مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأخوان المسلمون بين الأمس واليوم: نبيذ قديم فى قوارير جديدة .. بقلم: الفاضل عباس محمد علي
نشر في سودانيل يوم 04 - 03 - 2013

أوردت مجلة "روزاليوسف" فى عدد 16 فبراير الماضي مقابلة مطوّلة مع أحد الإخوان المسلمين أعضاء الجناح العسكري "النظام الخاص" المشتركين فى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر عام 1954 - يدعي خليفة مصطفي عطوة - المتهم الثالث،..... ولقد جاءت الحقائق التالية علي لسانه:
1. هنالك تنظيم عالمي للإخوان المسلمين يترأسه "المجلس الأعلي للإرشاد"، وهو الذى أشرف على تأسيس الفرع المصري برئاسة حسن البنا.
2. سلمت المخابرات البريطانية حسن البنا عام 1928 مبلغ 500 خمسمائة جنيه لتكوين "جمعية مكارم الأخلاق"، وبالفعل أنشأها البنا... ولكنه أسماها "جمعية الإخوان المسلمين."
3. أسّس البنا الجناح العسكري عام 1943 ليقوم بالإغتيالات اللازمة وليستعد لدوره المستقبلي فى الاستيلاء علي السلطة؛ وقام الجناح بتصفية أحمد ماهر رئيس الوزراء عام 1945، كما دشّن سلسلة من التفجيرات منها "تفجيرات سينما مترو" التى أدين بسببها بعض الإخوان، وكانت ردة فعل التنظيم العسكري اغتيال المستشار الخازندار رئيس محكمة الاستئناف، فقام النقراشي باشا رئيس الوزراء (الذى تم اغتياله كذلك لاحقاً بواسطة الجناح العسكري) بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال جميع كوادرها القيادية ماعدا حسن البنا، إذ كان البنا قد أصدر بياناً أدان فيه منفذي التفجيرات وقال عنهم: إنهم "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"، كما أصبح واضحاً أن البنا علي صلة وثيقة بالقصر (الملك فاروق). ونتيجة لذلك، قام الجناح العسكري باغتيال حسن البنا أمام دار حزبه بميدان رمسيس، ولم يتحرك قادة الإخوان الموجودين لإسعافه، وتركوه ينزف لمدة 14 ساعة...حتي صباح اليوم التالي، ففارق الحياة قبل أن ينقل للمستشفى، ولم يحضر أي من الإخوان تشييع الجثمان، وتركوا ذلك لزوجه وبناته لوحدهم.
وفي إحدي الندوات التى قدمها الأستاذ الخرباوي بأبوظبي الأسبوع الماضي، سألته عن صحة هذه الأشياء، فأجاب كالآتي:
فيما يختص بالتنظيم العالمي فهو ما زال موجوداً، ورئاسته بنيويورك، غير أن المنطقة العربية تقع كذلك تحت إمرة المرشد المصري الموجود بالقاهرة (حالياً محمد بديع)، وكل تنظيمات الإخوان بالدول العربية تدين له بالولاء وتبايعه على المكره والمنشط، بيعة مباشرة أو بالوكالة، مما يخلق تناقضاً بين ولاء كل منهم لوطنه من جانب وللجماعة من الجانب الآخر، والجماعة بالقطع تأتي قبل الوطن، ومن هنا تجد عداء الإخوان "للشعوبية" أي "الوطنية"، وتمسكهم بالأممية الإسلاموية.
أما علاقة الإخوان بالمخابرات الغربية فهي أيضاً مثبتة تاريخياً، غير أن المبلغ الذى تسلمه حسن البنا عام 1928 كان 300 فقط وليس 500 جنيه مصري.
ومسألة اغتيال حسن البنا فعلاً لغز كبير؛ وقد تحدث إبنه وابنته مؤخراً عن هذا الموضوع وقالا بأن اغتيال والدهما لم يكن بالطريقة التى تم الترويج لها، وهنالك سر يكتنف هذا الموضوع وسيقومان بكشف النقاب عنه فى كتاب سيصدره ابن المرحوم، سيف الإسلام. وقال الخرباوي إن جماعة الإخوان المسلمين عرّضت أبناء الشهيد البنا لضغوط شديدة، كان من نتيجتها أن توقف كلام أبناء حسن البنا عن مقتل أبيهم، وأكد الخرباوي بأن الكتاب المذكور لن يري النور مطلقاً.
