودان الأنجليزي المصري وبرتكول 1924 الذي يحدد الملتقى الثلاثي بين السودان وليبيا وتشاد والذي تم بموجبه تخطيط مسافة 14 كيلومتر على الأرض .
وفيما يتعلق بالحدود البحرية ، فأن حدود السودان البحرية يبلغ طولها 870 كيلومتر ، وتعد السعودية جارة مقابلة وتتشارك مصر وأرتريا مع السودان في هذه الحدود ، وقد نصت المواد (15-84-83) من إتفاقية الأمم المتحدة للبحار 1982 التي وقعها السودان ودول الجوار المقابلة والملاصقة على أن يتم تحديد الحدود بما يحقق عدالة للأطراف وفقاً لنظم تعيين الحدود المعمول بها دولياً . (7)
وقد كان السودان يجاور كل من كينيا ويوغندا والكنغو التي يبلغ طول حدوده مع كل منهما على التوالي 223 كيلومتر ، 435 كيلومتر، 628 كيلومتر ، الإ أن هذه الدول أصبحت لاتجاور جمهورية السودان بعد إنفصال جنوب السودان الذي أصبح يجاور السودان من ناحية الجنوب .
 ثانياً – أثر وضع الحدود على علاقات السودان بتشاد وأفريقيا الوسطى :
تشكل الحدود الدولية بين الدول واحدة من أهم أبعاد العلاقات فيما بينها ، لذلك أهتمت الدول المتجاورة بمسألة تحديد الحدود وترسيمها بوضع معالم على الأرض حتى لا تكون موضع خلاف أو نزاع يؤدي إلى توتر العلاقات بينها ، فالحدود المستقرة تدل على وجود علاقة طيبة بين الدولتين المتجاورتين والعكس في حالة وجود نزاع حول الحدود المشتركة .
والمنازعات الحدودية قد تتعدد أسبابها ولكن أهمها هي التي تتصل بتحديد أو تخطيط الحدود وإعداد الخرائط ، وتعتبر الطرق الدبلوماسية عبر المفاوضات بين الدولتين هي أنسب الطرق لحل مشاكل المنازعات الحدودية ، فإذا تم تعيين الحدود بالدقة المطلوبة بحيث يصبح خط الحدود واضحاً فأنه بلا شك سيؤدي دوره الايجابي في إستقرار العلاقات بين الدولتين .
الوضع الحدودي بين السودان وأفريقيا الوسطى : فيما يتعلق بأثر الحدود على علاقات السودان بافريقيا الوسطى ، فان الحدود بينهما لا خلاف عليها سوى عمومية الوصف واعتماده على معالم غير ثابتة مثل الاشجار والخيران ، فلا خلاف حول التعيين أما التخطيط لم يتم بالطريقة المطلوبة ، ولا توجد مشكلة حول تبعية جزء من الأرض ماعدا منطقة (ام دافوق) والتي نتجت عن غموض الوصف في المنطقة .
ومنطقة (أم دافوق) منطقة حدودية بها بركة مياه أكسبتها أهمية بالنسبة لسكان المنطقة من الجانبين السوداني والأفرووسطي ، وقد أدى غياب علامات ثابتة للحدود على نشؤ عديد من المنازعات حول أحقية القبائل السودانية في السقي من البركة الأمر الذي أدى عام 1933 إلى مقتل العديد من قبائل التعايشة بواسطة سلطات الاحتلال الفرنسي ، وعملت السلطات الفرنسية على حجز البركة كمنطقة صيد مقفولة لمنع القبائل السودانية من الرعي بقربها مما أدى إلى تازم الأمور في المنطقة .
وفيما يتعلق بالمشاكل الحدودية بسبب القبائل ، فبروتكول الحدود بين الدولتين لم يتسبب في خلق مشاكل قبلية بين الدولتين حيث لم يؤدي التخطيط إلى إنقسام أي قبيلة بين الطرفين ، ومن أشهر قبائل المنطقة الحدودية التعايشة في أم دافوق والفور في ام دخن وكابار تقابلها قبائل الرنقا والباندا في أفريقيا الوسطى .
