بعد إعلان الناطق الرسمي للجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد ( أن الجيش دخل منطقة بالدقو في الاتجاه الجنوبي لولاية النيل الأزرق علي بعد حوالي " 35" كيلومتر من منطقة دندرو) و أضاف قائلا ( أن الجيش شن هجوما أدي لهروب كل من كان بها من متمردي الحركة الشعبية, مخلفين وراءهم عتادهم وسلاحهم لتستولي عليها القوات المسلحة, و تقود بعد ذلك عملية تمشيط واسعة لتأمين المنطقة) من خلال هذا التصريح يستشف القارئ إن القوات المسلحة عندما شنت الهجوم علي قوات الجيش الشعبي كانت قد أجرت مسحا استخباري كامل عن المنطقة, وعرفت تواجد الجيش الشعبي وعددهم و قدرتهم التسليحية, ثم درست الخطوة من الناحية الإستراتيجية و تأثيراتها علي مجريات العمل العسكري في كل مناطق السودان, وهل الجيش الشعبي لديه القدرة علي شن هجوما مضاد؟ وهل القوات المسلحة كاملة من ناحية العتاد والتسليح لصد أية هجوم مضاد من قبل قوات الجيش الشعبي؟ للأسف كل ذلك لم يحصل حيث تبين بعد 48 ساعة عندما صرح نفس الناطق الرسمي الذي قال أنهم مشطوا المنطقة أنهم انسحبوا من المنطقة يقول (قاتلت قواتنا لثلاث ساعات متواصلة خسرت القوات المعتدية خلالها أعدادا كبيرة من القتلى, كما صدت قواتنا الهجوم ثلاث مرات متوالية , إلا إن الأعداد الكبيرة للقوات المهاجمة ونقص الذخيرة أديا لانسحاب قواتنا) ومن التصريح الأخير للناطق الرسمي, يتأكد إن القوات المسلحة عندما تشن هجوما وتفتح جبهات للقتال لم تقوم بالدراسة والتخطيط, أنما هي تنفذ عمليات بشكل عشوائي, ويتضح ذلك من خلال التصريحات المتناقضة للناطق الرسمي, كما يتضح أنها لا تملك أية معلومات استخباراتية عن المنطقة التي يراد شن الهجوم عليها و يتضح ذلك أن القوات المسلحة قد واجهت نقص في الذخيرة. من الناحيتين التكتيكية و الإستراتيجية, عندما تواجه أية قوات المسلحة في أية دولة في العالم تواجه حرب عصابات أنها تكون حريصة علي أن لا تفتح جبهات أخرى, حتى لا تؤدي إلي تشتيت قواتها, خاصة إذا كانت الدولة تواجه الكثير من التحديات و النزاعات, حيث هناك جبهات مشتعلة و تحتاج لمزيد من القوات و الدعم, فتكون حريصة علي أن لا تفتح جبهات أخري سوف ترهق قواتها, و الملاحظ من خلال شن القوات المسلحة هجوما علي منطقة بالدقو في النيل الأزرق, و إعلان الناطق الرسمي أنهم سيطروا علي المنطقة, و قاموا بتمشيطها, ثم في أقل من 48 ساعة يعلن انسحابهم عن المنطقة لتزايد إعداد المتمردين و نقص في الذخيرة يؤكد ثلاثة احتمالات, الأول يعتقد إن القوات المسلحة محاصرة في عدد من المناطق, و بالتالي تريد أن تفتح جبهة بهدف توزيع قوات الحركة الشعبية التي تحاصرها و تشارك في حصارها, و تجعل القوات التي تحاصرها أن تنقل قوات للجبهة الجديدة في منطقة واسعة, لكي يتسنى لها أن تخترق ذلك الحصار. ثانيا إن القوات المسلحة لا تخضع خططها للدراسة, و أن المؤسسات التي تنقل لها المعلومات قد فشلت في تقديم معلومات حقيقية عن الوضع, الأمر الذي يجعلها تشن هجوما و تفتح جبهة, و هي لا تعرف ردة فعل الجانب الأخر. ثالثا إن القيادة التي اتخذت قرار الهجوم لها دوافع سياسية من وراء ذلك, و يحدث ذلك عندما يتأكد الحزب الحاكم إنه أمام أزمة حقيقية تطبق الخناق عليه, و بالتالي يحاول توسيع دائرة الحرب لكي تسمح له بالتعبئة و تحويل الأنظار لقضية أخري, و في كل الأحوال إن توسيع دائرة الحرب لم تكن في مصلحة القوات المسلحة. هذا الوضع الذي يقبل كل الاحتمالات, و لمعرفة الحقيقة اتصلت بالسيد ياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية قطاع الشمال, و الذي أكد أن النظام بالفعل حاول أن يفتح جبهة في النيل الأزرق و هو لا يعرف القوات التي نحتفظ بها في المنطقة, و قال إن القتال الآن يدور في مطار مدينة " الكرمك" , و أننا سوف لن نقف في