هذا ما قاله الخرباوي، وفى كتابه "سر المعبد" المزيد من مثل هذه المعلومات. ولكن المشكلة الكبري التى يواجهها العالم العربي برمته أن الإخوان المسلمين، برغم كل ذلك، انطلوا على كتل ضخمة من الجماهير العربية، وتربعوا علي دست الحكم - عبر بوابة الانتخابات - فى مصر وتونس والمغرب – (وفى المغرب جاءوا لكراسي الحكم بدون انتفاضة) – والسودان: (حيث بطشوا السلطة بانقلاب عسكري قبل ما يقارب ربع قرن، وما زالوا متشبثين بها)؛ والإخوان يحدثون ضجيجاً هائلاً وحراكاً مستمراً بكل من البحرين (بتحالف وثيق مع إيران) واليمن وليبيا وسوريا والكويت، والسعودية بين الفينة والأخري. و لا يبدى الإخوان أي نوايا نحو التنازل أو الانفتاح أوالمشاركة أو الرضوخ لرغبة الشارع فى الوصول لحلول وسطي تتضمن دستوراً علمانياً يسمح بوجود دولة تعددية ديمقراطية بالمعني الأصلي للكلمة، وما زال خطابهم يشمله الغموض فيما يختص بحقوق الأقليات المسيحية وحقوق المرأة وحرية التعبير.
ولقد وضّحت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري للشرق الأوسط.... ومصر خاصة...أن الحكومة الأمريكية بلا أدني شك وراء ما يحدث فى الشرق الأوسط، وأنها القوة الحقيقية الداعمة للإخوان المسلمين باعتبارهم – حسب رؤية الورش التى تطبخ قرارات السياسة الخارجية الأمريكية – صمام الأمان الوحيد المتوفر للاستقرار بمنطقة شديدة التوتر وكثيرة القلاقل، ولا يهم كثيراً أي نوع من الدكتاتوريات يخططون لفرضها علي شعوبهم، فحيثما اتجه سحابها، سيصب خراجها باتجاه الخزائن الأمريكية فى نهاية التحليل، حيث أن الولايات المتحدة هي الموئل للحسابات السرية والممول بالأسلحة وقطع الغيار والحافظ لأسرار الفساد وسرقات الأباطرة الحاكمين بمثل هذه الأنظمة، وهي التي تمسك بطرف الحبل الذى يحيط بعنق إسرائيل....وتستطيع أن ترخي لها العنان فتعتدي على من تريد، دون وازع من أمم متحدة أو مجلس الأمن...طالما أن أمريكا تتمتع بحق النقض...كما تستطيع أن تكبح جماح الدولة العبرية إزاء هذه أو تلك من دول المنطقة...فإسرائيل منذ تأسيسها كلب الحراسة المخلص للمصالح الأمريكية.
ولذلك، رغم الرفض الجماهيري الواضح لحكم الإخوان المسلمين بمصر وتونس والسودان، علي سبيل المثال، فإن الأنظمة الإخوانجية بهذه الدول الثلاث تبدو مطمئنة كأن شيئاً لم يكن، ولم تتأثر بحالة عدم الاستقرار التى سادت لفترة طويلة من الزمن، وحالة الانكماش، بل الانهيار الإقتصادي... والشرخ المريع الذى يشهده الشارع السياسي بكل منها. ويتساءل المراقبون عن كيفية الخروج من هذا المأزق...وعن وجود أو عدم وجود ضوء فى آخر النفق!
و لا أستطيع أن أتحدث بشيء من البيان والتبيين إلا عن الحالة السودانية...وهنا أيضاً يحتار الدليل...ويقف حمار الشيخ فى العقبة.