وعموماً أتسمت العلاقات الثنائية بين السودان وأفريقيا الوسطى بطابع حسن الجوار والتعاون حتى قبل استقلالهما واعترافهما بحدودهما المشتركة ، فقد كانت السلطات المحلية تعمل على جانبي الحدود في تعاون تام لحل المشاكل المشتركة ، إلا أنه في 1967 وقعت بعض الأحداث كادت أن تعكر صفو العلاقات بين البلدين وذلك بسبب معلومات غير صحيحة وردت لحكومة أفريقيا الوسطى بدخول القوات المسلحة السودانية أراضيهم ومهاجمة اللاجئين مما أدى إلى أن تجمد أفريقيا الوسطى علاقاتها مع السودان ، الإ أن السودان نفي مسئولية القوات المسلحة عن الحادث واوضح أن الحادث نتج عن إختلاف بين المتمردين وقادتهم السياسيين وأن الهجوم تم داخل أراضي أفريقيا الوسطى . وقد أستمرت العلاقات طيبة بين الدولتين رغم ما يعتريها من فتور بسبب ايواء أفريقيا الوسطى للمتمردين السودانيين بمنطقة (بامبوتي) والدعم الذي كانت تقدمه بعض الجهات الأجنبية والكنسية من تدريب واسلحة لمعسكرات المتمردين ، كما واجهت العلاقات بين الدولتين مشاكل الاتهامات المتبادلة بسبب الرعي والصيد غير المشروع والتهريب والتسلل عبر الحدود .(8)
وأعلنت جمهورية السودان في فترة حكومة الانقاذ سياستها الرامية للالتفات للدول الأفريقية وتقوية العلاقات معها ، فعملت حكومة السودان على تقوية علاقاتها مع جمهورية أفريقيا الوسطى وواصلت اللجان الوزارية والفنية المشتركة لحل مشاكل الحدود عملها وانعقدت اللجنة لأول مرة بعد فترة طويلة في بانقي عام 1993 ، وتم تنشيط عمل الإتفاقيات السارية والتي تم عقدها في فترات سابقة وذلك حرصاً من الدولتين على تطوير العلاقات المشتركة ، وقد وقعت أفريقيا الوسطى مع كل من السودان وتشاد على برتكول تأمين الحدود في يناير 2011 حرصاً على دفع التعاون بين الدولتين والعمل على تأمين المناطق الحدودية بينهما .
الوضع الحدودي بين السودان وتشاد : وفيما يتعلق بوضع الحدود وأثرها في العلاقات بين الدولتين ، فان المشاكل الحدودية جاءت نتيجة لعدم دقة الوصف واعتماده على معالم قابلة للزوال وإنقسام القبائل والقرى الحدودية ، وبالرغم من ذلك كان للحدود أثارها الإيجابية حيث جعلت من الدولتين نموذجاً للتعايش السلمي بين الدول منذ فترة مملكتي دارفور و وداي وذلك للرابطة التي أوجدها الإسلام وثقافته في البلدين ، وتعاهد كل من سلطان الفور وسلطان وداي على عدم خيانة أي منهما للأخر وتقاسما المسافة بينهما ووضعا عليها مسامير ضخمة لتصبح حاجزاً بين المملكتين ، وهذا يدل على أن مفهوم الحدود لم يكن في ذلك الزمن هو نفس مفهوم الحدود الآن ، حيث كان يعني حفظ حدود السلطة وصلاحيات كل سلطان على رعاياه . (9)
وبعد استقلال الدولتين ، كان للحدود أثر واضح في تحديد العلاقات بينهما من انفراج وتحسن وتوتر ، فمناطق الحدود المنبسطة بين الدولتين والتي لا تعوق حركة السكان ساعدت على النزوج والهجرة واللجوء – حيث لجأ كثير من المعارضين للحكم التشادي خلال فتراته المختلفة للإقامة في السودان في المناطق الحدودية منذ حركة فارولينا ، وحسين هبري وقواته ، وأخيراً إدريس دبي .
ورغم اعتراف الدولتين بالحدود القائمة كما وصفت في بروتكول 1924 إلا أن بعض المشاكل ظهرت على الحدود وكان أولها عام 1961 فيما يتعلق بالشريط الحدودي المواجه لمنطقة (انياتا) بين قبيلة الداجو التشادية بقوز بيضة وقبيلة المساليت السودانية بالجنينة ، كما ظهر نزاع أخر حول منطقة (كلبس) لعدم وضوح معالم الحدود حيث قامت القوات التشادية ببناء معسكر للبوليس يعتقد أنه داخل الأراضي السودانية يبعد نحو 126 خطوة فقط من حدود القرية ، ثم طرأت بعد ذلك ادعاءات في محافظة وداي صالح في منطقة (قايا) تم تسويتها وإخراج القوات التشادية منها .
