دعاني تناول السفير/كمال محمد عبدالله الراقي لموضوع ممارسة مهنة الطب في السودان إلي أن أُساهم بدلوي فهي مهنة تهم الجميع .لقد كان عرض السفير حادباً و فيه إخلاص شديد.و من هنا يجئ هذا المسعي للإرتقاء بمهنة الطب في البلاد. قبل أيام قرأت في موقع مستشفي السلام للقلب بسوبا و تديره منظمة طوعية إيطالية و تساهم فيه حكومتنا بمبلغ 4 مليون جنيه كما جاء في الأخبار! و عجبتُ لذلك ! حيث كنت أعمل في منظمة بريطانية تطوعية و قد إقترحتُ عليهم طلب مساهمات محلية و قد رفضوا ذلك ! إذ أن سياساتهم لا تجيز ذلك و ربما إتفاقيتهم مع الحكومة و علي كل السياسات هي المحك و هي التي توجه العمل و تسوقه للنجاح أو الفشل وفقاً لسلامتها و رجاحتها و في الحقيقة وفقاً لذكاء ومهنية و اضعي تلك السياسات و ما يتوفر لهم من مال و علم و دعم.و لنا أن نسأل عن وثيقة سياسات الصحة و الرعاية الطبية في السودان، أين هي؟ ما هي أهدافها و مقاصدها؟ وهل تم تبنيها و الإلتزام بها ؟ و هل رُصدت لها الأموال الكافية؟ وما هي نسبة تلك الأموال من الميزانية العامة للدولة؟ 10%---20% مثلاً أم هي أقل من ذلك كثيراً؟ ما هي علاقة سياسات الصحة و الرعاية الصحية ببقية السياسات ذات الصلة- التعليم الجامعي و فوق الجامعي ،الأبحاث و التدريب،و سياسات المؤسسات الرقابية و المهنية؟ الصحة العامة ،صحة اليئة و الدواء... و لنا أن نأمل في سياسات للصحة تتبني الآتي: 1- الوقاية- تجري الحكمة الشعبية "درهم وقاية أفضل من قنطار علاج" و يقول الفرنجة"غرزة في الوقت الصحيح توفر تسع غُرز" مما يُعزز من قيمة الوقاية لأهميتها في توفير المال.وهنا تجئ أهمية مع الوقاية من الأمراض المنقولة بالمياه و أهمية المحافظة علي البيئة و الغابات و لعل الكثير من الناس علي علم بما حدث في ولايات أميركا المتحدة جراء التوسع الأُفقي في الزراعة و ما ترتب علي ذلك من إنجراف للتربة و إنتشار الغبار.الوقاية من عناصر أي سياسات صحية رشيدة.الأدلة كثيرة علي آثار ذلك علي الصحة و يمكن الرجوع إلي مصادر المعلومات المختلفة. 2- إيلاء عناية بالرعاية الصحية الأولية و صحة الأمومة و الطفولة:يجب أن تُولي عناية خاصة –حيث يتم التطعيم في أوانه مع إهتمام بالحوامل و دعم النساء الفقيرات حتي يتم تفادي أمراض الطفولة و التي تؤُثر علي الأُسرة بكاملها- عنصر آخر من عناصر السياسات الصحية و قد تُعتبر في عداد أنشطة الوقاية. 3- الدواء و الصناعة: التركيز علي الأدوية الأساسية و المنقذة للحياة و لعلاج الأمراض السائدة بالبلاد و فقاً لجغرافيا الأمراض وهنا يمكن الإستعانة بنظم المعلومات الجغرافية لوضع نظام جغرافي للأمراض ومن ثم الأدوية تصنيعاً و شراءً و تخزيناً و كذا الموارد البشرية-حيث نتجنب إرسال أدوية للغدة الدرقية أو اللشمينيا إلي غير مواطنها أو أطباء مختصون لمواقع لا يجدون فيها عملاً.قامت الهند بعمل خريطة طبية منذ أكثر من عشرين عاماً كما جاء في حديث د. صلاح منديل- مدير المعلومات بهيئة الصحة العلمية بجنيف.و يقودنا هذا الأمر إلي: 4- ضرورة الإستفادة من التكنولوجيا الحديثة لخدمة الصحة:كما ذكرتُ في 3- يمكن اللجوء للمستجدات في العلوم و التكنولوجيا و الإستفادة منها- و قد يتطلب هذا النشاط إستحداث إدارة جديدة بوزارة الصحة للمعرفة و الإتصال حتي تُساهم في متابعة المستجدات في الصحة و الدواء و الإدارة . 5- الإدارة:تُولي الإدارة لخبراء مختصين في الإدارة الحديثة و مواكبين لعلومها و ملمين بلغة أجنبية واحدة علي الأقل.