حدود المدينة, أنما سوف نتمدد في كل المناطق التي بدأ الجيش الانسحاب منها, و قال حقيقة نحن لا نريد أن نهزم أو نقاتل القوات المسلحة, أنما نحن نريد أن نسقط النظام الذي يسخر القوات المسلحة لمصلحته و ليس للمصلحة القومية, و قال نحن لسنا الذين فرضنا القتال في المناطق التي تشهد حروبا, أنما النظام الذي رفض أية حوار و حل سلمي هو الذي دفعنا لحمل السلاح دفاعا عن أنفسنا و دفاعا عن مبادئنا, و هذا الوطن ليس وطن الإنقاذ أنما وطن لكل السودانيين و بالتالي يجب أن يشاركوا جميعا في شؤونه. و حول قضية الحوار بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية, و الذي يؤكد عليه مجلس الأمن استنادا للقرار الصادر منه رقم 2046, قال نحن جاهزين للحوار و قد شكلنا وفدنا, و لكن يجب أن يكون الحل شاملا, نحن لا نقبل أية حلول ثنائية لذلك ندعو إلي مؤتمر قومي دستوري, تشارك فيه كل القوي السياسية السودانية, إضافة لمنظمات المجتمع السوداني, و كل من السودانيين من يريد المشاركة في ذلك المؤتمر, و قال إن الحلول الثنائية لا تحل مشاكل السودان, و لا نقبل بتوزيع حصص المحادثات و تقسيماتها حركة شعبية و دارفور و قوي سياسية, يجب أن نجلس جميعا و نتحاور حول كيف يحكم السودان, و لكن قيادات الإنقاذ لا تقبل الحوار و هي تستفيد من الأزمات, و هؤلاء ليس لهم أية علاقة بمصالح الشعب. من المعلوم إن الحوارات التي أجرتها قيادات الحركة الشعبية قطاع الشمال و الجبهة الثورية, مع مندوبي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن و الأعضاء الآخرين في المجلس, قد فتحت أفاق جديدة للجبهة و القطاع, خاصة في أفريقيا, حيث بدأت العديد من العواصم في الدول الأفريقية تدرك طبيعة الصراع السياسي في السودان, و جميعهم مستوعبين للنزاعات في السودان و سببها, و يقول عرمان أننا بدأنا نسجل نجاحات في أفريقيا, و نقل قضيتنا لهم و رؤيتنا في الحل الشامل, كما أن القضية سوف تجد الاهتمام الكافي و الضغط علي النظام للجلوس من أجل الحوار, و قال إن النظام بدأ يفقد مساحات كبيرة في القارة الأفريقية, كما أن الجانب العربي نفسه قد مل من مشاكل النظام, و عرف أن القضية هي فئة قليلة في السودان تحاول أن تستأثر بحكم البلاد دون الآخرين, لذلك ضعفت قوة الدفع في الساحة العربية, فالنظام أصبح منبوذا, هذه الحالة توضح أن النظام لا يملك عناصر عقلانية تستوعب التحديات التي يواجهها السودان, و تجنح للعقل للبحث عن حلول, و لكن القيادات في المؤتمر الوطني التي تكلست عقليتها و فقدت قدرتها علي الاستيعاب, هي التي تدير معركة تحقيقا لمواقعها و مصالحها و ليس لمصلحة الشعب و الوطن, حتى إذا كانت تحاول أن تستخدم في ذالك شعارات إسلامية هي نفسها لا تنزل عندها. سألت السيد ياسر عرمان إذا كانت اتفاقية أديس أبابا الموقعة بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية قطاع الشمال في 28 يونيو 2011 و التي كان قد ألغاها السيد رئيس الجمهورية, من حديث له في مسجد النور بكافوري, دون إبداء أية أسباب, سوي نزولا لموقف أهل المصالح الخاصة, الذين يجنون أرباحا من توسيع دائرة الحروب و النزاعات في البلاد.قال السيد عرمان إننا ما نزال متمسكين بالاتفاقية, و لكن الرجوع إليها يتطلب ثلاثة أشياء. الأول وقف العدائيات و القتال و الترتيبات الأمنية, ثانيا السماح بدخول مناطق المتأثرين بالحرب لدخول المساعدات الإنسانية, و الهدف منها هو خلق بيئة صحية لعملية الحوار. ثالثا يجب أن تكون هناك ضمانات قوية من المجتمع الدولي, باعتبار أننا لا نثق في النظام الذي دائما يتراجع عن معاهداته, و بالتالي مسألة الضمانات مسألة مهمة جدا. و قال نحن لا نريد أن نخلق جنوبا جديدا كما يدعي النظام, نحن مواطنين سودانيين و نقف بقوة مع وحدة السودان و لكن النظام و قياداته لكي تستمر