والملاحظ أن الإستقرار هو السمة الغالبة على طول الشريط الحدودي بين السودان وتشاد ، إلا أنه في السنوات الأخيرة طرأت بعض العوامل التي أدت إلى عدم الإستقرار وتفاقم الحالة الأمنية وتصاعد نزاعات الحدود وهذه العوامل هي :
1. عوامل أمنية ، تتمثل في الصراع الداخلي في فترة حكم سابقة لحكم ادريس دبي الحالي ، وما افرزه من لجوء اعداد كبيرة من المعارضين والهاربين ورواج تجارة السلاح والتهريب .
2. عوامل اقتصادية ، تمثلت في حيازة التشاديين على الأراضي الزراعية السودانية التي تركزت في المنطقة الحدودية الواقعة جنوب (خور برنقا) حتى بحيرة تيزي ، وتعتبر من أهم المعابر لتهريب الصمغ العربي والسكر إلى أفريقيا الوسطى .
3. عوامل اجتماعية ، تتمثل في وجود القبائل المشتركة والنزاعات القائمة بينها ، وهنالك قبائل مشتركة شمال الشريط الحدودي مثل الزغاوة والبديات والرزيقات وجنوباً قبائل التعايشة والمسيرية والسلامات والداجو والفور والترجم ، و بعضها نزح على الشريط الحدودي بين الدولتين مثل قبائل (التاما والبرنقا) .
وعموماً مرت العلاقات السودانية- التشادية مؤخراً في فترة حكومة الانقاذ بثلاثة مراحل بدأت بمرحلة من العداء في الشهور الأولى لحكومة الانقاذ حتى تغير نظام الرئيس (هبري) بالرئيس (إدريس دبي) ، وتميزت المرحلة الثانية باستقرار وهدوء أستمر منذ مجئ دبي للسلطة حتى العام 2003 ، وظلت العلاقات السودانية- التشادية في توتر مستمر منذ العام 2003 حيث شهدت العلاقات توتر إدى إلى درجة القطيعة والمواجهة العسكرية، وهو نفس العام الذي أندلعت فيه مشكلة دارفور ودخلت مراحلها المسلحة ، حيث اتهمت تشاد جمهورية السودان بالهجوم على بلدة الطينة الحدودية اثناء مطاردة القوات المسلحة لحركات دارفور ، وبالتالي بدأت وتيرة الاتهامات ترتفع باتهام كل طرف للأخر بايواء المتمردين مما نتج عنه اغلاق قنصلية كل من الدولتين في الجنينة وابشي في العام 2006 ، وظلت العلاقات في هذا التوتر بين البلدين حتى تم الانفراج في نهاية عام 2009 وبداية العام 2010 حيث تبادل الطرفان الزيارات على المستوى الدبلوماسي وعلى مستوى الرؤساء مما أدى إلى توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين كل من السودان وتشاد واتفاق تأمين الحدود وإنشاء القوات المشتركة وذلك دفعاً لاواصر التعاون وحماية المناطق الحدودية بين الدولتين .(10)
 ثالثاً – العيوب الأمنية في الحدود بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطي :
إن أمن الحدود بين السودان وجيرانه يظل واحد من أبرز الهموم المشتركة ويعد كذلك من أكثر القضايا حساسية في المنطقة نظراً لارتباطها بالأوضاع السياسية والاجتماعية في هذه الدول، والمعروف أن هذه الحدود في تاريخها الطويل لم تشهد سوى الجرائم العادية المتمثلة في الاعتداء على الأفراد والممتلكات في الماضي كقطاع الطرق والنهب المسلح ، إلا انه كالعادة كانت تحل مثل هذه المشاكل في إطارها التقليدي ، فالسودان وكل من تشاد وأفريقيا الوسطى وبحكم الجوار والتداخل بكافة أشكاله العرقي والثقافي والجغرافي يمتلكون أرضية صلبة يمكن أن يبنى عليها تعاوناً مستقبليا في مختلف الأصعدة بما يحقق تطلعات شعوب هذه الدول خاصة وأن هذه الدول تعد ضمن منظومة دول العالم الثالث والتي بات التعاون بينهما أمراً تمليه شروط الضرورة التي تحتمها التطورات الإقليمية والدولية . .
ويعتبر الأمن هاجس لكل من السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى وذلك بغرض تحقيق الإستقرار والطمأنينة والشروع في التنمية ، وبالتالي فأن الأمن يسبق أي أولوية قصوى في هذه الدول . .
