دمشق عاصمة الخلافة الإسلامية، وحاضرة الشام العريقة،ملأها عمر بن عبد العزيز عدلاً وأمناً، حتى وادع الذئب الحمل، ولكن جارت عليها صروف الدهر وجاس فيها هؤلاء العلويون، فملؤها جوراً وفسقاً، فصارت لا ترى فيها إلا أشلاء طفل لم يتجاوز سن الرضاع بعد، وأماً ثكلى تزرف الدمع على وليدها، وهو يسلم الروح إلى بارئها، ويكفي أن حصيلة القتلى من الأطفال قد بلغت2700 طفلاً. وعلى قارعة الطريق، ترى جثة شاب في مقتبل العمر، قد مزقته أيدي المجرمين القتلة، لأنه قد طالب بسيادة القانون، والعدل، والحرية التي هي حق مكفول لكل آدمي، إلا أن طبائع الاستبداد قد حرمت أهل الشام ذلك كله، وتمكن منهم الطاغوت حتى طفح الكيل، وتحول الوضع إلى جحيم لا يطاق. ورب شيخ ناهز السبعين من عمره، يتحين الفرص ليحضر صلاة الفجر، أو العشاء في المسجد الأموي، فتحول دون ذلك طلقات القناصة من سطوح المنازل، أو وابل الرصاص الذي ينهمر من فوهات مدافع النظام الذي ما فتئ يحصد الأرواح دون هوادة ولا رحمة. يحدث هذا في وقت تدعي فيه أجهزة الأممالمتحدة حماية المدنيين وتوفير العيش الكريم للناس كافة، إلا أنها تنظر بعين نصف عمياء لما يجري في سوريا، بيد أنها هرولت لوقف إطلاق النار، بمجرد أن وصلت صواريخ "القسام" إلى تل أبيب، وخشيت الأممالمتحدة أن تروّعَ "حرائرُ" بني صهيون. سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُ "وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها؟ "أَحَقٌّ أَنَّها دَرَسَت؟ أَحَقُّ؟ وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ أما في حلب الشهباء مقر إمارة الحمدانيين، ومهد الأدب والثقافة العربية، والشعر، حيث كان بلاط سيف الدولة الحمداني يعج بفحول الشعراء أمثال أبي الطيب المتنبي، وأبي فراس الحمداني، فقد تبدل الحال وتحولت تلك المدينة الوادعة والمستقرة إلى أكوام مهدمة، وركام من المنازل المنهارة، أحياناً على أهلها، وهم نائمون، من شدة القصف المتواصل، وحمم البارود التي يمطرها طيران الفئة الظالمة على العزّل والأبرياء أناء الليل وأطراف النهار، فقد انتهكت الأعراض، وسلبت الأموال وقتل الشيوخ الرُكّع والأطفال الرُضّع، وأتلف الزرع، وجف الضرع،وأزهقت الأنفس البريئة؛ ولهذا نقول لإخوتنا في سوريا أبشروا فإنما هذه فترة تمحيص ضرورية حتى يميز الله الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه فوق بعض فيركمه فإذا هو زاهق لا محالة.والأمر الذي يصيب المراقب بالدهشة والغصة،هو عجز الجامعة العربية المخجل حتى عن قول الحق ورد الظالم عن التمادي في هذه الأفعال الهمجية التي لا تتفق مع مبدأ أخلاقي ولا يقرها عرف ولا دين سماوي. عزاؤنا الوحيد أننا نحتسب من قتل من مجاهدي الشام في زمرة الشهداء؛ لأن من قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، وأفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر، ومن أكثر جوراً من هؤلاء، أعني هذا الغر بشار الأسد وزمرته الفاجرة ،الذين لا يرغبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، ولذلك نراهم يستعينون بأشد الناس عداوة للذين آمنوا؛ حتى يخمدوا جذوة هذه الثروة العارمة المباركة التي سوف تجتثهم من سدة الحكم لا محالة، بإذن الله ناصر المظلومين، ومغيث الملهوفين، الذين أخرجوا من ديارهم بدون ذنب سوى المطالبة العادلة والمشروعة بحقوقهم التي تكفلها لهم كافة النظم والدساتير الإنسانية.