سوداني مقيم في قطر لقد تميزت القيادات السودانية عبر التاريخ بقوة الشخصية وملكة القيادة القادرة على فرض نهجها حتى على الذين يعاونوها على هذه القيادة ، فأصبحت كقوة جاذبة وملاذاً لجماهيرها التي تتطلع دوماً للحياة الحرة الكريمة فاكتسبوا شعبية واسعة ، وقد ساعدهم في ذلك تاريخهم النضالي والوطني ، فلم يشهد تاريخ السودان قائداً اتصف بهذه الصفات مثل الراحل المقيم إسماعيل الأزهري الذي أحبه كل الناس على الرغم من وجود منافسين له في القيادة خلال فترات حكمه أمثال عبدالله خليل والمحجوب والعقد الفريد من الوطنيين الشرفاء. إلا أن العوامل التي صاحبت مسار الحركة الوطنية قد أفرزت قيادات تم وصفها باليمين وأخرى باليسار فكان الصراع محموماً بينها على هدف واحد وهو الاستيلاء على السلطة وعلى الرغم مما طرحته هذه القيادات من مبادئ وشعارات براقة إلا أن صراعها انحصر في الاستيلاء على السلطة وقد اتخذ هذا النهج وسائل مختلفة يمكننا أن نجمل بعضها في التالي :- 1-وجدت قيادات بعض الاحزاب وكوادرها أن الطريق الميسر أمامها هو النيل من القيادات التقليدية حتى وصل الأمر للسباب الشخصي مما أفقد الحركة الوطنية نقاوتها وصفائها الذي عُرفت به ولا يزال هذا النهج ينضح في صحف الحاكمين اليوم. 2- وجدت بعض القيادات الحزبية أن الطريق السهل والذي لا يكلفها أو جماهيرها محدودة العدد ، اللجوء إلى الانقلابات العسكرية بصرف النظر عن آثاره على أبناء شعبنا الصابر والذي يتوق دوما للحرية والحياة الكريمة فكان انقلاب مايو 1969 الذي كان وبالاً على الذين خططوا له من قوى اليسار في عام 1971 ، وتواصلت حقبة تاريخ الحركة الوطنية السودانية بفترة الديمقراطية لتلحقها فترة عسكرية ليخطط الاسلاميون لانقلاب الانقاذ في عام 1989 ويمتد لعقدين وأكثر من الزمن عجاف. 3- لجأت بعض القيادات لاستغلال أطهر وأنبل ما يتميز به الانسان السوداني في تعلقه بدين الله الحنيف وسنة نبيه الكريم الذي أوصانا بالتوحد والتراحم ( واعتصموا بالله جميعاً ولا تفرقوا) ولكن أين سودان اليوم من الوحدة والتراحم وقد أنبرى المتسلقون لقدسية الإفتاء وأصبحوا يوزعون الفتاوي وكأنها تجارة يتداولنها الناس وحلى الولاء وضاعت الكفاءة وتفرق الناس وانشطرت البلاد وأصبحنا في عالم المجهول الذي لا يعلم مداه إلا الله. هذا هو حالنا اليوم الذي لم يعد خافياً على أحد فقائد لحزب يجول وبصول بشعارات جاذبة للجماهير وعندما تسقط قيادته غدراً أو اغتيالاً ينفض الأقربون من حوله وينسى الناس أطروحاته وتتساقط برامجه وكأنها أوراق الخريف والتاريخ المعاصر يعطينا نماذج لسقوط ما نادي به القائد وعاش من أجله وسرعان ما يُدفن معه بعد وضعه في مثواه الأخير. ولدينا نماذج حية منها:- 1-الراحل المقيم جون قرنق الذي كان يؤمن بوحدة السودان وقد جسد ذلك بوثائق مدموغة في محاضراته في القاهرة والبلدان الأوربية وكتابه الذي وثق له السياسي والاعلامي الدكتور الواثق كمير ،، ولكن سرعان ما تسارع أعوانه في رفع شعار الانفصال والعمل وفق نهج عدائي للشمال وقد ساعدهم على ذلك نهج الانقاذ الذي كان يغذي هذا الهدف في فصل الجنوب. 2-الراحل المقيم خليل إبراهيم الذي جعل من حزبه العدل والمساواة الملاذ الذي يصب فيه كل المهمشين من أهل دارفور ،، وما أن تم اغتياله حتى تفرقت بأعوانه السبل وبدلاً ان يكون حزبه جامعاً لكل الفصائل الدار فورية أصبح شتاتاً يسهل اقتناصه على الرغم من الظروف الاقليمية التي صاحبت حركته من الأبواب المفتوحة في دوحة الخليج لمناخ هادئ للعمل السياسي وايجاد الحلول بعيداً عن البندقية والظروف السلبية في المقابل كان نهج الانقاذ بالمرصاد لتعميق المشكلة بالاتفاقات الثنائية لتظل القضية مشتعلة وتنتقل لمرحلة التدويل. خلاصة القول أن القائد هو البطل والمثل الأعلى طالما كان على رأس السلطة أو في قيادة حزب سياسي وتصبح أطروحاته بعد مماته كهشيم تذروه الرياح ،، وقد أصابتنا الدهشة أيضاً في الشهور الخوالي عندما مرض السيد رئيس الجمهورية عمر البشير فكان من الطبيعي أن تنبري قوى المعارضة لتقول عنه أكثر مما قال مالك في الخمر ،، والذي أدهشنا ما كان يطرحه الأقربون من قادة المؤتمر الوطني وحلفاء الأمس من الشعبي والرجل لا يزال حياً فتقاسموا الورثة في حياته وهل هذا سوداننا الذي عرفناه ، ،، فبالأمس القريب عندما حلى المرض بالراحل المقيم محمد أحمد محجوب تسابق أهل السودان جميعهم لمواساته في رحلة العلاج في لندن وكانت قلوب المعارضين قبل حلفائه في تضرع إلى الله والدعوة له بالشفاء وهذا هو السودان وأهله الطيبون. ويقودنا الحديث لطرح قضية الساعة والسؤال : إذا كانت المرحلة المعاصرة والقادمة تتطلب قائداً أوحداً يقود ركب التحرر والانعتاق ؟ وما هي صفات هذا القائد؟ وهل سوف يتفق الناس على قيادة واحدة ؟ فبالتأكيد أن البلاد بحاجة إلى ربان سفينة ماهر يقودها أما عن مواصفاته فمن السهل تحديدها : في أن يتقي الله فينفسه و شعبه وأن يكون قد رضع من ثدي أرض السودان الطيبة وترعرع في حضن الوطنية الصادقة وأن يحكم بدستور يُجمع عليه كل الناس وأن يجعل من محاربة الفساد والمفسدين نهجاً له ، وأن يُوظف القوات المسلحة لحماية السودان وأرضه وشعبه وأن يُوظف الأجهزة الأمنية حارساً أميناً على الشعب لا على السلطة والتسلط ، وأن يكون ذا رؤية ثاقبة لمستقبل السودان وأن يؤمن بهموم شعبه وتطلعاته المشروعة وأن يجمع أهل الكفاءة من حوله للتشاور والمشورة ، اما عن كيفية ايجاده من جموع الملايين السودانيين فبالطبع ليس بالإعلان عن هذا المنصب الرفيع ، ولكن من خلال ثورة شعبية تعيد للسودان أسمه وهيبته ومن يريد المنافسة فلينبري بالمشاركة فعلاً وعملاً لا قولاً وبالله التوفيق . Ismail Shams Aldeen [[email protected]]