وفيما يتعلق بالعلاقات الأمنية بين السودان وتشاد ، فأن انجمينا تنظر إلى السودان باعتباره البوابة الشرقية التي دائما يأتي عبرها تغيير الأنظمة السياسية القائمة فيها، فضلاً عن أن الحدود الممتدة تشكل هاجساً أمنياً خطيراً ، ويبقي الهدف الأساسي لها هو محاولة السيطرة عليها لكبح جماح أى نشاط معادى يمكن أن يحدث ويشكل تهديدا للسلطة القائمة، مثل أنشطة الحركات المسلحة المناوئة للسلطات في كل من الدولتين بجانب الظواهر العرضية الأخرى المتفشية على طول الشريط الحدودي.
وهذا الهاجس الأمني بين تشاد والسودان- في واقع الأمر يسطر على ذهنية كل مسئول تشادي حينما يحدث توتر في الحدود بين البلدين، وأن التوتر الذي ساد العلاقات في الماضي كان يترجم بوضوح تلك الهواجس، وتعتبر الأحداث الأمنية بدارفور من أكبر القضايا العالقة .(11)
وفي ظل تداعيات مشكلة دارفور على طرفي الحدود، انعقدت القمة المصغرة بالفاشر في أبريل 2003 والتي جمعت الرئيسين دبي والبشير للنظر في معالجة الموقف في دارفوروحل المشاكل الأمنية على حدود كل من الدولتين ، وأعلن الرئيس إدريس دبي أنه ضد التمرد مما جعل موقفه هذا يتسبب في رفض وساطته من قبل المتمردين مع الحكومة السودانية ، حيث أعلن المتمردون أن الوساطة التشادية غير محايدة وانتقائية لذلك حولت مبادرات السلام في دارفور إلى عدة عواصم أفريقية وعربية وكانت آخر محطة لها هي الدوحة العاصمة القطرية .
وأما السودان ينظر إلى تشاد باعتبارها الجارة الأقرب إليه من باقي كل دول الجهة الغربية لأفريقيا حيث الحدود الممتدة والنشاط السكاني الكثيف والتداخل الاجتماعي والتجاري دون حدود السودان الأخرى، ولذلك يكون من الضروري أمنياً أن توضع أطر موضوعية تستجيب لهذه الشبكة من العلاقات المعقدة في كافة مجالاتها ووضعها تحت التحكم والسيطرة كي لا ينفلت إليها أى نشاط مضاد للخرطوم كالهجوم العسكري الذي نفذته حركة العدل والمساواة على أم ادرمان في 2008 .
وفيما يتعلق بأفريقيا الوسطى فأن مجئ الجنرال بوزيريه إلى سدة الحكم في بانقى جاء بمساعدة انجمينا بعد الصراع الذي احتدم بين الرئيس السابق آنش فيليكس باتاسيه والقائد العام للقوات المسلحة الجنرال فرانسوا بوزيريه الذي أصبح الرئيس فيما بعد، إذ عملت انجمينا بإيوائها للجنرال بوزيريه ودعمه عسكريا، وحينما ساد التوتر علاقة تشاد مع أفريقيا الوسطى وصل الأمر إلى درجة تجميد العلاقات المباشرة مع بانقى، وعلى خلفية الأحداث لقي ما لا يقل عن(150) تشاديا حتفهم وهم من أفراد الجالية التشادية قتلوا على يد قوات النظام السابق لباتاسيه ، وبالمثل آوت أفريقيا الوسطى معارضة تشادية مسلحة ضد الرئيس ديبي بقيادة العقيد عبد الله مسكين .
وقد كان هنالك عدم استقرار نسبي في الجانب الأمني في المناطق الحدودية بين السودان وأفريقيا الوسطى لا يتعدى اعمال النهب والتسلل والصيد غير المشروع ، وقد أثرت هذه الخروقات الأمنية وانعكست سلباً على سير العلاقات بين الدولتين ، وبالتالي فأن هذه المشاكل الأمنية الحدودية تجعل الأمن والاستقرار بين الدولتين هدفاً محورياً بحسب حجم التطورات والقناعات المشتركة تقليداً سياسياً متبعاً ، لذلك عملت أفريقيا الوسطى على التوقيع مع السودان وتشاد على بروتكول تأمين الحدود والمشاركة في القمة التي انعقدت بالخرطوم في مايو 2011 خصيصاً من أجل تفعيل هذا البروتكول .