سياسة لا بُد من الأخذ بها إذا أردنا التجويد و التميز و من عجائب الإنقاذ وضعها لشباب أغرار لإدارة المستشفيات و هنالك قصص لأفعالهم –منها ما حدث في مستشفي إبن سيناء.في إعتقاد الحكومة أنها بالسيطرة علي الإدارة بكافة المرافق يمكنها السيطرة علي الأمن- فذهب الأمن و ضاعت المؤسسات.و علينا الإعتراف بذكاء الأطباء فهم الأميز و لا نحتاج لإثبات ذلك.و قد يكون من الأفضل تسليم الإدارة لكبار الأطباء مع تدريبهم في الإدارة. 6- يجب أن يكون دور المجلس الطبي إشرافياً و رقابياً و مساهماً في وضع السياسات و في التدريب و أن ينأي عن التعليم الطبي بتركه للجامعات .يمكنه أن يُساعد في التدريب بإرسال الأطباء لخارج البلاد و أن يخلق علاقات مع المؤسسات الأجنبية للإرتقاء بالعمل و إنشاء شراكات.كما يجب أن ينصرف مجلس التخصصات الطبية لإدارة المعرفة في مجاله و في إدخال التخصصات الجديدة و المعدات و البروتوكولات و أن يُقدم من المبادرات بما يرتقي بالمهنة.قبل أسابيع تم إدخال الإمتحان الإكلينيكي للطب الباطني بمستشفي سوبا و قد تم إعتماده كمركز للكلية الملكية البريطانية بمبادرة من طبيبات متميزات فشلن في الحصول علي التأشيرة لبريطانيا و عند زيارة وفد الكلية الملكية الأخيرة للبلاد للإشراف علي إمتحان الجراحة قمن بمقابلته و تم إقناعه بإنشاء مركز بالسودان و قد كان- و في خلال يوم واحد تم إغلاق التقديم و كانت نتيجة الإمتحان بنسبة نجاح 33% و هي الافضل بين المراكز العالمية بل أكبر من نسبة النجاح للتخصص المماثل بالسودان! والتي كانت حوالي 10%! وعلي إعلامنا البحث و التقصي في هذا الأمر و سيخرج بنتائج هامة ، منها:عائدات رسوم الإمتحان 10000جنيه للطبيب الواحد! و بعضهم جاءوا من دول أُخري! و هذه سياحة طبية و نحول الموضوع للوالي و لوزير السياحة و المالية. أعتقد و بقليل من التجرد يمكننا عبر سياسات الصحة تدريب عدد كبير من الأطباء في خارج البلاد ومساعدتهم في الحصول علي رُخص العمل في الدول الأجنبية إذا ما أردنا الإرتقاء بالعلاج و خدمات الصحة –بدلاً من الصرف علي التخصصات المحلية و التي تنقصها كثير من المقومات. يمكننا مثلاً أن نمنح كل طبيب يتحصل علي فرصة للتخصص خارج البلاد كافة التكاليف عند إبرازه للمستندات و الشهادات مع إلزامه بعقد للعمل لفترات مرنة –عامين ،ثلاثة أعوام و تسهيل السفر للمؤتمرات و ورش العمل و زيادة فترة العمل بحوافز أُخري:منزل،عربة و مزرعة..لعدد آخر من السنوات و الإنسان كما يقول إبن خلدون لا يحب أن يذهب جُهده هدراً. و أفعلوا بالمجلس الطبي ما فعلتموه بالطيران المدني! لا يمكن أن يمارس هذا المجلس الرقابة و التعليم – الآن يوجد من يحمل الزمالة البريطانية و يُطالب أن يدرس عامين للحصول علي التخصص المحلي! مما يعني تضارباً للمصالح. 7- السعي لجعل السودان مركزاً للخدمات العلاجية المتميزة للإقليم و دول الجوار و بلغة أهل السياحة"السياحة العلاجية" وهنا نُذكر بأن السياسات لا تنفصل عن السياسة العامة للحكم بالبلاد- نحتاج لكثير من الرشد و الكثير من الديمقراطية.حتي يكتمل التحرير الإقتصادي و الإنفتاح الكامل مما يوفر خدمات بنكية مهمة كالتحاويل السريعة و خدمات البطاقات الائتمانية مثل فيزا و أميريكان إكسبريس و قد تنجح بنوكنا في إصدار بطاقات مماثلة بالشراكات مع البنوك الأجنبية و هذا نشاط مهم في العلاج و التدريب و في التعليم الطبي- الآن لا يستطيع الطبيب تحويل مبلغ بسيط للإشتراك في مجلة إلا بصعوبة. 8- الطب البديل:مجال يمكن للسودان أن يُساهم فيه بنصيب كبير بثرائه الإثني و بما يتوافر من أعشاب و ممارسات شعبية علاجية. Ismail Adam Zain [[email protected]]