*يحتفل تلفزيون السودان هذه الايام بيوبيله الذهبي , وسط هالات من التكريم والتهليل لهذه الوسيلة الاعلامية التي عرفها السودان قبل الكثير من البلدان , وهو تكريم جله يأتي من الحكومة علي مستوياتها المختلفة, بينما يقابل الغالب الأعم من ابناء الشعب السوداني ومنظماته الحية المناسبة ببرود شديد . *ولا غرابة ان تكرم الحكومة التلفزيون وقيادات التلفزيون , لانه ببساطة ادي المهمة وادوها بحرفيتها , ولا غرابة كذلك ان يتجاهل الكثيرون المناسبة لاحساسهم بمرارة الفشل والخيبة تجاه التلفزيون الذي كان ينبغي عليه التعبير عن همومهم واوجاعهم دون ان يصير مجرد بوق للسلطات الحاكمة ايا كانت هي . *فالثابت الذي لا يقبل الجدال ان الحكومات -خاصة الديكتاتورية - جعلت من التلفزيون والاذاعة ايضا وسائل لبث دعايتها السوداء ضد كل معارضيها ومن يخالفونها الراي , او اولئك الذين رفضوا موالتها والتصفيق لها . *والتلفزيون منذ نشاته الاولي , وحينما كان يحتكر لسنوات المشاهد السوداني في شرقه وغربه وشماله وجنوبه , فشل أن يكون مراة تعكس المشهد الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي بتعدده وتنوعه , وبالتالي يتحمل الجهاز مع غيره مسئولية الفشل في تحقيق الوحدة الوطنية ومسئولية حالات التملل السياسي والثقافي . *والتلفزيون شأنه وشأن مؤسسات الدولة المختلفة لايقوم الانتساب اليه توظيفا الا علي اساس الولاء لا الكفاءة, بالتالي اصبح ملجأ لانصاف المواهب , سوي ملكة الابداع في التحول الي ملكي اكثر من الملك نفسه , بينما اغلق ابوابه تماما امام المواهب الحقيقية ووضح ذلك جلياً بعد ظهور القنوات التلفزيونية حديثة النشاة والتكوين . *انظرعلي سبيل المثال لا الحصر الي اخبار التلفزيون الرئيسية في العاشرة مساء وهي خدمة خبرية محضة , ينبغي ان تقوم علي المهنية والمصداقية والحيادية والتوازن , لكنها وللاسف الشديد اصبحت عبارة عن اخبار تصيغها اقسام العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية , فتجد حظها من البث دون اي قيم ابداعية لا في تحريرها ولا صورها , والغريب انها تاتي بترتيب هيكلي وظيفي في الدولة دون اي استناد علي معايير الاهمية والعمومية . *حتي ضيوف التلفزيون في كل البرامج يتم دعوتهم بعناية فائقة , فلا مكان لضيف (وقح) يحرج ادارة التلفزيون مع السلطة . *حال التلفزيون هذا انكشفت تماما بعد ثورة الفضائيات محليا وعالميا , فقنوات سودانية حديثة لم تكتمل بعد سنوات عمرها اصابع اليد الواحدة , ولم يتوفر لها عشر ما توفره الدولة لتلفزيون السودان , ولم تنكب عليها الاعلانات الحكومية وشبه الحكومية , استطاعت تلك القنوات ان تسبق التلفزيون في كل شئ ( مضمونا وشكلا ) في شتي الضروب , لدرجة أن أهل الشان الحكومي باتوا يحترمونها أكثر مما يحترمون التلفزيون الموسوم بالقومية . abdelhamid awadelkarim [[email protected]]