 رابعاً – البرتكول الأمني واتفاقية القوات المشتركة :
تجمع بين السودان وتشاد علاقات عمقها التاريخ وربطت بينها الجغرافيا فضلاً عن روابط القرابة الموجودة بين المجموعات البشرية المتجاورة على امتداد حدود الدولتين، ومنذ اندلاع أزمة دارفور عام 2003 ظل الأتهام المتبادل يطبع العلاقة بين الخرطوم وإنجمينا ، وقد مرت العلاقات السودانية التشادية بكثير من حالات الشد والجذب وتأرجحت بين تبادل المنافع والعداء والحرب بالوكالة بإيواء ودعم الحركات المناهضة فى البلدين ، فى ظل غياب البعد الاستراتيجى للمصالح المشتركة بين الخرطوم وأنجمينا فى كثير من الأحيان وتأثره بالقضايا القبلية والحدودية المتداخلة ، إلا أن هذه العلاقات بداءت تشهد منعطفاً جديداً في النواحي السياسية والأمنية متجهة نحو التعاون والتقارب في كافة المجالات لانهاء التوتر والخلافات بين البلدين بما يحقق الرفاهية لشعب الدولتين .
وقد تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات بين الخرطوم وانجمينا ، فتم التوقيع في منتصف يناير 2010 الماضي على اتفاقاً للتطبيع بين البلدين مرفقاً ببرتوكول لتأمين الحدود ، انضمت جمهورية أفريقيا الوسطى لاحقاً لهذه الاتفاقيات ووقعت علييها وتعهدت جمهورية السودان وكل من تشاد وأفريقيا الوسطى في هذين الاتفاقين بوقف أي دعم لحركات التمرد ، ووضعا جدولاً زمنياً لتشكيل قوة مشتركة . (12)
وقد نص بروتكول تأمين الحدود على إنشاء قوات مشتركة من البلدين لتأمين حدودهما ، وعلى أن تكون قيادة القوات المشتركة بالتبادل كل ستة أشهر بين السودان وتشاد على أن يتولى السودان القيادة أولاً ، وتكون مدينة الجنينة بغرب دارفور مقر لهذه القوات المشتركة . كما نص البروتكول أيضاً على وضع جدول زمني لتشكيل هذه القوات المشتركة وإعداد خطة لنشر هذه القوات على نقاط المراقبة .
وبناء على هذه الاتفاقيات تم عقد قمة بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى في الخرطوم 23 مايو 2011 جمعت الرئيس السوداني عمر البشير بجانب إدريس دبي الرئيس التشادي وبوزرية رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى ، حيث اتفق السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى على تفعيل اتفاقية إنشاء القوات المشتركة لحماية الحدود المشتركة ، واحكام التنسيق الثلاثى للسيطرة على عمليات التهريب ومكافحة الجريمة العابرة للحدود. وقررت القمة الثلاثية بين رؤساء كل من السودان و تشاد وافريقيا الوسطى التى عقدت بالخرطوم انشاء آلية استشارية ثلاثية للتعامل مع القضايا الأمنية ، والعمل على تعزيز التعايش السلمى بين القبائل المشتركة وتشجيع العودة الطوعية للاجئين ، وأصدرت القمة الثلاثية بيان ختامي عرف بإعلان الخرطوم حول الشراكة الثلاثية بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى من أجل السلم والتنمية .
وقد جاء إعلان الخرطوم متعدد الجوانب ليشمل كافة نواحي التعاون إنطلاقاً من العلاقات الأزلية و المصالح المشتركة وترسيخ السلم والإستقرار بين السودان وكل من تشاد وأفريقيا الوسطى .
و فيما يتعلق بالجانب الأمني فقد جاء إعلان الخرطوم حول الشراكة الثلاثية من أجل السلم والتنمية ليشمل:- (13)
1. تفعيل إتفاقية إنشاء القوات المشتركة الثلاثية بغرض حماية الحدود بين الدول الثلاث .
2. التنسيق الثلاثي بين وزارات الداخلية للسيطرة على عمليات النهب والتهريب والتسلل عبر الحدود والصيد الجائر ومكافحة الجرائم المنظمة والعابرة للحدود .
3. العمل على تشجيع الانصهار والتعايش السلمي بين القبائل الحدودية المشتركة ومعالجة الخلافات بين القبائل الرعوية العابرة للحدود بطرق سلمية .
4. تشجيع العودة الطوعية للاجئين في الدول الثلاثة والسماح لسلطات الدولة المعنية بالزيارات الراتبة لمعسكرات اللاجئين من مواطنيهم في إطار القوانين والأعراف الدولية التي تحكم ذلك ، والعمل على حماية اللاجئين من الإستغلال وممارسات الإتجار بالبشر .