فلقد راهنت المعارضة السودانية لأكثر من 15 سنة على ما يسمي بالتجمع الوطني الديمقراطي الذى ضم كل الأحزاب (باستثناء الإخوان المسلمين)، والنقابات ومنظمات النفع العام، بالإضافة للقوة العسكرية الأكبر: الحركة الشعبية / الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة الراحل العقيد الدكتور جون قرنق. ولكن تضافرت عناصر شتى فى إضعاف ذلك التجمع رويداً رويداً إلي أن تفرق أيدي سبأ، وتهالك نحو الخرطوم أفراداً وجماعات، وانتهي بها الأمر جميعها – أي الفصائل المكونة للتجمع – لتصبح جزءاً تابعاً لحكومة البشير، ...ورضوا بالفتات، واستخدمتهم حكومة الخرطوم تكتيكياً ، لخدمة أغراض عارضة وتمويهية، ولفظتهم لفظ النواة فى آخر النهار، فأصبحوا كالمنبت...لا أرضاً قطع و لا ظهراً أبقي. وتلك العوامل هي:
لعبت الحكومة الأمريكية دوراً مفصلياً فى ترتيب محادثات سلام بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية (بمعزل عن باقي التجمع) فى مشاكوس بكينيا عام 2002، تلك المحادثات التى تمخضت عنها فى النهاية مفاوضات نيفاشا بكينيا نفسها...والتى خرجت منها اتفاقية السلام بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية فى يناير 2005. ولقد تدثرت الحكومة الأمريكية برداء شفاف إسمه "مجموعة دول الإيقاد" وهي إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي ويوغندا وكينيا، والسودان...بالإضافة لأصدقاء الإيقاد : الولايات المتحدة والنرويج وإيطاليا، ولكن الوجود الفعال طوال تلك المحادثات فى كل من ماشاكوس ونيفاشا علي مدي ثلاث سنوات كان لمندوبي المخابرات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكية...إذ كانوا هم الذين يقودون المحادثات فعلياً، كمايسترو الفرقة الموسيقية، وكانوا يقومون بالدعم اللوجستي والتزييت والتشحيم اللازم والمساعدة فى حل العقد وتقريب الرؤوس، مع توزيع مظاريف يومية مكدسة بالدولارات لكل المشاركين فى المحادثات، من الطرفين، تسمى مصاريف أتعاب. وعندما تكللت تلك المحادثات فى نهاية الأمر باتفاقية السلام الشامل CPA التي وضعت حداً لحرب استمرت لأكثر من عشرين سنة....اعتبرتها الدبلوماسية الأمريكية نصراً لها، وتباهت بها كثيراً وروّجت لها، ودافعت عنها بالظلف والناب، ولا زالت تفعل ذلك. ولقد تابعت الحكومة الأمريكية سير الاتفاقية على الأرض حتى استفتاء عام 2011 الذى كانت نتيجته انفصال الجنوب، مربط الفرس.
ما كان التجمع طرفاً فى محادثات كينيا... بإصرار من الحكومة السودانية التى تميل دائماً للحلول التجزيئية وللانفراد بالخصم، بعيداً عن حلفائه الآخرين، وبمباركة من الحكومة الأمريكية التى وصفت التجمع بالضعف والتشرذم وعدم وضوح الرؤيا، ويبدو فى حقيقة الأمر أن الحكومة الأمريكية تخلت عن الشمال برمته وركزت على الجنوب الذى أوشك أن يخرج بدولة أفريقية مسيحية ناطقة بالإنجليزية وصديقة للغرب وإسرائيل (مساحتها ثلاثمائة ألف ميل مربع)...وذلك فى حد ذاته إنجاز منقطع النظير....لم تتمكن الحكومة الأمريكية من تحقيق شيء قريب منه فى كل البؤر التى تورطت فيها وانفقت عليها النفس والنفيس...مثل الصومال والعراق وأفغانستان... ومسلسل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
كان التجمع بدوره فى أضعف حالاته مع نهاية التسعينات، فقد تفاقمت الصراعات الداخلية بين الأحزاب المكونة له، وكان من نتيجة ذلك أن تخلي حزب الأمة عن التجمع كلية وأبرم إتتفاقية ثنائية مع حكومة الخرطوم (إتفاقية جيبوتي 2000) عادت كوادره بموجبها للخرطوم وشارك بعضها فى السلطة. ولقد نجحت الحكومة ليس فقط فى تفتيت التجمع، إنما سعت ونجحت فى تفتيت حزب الأمة القادم الجديد إلي حضنها، فضمت جناحاً منه ولفظت الآخر، ثم انقسم الجناح التابع لها إلي عدة أجنحة...وهكذا دواليك.
