في الذكرى الستين لاتفاقيات جنيف الأربعة لا زالت الفئات والأعيان المحمية لا تجد الاحترام الكامل يصادف الثاني عشر من شهر أغسطس 2009م مرور الذكري الستين على نفاذ اتفاقيات جنيف الأربعة عقب انعقاد المؤتمر الدبلوماسي لمراجعتها في العام 1948م. وقد مثلت هذه الاتفاقيات المصدر الأساس للقانون الدولي الإنساني الذي نشأ كفكرة في العام 1863م عندما دعا رجل الأعمال السويسري لإنقاذ جرحي ومرض الحرب التي وقعت في قرية سولفرينيو شمال إيطاليا عندما ترك الجيشان المتقاتلان خلفهما الآلاف من الجرحى والمرضى والقتلى في الميدان دون أن يقدموا لهم خدمات الرعاية الصحية. وقد تصدى دونان لذلك العمل الإنساني وبذل من حر ماله ودعى زملاءه للمساعدة حيث نجح في حشد المتطوعين بأنفسهم وأموالهم لمساعدة وإنقاذ الضحايا. كما لم يترك تجربته تمر حتى أصدر كتابه الشهير (تذكار سولفرينو) والذي قدم خلاله مقترحا كان الأساس في فكرة اتفاقيات جنيف الأربعة وإنشاء أهم آليات القانون الدولي الإنساني وهي اللجنة الدولية للصليب الأحمر. في 12 أغسطس 1949م صادق المجتمعون من ممثلي الدول المشاركة في المؤتمر الدبلوماسي على اتفاقيات جنيف الأربعة ودخلت الاتفاقيات حيز النفاذ على الفور. ومنذ ذلك التاريخ تعتبر هذه الاتفاقيات أساس الاحترام المتبادل بين أطراف الصراع في مختلف أنحاء العالم. كما صادقت عليها 194 دولة مما جعلها محط إجماع جميع دول العالم. أربعة مواضيع غطتها اتفاقيات جنيف الأربعة: لقد عنيت اتفاقيات جنيف الأربعة بمواضيع حماية جرحى ومرضي الحرب البرية، حماية جرحي ومرضى الحرب البحرية، حماية أسرى الحرب، حماية المدنيين في النزاعات المسلحة. وأضيف إليها ثلاثة بروتوكولات لاحقة، اثنان صدرا في العام 1977 ويتعلق البروتوكول الأول بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، فيما يتعلق البروتوكول الثاني بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية. أما في العام 2005م فقد تم اعتماد البروتوكول الثالث المتعلق بتبني شارة ثالثة جديدة أطلق عليها الكريستالة الحمراء إلى جانب شارتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر. الأشخاص والأعيان المحمية بموجب اتفاقيات جنيف الأربعة : وفور نفاذ اتفاقيات جنيف الأربعة أضحت الدول الأطراف فيها ملتزمة بتوفير الحماية للأشخاص والأعيان الذين تنطبق عليهم قواعد الحماية التي نصت عليها أي من اتفاقيات جنيف, وبالتالي يتمتع هؤلاء بحماية قانونية كاملة لا يجوز انتقاصها من قبل أطراف النزاع. ويشمل مفهوم الأشخاص والأعيان المحميين بموجب القانون الدولي الإنساني في حالة النزاعات المسلحة: الجرحى, والمرضى, والغرقى , وأسرى الحرب والمدنيون وغيرهم ممن لا يشاركون في القتال أو لم يعودوا يشاركون فيه, وأفراد الخدمات الطبية والدينية, و العاملون في عمليات الإغاثة وموظفو منظمات الدفاع المدني ووسطاء العمل الإنساني. أما الأعيان المدنية المحمية, في حالة النزاعات المسلحة, فتشمل الممتلكات الثقافية بما فيها المباني الأثرية والمتاحف، ودور العبادة، والمستشفيات