5. إنشاء آلية ثلاثية للتعامل مع القضايا الأمنية والعسكرية تجتمع دورياً للتقييم وتقديم المشورة ، وتطوير هذه الآلية إلى آلية تنفيذية تقوم على أسس تمكنها من ممارسة صلاحياتها التنفيذية والإدارة الفعلية لآليات الاتفاقيات الثلاثية .
وقد جاء الإعلان في الجانب السياسي والدبلوماسي ليشمل :
1. تبادل الدول الثلاث التشاور حول القضايا الإقليمية والدولية والمساندة في المنابر الإقليمية والدولية والسعي لتعزيز التواصل بين الأجهزة السياسية والمنظمات الشعبية .
2. إقامة الأطر والآليات المناسبة لتعزيز التعاون بين الولايات والمحافظات الحدودية في الدول الثلاثة بغرض تحويل الحدود المشتركة إلى منطقة تكامل ثلاثي شامل .
3. الاتفاق على عقد القمة الثلاثية سنوياً بالتناوب بين عواصم الدول الثلاث .
كما جاء الإعلان في جانب التجارة والخدمات ليشمل :
1. إنشاء منطقة تجارة تفضيلية بين الدول الثلاث وإقرار بروتكول لتنظيم تجارة الحدود وإتفاقية لتجارة الترانزيت .
2. تكوين لجنة مشتركة للمتابعة ومعالجة المشاكل والنزاعات التجارية التي تنشأ بين الدول الأطراف .
3. والإلتزام برفع معدلات التبادل التجاري بين الدول الثلاث وتشجيع الاستثمارات المشتركة لتحويل منطقة الحدود الثلاثية إلى منطقة تكامل بين هذه الدول .
وبالفعل بدأت القوات المشتركة الثلاثية السودانية التشادية الآفروأوسطية في الإنتشار في أماكن الانفتاح المتفق عليها حسب البروتكول الأمني الثلاثي بعد أن وصلت إلى منطقة أم دافوق مقر قيادة القوات في الجانب السوداني.
وتتمثل مهام القوات المشتركة في ضبط التفلتات الأمنية فى الحدود الثلاثية بتسيير دوريات مشتركة ومحاصرة قطاع الطرق وعمليات النهب والسلب والتعاون فى مجال اختطاف العربات وتحرير منسوبى المنظمات العاملة فى المنطقة ، وقد تم تشكيل القوة مناصفة بواقع (500) جندى وتكون القيادة بالتناوب كل أربعة شهر يتولى الجانب السوداني مهام قيادة القوات خلال فترة الستة الأشهر الأولى من تاريخ إنتشارها لتنتقل بعدها للجانب التشادي ثم الآفروأوسطي على أن تتكفل كل جهة بمتطلبات منسوبيها اللوجستية ، ويمكن أن تستعين القوات المشتركة بجيش الدولة الأخرى إذا تم الاحتياج لقوات اضافية لأداء مهمتها. وأوضح مصدر عسكري بالقوات المشتركة أن قيادة هذه القوات قامت بزيارة لمنطقة أم دافوق السودانية وأم دافوق الآفروأوسطية وتلقت تنويراً عن مجمل الأوضاع الأمنية من مقدمة القوات الثلاثية بجانب عقد اجتماعات مع زعماء قبائل الدنقا والفلاتة وقبيلة السلامات السودانية . (14) .
ويمكن أن تعتبر تجربة القوات المشتركة - السودانية التشادية الأفروأوسطية مهمة لأنها تساهم فى إستقرار المنطقة وتحقق مكاسب عديدة للدول الأطراف ،
و تجدر الإشارة إلى أن إستقرار الأوضاع فى المنطقة بفضل التعاون بين الجانبين السوداني والتشادي دفع تشاد الى الاستغناء وانهاء خدمات القوات الدولية التى كانت موجودة على الأراضي التشادية .