منذ نهاية التسعينات، كان تجار الحزب الإتحادي الديمقراطي (الذى بقي بالتجمع) يكثرون من زيارة القاهرة حيث تتواجد قيادة التجمع، ويلحون عليها فى الوصول لثمة صفقة مع حكومة الخرطوم، ويتحجّجون بأن مصالحهم قد أضيرت وأن الإخوان المسلمين قضوا تماماً علي الطبقة الوسطي التقليدية واستبدلوها بنفر أشعث أغبر قادم من بطون الريف وتلافيف الحرمان... بشرهٍ ونهمٍ وافتئاتٍ علي حقوق الآخرين....فساهمت تلك الضغوط فى تسليك محادثات القاهرة بصيف 2005 التى تمخضت عن اتفاقية يونيو من ذلك العام، وبعدها مباشرة غادرت فلول التجمع المتواجدة بالخارج...غادرت بلاد المنفى... وعادت للخرطوم وشاركت فى الحكومة بمقدار ضئيل ومساهمة رمزية ليست ذات أثر...وظل توازن القوى لصالح الإخوان المسلمين حتى اليوم.
وهكذا، شدد الإخوان المسلمون قبضتهم على السودان، واكتسبوا نوعاً من الشرعية بوجود الأحزاب المعارضة فى كنفهم، مشاركة فى الحكومة وفى البرلمان بشكل أو بآخر، مما أغراهم بصياغة دستور دائم يضمن لهم الوجود السرمدي علي كراسي الحكم، وهو الدستور الإسلامي الذى سيشرعن دولة الخلافة ويقنن ولاية الأمير الذى كان قد فاز فى الانتخابات الرئاسية بأغلبية ساحقة (بغض النظر عن رأي الآخرين فى تلك الانتخابات التى لم تكن شفافة، كما شابتها جميع أنواع التزوير).
وبالطبع، لا يهم الإخوان كثيراً ما يحدث للوطن السوداني، فهم كغيرهم من الإخوان المسلمين ليسوا شعوبيين، ولهم رسالة إستراتيجية واحدة، تلك التى تصوّرها مؤسس الحركة حسن البنا، وهي إعادة الخلافة الإسلامية، وهي رسالة تمتد بالضرورة خارج الحدود، وقد يدخل فى إطارها المسلمون فى مالي ونيجيريا وتشاد، بالإضافة للصومال....كملحقات للخلافة الأم فى قاهرة المعز.
لا يهم الإخوان فى كثير أو قليل أن إتفاقية نيفاشا كانت وبالاً على السودان، فقد تم الانفصال قبل أن تحسم مسائل المشورة الشعبية التى نصت عليها الاتفاقية فيما يتعلق بمنطقة أبيي وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، ولم يتم ترسيم الحدود بين دولتي الشمال والجنوب...وهي حدود تمتد لألفي كيلومتر...يقطعها جيئة وذهاباً أعراب من البدو وجنوبيون رعاة لا يعرفون معنى الحدود الدولية...كما تم الانفصال قبل أن تحسم الأمور الخاصة بالنفط وأنابيب توصيله والرسوم والمستحقات لكلا الطرفين...وغير ذلك من المسائل الاقتصادية والحياتية التى تهم شعوب الشمال والجنوب، والتى ما زالت المفاوضات الخاصة بها تراوح مكانها منذ الانفصال قبل عام ونصف.
