أثناء موجة الحزن العارمة التي اكتسحت ملايين الشباب السودانيين في اليومين الماضيين بسبب وفاة الفنان الشاب المرحوم محمود عبد العزيز وما تبعها من اضطرابات أمنية تفجرت في مطار الخرطوم عند وصول جثمانه من الأردن، قال أحد الشباب السودانيين الذين استضافتهم إحدى الفضائيات السودانية إنه كان منذ صغره مسكوناً بميل أصيل لكعوجة الغناء السوداني وإنه بحث عن تلك الكعوجة طويلاً ولم يجدها لكنه وذات يوم وفي إحدى المدن السودانية سمع صوتاً قوياً يكعوج الغناء وعندما بحث عن مصدره وجد الفنان محمود عبد العزيز يغني فاحتضنه بشدة لأنه كما قال لسان حاله "التقى محب كعوجة الغناء بمن يكعوج الغناء بطريقة فنية رائعة"! فهل كان الفنان المرحوم محمود عبد العزيز يكعوج الغناء كما قال ذلك الشاب السوداني؟! وهل سبب شهرته الغنائية الواسعة وسط الشباب السودانيين هو اختراعه لأسلوب كعوجة الغناء السوداني؟! وما هو مفهوم كعوجة الغناء ؟ هل تعني الكعوجة الغنائية الخروج مع سبق الاصرار والترصد عن أسلوب غناء الحقيبة أو أسلوب الغناء الشعبي النمطي المستقيم الانغام والقليل التلوين الصوتي بسبب ترديد الالحان الدائرية لكلمات موزونة مقفية محافظة يشبه وجهها قفاها والخروج في ذات الوقت عن أسلوب ما يُسمى بالغناء السوداني الحديث الذي تمرد بعض الشيء على أسلوب غناء الحقيبة أو أسلوب الغناء الشعبي؟! من الملاحظ أن أذواق السودانيين قد تغيرت كثيراً ، فالشيوخ السودانيون قد يطربون أشد الطرب لأغاني الحقيبة القديمة ذات اللحن الدائري الرتيب، والكهول السودانيون قد يطربون أشد الطرب لأغاني محمد وردي وعثمان حسين التي يعتبرها سدنة أغاني الحقيبة كعوجة للغناء الأصيل ولا أنسى أبداً تعليق أحد الشيوخ حين سمع صوت الفنان المرحوم مصطفى سيد أحمد المنبعث من مسجل الحافلة وهو يغني للطيور الما بتعرف ليها خرطة ولا في ايدا جواز سفر ، فقد انزعج ذلك الشيخ الكبير وقال مستنكراً: "بالله دا غنا دا ، في زول نصيح يقول نحنا مع الطيور؟! وعندها تبسم كل الشباب في الحافلة وقال لسان حالهم: "كل زول بفهم غنا زمنو ، يا حاج معليش ده ما زمنك"! ، أما الشباب السودانيون المحدثون فقد يطربون أشد الطرب لنوع جديد وغريب من الغناء السوداني الذي يتمرد ، في شكله ومضمونه ، على أسلوب أغاني الحقيبة أو أسلوب الغناء الشعبي وأسلوب الغناء الحديث بما في ذلك أسلوب غناء الجاز الذي رسخه الفنان شرحبيل أحمد في الأذن السودانية، وكما قال الشاب المذكور فإن هذا الأسلوب الشبابي الجديد المتحرر في اختيار الكلمات واللحن والأداء والذي أطلق عليه أسلوب كعوجة الغناء السوداني يُشبع رغبات الشباب السوداني المتمرد الثائر على الغناء القديم بكل تجلياته والباحث بلهفة عن الغناء السوداني الجديد بكل أشكاله ، ولسان حالهم يقول باستنكار: إذا كان حال السودان مكعوج ، إذا كانت الحكومة السودانية مكعوجة ، والمعارضة السودانية مكعوجة ، والاقتصاد السوداني مكعوج ، وحتى خريطة السودان أصبحت مكعوجة بعد انفصال الجنوب ، فلماذا ينزعج الشيوخ والكهول المكعوجون من كعوجة الغناء الشبابي الحديث جداً جداً؟! من المؤكد أن الفنان المرحوم محمود عبد العزيز، قد أسس للونية جديدة في الغناء السوداني مستعيناً بأسلوب أستاذه الهادي ود الجبل، وأن هذه اللونية الغنائية السودانية الجديدة التي يمكن تسميتها بحزب محمود عبد العزيز الغنائي، سوف لن تموت بموته بل ستنتشر انتشاراً كبيراً داخل السودان وخارج السودان لأن الشباب السوداني عايز كده ، ففي زمن الشيوخ والكهول كانت الأذن السودانية لا تستمع للغناء السوداني المحلي إلا من الحفلات والراديو ، أما الآن فإن الشباب السوداني يستمع للغناء السوداني والغناء الأجنبي عبر أحدث وأسرع الوسائل الالكترونية مثل المواقع الالكترونية والجوالات ويستطيع بكبسة زر واحدة أن يستمع لمادونا وشاكيرا ومايكل جاكسون ولأحدث أغاني الراب والهيب هوب وموسيقى الهيفي ميتال من موقع اليوتيوب مثلاً ، ولهذا يُمكن القول إن الفنان المرحوم محمود عبد العزيز كان يتمتع بذكاء فني واقعي ومتقدم جداً فقد اكتشف منذ وقت طويل احتياجات الشباب الفنية الميالة للتمرد على القديم وعبر عنها بطريقة شبابية غنائية متمردة قد لا يستسيغها محبوا الغناء الشعبي والغناء الحديث ، ونجح بشدة في فرض أسلوبه الغنائي الشبابي الجديد إلى درجة أن كبار الفنانين السودانيين ، مثل الفنان محمد الأمين ، صاروا لا يضمنون نجاح مشاركتهم في الحفلات العامة إلا إذا شارك فيها الفنان المرحوم محمود عبد العزيز ولذلك فإن لسان حال الشباب السوداني المفجوع بالرحيل المفاجيء لفنان الشباب الأول يقول لسدنة الغناء القديم بصراحة سودانية قاطعة: ياخي زمانكم فات وغنياكم مات ، دعونا نكعوج الغناء السوداني الشبابي كما نشاء فرب كعوجة موسيقية شابة متمردة أجمل بكثير من اغنية عجوز كلامها ولحنها مرصوص ومنظم كمكنة الطوب لكن فلقة من طوبة واحدة منها قد تهشم رأس المزاج الشبابي المتمرد ، خلونا في كعوجتنا الحديثة يا هؤلاء وقوموا إلى حقيبتكم القديمة يرحمكم الله! فيصل الدابي/المحامي sara abdulla [[email protected]]