 خامساً – رؤية مستقبلية للحدود السودانية المشتركة مع تشاد وأفريقيا الوسطى :
تمثل حدود السودان الغربية عامة وحدوده مع تشاد خاصة وضعاً متميزاً ومتفرداً لحدود السودان الدولية عند الرجوع للأصل التاريخي والقانوني لخط الحدود الغربي للسودان المشترك مع أفريقيا الاستوائية الفرنسية ، ويتضح أن المنطقة الحدودية تكاد تكون واحدة نسبة لعدد من العوامل المتشابهة سواء كانت في القبائل والأصول المتشابهة ، أو في العادات والتقاليد والثقافة العربية الإسلامية التي تكاد تكون واحدة على طول خط الحدود المشترك . وقد ساعدت تلك العوامل على وجود الروابط التاريخية الازلية التي تربط بين المجتمع السوداني ومجتمع أفريقيا الاستوائية الفرنسية بالرغم من أن الاستعمار البريطاني في شرق خط الحدود - والاستعمار الفرنسي في غربه كان يعمل على إعاقة مسيرة العلاقة بين البلدين بغرص منع إنتشار الثقافة الاسلامية في تلك الناطق .
وقد تميزت حدود السودان مع كل من تشاد وأفريقيا الوسطى بأنها أرض سهلية منبسطة وكلما اتجهنا شمالاً فهي أراضي جافة شبه صحراوية لذلك فأن البرك والوديان والمنخفضات تشكل مصادر مياه متاحة في المنطقة ، وبالتالي كانت تحدث الكثير من المشاكل والخلافات في هذه المناطق الحدودية ولكنها لم ترقي إلى مستوى النزاع الحدودي . وعموماً فأن وضع الحدود السودانية مع كل من تشاد وأفريقيا الوسطى متميز وغير معقد ، فالثوابت والوقائع التاريخية والعوامل الجغرافية للمنطقة والمناخ السياسي في ظل أغلب الحكومات السابقة للدول الثلاث قد خلق هذا الوضع القائم وساعد على حل هذه الخلافات .
ونتيجة للوضع الذي ساد في الحدود الغربية فقد توصل السودان إلى اتفاق مع تشاد وأفريقيا الوسطى حول ضرورة ترسيم الحدود المشتركة لمنع الخلافات الحدودية وآثارها السالبة ، إلا أن لجنة الحدود السودانية الأفروأوسطية توقفت لفترة طويلة قبل أن تصل إلى مرحلة التنفيذ واكتفت بالاتفاق حول الوثائق اللازمة وتجميعها ، ولجنة الحدود السودانية التشادية تفذت العمل باكثر من 40% من الطول الكلي لخط الحدود .
ويمكن القول بأن الرؤي المستقبلية للمنطقة الحدودية للسودان مع كل من تشاد وأفريقيا الوسطى تكمن في ضرورة الاتفاق حول وثائق الحدود ثم إعادة ترسيم هذه الحدود المشتركة للسودان مع كل من تشاد وأفريقيا الوسطى مما يخلق الاستقرار في المنطقة وزوال كل المشاكل والخلافات التي تهدد الأمن وبالتالي تتطور العلاقات بين هذه الدول الحدودية وتشجيع التجارة التفضيلية في المنطقة ، وربط المناطق الحدودية بوسائل المواصلات والاتصالات مما يساهم في المدي البعيد بخلق منطقة تكاملية في غرب أفريقيا بين هذه الدول الحدودية .
وهنالك عوامل مشتركة ربما تساعد في إقامة منطقة تكاملية في مناطق الحدود بين الدول الثلاث أهمها :
1. طبيعة الامتداد الجغرافي والتي تعتبر أحد المدخلات الايجابية في دعم وتطوير التكامل بين الدول ، حيث لا توجد حواجز طبيعية أو مصطنعة بين دول النطقة ، مما يسهل حركة والانتقال للسلع والبضائع والأفراد فيما بينها .
2. التاريخ المشترك والامتداد الطبيعي لعنصر السكان بما في ذلك القبائل والاعراق المشتركة ، والتأثير بالثقافة الاسلامية خاصة مع دولة تشاد .
3. الارادة الصادقة لشعوب الدول الثلاث في التعايش السلمي وتبادل المنافع والخبرات خاصة على المناطق الحدودية ، لأن المناطق الحدودية عرضة أكثر من غيرها لمسائل الإنفلات الأمني على طول الشريط الحدودي بين هذه الدول .
 الخاتمة والتوصيات :
يتضح أن السودان من خلال الموقع الجغرافي والسياسي الذي يعتبر فريد من نوعه في القارة الأفريقية يمثل الجسر الرابط لشمال القارة الأفريقية بجنوبها وشرقها وغربها ، إذ أنه يتمتع بحدود التماسية مع عد من الدول والبحر الأحمر ، وبالتالي يمكن أن يلعب دور الوسيط الإقليمي والقاري بالمنطقة .