في الحكم يمكن أن تفكك كل السودان لكي تبقي في السلطة و التاريخ يوميا يثبت ذلك. و بالفعل إذا رجعنا للطريقة التي فصل بها جنوب السودان, يوضح أن قياداته لبقائها في الحكم يمكن أن تتنازل عن أية شيء, و هي مشكلة الديكتاتورية في كل مناطق العالم. و حول ميثاق " الفجر الجديد" و ردود الفعل حوله, و خاصة من قبل قوي المعارضة, لا أريد الخوض فيه احتراما لرغبة الأمين العام فهي قضية فتحها ليس في مصلحة وحدة المعارضة, و قد أكد السيد عرمان إن الميثاق برمته أمام الشعب السوداني, و هو ليس برنامجا مقدسا, أنما برنامج طرح للحوار لكل الشعب السوداني للتداول حوله, و تطويره بما يخدم مصالح شعب السودان, و يحقق السلام و الاستقرار في السودان, و قال عرمان أن قيادات الإنقاذ تتخوف من أية برنامج يجمع عليه الشعب السوداني, و يصيبها الذعر إذا توحدت المعارضة السودانية. حقيقة أن قيادات المؤتمر الوطني نفسها بدأت تضع البرنامج في دائرة الضوء عندها, و أصبحت تجري كل عملية التفكير من خلال هذا البرنامج الذي فرض نفسه علي الساحة السياسية, إذا اتفق الناس حوله أو اختلفوا معه, بات يمثل دائرة الاهتمام الفعلي, إذن بدأ يتشكل الوعي الجماهيري من خلال المفردات السياسية التي أطلقها البرنامج, و دلالة علي ذلك خطاب الرئيس في نهر النيل, أخذت وثيقة الفجر الجديد حيزا كبيرا منه, دلالة علي إن البرنامج فرض ذاته في الساحة السياسية, و تناوله من قبل قيادات الإنقاذ لأنه يمثل رؤية جديدة في الصراع السياسي, و نقلة حتى لطريقة الحوار بعمق و ليس بهدف أغراض هوائية. القضية المهمة و التي تفرض نفسها علي المقال, و هو في ذات السياق, إن المبادرة السياسية للدكتور الواثق كمير و التي اعتقد فيها " إن الكرة في ملعب الرئيس" أخالف ذلك لسببين, الأول إن الرئيس يمتلك خصلتين تتجافي مع هذا الدور الذي يعتقد الدكتور الواثق إن الرئيس يمكن أن يلعبه, الأول إن الرئيس ذاتي في تفكيره و هي خصلة تمنع صاحبها من قراءة البرامج و المبادرات بموضوعية, رغم أن المبادرة قد أعطت الرئيس القدر المعلي في أن يلعب دورا جوهريا في عملية التغيير, و لكن الرئيس غير واثق من الدائرة التي هي حوله, و هي قضية مهمة بعد الانشقاقات التي حدث في الحركة الإسلامية, و الرئيس بالذاتية يجعل نفسه هو دائرة الاهتمام دون أية تغيير لا يعرف نتائجه, و التحولات التي يمكن أن تصيب موقعه في المستقبل, نتيجة لتغييرات ربما تؤدي لتغيير ألاعبين في المسرح السياسي. السبب الثاني أن الرئيس تحول لشخص " شعبوي " و الشعبوية لا تخضع القضايا للمنطق, أنما هي ديماغوجية تحاول أن تدغدغ فقط عواطف الجماهير, و محاولة استقطابهم للقضايا دون البحث فيها, أو إخضاعها للدراسة و التحليل بهدف محاصر المعارضة, و كل من له أراء في طريقة الحكم, و من يدخل في هذه الحالة لا اعتقد أنه سوف يخرج منها, و لا يكون حريصا علي لعب دورا في عملية التغيير, و ستظل الأزمات في عهد تراوح مكانها بل تزيد يوما بعد يوم, لذلك ليس هناك أية مخرج من الحالة إلا بالتغيير الشامل الذي تشارك فيه الجماهير نفسها. و من هنا أعتقد أن فتح جبهة أخري للقتال و توسيع نطاقها ليس إرهاق للحركة الشعبية بقدر ما هو إرهاق للقوات المسلحة و تشتيتها, في الوقت الذي تشهد البلاد أزمة اقتصادية, و ضمور في الواردات و معاناة الشعب, كلها ليست في مصلحة توسيع دائرة القتال. و رجوع الرئيس مرة أخري للمنابر للهجوم علي المعارضة في حالة شعبوية, توضح إن النظام في أزمة تطبق خناقها عليه, و أيضا إن مساحات حركة النظام في النشاط الدبلوماسي في القارة الأفريقية بدأت تتقلص, و الآخرون يتمددون في المساحات التي يفقدها النظام, كل هذه تبين إن النظام يسير في طريق الانتحار " ذهبت لحتفها بظلفها" و نسأل الله أن يعين الشعب. zainsalih abdelrahman [[email protected]]