ولقد تم انفصال جنوب السودان دون أن يتم التوصل لحل خاص بمشكلة دارفور التى ظلت مستعرة منذ عام 2003...ومع أن الحكومة الأمريكية أبدت اهتماما بهذه المسألة فى أول الأمر...وزار الممثلون والشخصيات الأمريكية معسكرات النازحين الدارفوريين بتشاد وإفريقيا الوسطى...إلا أن الإعلام الأمريكي صرف النظر عن مسألة دارفور بالمرة...وذلك حتى لا يحدث أي تشويش بالنسبة للقضية الأخري الأكثر أهمية للإستراتيجية الدولية الأمريكية...وهي جنوب السودان...وظلت دارفور في مربعها الأول، بل ربما تآمرت المخابرات الأمريكية لإسكات صوت المعارضة الدارفورية...إذ يقال إن الطائرات الفرنسية المنطلقة من تشاد هي التى أودت بالدكتور خليل ابراهيم قائد حركة العدل والمساواة بأحد أصقاع دارفور...ومن المستبعد أن تقوم المخابرات الفرنسية والجيش الفرنسي بهذه الخطوة دون تنسيق مع الأمريكان...وهو التنسيق الذى شهدنا طرفاً منه فى الآونة الأخيرة عندما تدخل الجيش الفرنسي فى شمال مالي وطرد منها جماعة القاعدة المتشددين...بضوء أخضر ومؤازرة معلوماتية ولوجستية من المخابرات المركزية الأمريكية.
ولقد تداعت بعد الانفصال سلسلة من الحروب بين جيش الخرطوم وفروع الحركة الشعبية قطاع الشمال بمنطقة جنوب كردفان، حيث تقطن قبائل النوبة، ومنطقة جنوب النيل الأزرق موطن الإنقسنا والبرون وغيرها من القبائل الإفريقية التى تحلم بثمة حكم محلي فدرالي يبعدها عن هيمنة المركز الخرطومي العروبي الذى عرضها للتهميش الموروث من العهد الاستعماري ...والذى تسبب فى عدم مجاراتها للتقدم الاقتصادي الاجتماعي النسبي الذى شهده باقى الوطن، رغم تعثره وكبواته المستمرة.
هذه الأزمات المستعصية التى يعيشها بلد كالسودان هي بسبب التعنت والعناد الآيدلوجي الذي يتمسك به الإخوان المسلمون، وتراهم يرددون ما قاله محمد مرسي مؤخراً بأن تخلي الإخوان عن السلطة من رابع المستحيلات، ولسان حالهم يستذكر ما قاله عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لن أخلع لباساً ألبسنيه الله." وهكذا سيستمر الإخوان فى البطش بشعوبنا، خاصة وهم يجدون الضوء الأخضر من الحكومة الأمريكية (إلي حين إشعار آخر).
ولكن الخطورة الحقيقية تكمن فى أن مخطط الإخوان يستهدف المنطقة بأسرها، وكما عرفنا فى ندوة أبوظبي يوم 24 فبراير، فإن تنظيم الإخوان العالمي موجود الآن بدولة قطر، وهي التى تدعم تحركات المنظمات المتطرفة المشبوهة بمنطقة الخليج، وهي التى تقف وراء التمدد السلفي بشمال إفريقيا والصحراء الكبري، وهي التي تدعم النظام السوداني بسخاء شديد، وتعيد له توازنه كلما سدد له الشارع المعارض ضربات موجعات ....إذ تحقنه بهبات نقدية ضخمة تحافظ علي سعر عملته المحلية إزاء الدولار...وتساهم بالاستثمارات الهائلة التى جيّرت ملايين الأفدنة من الأراضى الزراعية لصالح حفنة من الرأسماليين القطريين...وهي التى توشك أن تشترى مصر بقضها وقضيضها....من قناة السويس حتي المناطق السياحية بالأهرامات والأقصر.
فما هو الحل، والحالة هذه؟
إن الشعوب لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تري بلدانها تباع فى المزاد العلني والخفي لحفنة من الرأسماليين المحليين المتحالفين مع الإمبريالية الأمريكية...فالولايات المتحدة نفسها ليست إلا نمر من ورق....و لا ننسى أبداً أن شعوباً ضئيلة الإمكانيات كالفيتنامي والكوبي مرغوا أنف الاستعمار الأمريكي فى التراب....أما الأباطرة المحليون...فهم كأباطرة الأمس الذين تهاووا كأنهم أعجاز نخل خاوية...مثل حسني مبارك وبن علي والقذافي...وستبقي الشعوب....
فقط علينا أن نرفع من درجات اليقظة والوعي...وأن نواصل فى رسالتنا التنويرية الخاصة بفضح تكتيكات واستراتيجية الإخوان المسلمين محلياً وإقليمياً ودولياً...وهذا ما لن نكف عنه حتي الرمق الأخير.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد! والسلام.
EL FADIL Mohamed Ali [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.