ويتضح أن هنالك عيوب أمنية تشكلت على مناطق الحدود و ساهمت بشكل أو بأخر بتوتر العلاقات بين السودان وكل من تشاد وأفريقيا الوسطى، لذلك فإن التحدي الذي يمثل أمام شعوب هذه الدول يكمن في تحقيق قدراً أفضل من مستوى الأمن والاستقرار وضمان المعيشة الكريمة والنمو الاقتصادي وتنمية المجتمعات في هذه الدول باتجاه تحقيق السلام والتعايش السلمي بين كافة فئات المجتمع ضماناً لسلامة تعايشها السلمي في المستقبل .
ويعتبر بروتكول تأمين الحدود الموقع من قبل السودان وكل من دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى من الأهمية بحيث أنه يساعد في إستقرار وحفظ الأمن بالمناطق الحدودية بين هذه الدول بفضل القوات المشتركة التي تم تكوينها لحماية الحدود واحكام التنسيق الثلاثى للسيطرة على عمليات التهريب ومكافحة الجريمة العابرة للحدود عن طريق إنشاء آلية استشارية ثلاثية للتعامل مع القضايا الأمنية، والعمل على تعزيز التعايش السلمى بين القبائل المشتركة .
وتخرج الورقة بالتوصيات الآتية :
أولاً : تنمية وتطوير المناطق الحدودية وتكثيف تواجد العنصر البشري للحفاظ على الإستقرار والأمن بالمناطق الحدودية .
ثانياً : تقوية العلاقات الثنائية بين السودان وكل من تشاد وأفريقيا الوسطى ، وتوسيع مجالات التعاون لتشمل كافة المجالات مما يساعد على خلق منطقة تكاملية في المناطق الحدودية لهذه الدول .
ثالثاً : ضرورة أستمرارتفعيل بروتكول تأمين الحدود ونشر القوات المشتركة بصور أكبر لضمان عدم إستمرار الخلافات والنزاعات الحدودية بين السودان وكل من تشاد وأفريقيا الوسطى .
رابعاً : تشجيع الدراسات التي تصب اهتمامها بتطوير العلاقات بين دول الجوار والاوضاع الحدودية نسبة لوضع السودان المتميز بطول حدوده ، وتوفير المعلومات التي تتعلق بهذه الدراسات من قبل جهات الاختصاص ومراكز البحث العلمي .
الهوامش :
1. موسوعة ويكيبديا - www.wikepedia.com .
2. أحمد الحسين عبد الرحمن – حدود السودان الدولية المشاكل والحلول – بحث لنيل زمالة الاكاديمية العسكرية العليا -1997 – ص 10.
3. حسن علي الساعوري – المشاركة السياسية في فيدرالية السودان – الفيدالية في السودان – سلسلة دراسات إستراتيجية – الخرطوم : مركز الدراسات الاستراتيجية – 1998 – ص63 .
4. مصطفى سيد عبد الرحمن – الجوانب القانونية لتسوية نزاعات الحدود الدولية – القاهرة : دار النهضة العربية – الطبعة الأولى ، 1994 - 10 .
5. علي صادق أبوهيف – القانون الدولي العام – الاسكندرية : منشأة المعارف – 1995 – ص 342 .
6. أحمد عبد الونيس شتا – حدود مصر الجنوبيةالقاهرة : مركز البحوث والدراسات السياسية ، جامعة القاهرة – 1992 – ص 145 .
7. أخلاص حسين عبد الله – حدود السودان الغربية وأثرها في علاقاته مع دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى – بحث لنيل درجة الماجستير في القانون العام ، جامعة الخرطوم – مايو 2005 – ص 37.
8. نفس المصدر السابق – ص 70.
9. كمال محمد عبيد – العلاقات السودانية التشادية وأثرها في الثقافة العربية التشادية – الخرطوم : مركز البحوث والدراسات الأفريقية ، جامعة أفريقيا العالمية – 2001 – ص 41 .
10. موقع الراصد على الانترنت www.alrarasid.com بتاريخ 12 يوليو 2011 .
11. محمد كلياني – عيوب الأمن في الحدود السودانية التشادية متاح في www.tchadenligne.com/article-73807916.htm بتاريخ 14 مايو 2011 .
12. متاح في www.aljazeera.net بتاريخ 6 فبراير 2010 .
13. إعلان الخرطوم حول الشراكة الثلاثية بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى من أجل السلم والتنمية 23 مايو 2011 – وزارة العلاقات الخارجية إدارة دول الجوار .
14. المركز السوداني للخدمات الصحفية www.smc.sd بتاريخ 11 يوليو 2011 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.