لقد انتفضت كل مدن الشام ضد الظلم والبغي من درعا إلى حمص، ودير الزور، وإدلب، وغيرها من المدن والقرى والأرياف، وتوحّد الصادقون المجاهدون من هذا الشعب المؤمن تحت راية التوحيد التي ما رفعت إلا وبالنصر المؤزر ترجع. لقد انطلقت الثورة في سوريا ضمن ما يعرف بالربيع العربي الذي أطاح عروش الظلم والطغيان في عدد من الدول العربية، ظلت ترزح تحت الطاغوت لعقود متعاقبة، وفي كل الأحوال كان النصر حليف المظلومين، ولو بعد دفع الثمن بالأرواح والمهج، وهذا ما يجعلنا موقنين بأن نظام الأسد زائل لا محالة.فإنّ كل ما يحدث إنما هو ثمن الحرية المنشودة، التي لا تُنال إلا بعد دفع المهر الغالي، فتسيل دماء زكية، وتقدم تضحيات جسام، ليحلو بعدها طعم النصر والظفر، وتملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً، ويٌقتصُ من الظالم، وينال كل ذي حق حقه. فَفي القَتلى لأَجيالٍ حَياةٌ وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشق وَعِزُ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ إخوتنا الأعزاء المرابطين في ثغور الشام والممسكين بالزناد، نحن والله معكم في خندق واحد، وإن خذلتكم الأممالمتحدة، التي ما فتئت تذر الرماد على العيون بإرسال مبعوثيها، من لدن كوفي عنان وحتى الأخضر الإبراهيمي، دون سعي فعلي لوضع حد لمعاناة أطفال ونساء سوريا، الذين وجدوا أنفسهم مشردين في الملاجئ والمخيمات،وأحياناً في العراء بلا مأوى ولا مأكل ولا مشرب، ولو تقاعست عن نصرتكم جامعة الدول العربية،التي ينبغي عليها أن تكون أول من يقف إلى جانبكم؛ لأنها تعلم ما حل بهذا الشعب الكريم من أصناف الذل والظلم، والحكم الجائر الذي سام الناس خسفاً، وسلط عليهم هذه الفئة المارقة التي لا ترعي لمؤمن حرمة، ولا تدين دين الحق إلا تقية، وكذباً، ونفاقاً، وتسعى لتمكين عناصرها بكل مكر وخبث ودهاء، متناسية كل ما يجمع بين أبناء هذا الشعب من وشائج القربى والمواطنة، وتجد الدعم في هذا المسعى الخبيث من حكومة الملالي في طهران، ويساندها مروجو الباطل الذين يدعون أنهم حماة العروبة وبيضة الأمة زوراً وبهتاناً، قاتلهم الله أنى يؤفكون. إن ما نشاهد هذه الأيام من فظائع، وقتل، وتشريد، واستكبار، من قبل نظام الأسد المتهالك، لا يعدو أن يكون تلك العتمة الحالكة التي تسبق انبلاج الصبح المسفر، فاصبروا أبناء سوريا ورابطوا، فإن الله معكم ولن يخذلكم أبداً. لقد اقتربت ساعة الحسم، وبدأ العد التنازلي لأيام هذا النظام الباغي، وسوف تتساقط أركانه الواحد تلو الآخر في القريب العاجل. وما عليكم الآن إلا أن تضعوا خطة ما بعد سقوط النظام، حتى لا يضيع جهدكم سدىً،جراء ما قد يحدث من خلافات وسط مظاهر الفرح بالنصر، فإننا لا نريد أن ينزغ الشيطان بينكم، بل عليكم أن تحكموا أمركم وتستعدوا لإصلاح ما أفسده الطغاة، فالحكم ليس بالأمر السهل،خاصة في هذا العصر الذي تتلاطم فيه الأطماع، ويسود فيه أبالسة الإنس،الذين يسعون لإجهاض كل تجربة سياسية ناجحة، في عالمنا العربي والإسلامي.