بما في ذلك المستشفيات العسكرية وسيارات الإسعاف، والمدارس والجامعات، ومحطات مياه الشرب، ومحطات إنتاج الكهرباء، ومحطات الصرف الصحي، ومخازن الغذاء والتجمعات السكنية للمدنية. ويعتبر تجاوز المتقاتلين لهذه القواعد جريمة يعاقب عليها القانون الدولي وإن لم تنشأ آليات قضائية خاصة بالقانون الدولي الإنساني الذي يكتفي حتى اليوم بلجنة دولية لتقصي الحقائق لا زالت تواجه صعوبات جمة لتقوم بمهامها في مناطق الصراع رغم إجماع دول العالم على احترام مبادئ ومعايير القانون الدولي الإنساني. ثم ماذا بعد مرور ستين عاما؟ على الرغم من مرور ستة عقود على هذه الاتفاقيات لم تفتأ الحرب تفتك بمئات الآلاف من الأرواح البريئة وتدمر الممتلكات وتسحق الزرع والضرع ولا أحد يستمتع لصوت العقل. في فلسطين والعراق وأفغانستان وسريلانكا والصومال والسودان وغيرهم تشرد الملايين وفقدوا المأوى والغذاء والكساء. لكن أمل الضحايا لن ينقطع في الإنصاف وجبر الضرر ما دامت المحكمة الجنائية الدولية قد تمكنت من مباشرة اختصاصها بملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية. مناسبة هامة: سيظل واجبا على النشطاء والمهتمين بالقانون الدولي الإنساني وفي مقدمتهم الإعلاميين التركيز على الإستمرار في تنوير الشعوب وتوثيق الانتهاكات وعرضها حتى تشكل حملة من الضغط الكافي على الدول والجماعات الخارجة التي تعطي إنطباعا بأن هذا القانون أصدر لفئة دون أخرى. وقد صرح رئيس اللجنة الدولية السيد "جاكوب كيلينبرغر" لموقع اللجنة على الإنترنت الذي قال فيه:" لقد وضعت أهمية القانون الدولي الإنساني في السنوات الأخيرة موضع الشك في ظل نزاعات مسلحة معقدة وصعوبة التمييز بين المقاتلين والمدنيين، فضلاً عن ظواهر مثل الإرهاب والحروب غير المتكافئة. ومما لاشك فيه أن قواعد القانون الدولي الإنساني القائمة مازالت تكتسي أهمية وأن تحقيق تحسين الامتثال للقانون مازال يشكل تحدياً رئيسياً، وأضاف:"إننا نشهد استمرار انتهاكات القانون الدولي الإنساني ميدانيًا بشكل منتظَم، كالنزوح الجماعي للمدنيين وشن الهجمات العشوائية وسوء معاملة الأسرى. فحتى الحروب لها حدود، ولو تم الالتزام بالقواعد الموجودة إلى حد أبعد، لكان من الممكن تجنب أغلب المعاناة التي تفرزها النزاعات المسلحة. بيد أن ثمة جوانب إيجابية وهي أن الكثير من هذه الانتهاكات لم يعد يسمح بالتغاضي عنها، كما أن مساءلة المسؤولين عن أفعالهم زادت بشكل مضطرد. وهذا مؤشر على إحراز تقدم". وختم "كيلينبرغر" حديثه قائلا: :"في الوقت نفسه يجب توضيح بعض المفاهيم الرئيسية في النزاعات المسلحة الحالية وتعزيز بعض القواعد التي مازالت غير كافية. وقد يكون من المستحسن أيضاً تطوير بعض جوانب القانون، لاسيما تلك المتعلقة بالنزاعات المسلحة غير الدولية. فدور اللجنة الدولية لا يكمن فقط في بذل كل ما في وسعها لتعزيز احترام القواعد القائمة، بل أيضاً تقديم النصح والمشورة بشأن التوضيحات والتطورات الواجب إدخالها على القانون والتي تعد ضرورية من وجهة نظر إنسانية." إنتهى،، hassan taha [[email protected]]