لا يحتاج الأمر الي تأكيد ، فكلما إقترب النصف الأول من شهر ربيع الأول إستعدّ السلفيون الي إعلاء فتواهم بشأن الإحتفال بمولد المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم . هذه السنة حدثت هدنة خفية دعونا نقول غير واضحة البنود تماماً ، عندما إختارت إحدي الطرق الصوفية الإحتفال بالمولد النبوي الشريف في مكان مسجدها مسجد الطريقة وطالبت جماعة أنصار السنة بتصديق لخيمة في ميدان المولد ليس لتحتفل علي طريقتها ولكن لإقامة ندوات تؤكد فيها بدعة الإحتفال بالمولد . السنة الماضية نصبت جماعة أنصار السنة خيمتها داخل ميدان المولد وكانت (بدعتها) في إلقاء الندوات وتذكّر سيرة المصطفي عليه السلام في اًلإساءة للطرق الصوفية والأولياء ، وسبق لجماعة السلفيين الجهادية أن أضرمت النار في ضريحي (الشيخ إدريس ود الأرباب) و(الشيخ المقابلي) بضاحية العيلفون شرق النيل ، بالإضافة الي حادثتي ضريح (الشيخ السنوسي) في نيالا وتهجم الجماعة علي قبة (الإمام المهدي) . الأحداث أعلاه وبعيدا ً عن الخوض في أبعادها ومآلاتها ، تصب ّ في (تعكير الصفو) ليس أكثر . يركّز السلفيون دعواهم ببدعة وضلالة الإحتفال بمولد النبي عليه الصلاة والسلام في عدة إعتبارات منها : أن الصحابة أفضل منا وأفْهَمُ منا وأحب للنبي منا، وهم لم يخصصوا يوما للاحتفال ، وإذا ما احتفلنا فإننا ننسب الصحابة إلى التقصير في حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وأن الاحتفاء اللائق بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الإمتثال لأمره وإتباع سنته ، تمعنت هذه الإعتبارات وأنا أقرأ خبرا ً علي صفحة إسفيرية عن إحتفال إحدي الطرق الصوفية بمدينة (المنيا) بمصر بالمولد النبوي الشريف بمشاركة ألفي صوفي ومسيحي ، ثم تساءلت : ماذا لو تبادلت الجماعة السلفية موقعها مؤقتا ً مع الطرق الصوفية ؟ لإختبار الإحساس بمحبة النبي عليه الصلاة والسلام ، بعيدا ًعن أجواء الجفاف والعسرة والتعسّر و(الخنقة) غير المبررة لأي إحساس نديّ بالعشق ، بالمناسبة لم يخشى السلفيون هذه الكلمات : حب ّ عشق، أو وله . ؟ ولأكون منصفة بأي حال ، ليس جميعهم ، وإليكم وقائع هذه الصدفة الغريبة في مزجها بين السلفيّ وصفة الرقة ..! في محاولة إختياري لمقعد داخل (الحافلة ) ، متجنبة لمقاعد (النصّ) ،تبرع شاب نحيف البنية ، أسمر اللون وسريعا ً ميّزت لحيته ذات الشكل المميز لجماعة السلفيين ..! تنازل الشاب عن مقعده الطرفي لأحتلّه بكل بساطة وبصوت خفيض ردّدت كلمة (شكرا ً) ، رن ّ هاتفه الجوال وبدا حديثه جادا ً ولكن في رقة غير مصطنعة أجاب بأنه في طريقه الي المنزل ليصطحب (فلانة) الي المستوصف وعليها أن تكون جاهزة ..طيّب .. إستنوا شوية أمامه مباشرة كانت تجلس شابة ، أنيقة ، سافرة بلغة السلفيين في كامل تبرجها هنا يعني مكياجها وإضطرت للقيام عن المقعد للسماح لراكب بالمرور ، سألها الشاب الأسمر والذي بدأت أتشكك في سلفيته رغم اللحية المميزة : ( تجيّ هنا ..؟ أحسن ..؟! ) فشكرته الشابة الأنيقة وفضّلَت البقاء في مكانها ، بالطبع ترصدي للحوار وما لفّّه من رقة لا يمكنكم تلمسها عبر النص ّ ، فلذا إرتاحوا ...! المهم ، أشار الشاب لل(كمساري) بالوقوف ، نزل وأنا أتابعه ، لاحظت أنه تأخّر قليلا ً في مشيته وبدا كأنه ينتظر شخصا ً آخر ، إنضّمت إليه نزولا ً من الحافلة ، شابة منقبة ، الغريب وكما لاحظت ونحن بالحافلة أنها لم تكن تجلس بجانب الشاب ، والأغرب والألطف والأكثر رقة أنه وبعد تمام نزولها أمسك بيدها (عدييييييييل كدا ) ..! وإبتعدا في مسيرهما عن نظرتي المتساءلة وتتبع الآخرين المتساءل أيضا ً ولكن في خبث اللطفاء ...!